- ٧٠ -

31.5K 985 171
                                    

الفصل السبعون

الإنسان مهما حاول أن يخدع نفسه ويتعامى عن الحقيقة فإنها تظل تطارده إلي أن تنفجر في وجهه كالقنبلة الزمنية في أي لحظة..

وبقدر ما نهرب من الحقيقة بقدر ما يكون انهيارنا أمامها نهائيًا..

وبقدر ما تتضاعف أمامها الآلام والمشاكل حتى لنتمنى حين نجد أنفسنا أخيرا أمامها لو كنا قد وفرنا على أنفسنا عذاب الهروب والمطاردة وخداع النفس، وواجهناها منذ البداية وتحملنا تبعات تلك المواجهة بشجاعة..

فلا أحد يستطيع أن يتجاهل الحقيقة حتى النهاية، ولا أحد ينجو من تبعات ما جنت يداه ذات يوم مهما طال الفرار، ومهما كان ماهرًا في خداع الآخرين.. وخداع نفسه..

(عبد الوهاب مطاوع - خاتم في إصبع القلب)

حينما يريد المرء النجاة فهو يحاول بكل ما تبقى لديه من مقدرة على المواصلة، المقاتلة والمثابرة .. هذه هي الفرصة الوحيدة أماماها، لقد أدركت الآن أنها لن تستطيع أن تصرخ بوجهه وتخبره بالإبتعاد .. عليها أن تكون اذكى منه هذه المرة!!

توجست وهي تمضغ ما يُطعمها اياه في هدوء وبصعوبة استطاعت ألا تنظر بعينيه وحاولت الهروب من بنيتيه التي اصبحتا تصيباها بالخوف فمنذ انعكاس تلك الألهبة على وجهه وهو يقوم بحرق الرجل وهي لا تستطيع نسيان كيف بدت ملامحه وخاصةً عينيه .. مجرد تلك الذكرى بمصاحبة قتله لآخرين حرقًا بالنيران أو بأسلحة تجعلها ترتعد وكأنه خلق لقتل البشر .. مميت!! هذا كل ما تدركه .. هو مميت ولا ينجو منه أحد!

قدمت شفتاها بعفوية لتكمل هذا الطعام فهي لا تزال تشعر بالتشويش ولا تستطيع أن تهتدي لخطة واضحة بعد في كيفية الخلاص منه والهروب والعودة إلي مصر وأكملت دون أن تنظر له ليباغتها بجذب الطعام بعيدًا فأشرأبت عسليتيها إليه في تلقائية لتلتقي بخاصتيه الحائرتان وهو ينظر لها نظرة أجفلت حواسها لتحمحم وهي تبتلع وظلت ناظرة له في هذا الجو الكئيب وتلك النسمات الباردة في هذه الغرفة التي لم تظن بأحلك كوابيسها أن ستتواجد بها يومًا ما!

ضيق حادتيه وهو يتفحصها مليًا ليتسائل في همس بنصف ابتسامة متغطرسة:

- إيه؟ خايفة تبصيلي؟!

أومأت بالإنكار سريعًا وارتجفت شفتاها وهي على مشارف التكلم ثم اجابته بصوت مهزوز:

- أأنا .. أنا بس يعني.. مكنش قصدي اضربك بالمسدس.. والأوضة هنا غريبة ومضايقة إنك لسه رابطني في السرير.. وبابا وماما وفريدة أنا..

دجى الليل الجزء الثالث - شهابٌ قاتم كاملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن