16 |عينان كالمجرة|

12.3K 1.3K 302
                                    

لم أكن أملك أي طريقة لأصل لها ، لا أعرف اسمها ولا شكلها ولا عمرها ولا حتى لباسها أو لون شعرها ، لا شيء .. فقط أعرف أنها فتاةٌ حمقاء أتت لهذه الحانة وشربت حتى ثملت وتنوي الانتحار ، ولا أستغرب أن تفعل .

حين تركت ستيلا ومشيت لاحظت وجود باب خلفي ، خرجت منه لأجد عجوزاً كبيراً بالعمر يحمل بيده سيجارة ، سلمت عليه وسألت غير آبه لإخفاء نبرة التوتر من صوتي "هل خرجت فتاةٌ من هنا ؟"

"تخرج مئات الفتيات كل يومٍ من هنا ."

"أعني .. اسمع سيدي ، هي كانت في الداخل وشربت كثيراً ، وتنوي قتل نفسها ."

ابتسم وقال "من أنت ؟"

سؤاله وابتسامته جعلتني أدرك أنه يعرف ، تسارعت نبضات قلبي بسرعةٍ خيالية للمرة الثانية ، اقتربت منه وقلت "أنا صديقٌ لها وأبحث عنها ، أرجوك .. هي من الممكن أن تقتل نفسها ."

أشار لزاوية الحي الضيق وقال "لقد خرجت وجلست هنا ، تكورت على نفسها وبكت بصوتٍ عالٍ ، صرخت حتى شعرت أن حبالها الصوتية ربما ستتقطع ، الشفرة في يدها ارتجفت وهي تقربها من يدها ، أنا لم أمنعها ."

شددت الظرف على يدي بقوة حين قال جملته الأخيرة ، كنت مستعداً إن قال لي أنها فعلتها أن أتناول كل حبةٍ به ، لكنه تنهد وتابع "أخبرتها أنه لن يكون سعيداً إن قتلت نفسها لأجله -بغض النظر من هو- أخبرتها أنه يحب أن يراها قوية ، وأنه يريد أن تعيش بقوتها كلها ، أخبرتني أنها تعبت كونها قوية ، ولم تعد تريد أن تكون ..

رمت الشفرة على الأرض وطلبت مني أن أحميها من نفسها ، هي بتلك الغرفة ."

"أرجوك .. سأطصحبها لمنزلها ."

هو رمى لي المفتاح لأقترب ناحية الباب ودقات قلبي تتسارع ، رميت ظرف المخدرات في فتحة للصرف الصحي على جانب الطريق ، فتحت الباب بأصابع مرتجفة ، كوني سأراها ، سأرى وجهها ، سأعرف الفتاة التي ترسل لي منذ مدة وأنا لا أعرفها ..

الأمر كله كان خطئاً ، أو ربما صدفة ..

كوني أنا وهي لا نعرف بعضنا ، مختلفان ربما في كل شيء ، عرفتها لأنها راسلتني ولم أعرفها ، وراسلتني دون أن تعرفني أيضاً ..

هي دخلت لحياتي دون رغبتي ، ودون رغبتها أيضاً ، ودون أن تدري أنها فعلت ، عاشت تقتات على حبٍ قديم صنع منها شخصاً جديداً ، شخصاً لا تعرفه هي، ثم حملها الماضي إلي ، كقطعة تاريخيةٍ ثمينة أقسمت أن أهتم بها وأحميها أبداً..
  أنا أراهن أنها كانت مدللته وحبيبته الصغيرة ، أما الآن صارت قوية ، حادة ، وقاسية .

فتحت الباب ودخلت مغمض العينين ، خائفٌ بشدة من رؤيتها ، كيف ستكون ؟ ما شكلها ؟ ما لون شعرها ؟ لون عينيها ؟ طويلةٌ أم قصيرة ؟ جميلةٌ أم قبيحة ؟

همست بصوتٍ خافت "سامحيني أرجوك ."

لا أدري لم اعتذرت منها ، لكن لا أظنها ستكون سعيدة إن عرفت بما أفعل ، فتحت عيني لأراها جالسةٌ على السرير تحدق بالفراغ ، شعرها أسود كالليل ، بشرةٌ حنطية ، رفعت نظرها إلي لتقابلني عيناها ، نظرت لي وقالت "من أنت ؟"

Addicted | مدمنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن