أب الجميع

7.9K 646 31
                                    

لقد كان هذا اللقاء كالأحلام ، فلقد رأيت أخي يتحدث عن الحركة و يتباهى بها و بقوتها ، فلقد كان شرفاً عظيماً لي أن اقابل هذا الرجل العبقري العظيم الشجاع و الذي بالتأكيد اسس هذه الحركة تكون اهدافه ساميه .
قادني ألدرمان بين الممرات البهيه في هذه القلعه الصغيرة، لقد كانت هذه القلعة الحصن و كأنها خارجة من أسطورة بالنسبة لي ، فأنا لم ارى القصر الملكي في العاصمه في حياتي ، كل ما رأيته كان القصر الوضيع الذي رأيته في المدينة الصغيرة التي زرتها مع ابي مرة.
وقفنا أمام باب متوسط في حجمه مزين بشكل خفيف بإطارات مذهبه . طرق ألدرمان الباب . أما أنا وقفت هناك بتوتر ، امسكت قبضتي بقوة فلقد كان هذا الرجل يعرف كل شئ عن اخي و اخباره ، هل يا ترى سأقابل أخي قريباً!؟ فهم لم يأتوا بذكره ابداً منذ وصلنا .
سمعت صوتاً من الداخل يجيب:"تفضل"
دخل ألدرمان و أنا من خلفه ، هناك رأينا رجلاً جالساً على مكتبٌ كبير تكومت من حوله الأوراق ، و إلى جانبه وقف رجلٌ هزيل قصيرٌ بعض الشئ.
"ألدرمان تفضل ، كيف سارت مهمتك!؟"قال الرجل الجالس بهدوء و هو لم يرفع رأسه بعد.
"سيدي لقد كانت المهمة ناجحة بكل المقاييس و لكن في طريقي تصادمت مع هذه الآنسة"قال ألدرمان بكل حضوع و إحترام ، لقد كان الموقف حابس للأنفاس فلقد كان هذا الرجل الجالس أمامي فيه كل معاني الهيبه ، كنت منبهرة به في هذا اللقاء الأول .
رفع الرجل رأسه ، لقد كان ذا ملامح حادة و عينان بنيتان صغيرتان و أنف دجيج و كبير بعض الشئ و شعر بني يتخلله بعض البياض  مردود للخلف .
"ألدرمان كيف تسمح لنفسك بإدخال الغرباء الى هنا ؟! كيف سمح لك جي بالعبور؟"صرخ الرجل الهزيل بشكل مضحك.
"توقف يا بالدروف"قال الرجل بهدوء و أكمل :"يمكنك ان تخرج يا الدرمان ، و انتي يا آنسة أخبريني من تكونين !؟"
وجدت ألدرمان ينسحب بهدوء و هنا استجمعت شجاعتي و قلت: "انت بالتأكيد السيد رولف ، أنا أدعى دراقون مارسي أخت إليوس مارسي ، أخي كان مع الجيش و لكنه انظم لكم فيما بعد" قلت و القلق راح يأكلني من خوفي من مصير أخي و لكنه حثني على أن اكمل:"منذ فترة جاء الجنود لمنزلنا و قتلوا ابي بتهمة خيانة إيليوس و لكن أنا هربت ، أريد أن أقابل أخي يا سيدي"
هنا وجدته راح يفكر بصمت أما ذلك المدعو بالدروف راح يرمقني بتوتر .و اخيراً نطق :" لا تقلقي يا آنسة مارسي ، أخيكِ بخير لقد خرج في مهمة كبيرة و مهمة نوعاً ما ، و لن يعود الا بعد شهر من الآن "
وقفت هنا ببلاهة إرتسمت على وجهي أكبر إبتسامة بلهاء ، كنت لا أستطيع الوقوف ، جلست على الأرض و راحت دموعي تنهمر بحرية و أنا اضحك ببلاهة ، إيليوس أخي العزيز كل ما تبقى لي في الوجود السبب الذي أعيش لأجله ، إنه بخير !!.
كانت الكلمة التي خرجت من فمي و بصعوبه:"حقاً!!"
راح بالدروف يرمقني و كاد ان ينطق بشئ و لكن بنظره من السيد رولف وجدته تراجع بصمت . ثم وجدته يقف من كرسيه و كنت لا استطيع ان اراه جيداً و لكني كنت أستطيع أن استمع لخطواته ، كان صوتها غريباً فلقد كانت احدى الخطوات ذات وقع قوي و كأن شئ قوي يضرب بالأرضيه الخشبيه ، حينما وقف امامي رأيتها بوضوع ساقه الخشبيه فلقد كانت احدى ساقيه مبتورة على ما يبدو ، وجدته ينزل الي بهدوء، امسك بكتفي و قال:" اتفهم مأساتك يا عزيزتي ، انه امر صعب على فتاة صغيرة في مثل عمركِ"
نظرت له ، رحت ابحث فيه عن ابي، كان صعباً ان اجد شخصا يأخذ مكان ابي القاسي الحنون سراً، اجبته بإمتنان:" ما دام إيليوس بخير فأنا بخير"
"سنرسل اليه قريباً بأنكِ هنا بخير كم سيكون مسروراً" قال السيد رولف
"حقاً هل يمكنكم ان ترسالوه!؟" قلت بسعاده و حماس.
وجدته يبتسم و يهز رأسه بإيجاب.
"و لكن ما الذي ستفعلينه من الآن فصاعداً؟!" قال بجديه
" ما الذي سأفعله يا سيدي!؟" سألته بإستغراب.
"ألم تفكري بالإنضمام إلينا؟"قال بجديه و عيناه راحتا تلمعان بشكل غريب، و أكمل"إن جميع المظلومين الذين ذاقوا العذاب من صرامة نظام الملك مورمرحب بهم هنا، فنحن هنا صوت الشعب ، فلقد آن الأوان ان نتحد صغاراً و كباراً و نصرخ بأعلى الصوت كفى!، هل تعرفين ما هو حلمي يا آنسة مارسي ؟!"قال و هو ينظر للغروب من الشباك الذي امامه.
"ما هو !؟"اجبته بإنبهار
"السلام، اتمنى ان ارى عالماً بلا موت ان يكون سلاحنا العلم و لكن!! اليوم نحن مجبرون على حمل السيوف ليحمل أبناؤنا الأقلام كأسلحة غداً " قال بحماس
لقد كان انبهاري بهذا الرجل يزيد لحظتاً بعد لحظه لقد كان حلمه من أجمل الأحلام ، لقد كنت اعذر اخي على تهوره ، لو كنت مكانه لفعلت مثله، لقد كنت قد اتخذت قراري سريعاً فلقد كنت انظر لهذا المكان كالبيت و كان هذا الرجل كالأب.
"حسناً لا تفكري كثيراً الآن اذهبي و ارتاحي لا بد انكِ متعبة و بحاجة للراحة" قال بإبتسامه.
وجدته يشير لبالدروف و ذلك الهزيل بدوره أشار لي و قال بإنزعاج واضح و غرور:"اتبعيني ، من هنا"
عدنا للممرات كنت أرفع رأسي و أرى التفاصيل البسيطة على السقف فلقد كانت قلعه و لم تكن قصراً مما يعني انها كانت ذات تفاصيل بسيطه ، و لكنها حملت بعض الزينه التي اضيفت حديثاً .
و اخيراً وقفنا عند باب مستدير الشكل في الطابق العلوي، لقد كان هذا الباب يقع في مكان منعزل نوعاً ما و و هنا قال بالدرووف:"هنا جناح النساء و كما ترين وجودهم يكاد يكون نادر انهن فقط يخدمن في المطبخ و للتنظيف ، و لكنكِ محظوظه فكل الغرف مشتركه الا هذه و في الوقت الراهن هذه الوحيدة المتبقيه و فيها سرير واحد "
فتح الباب و هنا كانت امامي غرفه مستديرة بحوائط الطوب العاديه تزينت ببعض القماش الأزرق الذي انسدل من الأعلى ، و كان هناك شباك واحد مثلث الشكل ، و قد كان السرير الخشبي المتواضع يقابل الشباك و كانت هناك طاولة بجانب السرير و كان فوقها مرآة صغيرة ، كان هناك خزانه متواضعه ، و لكن أكثر ما ابهرني هو الرسم المرسوم على الحائط كانت لوحة لإمرآة جميلة جداً ،بوجهة مستدير و حمرة على الخدين و شعر أشقر طويل جداً، كانت تقف في غابة ما ، و من فوقها كان هناك جنيات صغيرات و احداهن كانت تقبل جبهتها.
"انها مبهره أليس كذلك!؟"قال بالدروف قال و هو يتخلى عن بعض غروره.
" أجل انها كذلك"أجبت بإنبهار
" انها لوحة الحسناء ، ان كنتِ تعرفين أسطورة هذه الغابة، لقد كان رولف الخامس جد السيد رولف مهووساً بالفنون و الأدب فعمل على تصميم هذه الغرفة لتكون لإبنته و لكن لم تكن هناك ابنه فلقد كان نسله كله من الصبيان، فتخلى عن تلك الفكره و عن هذه الغرفه" قال لي بالدروورف
لقد كانت تلك الغرفه أجمل من ما قد اتخيله ، فلقد كانت معزوله و هو أمر كنت أفضله و فيها أثاث جميل بالمقارنة بغرفتي السابقه و التي بالكاد حملت سريراً واحداً ، لقد كانت غرفتي السابقه تعتبر كالقبر بالمقارنه بهذه الغرفه .
لقد كنت أسعد انسانة على وجه الأرض فلقد كنت أشعر بالراحة و ببعض الإنتماء.
"حسناً هنا شمعتكِ استعمليها بحكمه، هناك قانون واحد هنا حتى الساعه العاشرة التجول بحرية غير مسموح في هذه القلعه و لكن لكِ حرية التجول في الجناح في اي وقت اردتِ، سأجد أحداً يرشدكِ غداً و يريكِ حول القلعه لكي لا تتوهي و اتمنى ان تعطي جواباً سريعاً للسيد رولف، و ايضاً ستجدين ملابساً مؤقته في الخزانه استخدميها حتى نتدبر هذا الأمر لاحقاً"
فأجبته ببساطه :"حسناً"
وجدته يخرج ، بينما أنا رحت انظر للغرفه مرة اخرى و لتلك الرسمه خصوصاً، فتحت الخزانه فوجدت ملابس للنوم لقد كانت ملابس النوم البيضاء تلك أجمل من جميع ملابسي ، بإستثناء الفستان الأخضر. ارتديت ملابس النوم و جلست على ذلك السرير ، لقد كان ناعماً و مريحاً. فتحت حقيبتي و ظننت اني لن اجد فيها شيئاً لفلقد كان كل ما احمله هذه الحقيبة و سيفي المتواضع و الذي وضعته بجانبي . و لكن لصدمتي كان هناك كتاب، لا اذكر متى حملته معي و لكن أعرف هذا الكتاب جيداً فلقد حمل عنوان "كتاب اسمه السعاده".
حملت الكتاب و طوفان الذكريات راح يرتطم بي ،وضعت الكتاب إلى جانبي و رحت ارى ما كنت عليه بالأمس و ما انا عليه الآن، لقد مر كل شئ ،مر بسلام حتى الآن، بالرغم من خوفي من سعادتي البسيطة في تلك اللحظه الا اني نمت قريرة العين مرتاحة.

النار التي لا تنطفئحيث تعيش القصص. اكتشف الآن