الثاني والاربعون الجزء الأول

45K 2.4K 290
                                    

للقلب سلطان آخر
الجزء الثالث
       من
أسيرة الشيطان
الفصل الثاني والاربعون
الجزء الأول
¤¤¤¤¤¤¤¤
في مخزن الأقمشة القديم ترى جاسر يجلس على أحد المقاعد يضع ساقًا فوق أخرى ، يجلس عاصم مجاورا له
وأمامهم مباشرة نصار وتهاني ، تهاني التي كان الجميع على أتم ثقة من أنها ماتت حتى نصار نفسه كان يثق أنها ديدان الأرض تسممت من لحمها الملعون ، حرك جاسر عينيه بين نصار وتهاني يخترز النظر لوجه اثنين من الشياطين سعوا بكل الطرق الفاسدة لتدميره هو وأسرته ، نظر لعاصم ليراه يقبض كفه على ذراع ينظر لتهاني عينيه تكاد تُخرج لهيبا من شدة غضبه ، وله كامل الحق هو لا يلومه مقدار ذرة ، تخيل أن تعلم بعد ما يزيد عن عشرين عاما أن لك طفلين لاقى أحدهما العذاب منذ طفولته على يد ذلك المختل الجالس أمامهم والآخر نجى بفضل شقيقه وكل ذلك بسبب الحية التي كانت زوجته ، تهاني لها باع كبير في محاولة تدميره ويبدو أنها لم تكتفِ بعد كل ما فعلت ، لا يصدق كيف لأم إن تقامر بطفليها بتلك الطريقة البشعة ، لو تركها لعاصم سيمزق لحمها بيديه العارتين فقط ، من شدة غضبه
تحركت عينيه صوب نصار ليبتسم ساخرا يقول مرحبا :
- يا أهلا بالصحبة الحلوة ، مدام تهاني ، شادي بيه ، وطبعا عاصم طليقك يا تهاني تعرفيه كويس ، وأخيرا العبد لله جاسر مهران
حرك عينيه وقف عند تهاني ينظر إليها مشمئزا قبل أن يتحدث يشعر بالقرف الشديد منها :
- أنا بجد مش فاهم أنتِ مخلوقة من إيه ، مستحيل تكوني إنسانة ، أنتِ أكيد واحدة من بنات إبليس ، أنا كل ما أفتكر أني وصلت لنهاية شرك وقرفك ، تبهريني أن لسه عندك أكتر ، أنتِ بتكرهي جاسر نفسك تدمريه ، عايزة تموتيه .. العيال الصغيرين ذنبهم ايه ، ولادي وولاد عاصم اللي للأسف يبقوا ولادك ذنبهم ايه ، ما جتيش إنتِ تاخدي حقك ليه ، طالما بتقولي أنه حقك ، زي البيه المرمي جنبك ، خد ورثه بالكامل وجاي عايز يموت عيالي وياخد فلوسي ويقول حقي ، كاك كسر حُقك أنت وهي، هو كل مريض مجنون يجي يقولي حقي ، انتوا فاكرين أن أنا هسيبكوا ، دا هوريكوا عذاب الكفار ، انتوا أقذر من الل .. والله ما لاقي حاجة بقدر قذرتكوا أشبهكوا بيها
قام من مكانه متوجها إلى نصار وقف أمامه يقبض على فكه بعنف اقترب منه يهسهس غاضبا :
- اديتك فرصة واتنين وتلاتة وعشرة ، عشان عضم التربة بس ، أنت اللي زيك كان لازم يموت من زمان من ساعة ما قتل أمه ، وحاول يقتل أبوه ، أنا للأسف متأخر أنك كنت بتلعب ببنتي ، تعرف أنا لو كنت أعرف من الأول طنت نهشت لحمك ، ولا أديتك لا فرصة ولا غيره
وبعد كل اللي أنت عملته وكل التخطيط اللي أنت فرحان بيه أوي ، أديك تحت جزمتي ، وصدقني اللي جاي سواد على دماغك

ابتسم نصار ساخرا يحرك رأسه للجانبين قبل أن يتهكم منه :
- أنت ممكن تكون كسبت ، بس أنا خسرتك حاجة مهمة أوي ، مريم حبيبة بابا ، البنوتة البريئة الصغيرة ، كانت في سريري بدل المرة اتنين وتلاتة ، ولو مش مصدقني تقدر تسألها ، ولو هي قالت إني كداب عندك الدكاترة تتأكد منهم
أحمرت حدقتي جاسر غضبا قبض على عنق نصار يلكمه بعنف يصرخ فيه :
- كداب وكلب ، أنا واثق أن بنتي ما تعملش كدة ، بنتي أشرف من ألف واحد من عينتك يا قذر
تحرك عاصم سريعا يجذب جاسر بعيدا عنه بصعوبة ولكن يبدو أن نصار لن يتوقف قريبا ، بل صدحت ضحكاته العالية يتهكم :
- زيها زي چوري كدة ، حبيبة بابا الشريفة اللي عملت علاقة مع ابن خالها ، أنا شوفت الفيديو كتير أوي يا جاسر ، أنا قطعت منه جزء كبير عشان ما أخدش حيائك
نزع جاسر نفسه من يدي عاصم يصرخ غاضبا ، قبض على عنق نصار يصرخ فيه :
- بنتي كان ضحية لعبتك يا وسخ ، لسانك القذر دا لو نطق حرف تاني على واحدة من بناتي هقطعهولك ودلوقتي ، وجربني يا نصار ، أنت لسه ما شوفتش وش الشيطان
ابتسم نصار ساخرا يقلب عينيه متهكما ، أما جاسر فكانت الدماء تغلي في أوردته مما قاله الوغد على ابنتيه ، توجه صوب تهاني قبض على خصلات شعرها يصرخ فيها :
- أنتِ يا حية السبب ، صدقيني هخليكي تتمني الموت هسلخ جلدك وأنتِ عايشة
ودفعها بعيدا لتسقط أرضا تبكي مذعورة ، اقترب عاصم منها قبض على فكها ينظر لوجهها مشمئزا يردف يتوعدها :
