استأذنت من السيد رولف و خرجت و أنا أشعر بالتفاؤل و قررت أن أباشر عملي على الفور في المطبخ فأنا أريد أن أكون ذات فائده .
و على الفور قدمت إلى الأعمال ، فبت أجري هنا و هناك ، لقد كانت اعمالاً بسيطه ، فلقد كنت أغسل بعض الأطباق و أقشر بعض الخضار.
و لكني في آخر اليوم عدت لغرفتي مجهده، فالتفكير اتعبني اكثر من العمل نفسه، و لكن مع اتخاذي لقراري الجديد اشعرني براحة فضيعه، و كان كل ما اتوق اليه في آخر اليوم هو لقاء اخي او حتى سماع خبر منه، فهذا الأمر سيعيد الإستقرار لحياتي المبعثره.
قررت أن أعيد قراءة الكتاب ، فتحت الصفحات و رحت اقرأ و كأنني اقرأ هذا الكتاب للمرة الأولى.
استيقظت صباحاً و وجدت في يدي الكتاب، و سريعاً غيرت ثيابي و نزلت للأسفل لأباشر العمل، و كانت في انتظاري في هذا اليوم أعمالٌ جديده ، كنت قد قررت ان اتجه هذه المره لأعمال الغسيل، لقد كان الغسيل ممتعاً فالنساء رحن تغنين أغاني شعبيه و هن تغسلن الثياب، لم اكن احفظ الكثير من هذه الأغاني و لكني رحت اجاريهن ، فوجدت نفسي و بشكل لا شعوري اغني هذه الأغنيات.
"صغاري سيحرثون الأرض اليوم، و سيحصدون الزرع في الغد.صغاري سيبنون البيت اليوم و سيسكنونه غداً ، صغاري سيحاربون اليوم و سيعودون منتصرين أبداً"
كانت كلمات هذه الأغاني تحمل تلك النزعة الوطنيه و ذلك الإنتماء المنعش للوطن، ذلك الإنتماء الذي لم أشعر به يوماً، و منذ تلك اللحظه بات انتمائي لهذه الأرض ينمو شعرت بأنها تستحق الأفضل فهي حملتنا ، و الصغار اي الفاتحيين الذين مروا في غابر الزمان من قريتي من التل العريق لا يجب ان يذهب تعبهم سدى .
فهنا أنا لست وحدي فمن ماذا اخشى ؟!سيقف المئات خلفي أو بالأحرى سأقف خلفهم.
مضى ذلك اليوم و انا اشعر بالراحة ، عدت لغرفتي، و عدت لقراءة كتابي، فلقد كان مزاجي جيداً لدرجة ان سوداوية ذلك الكتاب لم تؤثر فيني، بل اعتبرت ان ذلك الرجل أحمق كيف انه سمح للحزن بأكله حياً.
مرت الأيام و انا أباشر أعمالي بكل نشاط و همه ، لم أكن أخالط أحداً ، فلقد كنت لا أحب مخالطة الموجودين كثيراً، كانت مسألة الثقة لا تزال مشكله بالنسبة لي، كنت لا أتحدث إلا مع ماريام في بعض الأحيان فلقد كانت اجتماعية جداً و مرحة كانت تتحدث كثيراً و تحكي الكثير من القصص و التي تبالغ في طرحها لدرجة أنها تصبح غيرقابلة للتصديق. و كانت هناك آنيتا و التي على ما يبدو انها لا تستلطفني كثيراً فلقد كانت دائماً ترمقني بغرور و كنت أعلم بأنها تتحدث عني من خلفي و لكني لم اكن اهتم لترهات الفتيات ، فلقد كان عقلي مشغولاً بأخي، يا ترى ما هي أحواله؟! هل يأكل جيداً ؟! هل يشعر بالدفئ!؟ كنت اتمنى ان لا يكون مصاباً بالجراح .
لم أكن أجيد العمل في المطبخ كثيراً مع انني كنت اطهوا دائماً لأبي، فلقد حاولت في فترة أن اجرب معه وصفات طعام و ان اضيف اليها النكهات، و لكن على ما يبدو بأن طعمها كان بشعاً لدرجة انه لم يعترض، او ربما كان قد اعتاد على طعمها كما فعلت أنا. و لكني كنت استمتع بغسيل الثياب، كنت اجيد التنظيف فمن ذا الذي لا يجيد التنظيف فتنظيف الغرف لم يكن امراً صعباً فلقد كان الرجال بالكاد يستخدمونها ، و لكن تنظيف غرفة الطعام كان الأصعب ، غسيل الأطباق لم يكن المفضل لدي و لكنه يبقى أفضل من أعمال المطبخ ، اما الخياطه بالرغم من انني اجيدها الا انني حاولت ان اتحاشاها بالقدر المستاط.
