لم تكن الغرفة مضاءة. لكنها رأت كل شيء.
نافذة وحيدة ترسل شعاع نور كان ضرورياً للمشهد.
الفتاة المدماة مقيدة للمقعد بأسلاك معدنية رفيعة تقطع جلدها في خطوط دموية سالت على طول القوائم الخشبية الباهتة للكرسي.
مسامير كثيرة ثبتت الأقدام الأربع للمقعد في الأرضية الخشبية.
الصوت الوحيد في الغرفة أتى من الحشرجة الحلقية التي أطلقتها الفتاة في محاولة لإبقاء رأتيها تعملان.
كانت تلهث، ورأسها يدور، وغشاوة عينيها تحجب المنظر أمامها كل دقيقة. كانت هذه المرة الوحيدة في حياتها التي تتمنى أن تفقد وعيها الآن، وربما ألا تستعيده مطلقاً. لكن الرعب كان يجعلها أكثر وعياً مما كانت في أي يوم آخر.
كانت أطرافها ترتجف، من البرد أو الألم أو فقدان الدم، لكنها لم تحاول رفع اليد الوحيدة التي تركت حرة لتحاول محاولة عبثية الفكاك من القيود التي أصبحت تحت جلدها.
سمعت صوت الخطوات آتية من الطرف الآخر للغرفة، تنبثق من قلب الظلام وترسل أمواج فوق أمواج من الخوف لتسري بدل الدم في عروقها.
توقفت الخطوات عند حدود النور، لكنها رأت الهيئة التي كانتها، سمعت الكلمات التي قالتها، وشعرت بقبضة السكين تحرق يدها، لكنها مع ذلك، لم تترك التهديد معلقاً فوق رؤوس أسرتها..
راقب الظل عند حدود الضوء السكين في اليد الوحيدة الحرة يرتفع في الهواء، يلمع تحت شعاع النور، ثم يختفي داخل صدر الفتاة التي ظنت أنها أنقذت أحداً، ينفجر ينبوع دموي حولها، تسمع في صمت الليل حشرجة الإحتضار وترى النور يتلاشى من العينين البنيتين شديتي الإتساع، ثم يهمد الجسد وحيداً فوق الكرسي المثبت في الإرض، يسبقه ستة آخرون لم يعرف أيهم شيئاً عما حل بالآخرين.
****
لا شيء يبقى على حاله لوقت طويل كفاية. كان كوستيا يعرف أن كل هذا سينتهي في يوم ما. إرهاق ما بعد العمل، تجنب إيرا الممتد لهم، إتصالات والده الذي يحاول أن يبلغها بأي شكل حتى لو عن طريقه هو، وفي النهاية..هو أيضًا في يوم ما لن يعود لهذا البيت بعد يوم عمل طويل.
كانت الساعة على وشك بلوغ الحادية عشرة مساءًا، لم يكن لديه الوقت ولا الطاقة إلا لتناول وجبة سريعة والخلود للنوم لأجل محاضرات الغد التي يتبعها دوام العمل المسائي مجدداً. حلقة أخرى مفرغة في هذا العالم الذي يوشك على الزوال.
في طريقه لغرفته توقف أمام باب إيرا الذي لم يُفتح منذ عشرة أيام. لم يرها أحد لأكثر من أسبوع، والسبب الوحيد الذي يجعله متأكداً أنها لا تزال حية في الداخل، هو أنه اشترى بنفسه مؤنة العصائر والبسكويت المعلب وأغلفة الكيك والكثير من الأطعمة التي ليست أطعمة حقاً لكنها تملك ميزة كونها طويلة الأجل عكس الأطعمة الحقيقية المطهوة منزلياً. كان قد وضع العلب أمام غرفتها وترك لها رسالة، ورغم أنها لم تجب على رسالته تلك أو الكثير الذي تبعها، إلا أن العلب اختفت من أمام الباب، ورسائله كانت تُقرأ باستمرار، وهذا كان دليله الوحيد على أن هذه القصة لم تنتهي بعد.
أنت تقرأ
The WOMAN from the other Side
Mystery / Thrillerإيرا زايتسيڤ ليست طبيعية، تعلم ذلك ولا تحاول تغيير تلك الحقيقة، تعيش حياة معكوسة ولا تتفاعل مع الكثير من البشر. دماغها لا يعمل بالضبط حسب الطريقة النمطية، لذا عندما فتحت باب غرفتها ظهر يوم إجازة إستعداداً للنوم لتجد نفسها تجلس على سريرها تحدق لها به...