أخي ذاهبٌ إلى الحرب

15.2K 888 36
                                    

كلما تذكرت هذا اليوم شعرت بالإمتنان، لقد كان بالرغم من لوعة الفراق من أجمل أيام طفولتي .
اتذكر بأنني ارتديت ثوبي و رحت اتباهى به أمام أخي ، و انا اقلد السيدات الراقيات ، لقد كان الأمر مضحكاً في نظري.
"اوه أيها الفارس الوقح ألم تتعلم بعض الدروس في اللباقه حينما ترى سيدة مقبلة يجب ان تقف احتراماً و تلقي التحية " قلت بتمثيل
"اعتذر سيدتي الراقية ارجوكِ اعفي عني "قال اخي و هو يحبس ضحكته.
دخل ابي و فجأتاً وقفنا بشكل مستقيم خوفاً من جانبي و احتراماً من جانب اخي ، نظر ابي بحنية إلى إيليوس ، و حول نظره علي و راح يرمقني بإزدراء.
"سوف تغيريين هذه المهزلة حينما تعودين انكِ تذكريني بالضفادع في هذا الثوب ، لقد سمحت لكِ بهذه الإجازه من أجل أخيكِ "قال ابي و هو يوبخني من دون سبب.
لقد كانت نظرته المزدرية كافيه لأن تحطمني إلى قطع صغيره ، و تجعلني اتمنى ان اكون غير مريئه، و لكن اخي ربت على كتفي، لقد لاحظ قلقي ، كم كان رقيقاً ، فأبي نعتني بالضفدعه كيف ستكون ردة فعل أطفال القرية!؟، لقد كنت اريد ان اتراجع و اغير ثيابي و لكن اخي منعني فبنظرة معاتبة منه رضخت، في ذلك اليوم جدلت شعري الذي اعتدت ان اطلقه للريح بإهمال.
توجهنا أنا و اخي إلى حيث الإحتفال، لقد كان الأمر بهيجاً فعلاً ، الجميع كانوا هناك بإستثناء ابي الذي كان لا يحب مخالطة أهل القرية ، لقد كنت انظر للشجرة الأسطورية بإعجاب ، و هنا جاء أهل القرية و اخذوا اخي ليجعلوه يرتدي ثياب الفرسان و هذا عرف آخر في الإحتفال، لقد كان مع اخي شخصان سيذهبان للجبهة ، الأول كان صديق اخي جان ، لقد كان شخصاً لطيفاً كثير الإبتسام و ملئ بالطاقه ، اما الآخر كان يدعى لوكي كان شاباً منبوذاً مثلي تماماً و لكن الحسنة الوحيدة التي تضاف لي ان لي اخاً مثل إيليوس لا يستطيع ان يكرهه أحد ، كان لوكي هزيلاً جباناً ، سلبي في افكاره ، يفضل ان يختبأ في منزله على ان يذهب للحرب و لكن من يستطيع ان يرفض الأوامر الملكية .
وقفت انتظر ان يخرج اخي بلباسه العسكري الجديد ، تقدم مني اطفال القرية ، لقد كانوا ثلاث صبيان و فتاتان .
"ما الذي حدث لدراقون المتصابيه!؟"قال الصبي الأول
"انظروا انها ترتدي ثوباً تريد ان تثبت انها فتاة"قال صبي آخر
"مهما حاولتي يا دراقون لن تصبحي كبقية الفتيات"قالت احدى الفتيات
"انت قبيحة بشعركِ الأحمر" قالت الفتاة الأخرى
"هيا لنتخلص من التنين المرعب قبل ان يقتلنا "صرخ الصبي الثالث
كانوا يجمعون الحصى الصغيره ليرشقوني بها ، لقد كان هذا امر يهوون فعله بين الوقت و الآخر ، و لكن امام معاملة ابي فهذا كان لا شئ.توقفوا عن ذلك لأن الشبان الثلاثة كانوا قد حضروا بأزيائهم العسكرية ، رحت أرمق إيليوس بشعره الذهبي كالشمس و بشرته البيضاءو عينيه الرماديتين ، كم بدى وسيماً في ذلك الزي .تجاهلت وجود مجموعة المهرجين و هرعت إلى أخي.وقفت أمامه أتأمله بفخر شديد، لم اكن يوماً اشعر بالإنتماء لوطني و لم اهتم بتلك الحرب حتى ، و لكن اخي كان كذلك ، و في تلك اللحظة كنت فخورة.
ابتسم لي بفرح ، جاء من خلفه صديقه جان و سحبه الى جانبه و راح يلوح لي بإبتسامته المرحة التي لم تفارقه ، لم يكن جان من هؤلاء الأشقياء الذين يضايقوني ، اما لوكي الذي وقف بعيد عنهم قليلاً راح يرمق الجميع بحذر ، فعيناه كنتا متسعتان تترقبات الخطر ، اما لوكي هذا لم يضرني يوماً و لكن لم اكن استطلفه ابداً و لم عجبني اختلاط اخي مع شخص مثله ، لقد كان يمتلك تلك الهاله الهائله من السلبيه ، لقد كانت هاله سوداء كئيبه، كنت أخاف ان تصاب هالة اخي الإيجابيه بذلك السواد.
و على المنصه وقف الشبان الثلاثه و راح يهتف الشيخ الكبير، و هو اكبر رجال القرية و رجل ذا شأن في القريه "هنيئاً لشبان قريتنا الشجعان ، لقد نالوا شرف القتال، ليهتف الجميع و يرقص و يغني"
راح الناس يهتفون و يصرخون بسعاده و كأنه عرسهم الليله .
اما هذا الجزء من ذاكرتي فلقد بقي منه الضحكات ،الرقص ،الأضواء، الزينه البسيطه، و رائحة الطعام الشهي، و شابان فخوران ، و شاب آخر ... لحظه أين الشاب الآخر ، لقد كنت أقف بعيداً ارقب الوضع من بعيد وجدت ذلك المدعو لوكي يقف قرب الشجره ، لقد كان يحمل عود ثقاب !!!!!!!
ما الذي ينوي فعله هذا الأحمق !؟ ، في ذلك الزمن توقف كل شئ امامي ، ان هذا الشخص يتملص سيحرق هذا المكان و لكن ما ذنب البقيه !؟ و ما ذنب أخي!؟ ، كلا لن أسمح له ان يحطم فرحته و فخره .
كان يجب أن أفعل شيئاً ،امسكت بأقرب غصن لقد كان غصناً طويلاً و سميكاً ، ركضت ناحيته و هتفت فيه
"أنت هناك توقف عندك"
لم يسمعني أحد لقد انغمس الجميع بالإحتفال ، اما هو فقد التفت علي كان يحاول ان يخبأ عود الثقاب ،نظر إلي بخوف شديد بعينين جاحضتيين و أجاب بحذر
"أ..أ..أنــ...ا...أنا...ل...ل..لم "
"لقد كنت تريد حرق الشجره"قلتها صراحتاً
"أنا كلا أنتِ مخطئة "أجاب بكذب
"لقد رأيتك و أنت تحمل عود الثقاب لن أسمح لك بأن تفعل شيئاً كهذا" اجبته بحزم
لقد كان خائفاً اما انا بكل بلاهة وقفت امامه بغصني الطويل الأحمق انتظر منه رداً
"يا إلٰهي فليساعدني أحد ، هذه المجنونه تريد ان تقتلني "
أجل هذا ما فعله هذا الجبان ، كيف تستطيع طفلة ذات عشرة أعوام ضئيلة مثلي خصوصاً ان تقتل شخصاً بغصن مهما كان حجمه !؟
و لكن أهل القرية لن يصدقوا دراقون المتصابيه ، و لكنهم سيصدقون لوكي الشجاع الذاهب للجبهه .
"اوه توقفي عندكِ ايتها الشيطانة الصغيرة"صرخت احدى النساء و هي تهرع اليه و تحاول اسناده .
نظرت إلى الجميع في صدمه ، هل سيصدقون هذا الهراء؟!
"لماذا تريدين قتل إبني!؟" صرخت فينب المرأة
"كلا لم أفعل لقد... لقد كان يريد حرق الشجره" قلت بدفاع شديد عن نفسي محاولتاً ردع الظلم الذي وقع علي.
هرع إلي أخي و حين رأيته قلقاً هكذا ، شعرت بتأنيب كبير ، لم يكن يجب ان يمر هذا اليوم المهم و الكبير بالنسبه لأخي بهذه الطريقه المزرية .
اما انا رحت انظر في وجوه الناس وجدت في اعينهم الشك و الإتهام و الغضب، اما اخي فلقد وقف امامي و صرخ
"انها من المستحيل ان تفعل شيئاً كهذا انا متأكد لا بد ان هناك سوء فهم قد وقع هنا"
يال أخي الطيب ،لم يكن يريد أن يوقعني في مشكله او ان يتهم لوكي بشئ، راح الجميع يتهامس و لكن فجأتاً، صرخ جان صديق أخي و الذي كان يقف خلفه
"انظروا إلى عود الثقاب في يده"
راح الجميع ينظر لعود الثقاب الصغير ، راح لوكي و بحركة غبيه خبأ العود خلف ظهره.
راح اهل القريه ينظرون الى الشاب الجبان الذي اختبأ خلف امه كالجرو ، و اشتعل الغضب في اعينهم و لكن اخي وقف امامهم و صاح فيهم: " ايها القوم اهدئوا ، من الطبيعي ان يخاف الشاب، حتى انا خائف انها حرب انها مرعبه و مليئه بالموت و القتل ان لم نصاب بالخوف فنحن لسنا بشر ، لنجعل هذا اليوم اسعد ايامنا و ننسى ما حدث هيا لنستمتع فأنا ذاهب للحرب و آخر ما اريد ان اراه هو الضحك و الفرح لا النزاع و الغضب "
نظر القوم لبعضهم البعض و ايدوا كلام اخي، اما انا فوقفت بفخر انظر لأخي و هو يلقي تلك الخطبة الرائعه. اما لوكي الجبان فبقي من بعيد يراقب القوم و تقف امه الى جانبه تهدئه .
انتهى الحفل بسعادة و حان وقت الرحيل بالطبع لم يكن صعباً على اهل القريه و لكنه كان صعباً علينا نحن من سنفارق من نحب ، وجدت ايليوس يأتي ناحيتي مع فرسه العجوز و هو يعود لأبي فهو كل ما نملك ، نظر الي و قال:"انت لن تبكي في غيابي صحيح!؟"
نظرت له بغضب :"انا لا ابكي"و اكملت بمرح:"ربما انت تبكي لفراقي"
نظر الي بنظرة فاحصه جاده متجهمه على غير العاده:"ربما افعل"
صدمتني جملته و تعابير وجهه ، فطر قلبي حديثه .
اشحت بنظري بضيق و قلت:"كلا لن تبكي لأنني سأبكي عني و عنك، انت ستحارب و ستعود منتصراً "
كان سيقول شيئاً و لكن على غير العاده حضر ابي وسط ذهولي و ذهول الجميع ، و بمجرد حضوره ساد جو من الرهبه اما انا فقد سحبت نفسي قبل ان يسمني بكلماته الراقيه، وجدته يحادث اخي بكل حنيه ، حنيه لم اعهدها في ابي ، وددت لو كان يحدثني بتلك الحنيه.
اشحت بنظري و وجدت ايليوس يودع اخوته الخمسه و والدته، كان منظراً طريفاً فلقد تجمع الصغار حوله يبكون و هو يحمل هذا و يهدئ ذاك. حولت نظري و فجأتاً وجدت لوكي يقف هناك بالقرب من والدته ينظر الي بغضب و بحقد شديد ، علمت ان نظرته تلك لم تكن تبشر خيراً و لكن لم اهتم كثيراً في ذلك الوقت ، اما اخي فقد جاء ناحيتي و احتضنني و قال :"اراكِ قريباً"
ركب خيله و الى جانبه صديقه ولوكي من الناحية الثانيه و صار الفرس يتحرك بهدوء و يختفي شيئاً فشيئاً .

النار التي لا تنطفئحيث تعيش القصص. اكتشف الآن