دارت حياتي في المكان على هذه الوتيرة البطيئة ، بالرغم من ذلك كنت أحب وحدتي، و في ذلك الوقت كنت قد انتهيت من ذلك الكتاب ، و بعد الفراغ منه شعرت بأنه اتفه كتاب وقعت عيناي عليه فلقد أعطى هذا الشخص الحق لنفسه لصنع الشر متعللاً بأحزانه.
جاء ذلك الصباح و الذي طلب منا فيه ان ننظف المكتبه، فلقد اعترض كبير الباحثيين على الغبار الذي ملأ الكتب، فذهبت أنا و فتاتان اخريتان للتنظيف.
و بدأنا بإخراج الكتب و مسح الغبار ، المكان كان مليئاً بالأوراق البعثرة و الخرائط الغير المكتمله لم يكن الغبار هو المشكله فقط ، فبدأت بلملمة تلك الأوراق، و هناك رأيت خريطه من الخرائط و رحت اتأملها بإستغراب ، فلقد كانت هناك خطه محتمله و لكنها وقفت لوجود نهر أغلق الطريق لم يكن ذلك النهر ساكناً على ما يبدواي يصعب العبور منه على الأقدام.
و لم أشعر بوجود أحد خلفي إلا حينما وجدت الفتاتان توقفتا عن العمل و رحن يحيين الشخص بإحترام و إلتفت خلفي رأيت رجلاً كهلاً يرتدي ملابس الباحثيين و لكنه تميز عنهم بقبعة كبيرة راح يعتمرها كان طويلاً و ضعيفاً كعصاة الراعي.
كان اصلعاً ذو لحية بيضاء طويلة ، و وجه ضعيف امتلأ بفعل الزمن بالكثير من التجاعيد، كان يحمل في عينيه الخضرواتين اللتين خفت لونهما بفعل الزمن الكثير من الدهاء و الحكمه ، كان وجهه يحمل الكثير من الحكمة ،و بدا و كأن عمره مئة عام أو أكثر.
وقفت بسرعه و رحت أحيه بإحترام. و هممنا بإكمال العمل و هنا تكلم و قال:"انت هناك!"
سألت احدى الفتيات:"أنا يا سيد فاراقوس؟!"
"لا أتكلم عن ذات الشعر الأحمر" قال بهدوء
"أنا؟!"سألت بإستفهام و أكملت "كيف أستطيع أن أخدمك يا سيدي؟!"
"هذا الخريطة التي في يديك قبل قليل ، ما رأيكِ بها"قال و هو ينظر مباشرةً في عيني.
نظرت للخريطه ولكن خفت من أن اتطفل و ابدي رأيي فلقد كنت مجرد فتاة صغيرة قبيحة من دون أية موهبه ما دخلي في عمل الكبار!؟
"تحدثي يا صغيرة فهنا لا يمنع الكلام ، فالصغار قد يكونون ذوي حكمة أكثر من الكبار" قال بإبتسامه.
رحت ألقي نظرة للخريطة مجدداً،وقفت و وضعت الخريطه على الطاولة .
"يا سيدي اظن ان هذا النهر يسد الطريق هنا، فنحن ان كنا في الجانب الشرقي حسبما اظن اي في مقاطعة فاوا الشرقيةو هم في الجانب الآخر في فاوا الغربيه. النهر يغطي الطريق، لو كان النهر سهل العبور لما أهملت هذه الخريطه فجنودنا من الفلاحين و القرويين المتطوعين و ليسوا أشداء لدرجة عبور النهر على الأقدام ، وحتى جنود الملك هذا يجعل الأمر مستحيلاً، و يبدو أن العبور من حول النهر هو الحل الأخير و لكني أظن بإن هناك حل آخر"
"حل آخر؟!"
ظننت بأنني تحدثت كثيراً و بلا داعي و لذلك قررت أن اتراجع
"لا لا بأس هذا كل شئ" قلت بتردد
"اكملي"قال بإبتسامه و هو يحثني على الكلام.
"حسناً قرأت في كتاب ما عن تقنية حسناً هي أقرب للخيال و لكن يقال انه كان يستخدمها الأوليون من قبائل التلك، و هي عبارةعن ربط حجر كبير أسفل ألواحٌ خشبيه للعبور ، و لكن يستطيع أن يعبر شخص بمؤونه بسيطه من هذه الألواح من المستحيل عبور الأحصنة بمؤوناتها الكبيرة و كما ان هذا التقنية ستحتاج خفه في الحركة حسبما أعتقد"
راح الرجل ينظر إلي بتعجب و كان يفكر و هو ينظر الي و قال:" من أين تعلمتي كل ذلك يا صغيرة!؟"
"الكتب الوحيدة الموجودة في بيتنا" قلت بهدوء
"يا فتاة اتركي الممسحه و تعالي معي"قال بحماس لا يتناسب مع عمره الكبير.
كان يمشي بشكل سريع و بخطوات كبيرة و انا اتبعه ، حتى وصلنا لمكتب السيد رولف.
طرق الباب عدة مرات و انتظر الرد و دخل بهدوء فلقد عاد لهدوءه المعتاد.
"ما الأمر يا كبير الباحثيين ما سبب زيارتك المفاجئه؟!" قال السيد رولف
"لقد وجدت الطالب الذي أريد ان ادربه "قال بهدوء و هو يجلس على الكرسي الذي أمامه.
رفع السيد رولف رأسي و رآني أقف بخوف و توتر في آخر الغرفه
"ماذا الآنسة مارسي؟. و لكنها فتاة" قال بصدمه
"فتاة اذكى من اغلب الباحثيين هنا"قال بهدوء
"ستحتاج لركوب الخيل و حمل السيف و ارتداء ملابس الرجال" قال بقلق
"لا تقلق بهذا الشأن تتعلم ، يا صغيرة، هل تجيدين ركوب الخيل و استعمال السيف؟"
نظرت إليهم بإستغراب، حسناً قد اكون فتاة مختلفه قليلاً فلقد اعتدت ان ارتدي ملابس الصبيان و كما انني اعتدت العيش بين السيوف ، و مؤخراً تعلمت القليل من ركوب الخيل.
"في الحقيقه أبي كان حداداً و جندياً سابقاً في الجيش الملكي عشت كل حياتي بين السيوف " قلت بتردد
"لا تترددي يا صغيرتي ما دمتِ تعرفين القيام بالأمر قوليه و بصوتً عالي" قال السيد فاراقوس
"لقد تعلمت استخدام السيف لم تكن مده طويله و لكنني أجيد بعضاً منه، كما انني اجيد القليل من ركوب الخيل ، لقد تعلمت القليل في طريقي لهنا"قلت بتوتر
"كما انها تمتلك موهبة كبيرة في قراءة الخرائط و تقنيات الحرب والخطط لحربيه" قال السيد فاراقوس باهتمام شديد
"قرأت بعض الكتب في الماضي"أجبت بسرعه
"حقاً" قال السيد رولف "ان كنت تصر يا فراقوس و لكن يجب أن تكون الفتاة موافقة"
"ستوافق قريباً "قال السيد فاراقوس
لقد كان واثقاً من جملته الأخيرة تماماً ، لا أعرف ما تلك الثقه ؟و لكن فعلاً دار الأمر في عقلي و وجدت نفسي انسب في تلك الأعمال من أعمال النساء تلك و لكن! هذا يعني انني سأودع الإستقرار الذي حلمت به، كان كل ما يهمني هو مقابلة أخي ، و لذلك لماذا لا أعمل بعمل يعجبني و لأشعر فيه انني احدث فرقاً و انتظر عودة أخي من مهمته تلك .
أنت تقرأ
النار التي لا تنطفئ
Narrativa Storicaاللحظات الحلوة تمضي سريعاً ، و هذا درس قاسي تعلمته من الماضي ، ماضيي لم يكن الأفضل ، و لكني كنت احمل الأمل دائماً كالعقد في عنقي ، كان لي أخ كان هو كل عائلتي ، اصبح لي مستقبل و لكن لا احب ان اتحدث عن مستقبلي من دون ان اذكر ماضيي . #مسابقة_أفضل_كاتب_...