الموت بلا ذنب

8.5K 691 44
                                    

ظلت الأيام تجئ و تروح الأيام من عمري و لم يكن هناك جديد عن اخي ، بات امره غامضاً فلقد كنت في صراع مع نفسي اجاهد و انا احاول حفظ ملامحه بشكل واضح ، لا اعلم لماذا ملامحه في تلك الفترة باتت كالسراب . و لكن في تلك الفترة تصالحت مع نفسي ، فلقد بت أعتبر نفسي من البشر لي كياني الخاص و لي حق في الهواء الذي يتنفسه الجميع ، فمن بعد ذلك الكتاب الذي قرأته عهدت على نفسي ان لا اسمح لنفسي ان تهين نفسها.
كانت لا تزال نظرتي للحياة محدوده و ضئيله فقد كنت انظر لليوم ليومه لم اكن يوماً انظر للمستقبل البعيد، و لكني اردت ان اوسع افقي و لذلك سمحت لنفسي لحظات التأمل ، فلقد بت اذهب للغابة السوداء و هناك كنت اتجول هناك و استنشق بعض الهواء النقي، و اتأمل الطبيعة ، كنت اخصص ايام فراغي لإستكشاف الغابه و اختار بقعة للجلوس و المكوث، اما في الايام العادية كنت اجلس في هذه الاماكن. فلقد اتخذت من الأخشاب مجالس و من الأشجار مكان للغفوات و الراحة، كنت اغرق في خيالي و اذوب و اخترع الكثير من القصص الخياليه، فلقد اصبح في وقت من عمري التأمل صديقي الوحيد و ذلك كان قد اعطاني دفعه و سلام نفسي،و لكن نغصت علي بعض الامورالبسيطة واحدها عدم معرفة احوال اخي و الآخر كان انني وصلت في تلك الفتره الى مرحله خفت فيها ان راحة بالي البسيطه قد تزال مني في اية لحظة، كنت قد خفت السعاده في بعض من ايامي .تناقض غريب و لكنه صادفني في بعض من ايامي .كما ان هذا التأمل جعل لعقلي قوة تحليل سريعة .
اردت ان اوجد لنفسي هوايه اتسلى فيها فعلياً فلقد حاولت ان اقرأ اكثر و لكن كتب التشريعات التي لدينا و الحرب و الخطط الحربيه و طريقة صنع السلاح و التي عليها ختم رسمي بصلاحيته من الحاكم لم تكن ممتعه و من كثر ما اعدت قرائتها شعرت بالملل ، فلقد حفظتها،لدرجة انني فيما بعد رحت اتسلى بصنع الخطط الحربيه و افتراض الحروب فقط للتسليه ، فلقط كنت استخدم الاحجارالصغيره بأحجامها المختلفه ، و ما اجده قد يبدو مناسباً لهذه المهمة.
اردت تجربة الكتابه او حتى ربما الرسم فلقد كنت اظن انه لدي موهبة بسيطه في الرسم و لكن الاوراق كانت مكلفه و باهضة الثمن ، كما انني كنت اظن ان الأمر لن ينفعي .
لم اجد اعمال  الغزل و الحياكة و لكني كنت اجيد القليل من الخياطه و جاء ذلك للحاجه ، و لكنني بالمقابل كنت اجيد الطهي اردت ان اتفنن بصنع الاطباق و لكن ابي لم يكن يهتم لتغيير كهذا فلقد كان يكتفي بما امامه من طعام و لم يهتم لطعمه و لذلك وجدت انه لا جدوى من جمع الاعشاب من الغابه لإضافة النكهات .فلقد بلغت عامي الرابع عشر و انا في عزلتي الممتعه ، احببت قضاء وقتي لوحدي التأمل و صنع القصص و اختراع الخطط الحربيه .
في تلك الفتره اهل القرية قرروا بأن يتحاشوونا انا و ابي ، و نتيجة لذلك لم يقترب مني أطفال القرية لقد كنت مرتاحة جداً لهذا ، قضيت ذلك العام نوع من التسامح مع نفسي.
و حينها وصلت لعامي الخامس عشر ، لقد كانت تلك الفترة غريبة بالنسبة لي فلقد كنت ارى انعكاسي في المرآة و أجد بأنني تغيرت بشكل غريب ، لقد ارعبني الأمر في بادئ الأمر فلقد تغيرت ملامحي قليلاً و كبر حجمي، كنت أشهر بأنني امتلأت ، فلقد كنت قبل سنوات كعود الكبريت من قلة الطعام . بقينا انا و ابي منعزلين، كان ابي في السنوات الماضيه قد ضعف كثيراً و خارت قواه، كنت اجده يرفض الكثير من طلبات العمل ، كان يقضي معظم وقته جالساً امام الورشه ينطر للفراغ و كأن اخي سيلوح خياله في اية لحظه.
كنت موقنة تمام اليقين انه يعرف أخباراً عن اخي و لكنه لم يخبرني بها ، و حتى تصرفاته لم تظهر عليها اي ملامح .
كنت اتلهف لليوم الذي سيخبرني فيه عن اخبار اخي و لكنه كان عنيدا. كالحجارة كلما حاولت ان المح له كنت اجده يغرق في صمته.
حاولت ان اشغل نفسي عن التفكير السئ و المسرحيات السوداوية التي تدور احداثها في عقلي و بطلها اخي المعلق من رقبته ، فوجدت نفسي اتعمق في الغابه و اتجول فيها حتى وصلت يوماً بالصدفه لقرية مجاوره ، هناك رأيت الأسوأ رأيت مثالاً بسيطاً لما سماه اخي ظلماً و تجبرتاً .
حدث الأمر بوصولي عن طريق الغابه السوداء صدفةً للقرية المجاورة ، فقررت ان اتجول فيها و اقرانها بقريتنا المتواضعه ، كان الوضع في تلك القرية غريب جداً ، فلقد خيم الصمت على السوق و التجهم بدا واضحاً على اهلها و كأن مصيبة وقعت على رأسهم، و من دون سابق انذار سمعت صراخاً يأتي من مكان قريب ركضت ناحية الصوت ، وجدت الناس يتجمهرون ، و كان هناك مجموعة من جند الملك مور وجدتهم تجمهروا امام منزل صغير مهترئ، سمعت الناس يهمسون.
"هذه ثاني دورية اليوم!"
"إلى متى سيستمر هذا العذاب!؟"
"اتمنى ان يهلك الملك الظالم"
"اصمت أيها الغبي هل تريد الموت ؟"
"ليت الملك أوغست كان حياً"
نظرت للموقف جيداً كان هناك رجلاً امسكه الجند و راحوا يضربوه بقوة ، وجدتهم يسحبون امراة من داخل البيت من شعرها و هي تصرخ .
"ارجوكم توقفوا نحن لم نفعل شيئاً"صرخت المراة بتوسل و هل تبكي .
"اصمتي ايتها الخائنه "صرخ الجندي و هو يرميها ارضاً.
و هناك وجدت قائدهم يتقدم بثقه و سخرية ، كان يمشي بتكبر . نظرت لذلك القائد و فوراً تذكرت الشجره و عود الثقاب و النظرات الحاقدة ، لقد كان هو! هو الذي قال عنه اخي انه انساق للشر ،لوكي.
انه هو بعينيه الباهتتين الغاضبتين و شعره البني و بشرته البالغة البياض وجهه الكئيب. و لكن هذا الوجه الكئيب غلبه طابع خبيث ، حينما رأيته في تلك اللحظه شعرت بالخوف الشديد لا اعلم ما الذي جعلني اقلق لتلك الدرجه . وقفت هناك متجمده هذا الشخص فقد عقله تماماً.
جلس على الارض لمستوى الرجل الذي ضرب و قال بخبث كخبث الافاعي:"اذاً أيها الخائن ألن تتحدث!؟"
"نحن لم نفعل شيئاً صدقني"قال الرجل الجريح
"اما زلت مصر على رأيك... انطق و الا قمت بنحر زوجتك هنا امامك" قال لوكي
"صدقني لم اعلم ان ذلك الشخص تبعاً لحركة حقوق الشعب لقد ساعدته بحسن نيه "قال الرجل بتوسل
"ارجوك دع زوجي يذهب اننا ابرياء"قل المراه و هي تبكي
"حقاً ابرياء ؟!اعطيك مهله خمس ثواني حتى تعترف"قال بخبث و جنون
١
٢
٣
٤
٥
"انا لم افعـــ...." لم يكمل الرجل كلمته لأنه كان قد تلقى طعنة في رقبته.
راح لوكي ينحر الرجل و يفصل رأسه عن جسده ، وسط صراخ الزوجه و نحيبها و صراخ الناس و احتجاجهم، و صدمة الجنود.
"انظروا أيها القوم ، هذه نهاية كل خائن ، هل هذا مفهوم" راح يصرخ بغضب و هو يرفع الرأس الذي فارقته الحياة من دون ذنب واضح.
اكمل لوكي و يضحك بخبث "هنا هذا زوجكِ الخائن ودعيه"و القى بالرأس على الزوجه التي راحت تصرخ بإنهيار.
"انت انسان قذر ستقع في شر اعمالك يوماً صدقني " صرخت الزوجه.
"حقاً !؟ يا جنود قيودها هذه ستأتي معنا لقصر الاقطاعيه ، صدقيني سنحظى بوقت ممتع معاً سأريكِ شر أعمالي" قال بخبث و هو يمسح الدماء عن وجههه و يده.
امسك الجند بالزوجه وسط نحيبها و مقاومتها و هي تشتم و تهدد.
رحلوا و كأن شيئاً لم يكن ، اما الناس تفرقوا بخوف و ذعر و ابقوا الجثة في مكانها و كأن شي لم يكن ، اما انا فوقفت في مكاني بخوف و ذعر تجمدت ملامحي وقفت هناك بلا حركة اريد ان ادرك ما الذي جرى للتو؟!
اغلقت عيني استعيد ما جرى،فتحت عيني و جريت بسرعه اريد ان اعود لقريتي لا اريد ان ارى هذا الظلم الذي يقع لا اريد ان ارى هذا القتل لا اريد ان ارى الناس و هم يبيعون قلوبهم للوهم بلا جدوى. شعرت في تلك اللحظه بما قاساه اخي فهمت ما جال في خاطره ، و لكن هؤلاء الناس لا يهتمون لكل هذا كل ما يريدونه هو البقاء ، يعيشون على مبدأ البقاء للأقوى ، انهم حمقى ذليلون لا يستحقون ما يفنيه اخي من اجلهم.و لكن اعلم بأن اخي كان ضميره يؤنبه بشده لم يستطع العيش و هو يحمل هذا الثقل دون ان يصنع خيراً.

النار التي لا تنطفئحيث تعيش القصص. اكتشف الآن