- أنتِ بتعيطي يا توتا ، دا أنتِ طريقك معايا صحراوي على اللي حصل لعيالي بسببك ، على اللي سيبتي الكلب دا يعمله في ابني ، و رحمة أبويا لهخليكي تبوسي رجلي عشان ارحمك وأموتك
ودفعها بعنف ليصطدم رأسها بأرضية الغرفة تحرك جاسر لخارج الغرفة يجذب عاصم معه ، يغلق باب الغرفة من الخارج ، كاد أن يقول عاصم شيئا حين سمعا صوت توقف سيارة فجاءة أمام المخزن ، قطب جاسر جبينه ظنه أحد الأولاد وعاد ولكنه تفاجئ بدخول زيدان يجذب رجل من تلابيب ملابسه صوب الغرفة المقابلة لهم ودون مقدمات بدأت يضربه يبدو غاضبا لأقصى درجة ، نظر عاصم لجاسر يحادثه سريعا :
- الحقه يا جاسر دا هيموته
- هو كلب ويستاهل الموت صدقني
ألتفت جاسر خلفه ليرى خالد يقف أمامهم يدس يديه في جيبي سرواله ينظر لما يفعل زيدان بهدوء ، وقبل أن يسأله جاسر بادر يقول :
- الكلب دا يبقى حارس الكيذر أريا في نادي كبير بتروحه لينا بنتي ومعاها وتين وياسين ، امبارح لقيت وتين جاية تقولي ( جدو هقولك حاجة عشان أنا خايفة أقول لبابا ، عمو اللي في النادي ، بيحط أيده على جسم توتا في حتة ماما قالت أنها No وعيب وبيقولي لو قولتي لبابا هيضربك ) الكلب بيحط أيده على حفيدتي وبيرهبها ، وطلع القذر بيعمل كدة مع بنات كتير ، دا زيدان حالف لينفخه ، قولي خلصتوا ليلتكوا عشان إحنا لسه ليلتنا هتبدأ
اومأ جاسر برأسه ينظر لذلك المتحرش القذر تحت يدي زيدان بلا ذرة شفقة واحدة :
- ايوة ، هكلمك بكرة ، ربنا معاكوا
أخذ عاصم وتحرك للخارج ليبصر سيارة مسرعة تقف فجاءة وكان أول من قفز منها وتكاد تشتاط غضبا ، لينا إبنة خالد ومن خلفها حسام شقيقها ، لينا إبنة خالد شرسة تماما أبيها
ذلك القذر سيلاقي ليلة عصيبة للغاية على ما يبدو !!
____________
على كورنيش النيل قرابة الفجر يجلس العروسان ، تنهد مراد بحرقة يعاتبها :
- كدة يا مريم أهون عليكِ ، كنتِ بتحرقي قلبي وأنا حاسس أنك كرهاني ومش عايزة تشوفيني ، وفي الآخر أقعد في قراية فتحتك على واحد غيري ، تلبسي الفستان الأبيض لواحد غيري يا مريم ، يعني دلوقتي لو نصار دا ما كانش قذر وكان راجل كويس ، كنتي هتنسيني خالص وتتجوزيه عادي ، أهون عليكِ تعملي فيا كدة
سحبت يدها من يده تدمع عينيها ، أخفضت رأسها أرضا تهمس بألم عميق :
- أنت جرحتني يا مراد ، عملت أكتر حاجة أنا كنت مرعوبة منها ، كنت مرعوبة إني ما ابقاش كفاية ليك ، كنت مرعوبة لتزهق وتدور على الأحلى والأحسن ، وشوفت دا ، وشوفت الأبشع منه ، كل ما كنت أحاول أقول خلاص هو غلط عديها ، كنت أفتكر الفيديو وأقول أن أكيد اللي حصل دا هيتكرر تاني ، وإني عمري ما هكون كفاية لأي راجل ، جه وقتها نصار وحسسني أني ملكة ، مش بس كفاية لأي راجل ، دول رجالة الدنيا ما تحلمش حتى أني م أبصلهم ، كان لازم في كل جملة يقولي قد ايه هو بيحبني ، ويقولي قد ايه أنا شخص مميز ما فيش مني غير نسخة واحدة بس ، مع كل دا مستغرب أني كنت ببعدك عني بأي شكل ، أنت جرحتني جرح كبير أوي يا مراد وخصوصا أن أنت عارف وواثق من إني ما عنديش أي ثقة في نفسي ، أنت عارف أنا أكتر حاجة مخلياني قرفانة من نفسي ، هي يوم ما بابا عرف أني كنت بكلم نصار
Flash back
أول ما رآه أمامه مريم ابنته تجلس على مقعد في منتصف الصالة تحرك ساقيها تقضم أظافرها ، تحرك إليها يمد يده يمسك بذراعها يجذبها بخشونة يطلب منها :
- تعالي معايا فوق عايزك
في اللحظة التالية سمع صوت سليم وهو يصرخ بما فعل حسين ، ورأى حسين وهو يركض خلف سليم يحاول الإمساك به في مشهد أشبه بالقط والفأر ، أصفر وجه حسين ما أن رأى جاسر ، ليتحدث جاسر يتوعده :
- لما انزلك حاضر أنت والهانم التانية
وتحرك لأعلى يجذب مريم معه ، الصغيرة ترتجف بين يديه كل ذرة بها ترتعد خوفا ، تحرك إلى غرفته دفعها داخلها يغلق الباب عليهم ، التفت إليها عينيه على وشك أن تنفجر من الغضب كل خلية به ترتجف ، اقترب منها في لحظة بات أمامها قبض على عضد يدها يقربها منها طحن أسنانه يهمس غاضبا :
- إيه اللي بينك وبين نصار يا مريم وصدقيني أنا حايش نفسي عنك بالعافية ، أنا عايز الحقيقة أحسن ما هكسر عضمك
انتفضت تنهمر الدموع بكثرة تنظر لوالدها خائفة قبل أن تهمس من بين شهقاتها المتتابعة :
- أنا بحبه وهو بيحبني أوي ، وقالي أنه هيقول لحضرتك عشان توافق على جوازنا
شخصت حدقتي جاسر ذهولا يكور كف يده يقبض عليه بعنف، القذر يلف شباكه حول ابنته الصغيرة، ولكن منذ متى ، منذ متى وهو يفعل ذلك ، عاد ينظر إليها يسألها محتدًا :
- من امتى ، فيلم العذراء والشعر الأبيض دا ، داير من ورا ضهري من امتى ؟ ، انطقي
شعرت بالذعر الشديد من أبيها ، أشفقت في تلك اللحظة على رعد ، ابتلعت غصتها تهمس بنبرة مرتجفة كقطة ترتجف ذعرًا :
- من بعد اللي عمله مراد ، هو حاول كتير يكلمني ، وكان دايما بيقولي أنه ما يستاهلنيش ، وبدأ واحدة واحدة يدخل لحياتي لحد ما خلاني اتعلقت بيه وحبيته
رأت عيني أبيها تتوسع ذعرا وضع يديه على رأسه يشعر بها ستنفجر ، ابتعد عنها يصيح مصعوقا :
- يعني بقالكوا سنة ، سنة وأنا نايم على ودني ، الكلب القذر ، ورحمة أبوك ما هرحمك
رفع رأسه ينظر إليها لعدة لحظات اقترب منها يمسك بذراعيها بين كفيه يصرخ فيها :
- انطقي ومن غير كذب ، كنتِ بتعملي إيه عنده في البيت ، وروحتيله قبل كدة ، الكلب دا لمسك ولا عملك حاجة
توسعت عينيها ذعرا تحرك رأسها للجانبين تردف باكية :
- والله العظيم دي أول مرة أروحله ، والله ما لمسني ، أرجوك صدقني
ابتعد عنها حين رآها ترتجف بعنف ، ومريم ليست كچوري مريم حساسة لأبشع حد سيغشى عليها أن صرخ من جديد ، وقف بعيدا يتنفس بعنف يحاول أن يهدأ قدر الإمكان ، أما هي فكانت تنظر إلى أبيها مذعورة ، نظر جاسر إليها يحاول أن يبدو اهدأ يعاتبها :
- عارفة يا مريم نصار دا ، أكتر بني آدم قذر في الدنيا ، تعرفي أن هو عايز بس يموتني بحسرتي عليكوا كلكوا
توسعت عينيها ذهولا تحرك رأسها للجانبين لا تصدق ما يقول ، ليس ذلك ما تراه أمام عينيها والدها يعامل نصار على أنه شقيقه ، ليس فقط صديقه :
- لاء انتوا أصحاب أوي وأنا بشوف دا دايما ، إزاي حضرتك بتقول كدة
تنهد بقوة يمسح وجهه بكف يده ، يحاول أن يهدأ يحادثها بنبرة حزينة تحترق ألما :
- الموضوع أكبر مما تتخيلي ، نصار هدفه الأول والأخير أنه يدمر البيت ، عايز يقتل أخواتك ، وأذى چوري بس ربنا سترها ، ودلوقتي بيدور يأذيكِ أنتِ وأنتِ مش مصدقاني ، أنا حاطط ألف عين حوالين بيت نصار ، عارفة كان شعوري ايه وأنا بسمع بنت حضرتك نازلة من عربية نصار ودخلت بيته وهو فتحلها ، جريت زي المجنون بحاول أوصل بأي شكل قبل ما يأذيكِ ، وبعدين أعرف أنك هربتي من باب البيت اللي ورا ، ليه ترخصي نفسك كدة يا مريم ، عمرك ما كنتِ رخيصة يا بنتي ، أنتِ فاكرة أن حتى لو نصار دا كان شخص كويس ، أنا هوافق انك تدفني شبابك مع راجل بالعمر دا
لو كان هيقدملي وزنك ألماس مش دهب
ابتعد عنها يجلس على مقعد بعيد يزيح رابطة عنقه يحاول أن يلتقط أنفاسه ، أما هي فشعرت بأنها صاحبة لقب الغباء الأولى عالميا ، لا تعرف حقا كيف انجرفت خلف مشاعر مزيفة بلهاء ظننا منها أنه حقا يحبها ، نظرت لأبيها تشعر بالندم والاشمئزاز لما فعلت ، اقتربت منه تجلس على المقعد أمامه فاضت الدموع من عينيها تعتذر منه :
- أنا آسفة ، بجد آسفة ، أنا غبية وهو عرف يضحك عليا ، أنا مش هشوفه ومش هسمحله يكلمني تاني خالص ، أرجوك يا بابا سامحني أنا آسفة
قربها جاسر إليه يحتضنها بقوة يربت على رأسها برفق حين شعر بها تنتحب ، أبعدها عنه قليلا يمسح الدموع عن عينيه تنهد يحادثها
متعبا :
- مش والله أقولك إيه يا مريم ، أنا مش قادر أسامحك ، والله ما قادر ، بس المهم دلوقتي القذر دا لما يكلمك في أي وقت تقوليله أنك جيتي حكيتلي على كل اللي بينكوا ، وأن أنا مستنيه يجي يتقدملك
Back
أغمضت مريم عينيها بقوة لتتساقط قطرات دموعها تهمس بحرقة:
- هو لحد دلوقتي مش مسامحني ، ولا أنا عارفة أسامح نفسي ، على نظرة الألم والعتاب اللي شوفتهم في عينيه ، چوري كان عندها حق بابا لما بيزعل من حد كفاية عليه بس بصاته ليه ، هو مش محتاج لا يزعق ولا يضرب ، هو بيخليك حتى مش قادر تبص في عينيه
تنهد حزينا ، ناقما على ذلك الوغد الذي فرق بينهما ، أبرحه ضربا ولكنه يشعر أنه لم يأخذ بثأره بعد ، مد يده أسفل ذقنها برفق يحرك وجهها إليه ابتسم يحادثها مترفقا :
- مريم خلاص ، أنا غلطت وأنتِ اتخدعتي والكلب دا هو اللي عمل كل دا عشان يفرقنا عن بعض وفي الآخر ايه ، اتجوزنا وهو اللي خسر ، هنعتبرها صفحة وهنقطعها من دفتر حياتنا خالص ، مريم إحنا لسه بنبدأ حياتنا سوا ، ما تخليش أي حاجة تنكد عليكِ
ومد يده يمسح الدموع عن وجهها يبتسم قبل أن يحادثها عابثا :
- بقولك إيه ، ماما تعبانة أوي وعايزة تشوفك ، ما تيجي نخطف رجلينا نشوف طنط حلم ونطمن عليها ، دي بتحبك أوي زي بنتها بالظبط
قطبت جبينها قلقة منه ، طلبت منه هاتفه لأنها لا تملك فأعترض بشدة :
- أنتِ هتكلميها في الموبايل ولا ايه ، بقولك بتحبك زي بنتها تقومي تكلميها في الموبايل بس ما كنش العشم
ضحكت بخفة تحرك رأسها للجانبين :
- لا والله مش هكلمها هشوف حاجة بس
ظنها تود رؤية إن كان يحادث فتيات غيرها ، فأعطاها الهاتف ، رآها تعبث على سطح الشاشة قليلا قبل أن ترفع الهاتف تضعه على أذنها وسمعها تقول ما جعل الدماء تفر من جسده ذعرًا :
- ايوة يا بابا أنا مريم يا حبيبي ، بقولك يا بابا معلش اسأل ماما كدة هي طنط حلم تعبانة ، أصل مراد بيقولي ماما تعبانة أوي وأنا بصراحة تعبانة أوي بس لو تعبانة أوي كدة هنروحلها
هنا وصل صوت جاسر لمراد دون حتى أن يفتحوا مكبر الصوت :
- وأنتِ صدقتييييه ، دي حجة مهروسة من أيام أفلام الأبيض والأسود ، عارف يا مراد الكلب لو قربت من البت هنفخك أنت وأبوك وأخواتك ، قال ماما تعبانة قال ، عشر دقايق والاقيك قدامي حتى لو كنت في الهند
وأغلق الخط ، تدلى فك مراد ذهولا قبل أن يصيح فيها مذعورا :
- هو أنا مديكِ الموبايل عشان تكلمي أبوكِ ، أنا افتكرتك هتشوفي بكلم بنات غيرك ، وبديكِ الموبايل بكل ثقة ، تقومي تكلمي أبوكِ ، قومي يا أختي اروحك قلل ما أبوك ينفخني
_________
وقفت سيارة حسين بعد ساعة ويزيد قضاها في التجول في الطرقات يحاول التحدث مع عمار الجالس جواره ، يتحدث ويتحدث ويتحدث والأخير شارد في اللاشيء عينيه كدرة حزينة ، أخيرا توقفت السيارة قام زين من مقعده في الحديقة يتحرك إليهم يتحدث متذمرًا :
- أنتوا روحتوا فين يا عم ، دا أنا هنا بقالي ساعة ونص
نزل حسين من مكانه يفتح الباب لعمار لينزل الأخير ينظر حوله مرتبكا ، أقترب من زين يهمس بنبرة خفيضة ترتجف :
- زين ، أرجوك أنا عايز أمشي من هنا ، أنا هرجع أسوان وهكلمك دايمًا وهجيلك في أي وقت تحتاجني فيه بس صدقني أنا مش هقدر أعيش هنا ، أرجوك أنا حاسس إن أنا شخص مقرف ، أرجوك قول لباشمهندس عاصم

- اسمه بابا مش باشمهندس عاصم  يا ولد
انتفض عمار ينظر خلفه ليرى عاصم يقف على بُعد عدة خطوات منه ، وحسين هناك يقود سيارة عاصم يتوجه بها صوب الجراش ، اقترب عاصم منه يُمسك بكف يده ابتسم في وجهه يقول :
- تعالا أوريك أوضتك ، زين خد حسين وادخلوا المطبخ حضرولنا عشا
تحرك عاصم يجذب عمار وكأنه يجذب طفل صغير يرفض الذهاب للمدرسة وعليه إجباره ، دخلا إلى البيت ، شعر عمار بالبرد الشديد تحرك خلف عاصم مجبرًا ، صعد به سلم إلى أن وصلا إلى باب غرفة كبير ، فتح عاصم الباب ودخل يُضيء الإنارة ، تحركت عيني عمار ينظر للغرفة أمامها غرفة كبيرة واسعة ألوانها هادئة مريحة دافئة ، بها فراش كبير ومرحاض خاص به ودولاب كبير لا يعرف أبهِ ملابس أم وهناك طاولة مستديرة حولها أريكتين، ومقعد هزاز جوار الشرفة أمام طاولة صغيرة عليها عدة كتب قرأ أحد العنوانين ليفهم أنها كتب تتحدث عن التنمية البشرية وحب الذات ، فابتسم ساخرًا ، انتبه حين جذبه عاصم لداخل الغرفة يُغلق الباب عليهم ومن ثم جذبه جلس وجذبه يجلس أمامه ، استند عاصم بمرفقيه إلى فخذيه يمسح وجهه بكف يده بعنف نظر لوجه ولده امتلئت عينيه بالدموع في لحظة ، غص قلبه يهمس بحرقة :
- أنا آسف ، آسف عشان مافيش في أيدي غير آسف ، آسف عشان أختارتلكوا أم بشعة زي دي ، آسف على اللي أنت شوفته وعيشته ، أبوس إيدك يا عمار سامحني
أنزل عاصم رأسه يخفي وجهه خلف كفيه يبكي ، مد عمار يديه يمسك بكفي عاصم يزيحهم عن وجهه ، حرك رأسه للجانبين يتحدث سريعا يرتجف صوته :
- ما تعيطش أرجوك ، أنت مالكش ذنب ، أنا مش محملك أي ذنب ، صدقني أنا مش عاوز أعيش هنا بسببي أنا ، أنا أذيت حتى أخويا حسين وچوري ، كنت عارف اللي هيحصل وما حاولتش حتى أمنعه بالعكس دا أنا اتريقت على زين لما عمل كدة ، أنا ....
