النار التي لا تنطفئ

كتاب اسمه السعاده

مرحباً
اعلم انه قد لا يكون هذا افضل فصل و تركيزه انصب على الكتاب و لكن هذا الحدث سيكون سبب تغيير فيما بعد ترقبوا الاحداث القادمه.
.....................
لقد كان من الجرأة مني بأن احادث كروتلاندي بهذه الصوره ، و لكن هذا الشخص افقدني اعصابي.
و من البعيد رأيت ابي يخرج من احدى الورش هرعت ناحيته، وجدته متضايقاً، فهمت بأن رحلته لم تكن موفقه كثيراً، و لكن في نهاية الأمر حملنا معنا بعض الفحم و بعض النحاس و اختار ابي مجموعة من الأحجار الثمينه لتزيين مقبض السيوف.
لم تكن فترة بقائنا طويله فلقد اوينا الى احدى الحانات لتناول وجبة العشاء، و قد كان الطعام ردئ الصنع و لكنه يبقى طعاماً في النهايه.
و سريعاً استعدينا لرحلة العودة، و كم كانت سعادتي كبيرة للعودة لقريتي، فلقد كانت قريتي الكئيبه و رتابة الحياة فيها و الملل جنه بالمقارنة بقذارة هذه المدينه.
مررنا بنفس الطريق الذي جئنا منه ، و في طريقنا للقرية امسكت بالكتاب و شرعت أقرأ فيه.
"كتاب اسمه السعاده"
"و اخيراً و بعد صراع سنتان وافق السيد بارب ان اتزوج من حب حياتي جوليا"
كانت تلك مقدمة الكتاب لقد توقعت و انا اقرأ الكتاب بأنه سيكون حكاية حياته السعيده مع حب حياته.و بينما انا أقرأ استوقفني ابي و الذي بدى فضولياً بخصوص الكتاب .
"هل استخدمتي المال الذي اعطيتكِ اياه!؟ " قال ابي و هو يرمقني من الجانب
"اجل اشتريت هذا الكتاب من بسطة رجل عجوز" قلت و انا اشير للكتاب
"حقاً!؟" قال و هو ينظر للطريق بهدوء .
كنت اعلم ان وراء سؤاله اهتمام غير مباشر ، شعرت بالإمتنان و شرعت ابتسم كالبلهاء مع نفسي و عدت لكتابي.
"حبيبتي جوليا هي كل حياتي ، ابتسامتها بالنسبة الي هي اكسير من السعاده"
كان ذلك الكاتب الذي لم يعرف بنفسه مهووساً بحبيبته او بالأصح زوجته جوليا ، فلقد كان يقول بأنه من اصل وضيع بينما جوليا من اصل نبيل ، "السيد بارب رفض تزويجي من وردتي بسبب أصلي الوضيع و مالي البسيط كوني مزارع فقير، بينما جوليا هي من أصل نبيل و دماء صافيه نقية و عائله فاحشة الثراء غنيه"
لقد كان الكتاب يتحدث عن سعادته مع زوجته جوليا ، و كيف انها كانت رقيقة طيبة جميلة الخُلق و الخِلقه، احببت جوليا و ظننت ان سعادة هذا الكتاب ستكون ابديه فلقد ذكر ان جوليا انجبت طفلاً"اكتملت سعادتنا انا و اميرتي بحضور ابني، امير كوخنا المتواضع و ملك حياتنا البسيطه " و كان يتحدث عن ابنه الصغير اللطيف و يصف ادق تفاصيل تحركاته "اليوم كبر ابني قليلاً فلقد اصبح يحرك يده بشكل افضل عما سبق كم اتمنى ان اراه رجلاً"
توفقت عن القرائه لأنني وجدت اننا قد وصلنا ، و اخيراً عدنا لقريتنا الكئيبه ، بالفعل الإنسان حينما يفقد النعمه يشعر بقيمتها فرحلتي للمدينة جعلتني اشعر بقيمة قريتنا الممله.
وصلنا للورشة و رحنا نترتب الأشياء في القبو ، و بعدها رحت اعد وجبة العشاء، تناولنا عشاؤنا بهدوء ، و اتجهت لغرفتي و رحت اكمل القرائه . فلقد وجدت نفسي منجذبتاً لهذا الكتاب بشكل عجيب و انا التي في حياتي لم اهتم بالكتب كثيراً فقط قرأت بعضها لتعلم القراءة و الكتابة و كان اخي هو من يلح علي و يحثني على الاستمرار.
"حبيبتي جوليا تزهو و تحلى في نظري يوماً بعد يوم و ابني جوش قد بلغ عامه الثالث اليوم و ها هو اليوم يخطو خطواته و ينطق حروفه بشكل اوضح"
و شرع يشرح هذا الكاتب عن حياته البسيطه و عائلته و لكن توقفت عند نقطة صدمتني :" الحياة رسمت بخطوطها السوداء على حياتنا الزاهية فأنا كالحي الذي لا يستطيع الموت لا اصدق بأن هذا يحدث لنا انا و جوليا، لقد فقدت جوليا ابتسامتنا فلقد رحل النور عن حياتنا رحل جوش و هو بعمر الثالثة غرق في النهر "
كنت اظن بأن حياة هذا الرجل مثالية و هادئه و فيها اكتفاء ذاتي و بالطبع لا بد ان نمر بالصعوبات،و لكن! " جوليا وردتي ذات الشعاع البراق خفت شعاعها ماتت ابتسامتها غطى السواد على حياتها اراها كل يوم تحكي لي عن رغبتها بالموت لا تريد ان تستمر في هذه الحياة بعد موت جوش ، اما انا فلا طعم لحياتي من دون جوش و لكن ان ذهبت جوليا سأفقد ما تبقى مني، اعلم ان موت جوش فيه حكمه و علينا ان نصبر و لكن جوليا تلوم نفسها على موته"
كان هذا الكاتب الغامض يشرح كيفية استمراره بالحياة بعد موت جوش و اكتئاب جوليا و كيف انه تمسك بالأمل و حاول تشجيعها على الاستمرار و مجدداً الحياة ترسم بسوادها على حياة هذا الشخص "بالرغم من اني احث جوليا على الاستمرار الا ان الحياة باتت تعاكسني لا اعلم لماذا؟ اليوم طردني سيدي من العمل بحجة انني تأخرت يوماً عن العمل، لم اخبر جوليا بالأمر انما بت اخرج صباحاً ابحث عن اعمال اخرى ، اما جوليا فحزنها الدفين يقطعني من الداخل ، فلقد باتت تسرح كثيراً و تنظر للفراغ، تحادث نفسها و في بعض الاحيان تتصرف كما لو ان جوش لا يزال على قيد الحياة"
توقفت عند هذا الحد من الكتاب ، اعرف هذا الشعور تمني الموت و عدم الرغبة بالاستمرار فلقد ذقته و لكن هذه المراة حملت على قلبها الكثير من اللوعه و يكمل الكاتب "لا اصدق الجميع يريد ان يقنعني ان جوليا رحلت و لكنهم يكذبون فأنا اعرف انها لم ترحل انها لا تزال هنا الى جانبي ، هي و جوش كلا انهم كاذبون ، لن احادثهم مجدداً"
صدمت ! فهذه الحياة قد صدمت هذا الرجل بصدمة عنيفه ، كأن كل الظروف ساقت لتكون ضده " لم اعد اريد رؤية احد ، فكلما نظرت للفراغ تذكرت عينا جوليا الفارغتين من الحياة و ابتسامتها و هي ملقاة بإهمال على الارض البارده ، حياتي من دونها لا تساوي شيئاً"
"الحياة لن تعيد جوليا و لا الموت ربما لا اعرف كيف يجب ان اتصرف"
و هنا توقفت فلقد اصيب هذا الرجل بشئ من الجنون، لقد جعلني هذا ادرك مدى قوة ابي و احتماله لحزن مشابه فهو ايضاً فقد امي في وقت سابق"لقد ذهبت لسيدة يقال لها بورا و هي ساحرة و تقول بأنها تستطيع ان تجمعني بروح جوليا"
"لم تكن رحلتي بالسيده بورا موفقه اتضح انها مجرد كاذبه"
"مؤخراً توقفت عن العمل و عن الطعام و عن الشراب ، بت ارى اشكالاً غريبة ، هالات شيطانية"
"الشيطان يدعوني اليه انه يخبرني انه يستطيع ان يساعدني لو بعت له روحي، السعادة ليست دائمه كما اظن ، هل ابيع روحي للشيطان؟!"
"هذا الصباح اخبرني الشيطان بأن اقتل ابن السيد ساورو و اقدمه كقربان ،.  قد افعل ذلك انه يقول بأن هذا سيعيد الي جوليا"
"لقد فعلتها و قتلت الطفل لم يعلم احد اني الفاعل"
"اليوم قابلت جوليا ، لم استطع التحدث معها و لكني رأيتها ربما يجب ان اقتل طفلاً آخر لأراها "
"لقد عرفوا اني القاتل و ها هم يحاصرون منزلي "
"اني اقاد الى محرقتي ، و لكني لست نادماً الى اللقاء ايتها الحياة القاسيه"
انهيت الكتاب مع طلوع اولى خيوط الشمس ، لقد كنت مشدوهه و مشدوده ، كنت اعتقد بأن حياني حملت اسوأ المآسي و لكن هذا الرجل فقد نفسه و اصيب بالجنون و راح يتخيل الاشياء و الشر احاط به و و فقدانه لزوجته جعله عدواني و قاتل، لا اعرف كيف انه كان احمقاً و اسمى الكتاب بالسعاده، و من قرأتي للكتاب استشعرت النعم التي تحيط بي بشكل اكبر ، فوجود اخي الى جانبي و تمسكي بالامل و بأن الحياة ليست بتلك القسوة و لكن نحن يجب ان نعرف كيف نتعامل معها و نتكيف ، فحتى وجود ابي نعمة و وجود قريتي نعمه. لا اعرف و لكن هذا الكتاب كان من الامور التي غيرت مفاهيمي للحياة ، بالرغم من انه حمل اسوأ قصة مأساوية قد تمر على اي انسان ، الا ان فيها دروس دفينه، و حتى بعد مرور السنين لا زلت احتفظ بهذا الكتاب .