تعلمت درساً مهماً ذلك اليوم درساً و لكن كنت لا أزال وحيدة! لا أعرف ما العمل و أين سأبقى، فلن أبقى للأبد أقتات من ثمار الغابة .
و لذلك قررت ان أخيراً أن أعيد التفكير و أضع حزني جانباً لوقت قصير لأعيد اتخاذ قراراتي. و لذلك عدت للمكان الذي فيه البئر لأتناول شيئاً أولاً و اشرب بعض الماء.
إستلقيت على العشب بجانب البئر، كان الغروب قد حل فاختطلت الألوان النارية ببعضها البعض،كان الجو بارد جداً فقد كنا على أبواب الشتاء، أجل سأبلغ عامي السابع عشر قريباً، عامي السابع عشر الذي ظننت أنني سأعيشه وحيدتاً حزينة، كنت أفكر أين امضي؟! هل أذهب إلى لوكي كما خططت في البداية؟! أم أعود لقريتي و أعيش بهدوء هناك؟! و لكني مطلوبة فجنود الملك يبحثون عني و حركة حقوق الشعب يرغبون بموتي المتناقضان و اللذان اتفقا علي. كنت في تلك اللحظة لا أريد أن انتقم او حتى ان اموت كنت اريد ان اعيش بسلام و هدوء. كان قراري الأخير ان ابحث لي عن مأوى في أحد المدن، فالمدن كبيرة و لن يعرفني أحدٌ هناك. تمعنت جيداً في أصوات الطبيعة، صوت خشخشة الأشجار حينما تضربها الرياح و صوت خطوات السناجب على الأشجار و تغريد الطيور التي كانت تعود لأعشاشها، و علت تلك الأصوات أغلقت عيني و نمت.
استيقظت صباحاً و دخلت للقرية القريبة فوجدت مجموعة من النساء جالسات يتبادلن أطراف الحديث بالقرب من احدى المنازل الصغيرة، اقتربت منهم بهدوء.
"عفواً" قلت بهدوء
وجدت نظرات اشمئزاز و انزعاج تعلو نظراتهم
"ابتعدي من هنا أيتها الشخاذة الصغيرة؟!" قالت احداهن بغضب
نظرت لهم بإستغراب،و لكني له أهتم كثيراً
"عفواً و لكني لست هنا لطلب المال كنت سأسأل عن أقرب مدينة من هنا" قلت بإبتسامة
وجدت نظراتهم تتحول للريبة
"ماذا!؟ من تكونين يا فتاة؟! وضعكِ مريب ؟!" قالت السيدة
"اتركيها سيدة فاو، على ما يبدوا انها احدى الفتيات السئات السمعه"قالت اخرى
وجدت الثالثة تضحك و تقول:"ماذا هل رماكِ سيدكِ بعدما انتهى منكِ دون ان يدفع اجرتكِ؟!"
ماذا اجرتي ؟! لقد بدى ان هؤلاء السيدات يظن أنني فتاة سيئة، لقد آلمني الأمر كثيراً، فأنا لا أعرف كيف ابدو لم استحم و لم أغير ملابسي منذ فترة، ملابسي ممزقة على الأغلب، كنت جائعة و خائرة القوى .
"كل ما سألت عنه هو أقرب مدينة" قلت بغضب
" انصرفي من هنا أيتها الصعلوكة الصغيرة"
ابتعدت عنهم بغضب و أنا أشعر بالذل و الإهانة، وجدت في طريقي سيدة شابة ترضع صغيرها فإقتربت منها.
وجدتها تنظر إلي بصدمة
"يا السماء ما الذي حل لكِ أيتها الصغيرة المسكينه" قالت بصدمة
"سيدتي هل تدليني على أقرب مدينة من هنا!؟" قلت بحذر
"أجل و لكن أولاً دعيني أساعدكِ لتغيير ملابسكِ"
"لا بأس" قلت بإستحياء
"لن أدلكِ على المدينة ان لم تأتي معي لتستحمي و تغيري ملابسكِ على الأرجح أنكِ جائعة أيضاً"
خنقتني الغبرة و كدت ابكي امام لطف هذه السيدة و عطفها ، فقد كانت النقيض لمجموعة السيدات السابقات، و كنت فعلاً بحاجة لمساعدتها و لم أستطع ان ارفض هذا العرض.
