حريه

8K 702 87
                                    

شعرت في تلك اللحظه بما قاساه اخي فهمت ما جال في خاطره ، و لكن هؤلاء الناس لا يهتمون لكل هذا كل ما يريدونه هو البقاء ، يعيشون على مبدأ البقاء للأقوى ، انهم حمقى ذليلين لا يستحقون ما يفنيه اخي من اجلهم.و لكن اعلم بأن اخي كان ضميره يؤنبه بشده لم يستطع العيش و هو يحمل هذا الثقل دون ان يصنع خيراً.
بعد تلك الحادثة المروعة التي رأيتها تحدث امامي ، اصبت بالحمى ، كنت قد بقيد لمدة ثلاثة ايام طريحة الفراش ، لدرجة ان ابي احتار بأمري و العجيب انني وجدته لازم غرفتي في يومي الثالث من المرض، وجدت في عينيه القلق و الإهتمام و ذلك الحنان الذي من المستحيل ان يصرح به.
كان جاء ليساعدني في مرضي ، بالنسبة لي لم تكن الحمى ذلك المرض القاهر ، كنت اعرف كيف اتغلب عليه، و لكن هذه المرة ، كان الأمر اسوأ منذ ذلك اليوم و المشهد ذاته كان يتكرر على في عقلي مرة بعد مرة مرة بعد مرة، و صراخ الزوجه كان صداه يتردد في ارجاء غرفتي، كان المشهد يزورني في منامي و في كل مره اريد ان اصرخ فيهم ليتوقفوا اكبل، و كان منظر لوكي البارد المستنفر بالذات يتكرر، ازداد حقدي لهذا الإنسان تمنيت لو اراه جثتةً هامدة.
و في اليوم الرابع تماثلت بالشفاء و عدت للرتابة و لنمط أيامي المعتاد، و كنت قد عدت بنشاط و بهذا قررت بأن اتبضع من القريه، كنت لا اذهب للقريه الا للضرورة ، و هناك لا احادث احد و لا القي التحية حتى كنت فقط ازور العمدة احياناً .
و بهذا ذهبت للتبضع ، كان الطريق خالي تماماً امامي، وصلت للخبازوًاخذت بعض الخبز الذي كنت اتمنى ان يكفينا لبعض الوقت لم اكن اريد ان اقوم بزيارة اخرى للقريه،و انا اهم بشراء بعض الخضروات صادفتني هناك جولي ، وقفت جولي لورز امامي بشموخ و قالت لي بغرورها المعتاد:"مرحباً دراقون "
رمقتها من طرف عيني و عدت لتبضعي
"كيف هي اخبار اخيكِ؟!"
لم اجبها انما اكتفيت بالصمت
"الم يصلكم منه رد؟! ، مؤسف بالتأكيد انه مات او شئ من هذا القبيل ما دام انه لم يكتب لكم الى هذا اليوم" قالت بسخريه و اكملت
:"مؤسف ان يموت هكذا و هو بعمر الزهور"
تمنيت لو استطيع ضربها او حتى خربشة وجهها بسكيني، و لكني اكتفيت بالصمت ، كنت اعلم بأنها تشعر بالإستياء من اخي لأنه في الماضي لم يبادلها الاعجاب.
مررت من جانبها بهدوء ، و هممت اكمل طريقي للعودة ، اكتفيت بالصمت لا لخوفي من ردة فعلها انها انسانه تافهة و لكن اشفقت عليها فهي بدت بالنسبة لي رخيصة تماماً .
اكملت طريقي للبيت و ياللعجب صادفت ماتي ، لم أعلم ما الذي سلطهم علي اليوم بالذات .
