الصدام في الغابة السوداء

9.6K 750 23
                                    

رحل الشابان و خلفا خلفهما ارواح تائهاً، لحقوا بما سموه يوماً و صوت الشعب و حقوق الشعب.
اما انا فعادت الرتابه لحياتي البائسه ، إيليوس صديقي الوحيد رحل ، رحل إلى مصير مجهول المعالم، جعلني ذلك اتخيل اسوأ الأحداث المسرحية في عقلي، لعب خيالي الدرامي الملئ بالكآبه ادواراً عديدة وصلت الى القبض على اخي و موته ، تخيلته مشنوقاً بتهمة الخيانه.
اردت الهروب من خيالاتي ، و لذلك عدت للواقع ، رحت انغمس في عالم السيوف و الرماح اكثر، فأنا ابنة حداد في النهاية ، و لكن صناعاتي كانت محدودة ، فأنا لم يكن بإمكاني حمل المطرقه الكبيرة.
شغلت عقلي بالعمل و لكن يومي كان فارغاً ينقصه الكثير ، و بسبب هذا الملل طلبت من ابي ان ارافقه في رحلته الى المدينه القريبه ليشتري المعدات الناقصه ،لقد كان ذلك طلباً جريئاً مني و لكن وجدته لم يمانع فهو كان بحاجه للمساعده.
لقد كانت المدينه التي سنرحل اليها مسافة يومان ، فلقد كنا سنغادر في عربة ابي، و سنبيت في البريه ،حزمنا امتعتنا البسيطه، لقد كنت متحمسة لهذه الرحله ، فالذهاب. الى المدينة القريبة بالنسبة لي كان كزيارة العاصمة و التجول في قصر الملك، كانت رحلتنا فجراً، اما ابي فلقد كان معتاداً ، فلقد كان يزور المدينه هذه شهرياً ليزور سوق الحدادين هناك و يتبادل معهم الخبرات و يشتري المعدات الناقصه ، و امر آخر جعلني اعتبر تلك الرحلة كالخيال لقد كانت الغابة السوداء فلقد توغلنا فيها لقد كان ابي من الناس الذين لا يخشوون التجول فيها فلقد كان يحفظ هذا الطريق ، لقد كانت الغابة ساحرة لم تكن كما كان يتحدث عنها اهل القريه ، لقد كانت تحمل سحراً غامضاً ببساطة، انعكاس أشعة الشمس على أوراق الشجر الكثيفه جعل الأمر يسرق قلبي ، كانت لحظات من الدهشة و المتعه الغريبه و كأن للنجوم انعكاس . اما ابي و الذي كان معتاداً على هذا الطريق لم يكن متعجباً فالتعبير في وجهه كان دائماً واحد، لقد كان عبوري من ذلك الطريق بمثابة أمل شعرت بقيمة الحياة و جمال طبيعتها امورٌ لم ادركها او افكر بها يوماً ، شعرت كل شئ له سبب! بالتأكيد وجودي في هذه الحياة كان لسبب، كنتُ دائماً اعتبر وجودي في الحياة في الماضي غلطه و محظ صدفه، كنت اعتقد بأني ولدت بلا هدف او قيمه و سأموت بلا قيمه، و لكن اليوم و لسبب غامض شعرت بقيمتي، فلقد كانت الغابة السوداء بظاهرها مرعبه و مليئة بالشر و الأرواح تتجول فيها بحرية و الشياطيين تتخذها مساكناً لها و لكن في جوهرها فهي كانت بالنسبة لي كالخيال، في الماضي مثلت لي الغموض و لكن الآن ها هي تمثل لي الجمال النقي الذي لا يدركه الجميع، كنت انظر لأبي و انا مدركتاً انه كان مدركاً لجمال هذا المكان، لقد كان الطريق ورعراً فعلاً اعاقنا كثيراً ، و لكن كانت المناظر خلابه. توقفنا عند المغيب لنرتاح ، نصبنا فرشنا الخفيف على الزاوية بين بعض الأشجار و بدأ ابي بتوظيب نار صغيره، وكانت تلك مرتي التي انام فيها في العراء، فمع الغروب رحت اعد طعامنا البسيط ، و ابي راح يجمع الأخشاب الصغيرة .
و بينما انا منهمكة في تقطيع الجبن الردئ الصنع ، شعرت بحركة من خلفي، صوت ارجل و تكسر اخشاب، لم اعر الأمر انتباهاً فلقد كنت اعتقد بأنه ابي او احد حيوانات الغابه ،و من دون سالق انذار شعرت بأحد يرفعني و يوثقني بيده فرحت أصرخ بمقاومه و انا ارفس و اتحرك هنا و هناك.
"اتركني أيها القذر اتركني"
حاول الغريب ان يوثق فمي بيده و لكن عبثاً حاول فلقد قمت بعض يده، لم يبدو بأنه تألم و لكني كنت متأكدتاً ان الأمر اغضبه.صرخ بعنف
"اصمتي أيتها الطفلة الغبية و كوني مهذبه"
"ماذا هل وقعنا على صيد جيد!؟" قال غريب آخر كان شاباً ذا طول و بشرة شاحبة تماماً و جسد ضعيف جداً و شعر يميل للشقار .
"لا يبدو صيداً جيداً يبدو انهم احد اهل القرى لا يمتلكون شيئاً"قال الغريب الذي كان يوثقني
نظر الي الرجل الآخر بإبتسامة خبيثة على وجهه و قال:"حسناً لن نحتاج لمال والدها و لكن هذه الفتاة ستكون مفيدة"
"و ما الذي سنفعله بطفله هزيله مثلها انها بلا فائده"
"انتظر اليها جيداً انها ذات جمال نستطيع ان نبيعها لأحد النبلاء التافهيين "قال و هو يتفحص وجهي بيده.
شعرت بالإشمئزاز اردت ان اصرخ و لكن صاحبه الضخم كان قد وثقني لم استطع الكلام او الحركة، رحت احاول المقاومه و لكن عبثاً حاولت ، نظرت حولي و رحت اتسآئل حول مكان ابي؟! و راح عقلي كالمعتاد الى اسوأ الإحتمالات بأن ابي باعني لهؤلاء الحثاله؟! لماذا هو غير موجود من غير المعقول انه لم يسمع صراخي . رحت شيئاً فشيئاً أيأس و أأقلم نفسي مع هذا الوضع المرعب، فلقد كنت خائفه منهم و لكن ما ارعبني هو فكرة ان ابي تركني لهم ، و خوفي هذا جعل نفسي يتباطئ شعرت و كأني سأفقد القدرة على التنفس ان لم تتوقف هذه المهزله.اغلقت عيني علني ارتاح او استرد بعضاً من نفسي .
و لكني حينما فتحت عيني وجدت نفسي اسقط ارضاً و تبعثر الرجلان و ارتبكا صرخ الشاب في الضخم :"أيها الغبي خذ و الفتاة و اهرب"
اما انا فرحت استجمع نفسي فلقد كنت اتنفس بصعوبه، وجدت سهماً على الارض و عدة اشخاص نظرت جيداً لقد كانا شخصان ، كانواً يلبسون الأسود و يغطوون انفسهم بجلود الحيوانات و فرائها ، رافعت رأسي قليلاً ، لقد كانا شخصان من قبيلة كرووتلان ، مجدداً كان احدهم يبدو مألوفاً ، ذات الضخامه و الشعر الأسود بالتسريحة الغريبه و اللحية الغزيرة، اما الآخر فلقد كان اصغر سناً فلقد خمنت انه ربما يكون عمره قريب من عمر اخي ، ببنية قوية و طول فارع و شعر اسود حالك يغطي اغلب وجهه مبعثر و بشرة معتدله لا حنطية كثيراً و لا بيضاء جداً، لم استطع تبين ملامحه جيداً و ذلك لأن شعره كان قد غطى اغلب ملامحه، مجدداً يتم انقاذي على يد الكروتلانديين بهيئتهم الغريبه و طولهم و المرعب، و في غمرة انهياري هذا وجدتهم يتقاتلون مع هؤلاء الرجال و الذين تضاعف عددهم لأربعة رجال ، لقد كانت سيوفهم غريبة جداً فالسواد كان قد تحول لمقابض سيوفهم و كانت لمقابضهم تصاميم عجيبه و فنيه و الأهم من ذلك ان سيوفهم كانت نحاسية و رشيقه ، و حتى على السيف كان هناك نقوش، بدت كما لو انها سيوف للزينه و لكن كان واضحاً بأن هذه السيوف لها قوة خاصه، اما انا في تلك اللحظه عقلي كان قد توقف فالصدمه و الخوف اخرساني وفي غمرة هذا القتال وجدت ابي مصدوماً كان قد عاد و في يده الأغصان و و بعض التوت ، وجدت ابي على الفور رمى كل ما يده و جاء الي و في عينية نظرة قلق لم اعهدها فيه و قال بقلق واضح:"هل انت بخير ؟!"
اجبت بصدمه كالمسلوبه العقل:"لقد كانوا سيبيعونني!، كرووتلاند لقد ساعدوني "
وقف ابي على الفور و راح يقاتل بجانب الكروتلانديين ، لقد كانت المرة الأولى التي ارى فيها ابي يشهر بسيفه بشكل جاد كل ما عهدته كان دروساً اعطاها لأخي، لقد كان بارعاً لقد كانت اسطورة ان ابي كان فارساً ذا رتبة في الجيش لم تدخل عقلي.و لكني الآن صدقتها.
انتهى الهرج و المرج و هرب قطاع الطرق و الذين كانوا بائسيين جداً لدرجة ان يتقاتلوا ليحصلوا على طفله قبيحة ذات شعر أحمر ليبيعوها و يكسبوا المال منها.
و بعد انتهاء القتال وقف ابي و قال بحزم:" بالرغم من اني لا تفق معكم ايها الكروتلانديين الا اني اشكركم على موقفكم النبيل مع ابنتي فعلاً و حقيقتاً لقد انقذتم حياتها"
وقف الكروتلاندييين و ضربا قبضتهما في كفهما الآخر و قد فهمت فيما بعد ان هذه هي تحيتهم و تعبيرهم عن السلام او حتى الشكر.

النار التي لا تنطفئحيث تعيش القصص. اكتشف الآن