إكتئاب...إنتحار...و ماذا بعد؟!

12.7K 885 37
                                    


ركب خيله و الى جانبه صديقه ولوكي من الناحية الثانيه و صار الفرس يتحرك بهدوء و يختفي شيئاً فشيئاً.
في ذلك كنت ارى امامي مراهقاً طموحاً سيصبح قائداً عظيماً يوماً ما ،اما انا فعدت لحياتي الرتيبه ، ألا و هي مراقبة مزاج ابي. زاد العمل علينا على غير العاده في المعمل لا أعلم ان كان اخي يقوم بأغلب العمل في ما مضى او ان ابي راح يزيد الخناق علي !؟!
مرت علي الأسابيع الأولى رتيبه كئيبه، كنت أقضي أغلب يومي في المعمل، كنت أشعر بالملل و الوحدة، كنت كل سبت بعد الظهيره ، أجلس خلف المنزل أتأمل الغابه ، و لكن في ذلك الوقت لم اكن أفكر في مزاج أبي كعادتي . في ذلك الوقت كنت أفكر في أخي و كيفية قضاءه ليومه في الجبهة، لم يكن القتال عنيفاً بعد في الجبهة و لكن كنت قلقة ، لقد كنت أشعر كما لوانني شبح أهيم بلا هدف لا قيمة لي بالحياة ، سأحيا وحيدة و سأموت وحيدة ، سأبقى دراقون المتصابيه القبيحة إبنة الحداد المتوحش.
أخذني هذا التفكير المجنون إلى الكثير من الطرقات المظله التي راحت تجول في عقلي أظلم من الغابة السوداء نفسها، دخلت في صراع مجنون مع نفسي كنت لم أكمل عامي العاشر بعد، و لم يمضي على غياب أخي سوى ثلاث شهور و بالطبع لم يصلنا بعد شئ عن أحواله.
جاء ذلك اليوم الذي جعلني أتعلم درساً قاسياً كانت كالضربة على رأسي .كنت كما عادتي استيقظت مبكرة ، و رحت انظف المشغل ، و اجهز النار ، و بعدها رحت أعد الفطور حتى موعد استيقاظ ابي لأباشر عملي، كان يوماً ككل الأيام رتيب كئيب ، استيقظ ابي كعادته مغلف بصمته و حزنه الذي تغلب عليه مع رحيل اخي. تناولنا فطورنا في صمت رهيب و كأن الاول لا يرى الآخر كلن منا كان يعتبر الآخر ملغي من حياته.توجهنا للمشغل و شرعنا بعملنا كالمعتاد ، و بينما نحن مشغولون بالعمل ، سمعنا صراخاً من الخارج و بنظرة من ابي فهمت انني يجب أن اتفقد الأمر، خرجت و هناك رأيت ذلك الرجل ذو البنيه الهزيله و الهيئه القبيحة ، لقد كان زبونناً من قرية مجاورة جاء الأسبوع الماضي لنصنع له سكينة صغيرة ، و كنت أنا من توليت صنعها لأنها بالنسبة لأبي عملٌ تافه .
وقف الرجل هناك و هو شبه ثمل ،اشتممت رائحة الشراب تنبعث منه و راح يصرخ.
"أين صاحب هذا المشعل الفاشل؟!" صرخ الرجل و هو يترنح يمنة و يسرة
"عفواً سيدي ما عساها تكون المشكله ، دعني أساعدك"قلت بتهذيب
"أين صاحب المشغل شأكوكِ عنده ، سكينكم الفاشل لا يعمل"صرخ بعناد
أيقنت في تلك اللحظه انني في مشكلة عويصه، لقد كنت متأكدة بأن سكيني يعمل بشكل جيد، سأجرب السكين قبل أن أسلمها، و لكن كانت لهذه الرجل خطه من خلال هذه المسرحية التافهة. جاء أبي من خلفي و سأل الرجل عن ما خطبه.
رد الرجل بإصرار:"سيدي ان عاملتكم هذه تبيع بضاعة فاشله لم تتأكد بأن السكين يعمل بشكل جيد ،انه لا يستطيع أن يقطع الخشب"
نظرت للرجل بصدمة اي سكين هذا الذي يقطع الخشب لا أصدق هذا ، اشتعلت النار في صدري، غضبت بشدة ، من شدته شعرت كما لو أن دخاناً راح يتصاعد من رأسي . رمقني أبي بغضب، اخيراً وجد الغلطه التي سيعاقبني عليها لينفث عن حزنه و غضبه. في تلك اللحظه علمت بأنني هالكة لا محاله، اغلقت عيني و استسلمت للضرب الذي سأتلقاه، ابتدأ الأمر بصفعه، و بعدها ضرب شديد من ابي و تشجيع من الزبون الثمل ، و كأنهما اجتمعا اليوم ليفرغا غضبهما فيني ، بقيت هناك ملقاة على أرضية المعمل لا استطيع أن أتحرك من شدة الضرب.
اما ابي بعدما فرغ من ضربي ، راح يراضي الزبون المخادع و الذي طلب مقابلاً للسكين المهترئ، لقد كانت تلك خدعته سكينٌ صغيرة لن تكلفه شيئاً و لكن فأساً كبيره ستكلفه الكثير اما الآن فهو كسب سكين صغيرة بسعر بسيط و فأساً كبيرة من دون مقابل لإرضائه.
