التاسع والثلاثون الجزء الثاني

38.6K 2K 200
                                    

للقلب سلطان آخر
الجزء الثالث
       من
أسيرة الشيطان
الفصل التاسع و الثلاثون 
الجزء الثاني
¤¤¤¤¤¤¤¤
صمت زين تلمع الدموع في عينيه حزنا على حال شقيقه ، أما جاسر فظل ينظر إليه وعقله يحاول أن يحلل ما سمع توًا ، هل من الممكن أن يكن عمار ضحية هو الآخر ، هل فعلا لم يكن يملك خيارًا سوى الإيذاء ! ، هل يكتفي بما فعل
ويتركه يذهب لحال سبيله ، زين لا يكذب ... حرقته القوية والألم العميق في صوته حين كان يتحدث عما حدث لشقيقه لن يقدر على تمثيله شاب استيقظ من حادث مؤلم منذ دقائق فقط ، تنهد وقام واقفا مد يده يربت على كف زين يردف :
- حاضر يا زين ، أنا هبعد عنه وماليش دعوة بيه تاني ، بس بلغه أنه لو لمحته صدفة في حياتي حتى هقلته ، حمد لله على سلامتك يا زين عن إذنك
وتحرك يغادر الغرفة يحاول ألا ينظر صوب عمار ولكنه فعل ، وما رأى كان صورة هشة لرجل يقف بعيدا يرتجف يبكي عينيه معلقة بباب غرفة زين ، وكأنه طفل صغير ينتظر خروج والدته لتطمأنه ، زفر أنفاسه حانقا يتحرك لخارج المستشفى ، لم ينتظر عمار أن يسمح له الطبيب برؤية شقيقه ما أن خرج جاسر اندفع إلى غرفة زين ، ما أن دخل تجمدت قدميه وهو ينظر لشقيقه وكل ذرة به تصرخ فيه أنه السبب فيما حدث لشقيقه وأنه من يجب أن يموت ليتخلص الجميع من شيطان مثله ، تحرك صوب فراش شقيقه تفيض عينيه بالدمع ، اقترب منه يجلس أمامه على الفراش مسرعا مد يده يمسك بكف يد زين يحادثه باكيا :
- ما تسبنيش يا زين ، بالله عليك ما تسيبني ، أنا دايما كنت بقعد اتريق عليك وأقولك أنت طيب ، أنت ما تعرفش أنا أقدر أعمل ايه ، أبعد عني أنا مش عاوزك تقرب مني ، عشان كنت خايف عليك ، إنما في الحقيقة أنا أضعف وأجبن مما تتخيل يا زين ، أنا ما بحسش بالأمان غير لما أنت تكون موجود ، أنا دايما كنت بحاول أبعدك عشان ما تتأذيش عشان ما يطولكش شر نصار
شد زين على يد شقيقه برفق يقاطع ما يقول مترفقا به :
- عمار عشان خاطري بطل عياط ، أنا كويس والله أهو صدقني ، خلاص يا عمار أنسى كل اللي فات ، وأنا مستعد أجي أعيش معاك هنا في أسوان ، ونبعد عن كل اللي فات
حرك عمار رأسه للجانبين رفع يديه يحاول أن يمسح دموعه يرفض ما يقول أخيه :
- لا يا زين أنا مش هسيبك توقف حياتك عشاني ...
قاطعه زين حين أمسك بكف يده يقبض عليه يعلو بصوته رغم الوهن الشديد الذي هو فيه :
- أنت بتتكلم بجد يا عمار ؟! ، أنت ما عملتش حاجة في حياتك غير أنك ضحيت عشاني ، واقف دايما قدامي عشان تحميني من شر نصار وتهاني ، كل مرة كانوا بيحولوا يجبروني أنفذ خطة من خططهم كنت بتقف وتقول لاء زين مالوش دعوة أنا هنفذ ، لو مش واخد بالك فأنت اللي كنت بتحميني طول السنين دي يا عمار ، وجاي دلوقتي تقولي أنا مش هسيبك توقف حياتك عشاني ، ومين اللي كان بيحافظ على حياتي طول السنين دي يا عمار
رفع عمار وجهه ينظر لشقيقه يرتسم على شفتيه ابتسامة صغيرة شاحبة ، مد زين يده صوب عمار يطلب منه :
- قومني عايز أقعد
مد عمار يده سريعا يُمسك بيد زين يساعده على الجلوس يضع وسادة وثيرة خلف ظهره ، أراح زين ظهره إلى الوسادة خلفه ينظر لوجه شقيقه يبتسم في حبور ، قبل أن يميل بجسده قليلا صوب عمار يعانقه ، تمسك الأخير به يبكي بحرقة :
- ما تسبنيش يا زين ، أنا ماليش غيرك في الدنيا
ابتسم زين بوهن ، يربت على رأس شقيقه ، من خلال الجزء الزجاج المكشوف رأت رقية عمار وهو يحتضن شقيقه ويبكي ، اكتشفت أمس أنها لم تكن تعرف عمار ، علاقته به لم تزد عن علاقة سطحية ، رغم أن علاقة عمار بوالدها قوية جداا ، ألا أنها كانت تتجنبه بكل شكل ، كانت تظن أن خلف ذلك العمار كارثة ، ولكن ما رأته أمس رجل هش خائف مرتجف ، لم تذق عينيه النوم للحظة ينظر لغرفة شقيقه وكأنه ينظر للحياة خائف من أن يفقدها ، والآن تراه بين أحضان شقيقه ، كالطفل بين أحضان أبيه
تنهدت حائرة وقلبها لا يزال يؤلمها على ضياع الرجل الوحيد الذي أحبت ولكن عمار محق ، كيف لها أن تتصور حياة مع رجل لا يحبها ، تنهدت تلتف جوارها حين وضع أبيها يده على كتفها وسمعته يقول حزينا :
- غلبان أوي الجدع دا ، اللي شافه في حياته مش قليل ، أنا كلمت أبوه عشان يجي، هو محتاجه أوي أكتر من زين !
