أفاق جديدة

663 71 27
                                    

رينا كانون الثاني 2021

مضى ما يقارب الخمس دقائق وأنا أشرح لمارك عن مخططات نهار الجمعة، سألته في النهاية:"ما رأيك إذا؟"

كان يتابعني كل تلك المدة برأس مائل وابتسامة واسعة لكنه استقام عند سؤالي كأنه استيقظ من النوم:"بماذا؟"

ضربت الطاولة بانفعال :"ألم تكن تستمع لي بحق الأرض؟"

أخفض رأسه ضاحكا:"الأمر أنني اشتقت لكِ وأنتِ تتحدثين بهذه الطريقة، من الجيد أن روحك عادت وأخيرًا، شعرت أنني سأموت وأنا أنتظرك".
كيف يمكنه التلفظ بكلمات كهذه على هذا النحو من الهدوء؟ أراهن أن وجنتاي اشتعلتا.

حاولت العبوس:"سأكرر ما كنت أخبرك به، استمع هذه المرة".
وافق على الفور فشرعت بالحديث:"من الفعاليات المعتادة في مدرستنا أن يحدد يوم لا يتم التدريس فيه، بل يُحضر كافة طلاب المدرسة أصدقائهم، يحتفلون طيلة النهار وينظمون عروضا ونشاطات مختلفة منها شيء مخصص بطلاب السنة الأخيرة كإفتتاح متاجر صغيرة يبيعون بها شيء من إختيارهم وتذهب الأرباح لدور رعاية معينة، إذا كان لديك بعض الوقت الفارغ وإن كنت تريد..."

"سوف أحضر". قاطعني بحماس، شعرتُ بالإبتهاج، إنها السنة الأولى التي أحضر بها صديق لي.

أكملتُ:"أفكر بأن أطلب من أبي تجهيز بعض الوجبات اللذيذة لأعرضها، ما رأيك؟"

"أظنها فكرة رائعة ما دامت الأموال ستذهب كتبرعات، يمكنه صُنع أصناف من الحلويات ونغلفها في أكياس ليتم بيعها ويمكنني المساعدة".
بالفعل ما اقترحه مارك هو ما حصل، أنا، مارك، كارين وأليكس كنا في ليلة يوم الإحتفال نساعد أبي الذي أعد العديد من الكعكات والشطائر، أدهشتني الطريقة التي زينها بها فحين غلفناها بدت مثالية جدا، أبي حقا ولد بهذه الموهبة.
استشعرت سعادته بوجود أصدقائي حولي ولم أغفل عن كونه مرتاح بالتعامل مع مارك على عكس الأخير الذي يجفل كلما نادى أبي اسمه، ابتسمت على حاله، لماذا يتوتر منه؟ 
لو لم يكن أبي يثق بمارك لما طلب مساعدته لإقناعي بتناول الطعام حين كنت محبطة وملازمة الفراش.

عقب إنتهائنا كان والدي قد ترك بعضا من الأطباق جانبا حتى نتذوقها سويا، جلسنا حول الطاولة وسرعان ما شرعنا بالتحدث في مختلف الأمور، حتى توقفنا عند موضوع يؤرقني بعض الشيء وهو إختيار تخصصي الجامعي، كارين محتارة أيضا لكنها على الأغلب ستدخل شيء متعلق بالإدارة لتساعد بشركة عائلتها، أليكس أجاب أنه لا يعلم لكنه أخبرني سابقا أنه يحبذ الإعلام إلا أنه يجهل إذا كان باستطاعته العمل به وهو مصاص دماء.
تحولت الأنظار نحوي، زفرت بإحباط:"لم أحدد بعد، هناك عدة إختصاصات أحبها لكني غير قادرة على تحديد أي منها ولا أملك موهبة محددة تساعدني على الإختيار".

"ما الذي تقولينه..." بتر مارك جملته عندما إنتبه لإنفعاله المفاجئ ثم استرسل بهدوء مرتبك:"أقصد، الجميع يعرف مهاراتك العالية بالتدريس، هذا جعلني أعتقد أنك تفكرين بالفعل بالتعليم كمهنة مستقبلية".
فاجأني كلامه قليلا، في الحقيقة لقد اعتدتُ على تخيُّل نفسي أدخل الصف كمعلمة وأشرح للطلاب، إضافة إلى أن مارك ليس أول شخص يخبرني بأنني بارعة في الشرح لكن لم أكن آخذ ذلك على محمل الجد، الأمر الوحيد المتبقي هو الكلمات الأخيرة لأمي، طَلَبَت مني أن أركز على دراستي حتى أصبح في المستقبل ذات مكانة تمكني من مساعدة الآخرين وأن أستعمل ذكريات فراقها بهذه الطريقة المؤلمة كدافع لأكون منقذ لمن يحتاجني دائما، لم تحدد ما عليّ أن أكون لكني لطالما فسرت كلماتها على أنها تلميح لإختصاصات مثل الطب وغيرها فعادة هي الأكثر شيوعا حين يشار لمساعدة الآخرين لكني حقا لا أحب هذه المجالات.

BLODREINA | بلودريناحيث تعيش القصص. اكتشف الآن