بقيت على ارضية المعمل الحاره لفترة طويله، اما ابي لم يهتم للأمر انما راح يكمل عمله كما لو ان شيئاً لم يكن، تحركت من مكاني بصعوبه ، و رحت امشي و انا اعرج، امشي كالشبح كالروح الهائمه، لقد بدى كل شئ في ذلك الوقت كما لو انه قد صبغ بالأبيض و الأسود ، حتى الأشجار ذات اللون الزاهي المرح. مشيت بلا شعور ناحية الغابه، كنت عارية القدمين ملابسي مهترئه ممزقه ، طال مشي في الغابه، لقد شعرت كما لو انني لا انتمي لهذا المكان ، لا انتمي لهذه الدنيا ، راح عقلي يرقص في السواد بفرح و راحت أشباحه المجنونه تشجعه . كل ما وجدته امامي بعد مشيي الطويل هذا بحيره تغلفت بالسواد كانت أشبه بالمستنقع.
جلست أمامها أحاول أن ابحث عن نفسي التي فقدتها، نظرت لإنعكاس صورتي على سطح الماء و تمنيت لو كنت مكان انعكاسي و انعكاسي كان مكاني، افكاري لم تتناسب مع سني الصغيرة. فكرت ماذا لو هربت و لكن أين أذهب؟ ، و ماذا لو عاد اخي إليوس و لم يجدني؟ بالتأكد سيحزن . ربما لو عدت للبيت اضربت عن العمل ربما سيشعر ابي بقيمتي و لكن لا ذلك سيعرضني لضرب اكبر، لقد كانت الحياة في تلك اللحظه تافهة في نظري صغيرة ضئيله لا أتناسب معها. و تذكرت هناك مكان أذهب إليه لن يفتقدني فيه أخي ، قررت أن أهرب إلى حيث انعكاسي في البحيرة، أخي سيفتقدني في البداية و لكنه سيتأقلم فيما بعد، فهو سيعلم بإستحالة عودتي.
كيف يبدو الموت؟! هذا ما فكرت فيه ، هل هو أسود كما ارى كل شئ الآن ، هل هو مؤلم؟! هل اذا مت سيفتقدني أحد غير اخي!؟ ربما سيفتقدوني أطفال القرية على الأقل فلقد كنت تسليتهم كلما شعروا بالملل.اما ابي اعتقد بأنه سيفرح سيرقص و سيغني، متأكدةٌ بأنه سيوزع الطعام المجاني على كل أهل القرية في يوم جنازتي.
و أخيراً رحت أرمق إنعكاسي ، كان كما لو انه يناديني، تعالي و سآخذ مكانكِ على هيئة شبح، هذا ما كنت أشعر بأن إنعكاسي تخبرني به.
رحت ألمس صفحة الماء البارد، أنزلت قدمي للماء، و بعدها كل جسمي،ورحت أمشي حتى منتصف البحيرة هناك حيث يكون الماء أعمق، استنشقت الهواء ،رحت ألقي نظرتي الأخيرة للحياة، وصلت للجزء العميق، لم أكن أجيد السباحة، و الآن لا أشعر بالندم ، كل ما اريده هو الخلاص. لم أكن أقاوم الماء بل رحت أغرق بهدوء ، شعرت بالإختناق ذلك الشعور الكريه، السواد أحاط بي من كل جانب، لا أعلم كم مضى من الوقت.
و لكن !
شعرت و كأن هناك من سحبني للأعلى ، هناك من حملني و أعادني إلى المكان الذي اتخذت فيه قرار الموت، لم أكن واعيتاً تماماً و لكن كنت متأكدة بأنه شخص ما ،لم أستطع أن أرى وجهه ، أجل هذا هو أخي إليوس.
"إلــ.....يـ...وس" قلتها ببتعب و بعدها غططت بنوم عميق ، يبدو أن هذه الدنيا لم تكن بتلك البشاعه لقد تمسكت فيني حتى آخر لحظه، أما تلك البحيرة المخادعه فلقد قذفت بي لم تتحمل وجودي معها.
استيقظت و انا لا أعلم كم من الزمن قد مضى، لقد كنت مبتله تماماً بجانب البحيرة، لم يكن إيليوس موجود! ، لا اعلم كيف نجوت!؟ فأنا متأكدة بأنني لا أجيد السباحة.كان الأمر أشبه بالحلم، كنت سأكذب الأمر لولا ملابسي المبلله،و لمسة اليد تلك لا زلت أشعر بها ، او ربما البحيرة الخائنه رثب بحالي فقذفتني لخارجها . لم أعلم من أنقذ حياتي!!!!!؟؟؟؟؟ ، بقي ذلك الجزء كالحلم الغامض في حياتي لفتره طويله.
بقيت هناك مستلقيه أفكر ربما كنت مخطئه لم أكن يجب أن اصل لتلك المرحلة ، لن أسمح لأبي أو لغيره بأن يتحكموا بحياتي، عزمت على أمر جديد كان بمثابة أمل جديد.

النار التي لا تنطفئحيث تعيش القصص. اكتشف الآن