____________
أما هناك في شقة رعد
جلس رعد على أحد المقاعد في الصالة بعد أن نام يونس الصغير ووضعه في فراشه ، تنهد بعنف يمسح وجهه بكف يده ، فتح هاتفه يود الإتصال بالمحامي ليجد نفسه يفتح مجلد الصور التي جمعته بطرب ، صور لهما في الملاهي وأخرى في حديقة الحيوانات ، ضحك حزينا حين تذكر ما حدث هناك ، كيف ثارت حين علمت أن سعر الصورة مع الأسد مئة جنية ، وكيف ركضا هربا حين سمعا صرخًا وعلما أن الليث قد هرب من محبسه ، كان يوما لا ينسى ، ليته لم يعلم الحقيقة وظل مفتونًا بطرب الجميلة الحزينة
أما بالأسفل فوقفت سيارة ظافر ، نظرت طرب إلى ظافر تطلب منه :
- ظافر أرجوك ما تطلعش
معايا عشان رعد ما يعندش أكتر ، أنا هاخد يونس وأنزل
تنهد قلقا عليها ولكنه وافق :
- ماشي ، بس خلي بالك من نفسك ولو حصل اي حاجة رنة واحدة وهبقى عندك
حركت رأسها تنزل من سيارته ، جسدها بالكامل يرتجف ، رعد اختطف طفلها الصغير ، أخذه بمنتهى القسوة وغادر ، وصلت أمام باب شقته عينيها حمراء كل ذرة بها ترتجف ، رفعت يدها تدق الباب قلبها يدق بعنف شديد ، لحظات وفُتح الباب ، رأته أمامها ابتسم ساخرا في وجهها يستند إلى حافة الباب يتحدث متهكما :
- اهلا اهلا ، خير يا طرب هانم أقدر أعرف أي ريح طيبة أتت بكِ
شدت كف يدها تحاول ألا تصرخ في وجهه ، تحركت عينيها تبحث عن يونس في محيط الصالة ولكنها لم تره ، كادت أن تقول شيئا ولكنها سمعت صوت الصغير يبكي ، فانتفضت تهرول للداخل وهو لم يمنعها بل أغلق الباب  بعد دخولها وأوصده بالمفتاح !