دخلت لمنزل السيدة المتواضع، سمحت لي بالإستحمام و أعطتني أحد ثيابها، كان ثوباً ارجواني فاتح طويل بأكمام طويلة. ارتديته و و ذهبت اليها وجدتها كانت قد جهزت لي طبق حساء ساخن
"اجلسي يا صغيرة" قالت بلطف و اكملت" لم يكن لدي طعام لحصانكِ اعطيته بعض الماء و الجزر"
"اشكركِ سيدتي، لا أعرف لماذا تساعدين فتاة بائسة مثلي حتى دون أن تعرفيني؟!"
" لقد كنت في موقف مشابه منذ وقت طويل، ساعدتني سيدة لطيفة حتى دون تسأل عن اسمي و لذلك قررت ان اساعد كل مسافر محتاج" قالت بهدوء
"حقاً؟!"
تناولت حسائي دون ان انطق بكلمة و انا انظر للسيدة و هي تداعب صغيرها، كنت متعجبة من الخير الكبير الموجود في قلوب البعض، فهي وثقت بي و ادخلتني بيتها دون ان تسأل من أكون و ما هي نواياي.
كانت قد دلتني على طريق المدينة، دون ان تسأل ما هو اسمي او حتى ما قصتي!
اكملت طريقي و انا اشعر بالراحة، و كأنني انسانة جديدة كانت المدينة قريبة مسافة ثلاث ساعات، وبسرعة بيتركنت أعلم انني سأصل قريباً.
كنت كعادتي سأترك الأمر للقدر في المدينة المهم ان اصل عناك بسلام، فقد كنت وحيدة لا أهل لي في هذا العالم الواسع. و اخيراً وصلت للمدينة، كانت كسابقتها سوداء مليئةٌ باليأس حزينة، هذه المرة لم أصدم فقد اعتادت عيناي اليأس و الكآبة اساساً اخترت ان ابحث عن الحداديين كوني ابنة حداد كنت اعلم اني استطيع مساعدتهم، فرحت اجول في المدينة و انا انظر حولي اتمعن في الوجوه لا أحد يهتم بأحد، كل شخص يريد ان ينتهي هذا اليوم بسلام فقط، هل هذه حياة نريدها كل يوم كاليوم الذي يسبقه لا أحد سعيد و بالكاد يبتسم الفرد!؟كنت اتصارع مع ذاتي بأفكاري البطولية تلك التي تبحث عن عالم مثالي، لا اريد ان اغير شئ اريد ان اعيش مثلهم بهدوء ان يمضي اليوم كسابقه بهدوء و بسلام لا يهم ان نكون سعداء و لكن ان نكون بأمان هذا هو المهم و ان نكون بأمان يعني نستسلم للبؤساء الأقوياء و نبيع كرامتنا و ننذل لهم اسوأ اذلال.
و لحسن حظي و انا اسير وجدت معمل حدادة وحيد آخر الشارع ، وقت امامه فأعاد صوت الطرق و رائحة الحرق و الحرارة المنبعثة من الفرن الحنين إلي، حينما كنت اعيش مع ابيبهدوء في القرية لم يكن ينقصنا سوى وجود ايليوس بقربنا، لو كان ايليوس قد عاد الينا بعائلته الصغيرة الجديدة كان هذا سيكون مثالي و لكن! و لكن! الآن هذا هو الواقع و يجب ان اتعايش معه اجل!
"مرحباً" ناديت على الذين يعملون بالداخل
كان هناك رجلان احدهما كبيراً بالسن و الآخر بدى شاباً خمنت انه قد يكون ابنه.
"مرحباً"صرخت مرة أخرى
"من ينادي؟!"اجاب الرجل الأكبر
"عفواً سيدي، ارغب بالعمل معكم" قلت بجدية
وجدت الرجل ينظر الي بتعجب و عدم تصديق
"ايها الشاب تعال ارشد الآنسة إلى محل بيع القماش يبدو انها اضاعت طريقها" قال الرجل بتهكم
"انا جادة يا سيدي" قلت بإندفاع
"اخرجي من هنا و لا تضيعي وقتي و الا ناديت الجنود ليأخذوكِ بعيداً" قال بغضب
خفت كثيراً حينما قال جنود فأنا لا زلت مطلوبة خرجت بإستسلام و رحت اتجول في المدينة بإحباط ، كان كل شئ في هذه المدينة محبط و حزين و يبعث على الكآبة حتى الجو.
رحت أفكر هل يجب أن أذهب لمحل القماش ام ابحث عن مشغل حدادة آخر، و لكن كوني فتاة لن يأخذني أحدٌ على محمل الجد.
قررت ان اجد اي عمل فقط احتاج لكسب المال حالياً، كنت سأبحث عن محال القماش قد يسمحوون لي بالعمل.
"أين هو أقرب محل قماش يا سيدي؟!" سألت الرجل الذي وقف خارج محله ينتظر الزبائن ليدخلوا محله المتواضع.
"ان اخذتي تلك الزاوية اذهبي يميناً ستجدين محلاً للقماش" قال الرجل بملل
عزمت على ايجاد عمل لي في محل الأقمشة، و أنا في طريقي اصطدمت بأحدهم ،
"آسفه" قلت و أنا أرفع رأسي، و لصدمتي كان الكروتلاندي بلاكسون.
"أنت!؟"قلت بصدمة
"أنتِ!؟"وجدته يرد في نفس الوقت
كانت تلك الصدفة التي لم اضعها في الحسبان ابداً، لماذا عقلي لم يعمل بشكل جيد سابقاً؟!
منذ أن رأيته داعبتني أفكار جديدة الكروتلانديين هم حزب ثالث لا هم مع الملك و لا هم مع حركة حقوق الشعب، هم لوحدهم يريدون ان تكون لهم حقوق مستقلة.
"من العجيب ان اراكِ لا زلتِ على قيد الحياة!" قال بتعجب
"مع الأسف ان الموت يشعر بالملل مني حالياً و لا يريد اخذي بعد" قلت بسخرية
"ألم أحذركِ سابقاً و لكن انت برأسك الصلب رفضتي ان تستمعي الي، اخبرتكِ ان خيانة ستحدث" قال بإنزعاج
كنت اقر بأنه كان على حق و لكني لم أكن اثق بنواياه كنت حتى لا أثق بنفسي.و لكني لم اكن اريد ان اعترف بأنه محق لو اعترفت اعلم انه سيذلني.
و أكمل بتهكم:"هل ما زلتي مع حركة حقوق الشعب!؟يجب ان تتركيهم قريباً"
"لا تتدخل في ما لا يعنيك" قلت بإنزعاج و لكن توقفت عندي لدقيقة تلك الأفكار التي تتعلق بالكروتلانديين كانت تناديني، فالكروتلانديين مجتمع منغلق استطيع ان اعيش هناك بهدوء ، هم ليسوا مع احد او ضد احد كل ما يريدونه هو ان يضمنوا حقوقهم او يحصلوا على الإستقلال على الأقل، قلت بحذر:" ان كنت مهتم جداً اذاً ساعدني"
نظر إلي بعينيه الزرقاوتان الغريبتان وبإستغراب أجاب:"ماذا تقصدين؟؟"
"أريد أن أنضم للكروتلانديين" قلت بحماس
وجدته يرمقني للحظات و بعدها راح يغرق في ضحك عميق، اهانتني ضحكاته تلك.
"لست امزح" قلت بغضب
"حسناً حسناً، يجب ان تعرفي اننا بالكاد نتقبل ابناء جلدتنا و وجود دخلية مثلكِ بشعركِ الأحمر بين الكروتلانديين يعد إهانة" قال بثقه
"ان حديثي ليس معك، فأنت لست الشخص الذي بيده القرار" قلت بغضب و اكملت:" فقط دلني على ارضكم و انا سأتصرف" قلت بثقة
وجدته يعاود الضحك حتى شعرت انه سينفجر من كثر الضحك
"و هل أنا أحمق لأدلكِ على أرضنا و من الأساس الطريق صعبة و حصانكِ سيصعب عليه عبور الجبال، ابعدي تلك الفكرة من عقلكِ ، انصحكِ ان تعودي لقريتكِ و تعيشي هناك بسلام"
"هذا مسستحيل ان الجنود يبحثون عني" قلت بهدوء
وجدته ينظر الي بإستغراب، كنت انتظره ان يطلق ضحكاته المهينه و لكن محل ملامحه التي تحمل الكثير من التهكم وجدت نظرات شفقة، لا أحب نظرات الشفقة و لا سيما من شخص متعاليٍ مثله.
"لا تشفق علي" صرخت فيه و انا اغلق عيني بغضب
"بلاك هيا بنا لنتحرك"
كان ذلك صوت الكروتلاندي الآخر الأكبر عمراً، بسرعة ركضت اليه و قلت بحماس
"اود ان انظم اليكم"
كان هذا الشخص يمتلك ملامح جامدة تماماً لا وداعة فيها، و لكن في لحظة وجدت ملامحة تتبدل ، راح يغرق في ضحك عميق هو الآخر.
لا أصدق جعلت الحجر يضحك بأفكاري الغبية! و لمن لا يهم المهم ان الآن ان استقر لبعض الوقت و استقراري في يد الكروتلانديين.
"اخبرتها يا عم كالدويل و لكنها لم تستمع الي" قال و هو يطلق ابتسامة جانبية ساخرة.
كنت جادة تماماً بينما وجدتهم يسخروون مني و لكن هذه المرة قررت ان اصمت فقد لمعت في رأسي فكرة اخرى .
"حسناً شكراً لكم على كل حال" قلت و انا ابتعد بسرعة
اختبأت خلف اقرب زقاق و رأيتهم يبتعدون، امسكت بلجام بيتر و رحت اتبعهم بهدوء وجدتهم يدخلون الغابة، فتبعتهم، كنت اختبئ خلف الشجيرات و لكني وجدت صعوبة باللحاق بهم و بيتر معي، فقلت له بحزن:" ابقى هنا يا صاح يأعود إليك قريباً"
لم اكن اتخلى عنه فهو حصاني الأثير و آخر من تبقى ممن يعزون علي. كنت انوي العودة اليه بعدما احقق مرادي.
فوجدته يقف بطاعة، و من هنا سهلت حركتي، بالطبع لم يكن الطريق سهلاً لا سيما حينما بدآ يتسلقان الجبال كان صعباً جداً علي، و لكني ناضلت كان الطريق عبارة عن ١٥ ساعه دون توقف دون طعامٍ او شراب، كانت أجسادهم قوية وتحتمل المشقة كنت اتعجب من قوة احتمالهما فلم يبد عليهم التعب و لكن جسدي الضئيل كان قد بلغه التعب تماماً.
و لكني تحاملت على نفسي و انا اشعر بالحزن لأن بيتر ليس معي.
و اخيراً وجدتهم يقفون امام بوابة خشبية و اسوارٌ عالية كان هناك برجان للمراقبة، وقف في كل واحد منهما جنديان، ارتفع علم الكروتلانديين بكل شموخ، كان علمهم غريب لم أفهم مغزاه.بقيت مختبئة خلف احدى الصخور العملاقة، وجدت الحارس الذي على الباب ينحني لهما بإحترام و يفسح لهما المجال للدخول، كنت انتظر دخولهما لألحق بهما ، كانت هدفي واضحاً، بعدما دخلا ، قفزت بحماس امام الحارسيين اللذين وقفا يحرسان البوابة.
"أريد ان انظم للكروتلانديين ، اسمح لي بمقابلة سيدك" قلت بحماس و جدية
------------------------------
ما هو القادم يا ترى!؟
توقعاتكم اصدقائي، و اتمنى لكم قراءة ممتعة.
أنت تقرأ
النار التي لا تنطفئ
Historical Fictionاللحظات الحلوة تمضي سريعاً ، و هذا درس قاسي تعلمته من الماضي ، ماضيي لم يكن الأفضل ، و لكني كنت احمل الأمل دائماً كالعقد في عنقي ، كان لي أخ كان هو كل عائلتي ، اصبح لي مستقبل و لكن لا احب ان اتحدث عن مستقبلي من دون ان اذكر ماضيي . #مسابقة_أفضل_كاتب_...