"توقفي عندكِ أيتها التنينه القبيحة" قال بوقاحة
"ماتي ابعد شرك عني و الا خربشتك بسكيني ، لن تنفعك امك او حتى اهل القرية الجبناء" قلت بصرامه
"اللعنة على سكينكِ"صرخ بغضب
"بل اللعنة عليك"اجبته بحزم
"ما الذي كنتِ تحادثين جولي به قبل قليل!؟ هل كنتِ تحديثينها عن اخيكِ" قال بتحقيق
"ما شأنك انت ؟! ابتعد فلا وقت لدي ، اذهب و اسألها بنفسك" قلت بغضب و انا اهم بإكمال طريقي
وجدته امسك بي من كتفي و راح يصرخ:"ان جولي لي لقد تعاهدنا على الزواج اخبري اخيكِ الأحمق ان يبتعد عن طريقنا و يهتم بشؤونه "
رحت ارمقه بغضب و كنت في داخلي اغلي و لكني تمالكت اعصابي لقد كان يومي جيداً و لا اريد ان اعكره بتفاهة هؤلاء الأغبياء .
وجدتني و من دون شعور و بكل غضب صفعته بأقوى ما لدي لدرجة انه وقع ارضاً ، لا اعتقد بأن الأمر بسبب الضربه انما كان من هول الصدمه . في تلك اللحظه جاءتني تلك القوة التي جعلتني اشعر بأنني حره ، يداي ليستا مقيدتان ، لماذا يجب ان اصمت !؟
"ان استمريت بأفعالك الدنيئه صدقني سأضربك بشكل اقوى ، انت و جولي الحمقاء ستبتعدان عن حياتي و عن حياة اخي هل هذا مفهوم أيها القذر!؟ " صرخت في بتهديد.
وجدت في عينيه شئ من الرهبة و الصدمه في كل مره يجب ان اهزه ليتعلم درسه، ان كل ما اقاسيه هو بسبب جولي تلك!، تعاهدت انني ان رأيت وجهها مرة اخرى سألقنها درساً قاسياً.
عدت للبيت و انا اشعر بالغضب كنت اعمل على احدى السكاكين الصغيرة ، رحت اضربها بكل غضب و كأنها هي عدوتي ، حتى كدت اجرح نفسي و هنا قرر ابي و الذي كان يراقب الوضع كما بدا بأن يوقفني، و قال : "توقفي يا فتاة و اذهبي لتحضير العشاء".
و اطعت الأمر ، كان الوقت قبيل الغروب رحت انظر للسماء و اتأمل لونها و هو يتغيرمن درجات الازرق لدرجات الاحمر ، استنشقت بعض الهواء و حينما فكرت بالأمر ما الداعي لكل هذا الغضب ، لا شئ يستحق لا شئ يستحق. تناقض عجيب .
و على طاولة العشاء و من دون مقدمات تحدث ابي بوجه صارم جاد و قال:"منذ اليوم سيتوقف عملك في الورشه"
"ماذا؟!"نظرت له بصدمه
"قلت ستتوقفين عن العمل في الورشه ان الحدادة ليست للفتيات ، لقد اخطأت بإقحامكِ في هذا المجال "قال بصرامه
"و لكن ابي انا احب عملي اجد فيه متعه"قلت
بإستعطاف
"جدي لكِ أمراً آخر"قال و هو يغلق على الموضوع
كان قرار ابي لا رجعة فيه، لقد كان يفعل هذا لمصلحتي و لكني في تلك اللحظه كما لو انه كان يحاول معاقبتي ، لم يكن هناك اي فائده من الجدال مع ابي لقد كان رجلاً كالجبال لا يهتز من مكانه.
فكرت بالأمر لقد كان يريد ان يبعد عني القيود التي فرضها علي سابقاً و لكن ،في حياتي لم اجد اي متعه ، لقد كنت بالرغم من كل ما مررت به ،و ما حاولت ان اصلحه كنت لا زلت مهزوزه من الداخل متقلبه، اشتعل سريعاً ،احاول ان ادعي البرود ، لقد كنت خائفةً من فراغ كهذا، كنت اخاف من ان تتكرر تجربة البحيرة الأليمه.
تناولت عشائي بهدوء و ذهبت للنوم.
في اليوم التالي بقيت في فراشي اعاني من الوحدة و الإكتئاب الشديد، الى متى سأبقى مهزوزة كالريشه تلقي بي الريح هنا و هناك.و لكن قررت ان لا اسمح لنفسي بهذا الإكتئاب ، نهضت من فراشي حملت سلتي و كان فيها كتاباً يخص قوانين الدوله ، حملت وجبة فطوري ، و قررت ان اذهب للغابه و هناك كنت اريد ان امارس هواياتي البسيطه التي اوجدتها لنفسي ، بدأت بتناول فطوري و بقراءة الكتاب اسفل احدى الشجرات ، و لكن سرعان ما شعرت بالملل ، قررت ان اغير نشاطي ، و اتجول قليلاً بالغابه ،و لكن لا جديد ، عدت للبيت و وصلت للورشه اردت ان احمل المطرقه و لكن وجدت ابي يرمقني بغضب ، و هذا جعلني اتراجع، خرجت من الورشه وجدت احدى السيوف و التي سيكون مصيرها مع الأسف الاتلاف لأن أحد الزبائن لم يرغب به.
قررت ان آخذه و رحت العب به ، تذكرت لعبتي بالسيف مع اخي ، رحت الوح فيه و كأنني اتدرب على المبارزه، لا اعلم كم مرمن الوقت و لكن قضيت في هذه اللعبه امتع اللحظات كان و كأن الريح بالفعل تحملني كما تشاء و لكن بكامل ارادتي.
خرج ابي ليرتاح قليلاً وجدته يقول لي :"ارفعي ضهركِ قليلاً ليساعدكِ هذا على تحمل ثقل السيف"
رفعت ضهري و فعلاً شعرت بخفة السيف و خفة جسدي ، كان الأمر كتقديم رقصه غريبه.
و من بعد تلك الحادثه وجدت نفسي مع ذلك السيف كل يوم ارقص على انغامه ، كانت تلك هوايتي الجديده التي لم يمانع ابي بأن امارسها بل و راح يسدي الي النصائح ، كنت اغلق عيني و اطلق العنان لنفسي، كنت اسمح للطبيعه لأن ترشدني،لم يكن الأمر صعباً علي لأني اعتدت على السيوف و انواعها منذ صغري، و مع الوقت وجدت نفسي اتحد مع هذا السيف اكثر ، كنت اشعر بأنني وجدت لنفسي اسلوب قتال جديد، لم اكن اريد ان اقاتل و لكن الأمر كان فقط للمتعه.
وصلت لعامي ال ١٦ و كان هذا العام هو النقطه الفارقه في حياتي، تحسنت علاقتي مع ابي كثيراً ، اصبحت اكثر هدوئاً.
غادر ابي المنزل ليذهب للمدينه الكئيبه و ليحضر المزيد من المؤن أما انا ففضلت البقاء . لقد كان من المفترض ان يرحل لثلاث أيام و لكني وجدته في اليوم الثاني ، وقف امامي بينما كنت في المطبخ اغسل الصحون ، كان ينظر الي بضياع و بخوف وجدت فيه القلق و الحزن و الخوف كان كالعاصفة المبعثره ، لم اعرف ماذا اصاب ابي في ذلك الوقت ، امسك بيدي بقوة و قال و هو يسحبني:"ليس لدي وقت للشرح و لكن هذا للأفضل"
"ابي ما الذي يحدث توقف و أخبرني ما الذي يحدث؟!"قلت و انا اقاوم قبضته .
وجدته يكمل طريقه بصمت ، وقفنا امام قبو الورشه ، لقد كان هذا القبو هو مخزن للمؤن.
"ابي ارجوك اخبرني ما الذي يجري !؟"قلت برجاء و انا اقاوم دموعي فرؤية ابي في هذه الحاله حطمتني
وجدته يفتح باب القبو .
"ان هذا للأفضل ، أنا لا أكرهكِ دراقون"قال بشئ من الغموض
وجدت نفسي اهوى من ارتفاع عالي حتى استقر جسدي على ارضية القبو الحجريه ، لقد كان الم جسدي عظيماً و لكنه لم يكن يشبه الم قلبي في شدته ، انا لم افهم شيئاً ، فلا اعرف ما الذي اصاب ابي و لكن كل ما وجدته انه اغلق باب القبو و اقفله و اختفى .

النار التي لا تنطفئحيث تعيش القصص. اكتشف الآن