تحركت طرب سريعا للداخل لتبصر يونس ينام في فراشه حملته سريعا تهدهده تنظر له عينيها تملئها الدموع ، قبلت كفيه الصغيرين وجبينه نظرت خلفها لترى رعد يقف عند باب الغرفة يحادثهل متهكما :
- مش شوفتي الولد ، اتفضلي مع ألف سلامة من غير مطرود أنا عاوز أنام ، وبعدين مش عايزين نأخرك على الباشمهندس اللي مستنيكِ في العربية
احتضنت الصغير إليها تحرك رأسها للجانبين تحادثه محتدة :
- أنا مش همشي من غير ابني يا رعد ، أنت مش هتاخده مني إنت فاهم ، أنا همشي بإبني

- ايه المقابل؟
قالها بابتسامة ساخرة خبيثة؛ لتقطب جبينها مستنكرة ما قال ، تحرك رعد إليها يدس يديه في جيبي سرواله وقف أمامها بخطوة واحدة ، أخرج يده اليمنى من جيب سرواله يبسطها على وجنتها يحادثه وهو يبتسم يتهكم منها :
- أنتِ عارفة لو أنا مش عاوز أرجعهولك مش هتاخديه لو شقيتي الأرض ، فإيه المقابل اللي هتدهولي عشان ارجعلك ابني
حركت عينيها على صفحة وجهه ، في تلك اللحظة شعرت بأنها ترى رجل غريب غير الذي تعرف ، انقبض قلبها خوفا ، ابتلعت لعابها تسأله متوترة:
- عاوز كام ؟
ضحك عاليا يضرب كفا فوق آخر ، ظل يضحك يتهكم مما قالت لمدة طويلة ، قبل أن تخف ضحكاته شيئا فشيء :
- صدقيني بقالي كتير ما ضحكتش كدة دلوقتي بقيتي بتتكلمي بالفلوس يا طرب ، وبعدين فلوس ايه ، دا أنا رعد مهران وقريب هيبقى في أيدي إمبراطورية مهران كلها ، فتحي مخك يا طرب ما تعمليش عبيطة ، بصي يا طرب أنا عملت حاجات كتير غلط ، ما عدا الزنا ، الموضوع بالنسبة لي كبير أوي وذنب ما أقدرش أتحمله ، خصوصا أن أنا راجل متجوز ولا إيه
فهمت ما يقصد ، فزادت من احتضان الصغير تحرك رأسها للجانبين ترفض ما يقول ، لن تدعه يضع يده عليها ، لن تنسى أبدا ما كان يفعله هنا في هذه الشقة ، كان يهينها بأسوء الكلمات بعد أن يأخذ ما يريد منها ، صرخت فيه :
- لاء ، فاهم لاء يعني لاء ، أنا مش هخليك تلمس مني شعرة ، أنا مش هسلمك تاني يا رعد ، أنا مش هسلم لشيطان ، أنت ناسي الكلام اللي زي السم اللي كنت بتقولهولي ، أنا هاخد ابني وامشي، وأنت مش هتقدؤ تمنعني
رفع كتفيه لأعلى يفسح لها الطريق لتتحرك للخارج سريعا توجهت إلى الباب حاولت فتحه دون فائدة الباب موصد بالمفتاح ، نظرت حولها هنا وهناك تبحث عن المفتاح ولكن لا أثر له ، سمعت صوت المفتاح فنظرت سريعا رأت رعد يمسك بميدالية المفاتيح يحركها في يده يبتسم ساخرا قبل أن يقول ببساطة :
- المفتاح أهو ، لو عوزاه هتلاقيني جوا ، نيمي يونس وتعالي
الوغد الحقير ، لن تجعله ينتصر عليها أبدا ، جلست على الأريكة في الصالة تحتضن الصغير تحرك ساقها اليسرى بسرعة ، تقضم أظافرها متوترة متضايقة خائفة ، ظلت هكذا لربع ساعة تقريبا ، نظرت للصغير لتراه عاد للنوم من جديد
قامت تحمله بخفة وتحركت للداخل، رأت رعد يجلس على الأريكة أمامه جهاز حاسب يبدو مشغولا ، ولكن رغم ذلك رأت ابتسامة ساخرة ترتسم على شفتيه ما أن دخلت الغرفة ، رفع وجهه إليها يسألها :
- ها قررتي
نظرت إليه بإحتقار قبل أن تقول مشمئزة منه :
- هو أنت مش مكسوف من نفسك وأنت بتساومني عشان ترجعلي ابني ، بس تعرف ما حدش غلطان غيري ، أنا اللي سمعت كلام والدك ووافقت إني أرجع مصر ، أنا عايزة امشي ، عايزة ابني ، لو متضايق عشان ظافر أوعدك أني هبعد عنه تماما ولو شوفته قريب مني ساعتها ابقى خد الولد ، بس سيبني أمشي

- لاء
نطقها ببساطة ، يعاود النظر لشاشة الحاسوب مرة أخرى ، ظلت واقفة أمامه طويلا وهو لم يعاود النظر إليها ، تحركت تضع الصغير النائم في فراشه ، قبضت كفيها تشد عليهما ، تحركت إليه وقفت أمامه ؛ ليبتسم يُغلق الحاسوب يضعه جانبا ، تغاضى عن نظرات الألم والغضب الذي يراها في عينيها ، كاد أن يقول شيئا حين سمعها تتحدث بشق الأنفس :
- أنا موافقة ، بس بشرط تطلقني وتبعد عن حياتي أنا وابني ، أنا مش عيزاه يطلع زيك ، إنسان جاحد ما عندوش قلبي مؤذي
شعر بالغضب الشديد مما قالت هب واقفا يقبض على مرفقها يصيح فيها :
- وأنتِ ملاك برئ ما ما تعشيش في دور الضحية يا طرب عشان مش لايق عليكِ ،كان ممكن أصدقه زمان ، لكن أنا اتلدغت منك مرة واتنين وتلاتة ، عايزة تطلقي عشان تروحي تتجوزي الواد دا ، دا بُعدك ، خليكِ كدة لا طايلة سما ولا أرض
ودفعها للخلف فجاءة لتسقط على الفراش !!
_________
توقفت سيارته أمام مكتب الصفوة ، ذلك المكتب التابع لجواد ، يود أن يُشغل وقته بأكبر قدر ممكن ، عله ينساها كان يعلم من البداية أن مريم لن تكون له ، مريم تحب مراد ولكن بعد انفصالهم ظن أن لديه فرصة ، ولكن ها هي الفرصة تتلاشى ، مريم على وشك الارتباط بعجوز كبير في السن ، لا يعرف كيف تفكر حتى لتحب رجل كهذا
توجه لداخل مكتب جواد يطلب من المساعد ، أن يقابل جواد، انتظر بضع دقائق ، إلى أن خرج المساعد :
- اتفضل يا أستاذ وليد هو في إنتظارك
ابتسم وليد يشكره تحرك للداخل ليقف جواد من خلف مكتبه اقترب منه يصافحه مبتسما :
- اهلا اهلا يا وليد ، نورت ، اتفضل اقعد
أشارت جواد إلى أريكة جلس وليد هناك وجلس جواد على مقعد مجاور له يحادثه مبتسما :
- تشرب ايه ؟
حرك وليد رأسه للجانبين يشكره ، حمحم متوترا قبل أن يردف محرجا :
- هو يوسف كان قالي انك....
قاطعته جواد يتحدث مترفقا به :
- متوتر ليه كدة ، يوسف كلمني وقالي أنك عاوز تبدأ الحياة العملية بدري ، وأنك بتدور على مكتب ديكور للتدريب فيه ، وأنا يا سيدي ما عنديش أي مانع انك تشرفني هنا ، أنا بإذن الله هعمل اجتماع بكرة مع كل موظفين كل أسبوع ، وبكرة بإذن الله الاجتماع ، وهنقعد ونتكلم في كل حاجة
ومن ثم قام من مكانه يضغط الزر على سطح مكتبه يوجه حديثه لوليد :
- دلوقتي أستاذ عادل هيعرفك مكان مكتبك
دخل المساعد الخاص بجواد ، ليطلب منه جواد أن يوصل وليد إلى مكتبه ، ابتسم وليد يصافح جواد يشكره ، تحرك خلف عادل لخارج المكتب ينظر للوحات حوله هنا وهناك ، تصميم المكتب نفسه أكثر من رائع ، وهو ينظر هنا وهناك ، اصطدم في أحدهم نظر أمامه سريعا ليرى أنه اصطدم في فتاة وأسقط ما على الصينية التي في يدها ، نظر إليها يعتذر متوترا :
- أنا آسف ، أنا بجد آسف أوي ما خدتش بالي
لم ترد عليه ، فقط أعطته نظرة غاضبة رآها جيدًا فعينيها كانت الشيء الوحيد الظاهر من خلف نقاب وجهها ، تركته وعادت أدراجها ، أما هو فوقف مكانه يحرك يده على رقبته متوترا ، يبدو أنه أفسد الكثير في اليوم الأول
أما في مكتب جواد ، ارتمى جواد على مقعد مكتبه يلتقط هاتفه يطلب رقمها انتظر بضع لحظات إلى أن أجابت ليبادر يحادثها سعيدا :
- نور أخبارك ايه ، عاملة ايه ؟
- أنا كويسة يا جواد الحمد لله
- أنتِ روحتي ولا لسه ؟
- أنا واثقة أنك عارف أنا روحت ولا لسه يا جواد ، على العموم أنا لسه مخلصة درس التاريخ وواصلة البيت وكلها نص ساعة ومدرسة العربي هتيجي
- طب ناقصك حاجة ، عاوزة حاجة اجبهالك ؟
- لا يا جواد إنت مش مخليني محتاجة حاجة
- طب هو ينفع أجي نتغدا سوا بعد ما المدرسة تمشي
- ماشي يا جواد ما فيش مشكلة
- متشكر أوي يا نور ، خلي بالك من نفسك ، مع السلامة
أغلق الخط معها يبتسم سعيدا يكاد قلبه يطير فرحا ، أخيرا سيراها بعد غياب تنهد بقوة صورتها لم تغب عن عينيه لحظة
______________
في سيارة سما
جلست أريچ جوارها في السيارة ، تتنهد سما قلقة بين حين وآخر لتجفل على صوت أريج وهي تحاول أن تطمأنها :
- يا سما ما تبقيش عبيطة يا حبيبتي ، أنتِ بتقارني مين بمين اصلا ، دكتور طارق دا شخصية محترمة جدااا ، وبعدين كنتوا مخطوبين الأول ، سما أنتِ لو هتفضلي واقفة عند الماضي يبقى بتدمري حياتك ، وبعدين أنتِ بقيتي شخصية أقوى بكتير دلوقتي ، سما أرجوكِ أدي لدكتو طارق فرصة مش هتخسري حاجة
أريج محقة عليها أن تحاول ، زفرت أنفاسها بقوة قبل  إن تحرك رأسها توافق لتبتسم أريج سعيدة تغمغم بمرح :
- نزليني بقى عند صيدلية الولا سامر خطشيبي وكملي طريقك للمستشفى
ضحكت سما تومأ برأسها ، بعد عدة دقائق وصلت أمام الصيدلية نزلت أريج تودع شقيقتها تتحرك صوب الصيدلية سريعا ، لتكمل سما طريقها إلى المستشفى
دخلت أريج إلى الصيدلية لتتفاجئ برؤية والد سامر بدلا منه في الصيدلية ، اقتربت منه تحادثه مبتسمة :
- صباح الخير يا عمي
ابتسم الرجل سعيدا ما أن رآها غمغم مبتهجا يرحب بها :
- اهلا اهلا إزيك يا أريچ ، أخبارك ايه يا بنتي
ببعتلك دايما سلامي مع الواد سامر ، عاملة ايه

ابتسمت أريج تحرك رأسها تردف :
- بخير يا عمي الحمد لله ، أنا دايما بسأل سامر عنك وهو بيطمني عليك ، اومال هو فين صحيح
اختفت الابتسامة من على وجه والده لتشعر بالقلق خاصة حين بدا الأخير حزينا ، تنهد الرجل بقوة يهمس حزينا :
- فوق في الشقة مش عاوز يخرج ، النهاردة سنوية نادية والدته الله يرحمها ، أنتِ عارفة هو أصلا مشيل نفسه ذنب موتها
امتعضت قسمات وجهها حزنا على حاله ، انتهبت على صوت أبيه وهو يقول :
- بقولك ايه تعالي نطلع أنا هعملك الفطار بإيدي دا أنا عليا طبق فول ما يتوصفش ، وهو لما يلاقيكِ برة هيطلع من أوضته
حركت رأسها توافق ما يقول ، تحركت بصحبته إلى العمارة المجاورة للصيدلية ، في الطابق الرابع وقف أبيه أمام باب الشقة يفتحه يتعمد أن يعلوا بصوته :
- تعالي يا أريچ خشي يا بنتي ماتتكسفيش
ابتسمت له تخطو لداخل شقتهم ، جلست في صالون المنزل وتحرك والده إلى المطبخ ليعد لهم الإفطار ، نظرت حولها هنا وهناك تبحث بعينيها عنه ولكن لا أثر له ، تنهدت قلقة عليه ، ولكنها لن تبحث عنه بين الغرف ، سمعت صوت زقزقة عصفور تأتي من الشرفة ، قامت تتوجه إلى هناك لترى « سيتوش » قط سامر يلعب هناك بكرة صغيرة ، وقفص معلق على الحائط بعيدا عن مخالب القط به عصفور أبيض ريشه ناصع البياض كالثلج يزقزق يزقزق بصوت جميل ، نظرت إليه تبتسم مسحورة بشكله وصوته ، لتنتفض حين سمعت صوت سامر يأتي من خلفها يقول :
- اسمه زورو بتاع والدتي الله يرحمها ، تحبي تشيليه
نظرت خلفها لترى سامر يبدو حزينا ، عينيه حمراء أسفل عينيه قاتم من قلة النوم ، شعرت بالحزن على حاله ولكنها ابتسمت في وجهه تومأ له ، تحرك صوب القفص يفتحه يُخرج العصفور الكبير ، وضعه على رأسها لتتسع عينيها أثر ما فعل أما العصفور فنزل من رأسها يقف على كتفها وهي تنظر لسامر بأعين متسعة مرتعبة جعلته يضحك رغما عنه يردف :
- ما تخافيش مش هيعملك حاجة ، والدتي كانت دايما بتقول أن زورو دا أطيب واحد في البيت هو الوحيد اللي بيسمع كلامها
نظرت اريچ للعصفور لتراه يحرك رأسه لأعلى وأسفل وكأنه يرقص على إيقاع ما ، ضحكت على ما يفعل ، قبل أن تصرخ مذعورة تشير إلى ركن في الشرفة تصيح خائفة :
- برص ، برص
نظر سامر خلفه سريعا ليضحك من جديد مد يده إلى ذلك البرص ليقفز يقل على ذراعه ، التفت لأريج يردف ضاحكا :
- دي إغوانا يا بنتي مش برص بس هي لسه صغيرة
نظرت أريج حولها متوترة قبل أن تتمتم مذهولة :
- دا إيه حديقة الحيوانات اللي أنا فيها دي ، دا أنا ناقص ألاقي زرافة قاعدة في الصالة
ضحك سامر يحرك رأسه للجانبين بخفة رفع يده لتعود الاغوانا مكانها قبل أن يردف :
- استني هوريكِ حاجة
وتحرك للداخل ، وغاب لعدة لحظات وحين عاد ورأت ما يحمل بين يديه صرخت بأعلى صوت ، خرج والد سامر من المطبخ على صوتها المذعور لتهرع أريچ تقف خلف ظهره تتمسك به تصيح مذعورة :
- ابنك مربي أسد في البيت، أنت إزاي عايس معاه مش خايف ياكلكوا
ضحك سامر ووالده معا ، تحرك سامر يحمل الشبل الصغير جلس على أقرب مقعد يحمل زجاجة حليب غريبة الشكل يقربها من الشبل ، قبل أن يردف ضاحكا :
- يا بنتي دا شبل صغير بيبي ، بتاع واحد صاحبي من دبي ، كان في مصر واشتراه بس هو عنده شغل برة ، فقال يخليه عندي كام يوم لحد ما يرجع
خرجت أريج من خلف والد سامر تصيح مدهوشة :
- أنا خايفة أدخل الحمام والله العظيم ألاقي تمساح جوا ، هو في ايييه بقى
وانتهى الوضع على ماذا ، أريج تجلس على المقعد جوار سامر تحتضن الشبل الصغير تطعمه وسامر يضع شيتوس الغيور بين أحضانه يربت على فراءه برفق ، ينظر لأريچ يبتسم سعيدا
______________
في منزل رعد جلس رعد على سطح الفراش يخفي وجهه بين كفيه ، يتذكر ما حدث قبل ساعة تقريبا حين دفعها إلى الفراش لم تصرخ أو تقاومه فقط نظرت لوجهه ورأى كره العالم في نظراتها ورغم ذلك تغاضى عنه وابتسم يسخر منها :
- دا ايه الهدوء دا ، اومال فين اللي كانت بتكرهني من دقيقة واحدة
نظرت لوجهه تغمض عينيها متقززة منه تهمس بنبرة مختنقة :
- أنا عاوزة ابني ، ومستعدة عشان أدفع أي مقابل حتى لو كان إني أسلم نفسي لشيطان زيك !!
تجمدت يديه واتسعت حدقتيه وأصفر وجهه ، شيطان !! بات الشيطان الذي كان يخشاه أبيه ، بات هو وأسوء ، ابتعد عنها يجلس جوارها عينيه شاردة في الفراغ قبل أن ينظر إليها يتحدث بنبرة ثقيلة :
- قومي خدي يونس وامشي ، وورقتك هتوصلك
ظلت متجمدة مكانها للحظات عينيها متسعة أثر ما سمعت ، قبل أن تهرع سريعا أخذت الصغير رأته يلقي المفتاح على الفراش أخذته تتحرك للخارج فتحت الباب تخرج من منزله تنزل سريعا لأسفل ، أما هو فأخفى وجهه بين كفيه ونزلت دموعه ، في اللحظة التي صور له عقله يونس الصغير وهو نسخة منه شيطان كأبيه أبتعد عنها خائفا ، دق جرس الباب توجه ليفتحه ظنا أنها طرب ، ولكنه تفاجئ حين فتح الباب ورأى نصار يقف أمامه ينظر إليه محتدًا يصيح فيه :
- أنت ايه اللي بتعمله دا أنت مجنون ، دا أبوكِ يا حيوان يا عديم التربية ، جاسر كان عنده حق لما قال أنه هيقتلك ويخلص منك ، أنت اللي زيك لازم يموت فعلا
توسعت عيني رعد غضبا ليتحرك سريعا قبض على حلة نصار يصرخ فيه بعلو صوته :
- يقتلني !!!
تصنع نصار الارتباك وكأنه كشف سرًا لم يكن يقصد أن يقوله ، مد يده يبعد يدي رعد عنه يحادثه غاضبا :
- يقتلك ايه لاء طبعا ، دا كلام قاله في ساعة غضب ، أكيد مش قصده ، ولا قصده مش عارف ، بس أنت فعلا
تستحق الموت
وابتعد عنه التف بتوجه صوب المصعد ينظر لرعد الذي يكاد ينفجر غضبا من جانب عينيه ليراه يقبض كف يده وهمس بصوت خفيض ولكنه وصل لأسماع نصار يتوعد لأبيه :
- بقى عايز تقتلني ، أما نشوف مين اللي هيموت التاني يا جاسر باشا !!
