تعالي نتخيل...
ماذا لو طال بنا العمر إلى الثمانين ،
ودهس القطار زوجكِ ،
والتهم الحوت زوجتي ،
وبقينا عجوزين أعزبين ،
وبات القرار لكِ ،
وجئتك أطلب الزواج منكِ.هل تقبلين بيٍ زوجًا ؟
أتخيلك وأنتِ تديرين وجهكِ للجهة الأخرى
كي تداري عني احمرار خديكِ ،
ثم تؤمني لي بالموافقة.ماذا لو رتبت لنا الأقدار
زواجًا متأخرًا ؟
أين سنقضي شهر العسل ؟
إلى أي المدن تريدين السفر ؟
أقسم بأني سأقول لكِ كلامًا
لم تسمعه إذن بشر !سنسافر بعيدًا إلى جزر القمر ،
سنسبح كثيرًا في ماء النهر ،
ونتمدد على رمال الشاطئ
كتمساحين عاشقين فارقهما الضجر ،
نسير في شواع الربيع الليلية وكل واحد فينا ،
يمسك مظلة احتراز المطر ،
نسير متشابكي الأيادي ،
فوق أرصفة الضباب ،
بخطوات بطيئة
ونحن نتمنى في قلوبنا أن يطول المشوار
أو أن لا نصل إلى وجهتنا أبدًا ،
نخاف على بعضنا كثيرًا قبل أن نقطع الطريق ،
وحين نصل إلى الضفة الأخرى
أمسكك من خصرك كي أساعدكِ على تخطي عتبة الرصيف ،
ثم نكمل السير تحت أشجار البرتقال ،
وحين نرى العشاق وهم يتبادلون القبل والأسرار
نبتسم على حياء ثم نكمل المشوار.وحين تهطل علينا الأمطار ،
لا نفتح المظلات ،
بل نتصدق بها على الفقراء
وندع قطرات الأمطار تغسلنا ،
حتى تُزيل عن أجسادنا غبار الشيخوخة ،
فنعود شابين كما كنا في سالف الأزمان.حين أكون في الثمانين ،
هل سيكون في مقدوري أن اجذبكِ
كما كنت أفعل بسهولة عندما كنت شابَِّا؟
هل ستغريكِ مفاصلي التي تصدر أنينًا
يشبه أنين مفاصل باب لم يُفتح منذ زمن ؟
ألن تنفري من رائحة الموت العالقة في ،
وشفتي الضامرة العابقة بطعم القهوة والسجائر ،
وفمي الذي سيبدو حينها كإسفنجة حانة قديمة ؟
وتلك التجاعيد التي حفرت لها أخاديد عميقة حول عيني ؟هل سيغريكِ جسدي المنتهي الصلاحية ؟
وجلد الأشبه بجلد سلحفاة ميتة ؟
ألن يزعجكِ تذمري ؟
وصوت المعصاة التي أتوكأ بها ؟
والبحة العالقة في صوتي ؟
وأذني التي لا أسمع بها جيدًا ؟
والنمش الخفيف على وجهي ؟
وغضبي حين أفتش عن طقم أسناني الذي نسيت أين وضعته ؟
أتخيلكِ وأنتِ في الثمانين !
تبدين فاتنة ،
عصية على الأيام ،
وكأنك عقدتِ هدنة مع الزمان ،
فبات يمضي بجواركِ من غير أن يمسكِ !
أتخيلكِ فتاة مراهقة في الثمانين من عمرها ،
مجنونة ، لا تزال عليها آثار الصبا والشباب ،
فتاة في الثمانين جميلة ،
لها عينا قطة منزلية.وأنف مستقيم كما هو الحق ،
وجسد خُلق ليكون ساعة رملية ،
فتاة في الثمانين كانت متزوجة ،
ومات زوجها مدهوسًا بالقطار ،
ثم تزوجها حبيبها ،
بعد أن ألتهم الحوت الطيب زوجته ،
ليكتشف أنها لا تزال تحبه مثل تلك الأزمان ،
ليكتشف أن في الغياب لم يطأ قلبها إنسان ،
ليكتشف أنها ما فقدت يومًا الأمل وما ملت لحظة الانتظار !
أنت تقرأ
مدينة الحب لا يسكنها العقلاء
Romanceلن يفهم سطور هذا الرواية. إلا أولئك الذين قد تجرعوا ذات يوم مرارة الفراق. فإذا كُنت لست منهم ، فإن هذه الرواية لا تعنيك ، اخرج منها فوراً ، وغادر الصفحة بهدوء.