حرك عاصم رأسه للجانبين يقاطع ما يقول :
- انسى ، انسى كل اللي فات ، حسين مسامحك وأنا مسامحك ، خليك هنا يا إبني معانا ، عشان خاطري ، أول مرة أطلب منك طلب ، حتى لو فترة بسيطة ولو ما ارتحتش هخليك تسافر مش همنعك ، قولت إيه عشان خاطري ما ترفضش
ابتلع عمار لعابه ، يشد كفيه متوترا ، عاصم يتوسله حرفيا ... كل عضمة ترفض الموافقة ولكنه حرك رأسه يوافق ، رأى كيف ابتسم عاصم سعيدا وكأن موافقته فقط أكسبته جائزة كبيرة ، تحرك من مكانه يفتح دولاب الثياب على مصراعيه يريه ما في داخله يحادثه سعيدًا :
- بص زين هو اللي مختارهم لأنه عارف ذوقك والواد مراد ساعده ، مراد دا مشكلة أنا واثق انكوا هتبقوا دويتوا هايل ، قولي لو مش عاجبك أي حاجة في الأوضة وأنا أغيرها
أقترب عاصم منه يجلس مجاورًا له ، جذب رأسه يعانقه لمعت الدموع في عينيه ، يعانقه بقوة ، فُتح الباب في اللحظة التالية وسمع ضحكات زين وحسين ، تحدث زين يسخر من شقيقه :
- دا أنت هتبقى زوج ممتاز بالبيض بالبسطرمة دا ، أول مرة أشوف واحد بيعامل البسرمطة معاملة الكفار دا أنت كنت بتعذبها مش بتسويها
دخل حسين يحمل صينية طعام كبيرة وقف أمام زين يرفع حاجبيه يسخر منه :
- شوف مين بيتكلم زين بيه بتاع دراعي واجعني مش هقدر أشيل الصينية ، ما تنشف يلا في ايه
ابتسم عاصم حين رأى أن عمار يبتسم على ما يحدث بين شقيقه ، حمحم يوجه حديثه إليهما :
- ما تترزي يلا أنت وهو ، هنطفح اللقمة بسببكوا
جلس حسين جوار زين أمامهم كل منهما يصدم الآخر بكتفه يتنكفان كالأطفال ، دفع حسين زين وقف يتحدث ساخطا :
- بابا تعالا أقعد جنب الواد الرخم دا ، وأنا هقعد جنب عمار ، وقف عاصم يتبادل الأماكن مع حسين الذي سارع يجلس جوار عمار يلف ذراعه حول كتفيه يقربه منه يغيظ زين :
- أنت اللي أخويا بجد ، مش الحيوان دا ، دوق بقى البيض بالبسطرمة اللي أنا عامله ، عشان عايز اعمله للبت چوري يمكن تقع في حبي بقى
خرج من فم عمار ضحكة خفيفة صغيرة يومأ برأسه أعطاه حسين رغيف من الخبز ونظر إليه متلهفا وهو يأخذ القليل من الطعام يضعه في فمه ، امتعض وجه عمار ولكنه حاول أو يبتسم ابتلع ما في فمه يردف :
- هو حلو ، بس نصيحة ما تدخلش المطبخ تاني ، لو عايز چوري تحبك فعلا
ضحك زين عاليا ينظر لحسين يسخر منه :
- أحسن أحسن ، عاملي فيها الشيف شربيني طول ما أنت واقف ، والنار مسك في الفوطة وكنت هتولع في المطبخ
بعد قليل من المشاكسات والضحك ، وقف زين فجاءة حمحم يقول بنبرة جادة:
-سيداتي وسادتي من ملعب باليرمو ، مع المعلق والمهندس زين عاصم ، أقر أنا وأعترف ، أن أنا وقعت في الحب ، وقلبي دق دق ، ونويت أخطب الفرتوغرافر اللي سرقت قلبي بدل ما  تصوره ، مرام عمرو ، عشان كدة أنا طالب من المهندس عاصم حسين أنه يكلم والدها عشان نروح نتقدملها وشكرا لحسن الإستماع
وجلس مكانه من جديد في صمت ينظر إليه الجميع بدهشة ، كان عاصم أول من تحدث يسأله :
- أنت بتتكلم بجد ؟
ابتسم زين يحرك رأسه بالإيجاب سريعا :
- أيوة والله يا بابا ، أنا بحبها وعاوز أخطبها ونتجوز
ومن ثم تبدلت نبرته إلى أُخرى قلقة يسأله متوترا :
- ولا حضرتك عندك مانع ؟
ابتسم عاصم يحرك رأسه للجانبين يتحدث سعيدا :
- لاء طبعا دا يوم المُنى لما أخلص منك أنت والجحش اللي قدامي اللي كاتب كتابه بقالي 100 سنة ومراد انتوا التلاتة في ليلة واحدة ، وأخطب رقية لعمار عشان هو بيحبها ومكسوف يقول
توسعت حدقتي عمار يحرك رأسه للجانبين والده أقر ومهما حاول تغيير فكرته لا يوافق
في منزل جاسر مهران ، اقتربت رؤى من جاسر الذي ينظر من شرفة غرفته صوب الخارج يبدو غاضبا ، اقتربت منه تندس بين أحضانه ؛ ليبتسم يطوقها بذراعيه نزل برأسه يستند إلى كتفها خرجت تنهيدة طويلة من بين شفتيه يهمس غاضبا  :
- الكلب دا قال كلام وحش أوي على مريم يا رؤى ، أنا واثق أنها ما تغلطش ، بس كلامه لسه بيدق في ودني
رفعت يدها تمسح على رأسه برفق تتحدث تهدئه :
- ممكن تنسى ، خلاص القرف كله خلص ، بسبب الكلب دا عيشنا ليالي في صراعات وعذاب شتمت رعد واتبريت منه ، تعرف يا جاسر ، أنا بجد بشكرك من كل قلبي أنك كنت معرفني أنها خطة بينك وبين رعد ، أنا ما كنتش بجد هستحمل اللي بيحصل بينكوا ، دا أنا كنت موت من القهر والحسرة
رفع جاسر رأسه يكوب وجهه بين كفيها مال يطبع قبلة طويلة على جبينها يهمس :
- ما تقوليش كدة بعد الشر عليكِ ، أنا ماليش في الدنيا غيرك يا رؤى ، أنتِ كل حاجة في حياتي ، أنا من غيرك أغرق ، زي ما كنت غرقان زمان وأنتِ اللي انقذتيني ، أنتِ الجنة بالنسبة لي على الأرض يا رؤى
تحركت عينيها السوداء على قسمات وجهه وقفت عند عينيه الرمادية تنظر إليها تلألأت الدموع في عينيها قبل أن تهمس سعيدة :
- كنت فاكرة أن بعد السنين دي كلها أنك ما بقتش تحبني ، أو الحب خلص بس كنت غلطانة ، أنا بحبك أوي يا جاسر بحبك أوي
عانقها بقوة وتمسكت هي بأحضانه للحظات طويلة تغمض عينيها قبل أن تبتعد عنه تغمغم سعيدة :
- كدة رعد ومعاه طرب ويونس هيرجعوا الفيلا صح ، أنا ما شوفتوش غير مرة واحدة وهتجنن وأشوفه تاني ، ونعمله سبوع يا جاسر أنا عارفة انه تقريبا عنده 5 شهور بس
قاطعها حين وضع سبابته برفق على شفتيها يومأ برأسه يوافق :
- اللي تؤمري بيه هيتنقذ ، نعمله سبوع واتنين وعشرة ، ياكش بس ابنك الفالح يعرف يراضي البت ويجيبها أحسن هي مش طيقاه خالص
في تلك اللحظة سمعوا صوت سيارة تقف في الحديقة ورأى جاسر سيارة أجرة تقف ، شمر عن ساعديه يغمغم حانقا :
- اهلا بمراد ، دا أنا هنفخ ابن أخوكِ
ونزل لأسفل يهرول سريعا يتوعد للأحمق بالويلات ، حين فتح الباب رأى مراد يمسك بيد مريم يقول حالما :
- ما تجيبي بوسة بقى يا مريومة قبل ما أبوك يفتح ال.....
وصمت وأصفر وجهه حين رأى جاسر يقف أمامه ، مد يده يقبض على تلابيب ثيابه يجذبه للداخل ، ليتحدث مراد مرتعبا :
- أنت واخدني ورايح فين بس يا عمي
جذب جاسر مراد صوب مكتبه التف برأسه إليه يعطيه ابتسامة سوداء يتوعده :
- أبدًا أصل ماما تعبانة شوية وهتموت يا عيني ولازم تيجي تشوفها
توسعت حدقتي مراد ذعرا يستنجد بمن في البيت :
- يالهوووووي ، يا عالم يا ناس النجدة ، هيغت..صبني يالهووووي ، أنتِ يا ولية ياللي اسمك مريم ، حوشي أبوكِ عني ، هيعمل مني فراخ مفرومة يالهووووي، والله يا عمي أنا نيتي أجبلك أحفاد يونسوك مش أكتر
دفعه جاسر لداخل المكتب يغلق الباب بالمفتاح من الداخل ، توسعت حدقتي مراد ذعرا يعود للخلف يردف بنبرة خائفة مضحكة للغاية:
- أنت بتقفل الباب ليه يا معلم قصدي يا عمي
ضحك جاسر ساخرا يشمر عن ساعديه يردف :
- هنرقص دانس يا روح أمك
______________
جاء الصباح بعد ليلٍ طوويل من المصائب ، فتح عينيه يبحث عنها هنا وهناك ليست جواره ولا يراها في الغرفة ، قام من الفراش ينظر صوب فراش يونس فلم يرى الصغير ، قلق من أن تكن تركته وغادرت فخرج سريعا من الغرفة ولكنه تنفس الصعداء حين رآها تجلس أمامه تلاعب الصغير الذي يضحك سعيدا ، لا يظن أن عينيه رأت ما هو أجمل مما يراه الآن ، ابتسم سعيدا وهو يستمع إلى ضحكات الصغير ، تحرك إليهم مد يده يأخذ الرضيع من بين يديها برفق ضمه إليه مترفقا يشعر بدقات قلبه تهدر بجنون وهو يحمل قطعة صغيرة من قلبه بين يديه ، حرك رأسه ينظر إليها ليراها تتحاشى النظر إليه تبدو غاضبة وللغاية ولا يلومها ، تنهد بقوة يهمس يعتذر منها :
- طرب أنا آسف ، أنا بجد آسف على كل القرف اللي عملته ، أنا ....
لم تدعه يُكمل ما قال بل هبت واقفة ، لأول مرة لم تقاوم دموعها بل تركت لها العنان ، لولا الرضيع لصرخت بعلو صوتها ، ارتعش صوتها تهمس بحرقة :
- آسف على ايه ولا ايه يا رعد ، أنت آذتني فوق مل تتخيل ، أنت فاكر كنت بتعمل فيا ايه ، فاكر كنت بتقولي ايه ، وأنا بس كنت بحاول أحميكِ ، كنت خايفة أقول لمتصدقنيش وكان عندي حق ، حتى لما هربت منك كنت دايما بفكر فيك ، كنت كل ليلة بتمنى أنك تيجي وتلاقيني ، عيشت فترة حملي لوحدي وكنت دايما بتخيلك جنبي ، ولما رجعت لقيتك واحد مختلف تماما ، واحد ما تخيلتش في أسوء كوابيسي إني أشوفه ، وبعد ما قعدت تقولي فرصة واحدة ووافقت لقيتك بشع وجاحد وبتأذي والدك ، اتفزعت وقررت أبعد من غير رجوع ، جيت وخطفت الولد وساومتني بكل ندالة أني أسلمك جسمي عشان ترجعه ليا ، وجاي تقولي سامحيني يا رعد ، أسامحك على ايه ولا إيه
وانهارت جالسة على المقعد تبكي بحرقة ، أشتاقت له ، كل ذرة بها ترغب في العودة ، عادا عقلها يرفض وبشدة ، أما هو فقام وضع الصغير على حامل مخصص له موضع قريبا منهم وعاد إليها جلست على ركبتيه أمامها يمسك بكفيها بين يديه ، ترك أحد كفيها يرفع وجهها إليه ، تقابلت عينيها مع عينيه قبل أن يهمس منفعلا :
- أنا عارف أني غلطت في حقك ، وغلطت أوي وماليش عين كمان أني أقولك آسف سامحيني ، بس أنا غلطت في حق الدنيا وأولهم في حق نفسي وقلبي ، أنا كنت عامل زي الطفل اللي عايز الكل يراضيه حتى لو غلطان ، طفل عايز يثور ويغضب وبس ، ودا اللي أنا عملته أذيتك وبعد ما اختفيتي أذيت نفسي ، مشيت في طريق عمري ما كنت أتخيل أني أوصل إليه ، روحت ديسكوهات وكبريهات شربت خمرة ولعبت قمار وشربت حشيش ، عملت كل حاجة حرام كنت فاكر أني كدة بنتقم من جاسر مهران ، بس طلعت مغفل أنا ما بنتقمش غير من نفسي ، أنا عملت كل الغلط اللي كان بيلمع في عينيا ، عشان أكتشف أنه ازاز مكسور أول ما تمسكه في ايدك هيصفي دمك ، عارفة أن رجوعك كان نجدة ليا فاكرة اليوم اللي بابا جه وأنتِ زعقتي فيا وخدتي يونس ومشيتي ، فضلت سنة وزيادة غافل وعاصي وجيتي أنتِ في لحظات فوقتيني
Flash back
اقترب جاسر من رعد يقبض على تلابيب ثيابه يصرخ فيه:
- هو أنت فاكر عشان سيبتلك الحبل شوية تعمل ما بدالك ، إني هسيبك كدة على طول ، أنا سيبتك تجرب وتعيش ولقيتك أول حاجة عملتها ،دورت على الغلط وعملته ، كدة أنت راجل بقى صح
فما كان من رعد إلا أنه أنتزع نفسه من بين يدي والده عاد عدة خطوات للخلف يلتقط علبة التبغ من فوق الطاولة خلفه ، أشغل سيجارة ينفث دخانها بهدوء نظر لأبيه يبتسك ساخرا :
- ما تبطل بقى ، هو أنت فاكر أن أنا كدة هنهار وأقول إزاي أنا وحش كدة ، إنت اللي عملت كدة واديك بتحصد اللي زرعته ، تقدر تقول ذنبك ربنا بيخلصه منك ، هو أنت فاكر اللي عملته زمان دا هيعدي بسهولة كدة ، فلو سمحت خليك بعيد عن بيتي ومراتي وابني
زي ما أنا بعيد عنكوا ، شرفت يا جاسر باشا !! ، نتقابل في المناقصة الجاية
وقف جاسر مكانه ، للحظة شعر بأنه وهن وبات هرما ، رعد يطرده خارج منزله ، الوقح كيف يفعل ذلك ، شعوره بالغضب يدفعه بأن يبرحه ضربا حتى لا يفكر حتى في فعل ذلك من جديد ، لا يعرف حتى كيف يتمالك زمام نفسه ، ربما لأنه المخطئ منذ البداية ، ربما لأن ما يحدث الآن بفعل يديه ، ربما لأن رعد عانى منه كثيرا ، الكثير من الاحتمالات منعته من أن يصفعه حتى ، نزر إليه يبتسم في هدوء يحرك رأسه موافقا :
- نتقابل في المناقصة يا رعد باشا
وتحرك للخارج يجذب الباب خلفه وارتمى رعد إلى المقعد خلفه يدهس سيجارته في الطاولة المجاورة له يشعر بغصة عنيفة تلكم صدره ، رفع كفيه يخفي وجهه خلفهما يتنفس بعمق ، يشعر أنه يتحرك إلى الهاوية يريد تلك اللحظات التي كان يعيش فيها مع أبيه وهما على وفاق ، مر أمام عينيه سريعا ما حدث منذ أن علم بالحقيقة يوم الحفل حتى اللحظة الحالية ، حين رفع وجهه رأى طرب تقف أمامه ترميه بنظرة حادة قبل أن تردف تنهره على ما قال :
- مبسوط لما طردت والدك ، تعرف يا رعد أنا لو بابا كان عايش ما كنش حصلي اي حاجة من اللي حصلتلي دي ، كان زماني لسه طرب هانم المهدي ، أقولك على حاجة والدك لما عرف مكاني فضل يلح عليا عشان ارجع مصر وأنا كنت رافضة وكنت بتحايل عليه ما يقولكش مكاني ، لحد ما في مرة لقيته بيكلمني وبيترجاني اني أرجع ، وبيحكيلي على العك اللي أنت بتعمله ، عشان خاطره رجعت ، رعد أنت مش ملاحظ أن كل اللي بيحبك وبيدور على مصلحتك أنت بتدور ازاي تأذيه ؟! ، أنا رايحة عند ماما عن إذنك
وتوجهت إلى الغرفة من جديد تصفع بابها بعنف وظلت جملتها تتردد في رأسه بعنف ، ظل هكذا إلى أن رآها تخرج تحمل طفلهم الصغير تتحرك صوب الخارج ، أمسك بكف يدها لتنزعه من كفه بعنف ، أعطته نظرة عتاب طويلة تحادثه محتدة :
- لما ترجع رعد اللي أنا عرفته وحبيته ، وتروح تعتذر لوالدك ، أنت عارف مكاني
وتركته وخرجت من المنزل تصفع الباب عليه وحيدا ، كلمات طرب كشريط تسجيل تدق في أذنه بلا توقف ، نظر لانعكاس صورته في المرآة ليرى مشاهد متتابعة لما كان يفعل ، لكل ذنب فعله وكان سعيدا به ، شعر بالاشمئزاز الشديد من نفسه وهو يرى عرض حي ، عرضه عقله لكل ما فعل ، وقف مكانه يرتجف بعنف وكأنه أدرك في تلك اللحظة ما كان يفعل ، أدرك ما كان يقترف ، تسارعت أنفاسه يشعر بصدره يضيق ، تحرك إلى هاتفه بخطى ثقيلة يبحث بين الأرقام إلى أن وصل لرقمه ، أتصل به وعلى عكس ما توقع أجاب سريعا همس بنبرة مهزوزة ترتجف :
- أنا عاوز أقابلك ، ايوة عارفه هكون هناك
ألتقط مفاتيحه ينزل إلى سيارته ، يتحرك بها صوب وجهته طوال الطريق يمر أمام عينيه كل لحظة مضت ، حين وصل لم يرى أي سيارة تقف خارجا، أوقف سيارته ، ونزل منها توجه إلى الداخل دفع الباب ودخل تحرك إلى أقرب جدار أمامه جلس يستند إلى الجدار يغمض عينيه يشعر بالألم الشديد يطحن عظامه وروحه وجسده ، لحظات وسمع خطوات تلاها صوت أبيه وهو يحادثه قلقا :
- أنت مالك قاعد كدة ليه ، أنت كويس ، قوم معايا طيب ، ما ترد عليا يا رعد فيك ايه يا إبني
فتح رعد عينيه ليرى جاسر الدموع تملأ حدقتيه ، نظر لوجه أبيه ضائعا تائها اهتز صوته بالبكاء يهمس مذعورًا :
- بابا أنا عملت حاجات كتير وحشة أوي ، بابا أنا كل الحاجات اللي كانت بتلمع في عينيا فجاءة انطفت ، بابا أنا كنت عامل زي المسحور ، أنت عندك حق أنا عامل زي العيل الصغير ، بابا أنا أذيتك وأذيت طرب ، وأذيت نفسي ، أنا شربت وسكرت وعملت كل اللي أنت خايف منه عشان انتقم منك ودلوقتي بس اكتشفت أني كنت بنتقم من نفسي ، أنا غبي وساذج و....
- وإنسان يا رعد ، وما فيش إنسان ما بيلغطش المهم أنه يفوق قبل فوات الأوان ، الدنيا ضاعت من غيرك يا رعد والبيت اتفك ، واتقسمنا واتكشفت أنك كنت مسمار الأمان اللي محافظ على البيت مش أنا
جلس جاسر أرضا أمام ولده ، مد يده يمسح الدموع عن وجهه برفق يبتسم له يقول :
- كل ابن آدم خطاء يا ابني إحنا مش ملايكة ولا هنكون ، أنسى يا رعد اللي حصل وأنا هنساه ، ونرجع كلنا الفيلا وكأن ما فيش حاجة حصلت ولو طرب لسه زعلانة أنا هتدخل وأصالحها
ومن ثم صمت جاسر لعدة لحظات قطب جبنيه وكأنه يفكر قبل أن يقل سريعا:
- ولا استنى ، أنا عندي فكرة ، فاكر لما قولتي مرة ما تخبيش عني أي حاجة ، أنا دلوقتي هحيكلك كل حاجة
تنهد يأخذ نفسا قويا قطب رعد جبينه قلقا مما سيقول والده قبل أن يردف الأخير :
- هي حكاية طويلة هحكيهالك بالتفصيل بعدين مختصرها ، نصار الراجل اللي أنت شايفه رايح جاي معايا ، دا أكبر عدو لينا هو بس غرضه الوحيد أنه يدمر العيلة كلها ، أنا خدت بالي أن نصار بيتابع أخبارك أول بأول ومبسوط وسعيد أوي بالخلاف اللي بينا ، أنا بقى يا رعد عايزك تكبر الخلاف دا ، عايز اللي يشوفك يقول ما شافش رباية ، أقولك هخليك ترفع عليا قضية حجر
جعد رعد جبينه متفاجئ مما يسمع ، اعتدل في جلسته حمحم يحاول أن يفهم :
- لاء معلش واحدة واحدة وفهمني عشان أنا مش فاهم أي حاجة خالص
اومأ جاسر برأسه بهدوء ، يحكي له حكاية معرفته بحازم ، ومعرفته بأمر شادي ولده ومرضه النفسي :
- بس يا سيدي من اول ما روحنا الحفلة وشوفته وأنا واثق أنه ابن حازم سليمان ، وواضح أنه لسه مريض ما اتعالجش ولا حاجة ، وعمال يتدحلب ونفسه طويل ، دا زارع جاسوس عندك في الشركة الراجل اللي اسمه ممدوح ، أنا بقى هلعب معاه لعبته هخليه يحس أنه ملك اللعبة أي حاجة بيفكر بس يعملها هعملهاله أنا ، تعرف أنه كان ناوي يكبر العداوة اللي بينا بأي شكل ، أنا بقى هساعده ، هتساعدني يا رعد
اومأ رعد برأسه موافقا ليبتسم جاسر يعانقه صدمه على رأسه :
- وحشتني يا حيوان ، عارف ياض لو شوفتك ماسك سيجارة هنفخك
Back
ابتسم رغما عنه تنهد يقول :
- ومن ساعتها وأنا أي حاجة بعملها ، بتبقى بأمر من جاسر باشا شخصيا ، ولما جالي البيت هو وماما لما عرفوا بموضوع قضية الحجر ، كنت هتجنن قبلها وهو بيقولي لما أقع على الأرض اطردني من البيت ،أقوله إزاي أعمل كدة ، قالي اللي أنا أقوله يتنفذ يا حيوان ، فنفذت أيده طارشة الحج والله
قطبت طرب جبينها تسأله :
- هي مامتك كانت عارفة بالخطة دي
تنهد يومأ برأسه يردف:
- ايوة بابا قالها ما كنتش هتستحمل ، لدرجة أنه هو قالها أن حتى السنة اللي أنا خربت الدنيا فيها دي تبع الخطة وأن كل اللي بيتقال دا ما حصلش ، ماما حساسة جداا 

سكت ينظر لوجهها حزينا ، مد يده يبسطها على وجنتها برفق تنهد يهمس يترجاها :
- مش أنتِ قولتيلي لما ترجع رعد اللي أنا عرفته وحبيته هرجعلك ، أنا والله هو يا طرب ، أنا آسف آخر فرصة ، ولو عملت أي حاجة اضربيني رصاصة وموتيني ، وأقسملك إني ما كنتش هلمسك غصب عنك ساعة ما خدت يونس ، أنا كنت هنفجر من الحيوان اللي اسمه ظافر اللي لقيته ظهرلي فجاءة دا ، ساكتة ليه يا طرب ردي عليا ، والله العظيم بحبك ، أنا آسف عمري ما هزعلك تاني ، بردوا ساكتة

ظلت صامتة تنظر لقسمات وجهه خاصة عينيه التي ترجوها أن تسامح صاحبها ، تنهدت تقول فجاءة :
- أنا عاوزة أكل كبدة من اللي الراجل اللي على الكورنيش
___________
مساء الخير ، أنا اعتذرت عن فصل الثلاثاء ولكن حساسية عينيا فعلا كانت مبهدلاني ، وأنا ما صدقت بقيت أحسن شوية عشان أكمل الفصل

أسيرة الشيطان الجزء الأول + الجزء الثاني+ الثالثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن