جولة في المدينه الكئيبه

8.8K 730 39
                                    

وقف الكروتلاندييين و ضربا قبضتهما في كفهما الآخر و قد فهمت فيما بعد ان هذه هي تحيتهم و تعبيرهم عن السلام او حتى الشكر، و بعدها راحا يتحادثان فيما بينهما بلغه غريبه لم أفهم منها حرف .و انصرفا بهدوء.
اما انا فلقد كنت في حال لا احسد عليه ، كنت خائفه ، ارتجف ، ابكي و في حال صدمه كالمغيبه . نزل ابي لمستواي و امسك بكتفي و سأل بحنيه :"هل انتِ بخير !؟"
"أنا .... أنا..... أنا" تبعثر الكلام من فمي بعشوائيه و بعدها انخرطت بالبكاء، لم اصدق بأنني بكيت في حضرة ابي لقد كان بكائي مريراً ، انقطعت انفاسي و انا ابكي و رحت اعاتب ابي بلطف و انا ابكي:" لماذا تركتني وحدي!؟ ظننت بأنك ستتركتني لأبد ؟! لماذا تفعل هذا معي !؟ "
لم اعلم بأنني قد افتقد ابي بتلك الصوره و لكن هذا بات حقيقياً و امره بات يعنني ، فالأمر فاق مجرد انتظار اهتمامه ففي تلك المرحله بت ارغب بالبقاء بجانبه، فلقد تذوقت الكثير من حنية ابي و مع انه لا يعاملني كما يعامل إيليوس، اعذر ايليوس حينما كان يدافع عنه كلما سأمت من ابي و تذمرت.
راح ابي يربت على راسي لقد كان هذا اقصى ما يستطيع فعله ، فرجل عنيد مثله كان هذا الفعل كالمعجزه ، بكيت كثيراً في ذلك اليوم ، و حينما حل المساء رحنا نتناول طعامنا بصمت ، اما ابي فقال بشئ من التردد:"لقد احضرت معي بعض التوت و لكن يبدو انه لم يعد صالحاً للأكل "
نظرت له بسعاده ، و شعرت بالضيق من نفسي فلقد ظننت به سوؤاً بينما هو كان يحاول نيل رضاي بطرق بسيطه، ذلك الموقف جعلني انسى كل ما مررت به ، نمت سعيده بالرغم من ما مررت به .
استيقظنا في الصباح الثاني و و حزمنا متاعنا و اكملنا طريقنا ، و اصبحنا من البعيد نستطيع رؤية أسوار المدينه ، و كنا نقترب شيئا. فشئاً ، لقد كانت تلك المدينه صغيره تدعى تانيتان، حينما وصلت كل التوقعات و الأحلام و الآمال حول المدينة تبخرت ، لم يكن هناك شئ جميل، فلقد كانت المدينه ملبدة بالدخان الأسود الذي يخنق الرئه، و كان الفقر يلتهم الزوايا و الطرقات ، كان العفن قد حل كاللعنه عليها و الرائحة السيئه كانت قد امتلأت في المكان ، و الضوضاء كانت فضيعه، و الطرق لم تكن كبيرة بما فيه الكفايه، المنازل كانت صغيره ، حتى منزلنا كان افضل من تلك المنازل البائسه،لقد وضعت في احلامي الكثير بخصوص هذه المدينه، فلقد تخيلت اسوار رخامية و مباني حجرية كبيرة و شوارع واسعه و نظيفه و اناس بملابس راقيه و فتيات بأثواب جميله و قصر بهي الصنع ، و لكني لم اجد سوى الموت و الفقر و الجوع ، تذكرت كلام اخي ، في تلك اللحظه تمنيت لو ام اخض هذه الرحله ، فلقد ضننت ان العالم الخارجي اي بعيداًعن قريتنا ، مكان مشرق ملئ بالحياة،و لكني لم اجد امامي سوى مكان مرعب ملئ برائحة العفن كهذا المكان.
وجدت ابي يختار الازقه طريقاً له ، عبرنا من الكثير من الأماكن وهناك وجدنا أناس حملوا في وجوههم تعابير جديده تعابير لم اعهدها من قبل لقد كانت تذكرني بالموت ، في تلك اللحظه سمعت ابي يقول:"لقد اكل وجهم القهر و قلة الحيلة" ، نظرت الى ابي، لقد كنت مستغربه ، لماذا هم هكذا؟! انا شعرت من قبل بذلك الشعور ! هل كنت احمل تلك الملامح على وجهي؟! و لكني حسبما اذكر كنت ابتسم كثيراً و لم ايأس اجل لقد تمسكت بالأمل اما هم لا يبدو انهم حاولوا ان يفعلوا ذلك .
و بعد برهة وصلنا الى مقصدنا الا و هو سوق الحداديين ، و كان على غير المتوقع مكان صاخب جداً ، رائحة الحرق تملأه لم تكن رائحة غريبة علي و صوت المطارق تنبعث من كل جانب ، شعرت كما لو انني في ورشة حدادة عملاقه جداً.وجدت ابي انهمك في بحثه و حديثه مع بقية الحدادين لتبادل الخبرات ، اما انا فقد شعرت بالملل لم تكن الخبرة التي اردت ان اكتسبها، رحت اتجول قليلاً و لكنني لم ابتعد كثيراً، و من بين الحدادين وجدت بسطه غريبه ، لم تكن تحمل أحجار غريبه او حتى قطع خرده و حديد رخيص، انما جلس كهل و كان يبيع ادوات منزليه و كأن هذه أغراضه و هو يتخلص منها.
"اقتربي أيتها الفتاة و اختاري ما تشائين من بسطتي المتواضعه"تكلم الكهل و عيناه تحملان لمعة غريبه
رحت اتفرج على بسطته من بين الأشياء وجدت كتاباً غريب، كتاب مهترئ و قديم ،قذر بغلاف أسود و كان مصنوعاً من جلد احدى الحيوانات.
وجدت الكهل يرمقني بإستغراب،امسكت بالكتاب وجدته يحمل أغرب عنوان وقعت عيناي عليه و قد كان يحمل اسم "كتاب اسمه السعاده"
كتاب يتكلم عن السعاده !!!! اذا كان هذا كتاب يتكلم عن السعاده فبالتأكيد كاتب هذا الكتاب وصل للسعاده الحقيقيه ، هذا ما فكرت فيه ، اعجبتني الفكره و قررت شرائه.
كان الكهل مصدوماً و قال لي بإستغراب:"لم اتوقع ان يكون هذا الكتاب اختيارك"
دفعت ثمنه و قد كان بسيطاً جداً ، حذرني الشيخ قبل رحيلي:"اعتني بالكتاب جيداً و لا تسمحني لرجال الملك برؤية الكتاب بين يديكِ".
كانت القرائه محرمة في مملكتنا فلم يسمح للفقراء بالقرائه فلقد كان العلم من نصيب الأرستقراطيين فهم من كان مسموح لهم لهم القرائه في شتى المجالات اما نحن قحرمنا من هذا الحق و كان كل ما نقرأهه كتب تختص في التشريعات و القوانين.
اخذت الكتاب ، و التفت خلفي و لم أجد ابي ! اسابني القليل من الرعب و لكن سرعان ما تمالكت نفسي، و رحت ابحث عنه في وجوه الناس، و لكن عبثاً حاولت . و من خلفي شعرت و كأن هناك من يشدني ، رحت أقاوم بشده فلن اختطف هذه المره، اخرجت سكيني.
"هدئي من روعكِ"
نظرت أمامي و وجدت ذلك الكروتلاندي كان أحد الإثنان اللذان انقذاني ، لقد كان الأصغر سناً ، في تلك المره غطى شعره على ملامحه ، فلقد كان طويلاً بعض الشئ و لكنه في تلك اللحظه كان قد رفع شعره بشكل مهمل فتبينت ملامحه بسهوله، فلقد كان يمتلك لحية و شارب خفيفيين جداً و شفه ممتلئه بعض الشئ و انف مستقيم و مرتب و حاجب مرتب و عريض ، و لكن اغرب ما في ملامحه فلقد كانت عيناه، فلقد حملتا لوناً أزرقاً كلون البحر ، كانت عيناه لا تتناسبان مع بقية ملامحه، فلقد كان ككل الكرووتلانديين يحمل ملامح حاده و لكن كانت عيناه تبدو مختلفه ، كان ذا وسامه كبيرة.
رحت اشهر بسكيني و صرخت:" ابتعد عني "
""ابعدي سكينكِ التافه هذا عني فهو حتى لا يؤذي دجاجه من الأفضل ان تستغلي سكينكِ هذا لطهي طعام العشاء"
نظرت له بغضب ، فلقد أهان سكيني العزيز و الذي انقذ حياتي سابقاً،
"هل تمزح معي؟! هل تريديني ان اخربش وجهك أيها الكروتلاندي؟!"
راح يرمقني بإنزعاج وجدته يتكتف وقال:" انت يا ذات الشعر الأحمر لا تحتاجيين بأن تصرخي باسم قبليتي هنا ، لا نريد ان نقع في مشكله مع الجنود"
"ان كان الأمر كذلك ابتعد عني و الا صرخت بإسم قبيلتك بأعلى ما لدي" قلت و انا لا زلت اشهر بسكيني
و في غمضة عين قام بضرب يدي و بحركة مفاجأة سحب مني سكيني، و كتفني على الحائط ، وجدته يرمقني بعيناه الغريبتان .
"كان من الأجدر بنا أن نترككِ لقطاع الطرق و لا احد يعلم ماذا سيحل بكِ حينها "قال بإستهزاء.
لم تؤلمني حركته و سحب السكين كل شئ حدث في غمضة عين و لكني كنت غاضبة فمن تجاربي السابقه كرهت ان يكون هناك من يهينني و انا اصمت .
"ابتعد عني، قلت لك ابتعد عني" رحت اقاوم بشده
"حسناًحسناً في حقيقة الامر وجدتكِ في مأزق و اردت مساعدكِ فالمدن ليست افضل مكان للفتيات الصغيرات و لكن على ما بيدو اني سأسحب خطتي هذه و اترككِ تتوهين في هذه المدينه و ليختطفكِ قطاع الطرق"قال ببرود
نظرت له بغضب ، هذا الشخص كان يتلاعب بأعصابي تماماً ، ربما نيته جيده و لكن اسلوبه كان مستفز ، فأنا بالتأكيد لا اريد تكرير تجربة قطاع الطرق تلك ، نظرت له و انا اتصنع القوة و قلت :"انا اعرف كيف اتدبر اموري لا احتاج لمساعدتك" و ابتعدت عنه ،لقد كان من الجرأة مني بأن احادث كروتلاندي بهذه الصوره ، و لكن هذا الشخص افقدني اعصابي.

النار التي لا تنطفئحيث تعيش القصص. اكتشف الآن