___________
في المستشفى قبيل المغرب بقليل ،خرج عمار من غرفة زين تاركا إياه ينال قسطا من الراحة ؛ ليتفاجئ برؤية والده يتحرك إليهم ، توتر للغاية ، اقترب عاصم منه يسأله قلقا :
- طمني يا عمار زين عامل إيه
تحاشى النظر لوجهه يتمتم :
- كويس ، الدكتور قال إن حالته استقرت ، بس أرجوك ما تدخلوش دلوقتي لأنه لسه نايم من دقايق
تنفس عاصم الصعداء يومأ برأسه ، تحرك عمار ليجلس على أحد المقاعد ليمسك عاصم بكف يده ، انتفض مصعوقا حين فعل ، نظرت إليه ليبتسم عاصم في وجهه مترفقا يحادثه :
- تعالا معايا ، أنا عاوز أتكلم معاك برة المستشفى ، أستاذ محسن قالي أنك بتحب تقف عند النيل ، وديني هناك
توتر عمار للغاية يومأ برأسه ، تحرك جوار أبيه كل ذرة به ترتجف ، إلى أن وصلا للمكان الذي اعتاد هو الذهاب إليه ، جلس عاصم على الأرض أمامه النيل يجري ، التفت لعمار يطلب منه :
- تعالا أقعد جنبي
أرتبك لعدة لحظات يتبخط بين الرفض والقبول إلى أن تحرك يجلس جوار عاصم ينظر للمياه الجارية أمامه ، لف عاصم رأسه إليه :
- عينيك حمرا أوي ، أنت ما نمتش من إمبارح شكلك
أنزل عمار رأسه أرضا يحرك رأسه لأعلى وأسفل متوترا يتمتم متلعثما :
- أنا كنت خايف على زين
مد عاصم يده يربت على كتف عمار لينتفض الأخير مصعوقا تتعالى أنفاسه يشحب وجهه ، لم يتعجب عاصم من حالته ، إنما هو فقط ابتسم في وجهه تنهد يحادثه :
- تعرف يا عمار ، أنا شايل ذنبك أنت وزين عشان ما عرفتش أختارلكوا أم سوية ، بس صدقني أنا لما عرفتها في الجامعة كانت جميلة ورقيقة وعلى طول مبتسمة ، ما كنتش أعرف أن كل دا قناع ، حاولت كتير اخليها ترجع البنت الرقيقة اللي شوفتها في الجامعة ولكن جشعها للفلوس خلاها تتحول لمسخ ، بس أقسملك يا ابني إن أنا ما كنتش أعرف أنها حامل ، لو كنت أعرف ما كنتش خليتكوا تتربوا معاها ساعة واحدة ، وأنت بالذات ، زين ربنا عوضه براجل زي جلال المهدي الله يرحمه ، إنما أنت اتعذبت أوي ، رغم كدة حبك لزين خلاك تدافع عنه في كل لحظة في حياتكوا
عمار أنا مش بلومك ، ولا بحملك ذنب أي حاجة ، بالعكس أنا بلوم نفسي ، ولادي الاتنين كانوا قدام عينيا وما عرفتهمش ، الراجل اللي أذى أبني قدام عينيا ومش عارف أحاسبه ، بس صدقني هيقع تحت أيدي قريب أوي ، عمار أنا آسف يا إبني ، أنا مش عارف أقولك إيه ، أنا السبب المريضة دي كانت عاوزة تنتقم مني ودفعتوا انتوا التمن ، حقك عليا
نظر عمار لوجه أبيه ليرى عينيه تملئهم الدموع والبعض منها سال على وجهه اختفت أنفاسه ينظر إليه مدهوشا ، لا يعرف ما يقول لسانه انعقد فجاءة ، جل ما خرج من بين شفتيه جملة متلعثمة مبعثرة:
- أنت مالكش ذنب في حاجة ، خلي بالك بس من زين ، ولما يفوق خليه يرجع معاك ، عشان هو عاوز يفضل ، وهو ما ينفعش يوقف حياته أرجوك ، أنا هرجع المستشفى
وجاء ليقوم ليمسك عاصم بكتفه يمنعه ، نظر عمار إليه متوترا جسده يرتجف بعنف ، ليرى عاصم يحرك رأسه للجانبين قبل أن يردف :
- لاء مش هتمشي ، أنا لسه بكلمك ، بطل تهرب من كل مرة بحاول أتكلم فيها معاك ، أنا مش شايل هم زين ، عشان إنت موجود جنبه ، أنا شايل همك وذنبك أنت ، أنت باني بيني وبنيك سور بتهرب مني بأي شكل
هب عمار واقفا يحاول الرحيل ؛ ليقف عاصم خلفه أمسك بذراعه يمنعه من ذلك يحادثه محتدا :
- أنت رايح فين أنا بكلم نفسي
نزع عمار ذراعه من يد عاصم يبتعد للخلف يحرك رأسه للجانبين يصرخ فيه:
- لاء ما ينفعش ، أنا ما ينفعش أقرب منكوا ، أنا مؤذي أذيت ناس كتير منكم مالهمش ذنب ، أنا مش عايز حد جنبي ، أنا هفضل هنا ، أنا مش عايزك تقرب مني ، أنا شخص مقرف مؤذي
أبعد عني ، زين طيب وكويس أوي والله ، خلي بالك منه ، وأنا والله ساعتها هبقى كويس ، لكن أنا مش هعرف أعيش إنسان طبيعي معاكوا ، أنا عمري ما كنت إنسان طبيعي ، أرجوك سيبني أمشي ، أرجوك أنا عايز أمشي
ونزلت الدموع من عينيه تغرق وجهه ، والألم الذي شعر به عاصم من كلمات عمار كان لا يوصف ، أقترب منه يمسك بذراعيه بين كفيه يحادثه منفعلا :
- لاء أنت إنسان طبيعي ، وهترجع وهتعيش حياتك من الأول ، وأعرف أن وجودك هنا لفترة مؤقتة ، وهتعيش معايا في بيتي وسط أخواتك أنت فاهم
أصفر وجه عمار ذعرا يحرك رأسه للجانبين بعنف يتخبط بين يدي عاصم يصرخ فيه بحرقة :
- لاء ، أبعد عني ، سيبني أمشي
جذبه عاصم إليه فجاءة ليشهق عمار بقوة وكأنه يغرق ، تمسك عاصم به بقوة ، أما عمار فانفجر في البكاء
________
أما هناك في غرفة الفندق حين توجد مليكة وجاسر ، جلست مليكة في صالة الغرفة الكبيرة تشاهد التلفاز ، جاسر عاد قبل عدة ساعات ودخل إلى الغرفة وغط في النوم يخبرها قبلها أن زين بات على ما يرام ، سمعت صوت باب غرفة النوم يُفتح مراته يخرج من الغرفة يضع يده فوق رأسه جبينه مقطب من الألم ، قامت توجهت إليه تسأله قلقا :
- مالك أنت كويس ؟
حرك رأسه بالإيجاب قبل أن يتنهد يهمس :
- عندي صداع جامد ، مليكة معلش اعملي لي نسكافية ولا قهوة
اومأت موافقة تحركت سريعا تُعد ما طلب ، أما هو فارتمى إلى الأريكة حيث كانت تجلس ، يضع يديه على جانبي رأسه يدلك رأسه بخفة ، كوابيس بشعة صورها له عقله الباطل عما حدث لعمار لم تتركه ولو للحظة ، سمع خطوات مليكة تقترب وضعت أمامه صينية عليها كوب قهوة وعلبة دواء ، ابتسم لها ممتنا قبل أن يميل يأخذ قهوته ، وقعت عينيه على علبة الدواء لتشخص عينيه ذعرا ، هب واقفا يمسك بعلبة الدواء يصيح في مليكة مرتعبا :
- أنتِ جبتي العلبة دي منين؟!
قطبت جبينها مستنكرة ما فعل ، ما به الدواء
وقفت عن مكانها تحادثه ببساطة :
- في اي يا جاسر ؟ دي العلبة اللي أنت ادتهالي بنفسك لما جيتلك أنا وزينب العيادة أول مرة ، تعرف أنا وقتها ما خدتش منها غير حباية واحدة بس وأنا بقلب في حاجاتي قبل جوازنا بأيام بسيطة لقيتها ، وساعتها كان عندي صداع جامد جداا ، وخدت منها حباية ضيعت الصداع في دقايق من ساعتها وهي معايا
حرك العلبة في يده ليصفر وجهه ذعرا يصرخ فيها :
- أنتِ خدتي كام قرص بالظبط ؟!
رفعت كتفيها لأعلى كأنها تخبره أنها لا تعلم حقا تردف :
- مش عارفة ، أنا الأول كنت باخد قرص في اليوم وبعدين بقيت باخد قرصين ، صحيح جي قربت تخلص ، ابقى هاتلي غيرها
ألقى العلبة من يده أرضا يضع يديه فوق رأسه يكاد عقله ينفجر ، كيف نسي أمر علبة الدواء ، والآن ماذا ، لا شيء زوجته باتت مدمنة بسببه
وبسبب فكرة الإنتقام الغبية الذي كان يسعى إليها قبل عامٍ و أكثر
_______
خلص الفصل 

أسيرة الشيطان الجزء الأول + الجزء الثاني+ الثالثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن