الاربعون الجزء الأول

39.7K 2.1K 280
                                    

للقلب سلطان آخر
الجزء الثالث
       من
أسيرة الشيطان
الفصل الأربعون
الجزء الأول
¤¤¤¤¤¤¤¤
في غرفة زين في المستشفى يضجع زين على فراشه ، يجلس أمامه عاصم وجواره عمار يجلس صامتا لا يشارك سوى ببضع كلمات بسيطة وابتسامة باهتة ترتسم على شفتيه كلما وجه زين حديثه إليه ، لاحظ عاصم شرود عمار ليلف ذراعه حول كتفيه ؛ لينتفض عمار يبتعد عنه يصفر وجهه أما عاصم فسأله قلقًا :
- مالك يا عمار وشك أصفر وساكت وسرحان
حرك رأسه للجانبين ينظر لأسفل صامتا لعدة لحظات قبل أن يهمس متوترًا :
- أنا كويس
تنهد عاصم ينظر لولده يائسا ، يبدو أن عمار لن يتقبل وجوده أبدا ، دُق الباب ودخل محسن يبحث عن عمار ؛ ليقوم عمار يتحرك إليه يسأله :
- مالك يا عم محسن ، شكلك قلقان ليه كدة ، حصل حاجة ؟
اومأ محسن برأسه يحادثه قلقا خائفا :
- رقية لسه ما رجعتش لحد دلوقتي وبكلمها موبايلها مقفول ، وأنا على طول بنسى عنوان الفندق اللي هي شغالة فيه ، إنت عارف ، فاكر العنوان
اومأ عمار برأسه بالإيجاب ، مد يده يربت على كتف الرجل يبتسم في وجهه يحادثه :
- ايوة عارفه يا عم محسن ، خليك وأنا هروح أشوفها ، ولما أوصل هتصل اطمنك عليها من هناك
حرك الرجل رأسه موافقا سريعا ، وتحرك عمار إلى خارج المستشفى متوجها إلى الفندق القريب منهم ، أخذ سيارة أجرة عشرة دقائق تقريبا ووصل لهناك ، حاسب السائق ودخل إلى الفندق ، لمحها تقف في الحديقة قبل أن يكمل طريقه لداخل الفندق ، توجه إليها ما أن بات بالقرب منها بادر يقول :
- أنتِ هنا يا رقية، موبايلك مقفول وعم محسن قلقان عليكِ جدا ، والوقت أتأخر ، ثواني هكلمه

حين ألتقط هاتفه من جيب سرواله وشرع يتصل برقم محسن ، لاحظ شرود عينيها ووجها الشاحب ، أنزل هاتفه يقطب جبينه يسألها :
- مالك يا رقية ، إنتِ كويسة ؟
لفت رأسها له ، نظرت إليه وأطالت النظر لم تكن تراه على الأغلب ، عينيها شاردة مشوشة بداخلها يعتمر الكثير من الألم وكأنها قنبلة تنتظر من يشد فتيلها ، لم تصرخ وتنهار فقط جرت الدموع تُغرق وجهها في لحظة وكأن نهر النيل فاض هنا ، تكلمت دون صراخ ولكن نبرة الألم في صوتها كانت وكأنها تصرخ وتتعذب بشدة:
- هي ليه الدنيا فيها ناس مؤذية أوي كدة ، هيستفيدوا ايه من أذية وعذاب غيرهم ، هو أحنا موجودين في الدنيا عشان نتفنن في أذية بعض ، أنا شوفت العذاب ألوان على أيد مريض مجنون ضحك عليا وعلى الكل خلاني حبيته واتجوزته ، عشان أشوف بسببه كل ألوان العذاب ، بقيت عايشة زي الميتة من الخوف ، ربنا لطف بيا لما مات ، عيشت بعدها شهور مرعوبة ومش مصدقة أنه مات ، بخاف اتنفس مش بس أتحرك أحسن يظهر تاني ، لحد ما ظهر البطل المنقذ هو اللي ساعدني وعرفت أخرج من الضلمة اللي كنت فيها ووقفت على رجليا تاني ، زي ما هو قال مشاعري اتعلقت بأول واحد عاملني كأنثى واحترم كياني بعد كل اللي شوفته ، بس حتى هو طلع مؤذي ، ليه هو كمان يطلع مؤذي أوي كدة
نظر عمار لها مشفقا ، دقات قلبه تتسارع يشعر بالبرد يغزو كيانه ، يبدو أن رقية عانت الكثير من مريض نفسي يشبه نصار ويشبهه للأسف ، ولكنه ظن أن حديثها عن جاسر بسبب ما فعله مع زين ، ارتسمت ابتسامة مريرة على شفتيه ابتلع لعابه يتمتم :
- في ناس بتأذي من كتر ما اتعرضت للأذى ، أو بتأذي خوف من أنها تتعرض للأذى لو ما أذتش ، أنا أعرف واحد عاش سنين عمره من ساعة ما كان طفل مع مريض نفسي شبه الحيوان اللي مات ، وراله العذاب سنين طويلة مش يوم ولا شهر ولا سنة ، ولما كبر بقى لازم يأذي عشان ما يتأذيش ، لما تشوفيه من بعيد تفتكريه القوي الجامد المؤذي اللي ما بيخافش ، لو قربتي خطوة واحدة هتلاقيه عيل صغير خايف يرجع يتأذي تاني ، بس عارفة اللي اتعلمته من عم محسن ، أن الدنيا دايما بتدي فرصة تانية ، زي ما ادتك فرصة تانية تبعدي عن أذى المؤذي وتبدأي من جديد وأفضل كمان ، أدتني فرصة تانية وأنا ما استاهلهاش صدقيني ، ما توقفيش حياتك عند صورة البطل المنقذ ، اعتبريه محطة وعدت ما حدش عارف أبعاد الصورة يا رقية ، وعلى رأى عم محسن ما حدش عارف الخير فين ، يا نهار أبيض صحيح عم محسن
رفع هاتفه سريعا يطلب رقم محسن يطمأنه على رقية ، أعطى الهاتف لرقية ووقف يشاهدها وهي تحادث أبيها تطمأنه أنها بخير إلى أن انتهت ، أعطته الهاتف تنهد متعبا يردف :
- يلا عشان تروحي ، تعرفي يا رقية أنا بحسدك عشان اتربيتي مع أب زي عم محسن ، تحبي نركب تاكسي ولا عاوزة تتمشي

التقطتت حقيبتها الملقاة على مقعد جوارها ومن ثم نظرت إليه تنهدت تهمس متعبة :
- لاء أنا عاوزة أمشي

اومأ برأسه وتحرك جوارها صامتا ينظر أرضا يركل الحصا الصغيرة أمامه يبتسم كلما ابتعدت الحصى أكثر ، نظرت إليه من جانب عينيها مستنكرة ما يفعل ، هل يظن نفسه طفلا ؟! تنهدت تنظر أمامها لترى حصى صغيرة أمامها ببضع خطوات حمحمت خفية ؛ لتركلها بطرف حذائها دون أن يراها ، ارتسمت ابتسامة باهتة
على شفتيها حين ابتعدت الحصى ؛ لتسمعه يقول بجدية مبالغ فيها :
- الطوبة بتاعتي بعدت أكتر على فكرة
ضيقت عينيها مغتاظة كادت أن تقول شيئا حين أشار فجاءة إلى بائع على جانب الطريق يتحدث متلهفا :
- استني بتاع درة مشوي ، زين بيحبه أوي
وتحرك إليه مسرعا يبتاع الكثير لأجل زين ، وتذكر قبل أن يعطي للرجل نقوده أنها تسير بصحبته فجلب لها واحدًا ، التفت لها يعطيها إياه ، أخذته دون جدال وتحركت تسير جواره نظرت إليه ولم تستطع سوى أن تقول :
-أنت بتحب أخوك أوي ربنا يخليه ليك ، تعرف كان نفسي يبقى عندي أخ يخاف عليا كدة

اومأ برأسه ، ابتسم ما أن ذُكر اسمه يتحدث عنه سعيدا مبتهجا  وهي نادرًا ما تراه سعيدا :
- زين دا كل حاجة ليا في الدنيا ، إحنا الاتنين تؤام بس مش شبه بعض ، لا في الشكل ولا في الطباع ، هو طيب أوي وجدع وحنين ، هو كل حاجة ليا في الدنيا ، لما كنت بغيب وبختفي ببقى عارف يا عيني أنه عمال يدور عليا ، تعرفي أنا لما اضربت بالرصاص كنت خايف من الموت ، وكنت خايف على زين أوي ،خايف للكلب دا يأذيه بعد موتي ، خايف من الزعل عليا يحصله حاجة ، أنا صحيح الدنيا قضت على كل حاجة حلوة في حياتي ، بس سابتلي زين وأنا مش هسمح لأي حد في الدنيا أنه يأذيه
وقفت تنظر لعمار وكأنها تراه للمرة الأولى ، يبدو أنها كان يجب أن تتعرف على الشاب الذي اقتحم حياتهم فجاءة منذ أكثر من عام أكثر من ذلك ، ربما ما كانت رأت في جاسر البطل المنقذ تحرك عمار يسبقها لعدة خطوات نظر جواره ليقطب جبينه مستنكرا حين لم يرها ، وقف والتفت ليراها تقف هناك تبعد عنه عدة خطوات ؛ ليقول سريعا :
- يلا يا رقية الوقت أتأخر ووالدك قلقان عليكِ جداا
تحركت تكمل طريقها معه إلى حيث المستشفى ، أبصرت أبيها الذي هرع إليها ما أن رآها يحتضنها يعاتبها قلقا :
- كدة يا رقية ، نشفتي دمي ، اكتبيلي عنوان الفندق دا في ورقة دلوقتي ورقم أي حد فيه ، طالما بتقفلي موبايلك ولا كأن ليكِ أهل هيموتوا من القلق عليكِ
في بضع كلمات أدركت رقية لما قال عمار أنه يحسدها على أبيها ، وأدركت أنها لفترة طويلة بعد أن تخلصت من شخصية الضحية بمساعدة جاسر ، بدأت هي بملئ إرادتها تعيش هذا الدور من جديد ، تنظر لجميع الأمور بنظرة سوداوية للغاية غاضة الطرف عن كل ما تملك ويعطيها إياه والديها والحياة بأكملها ، عانقت أبيها بقوة تغمض عينيها ، أما عمار فكان يقف على بعد عدة خطوات منهم ينظر إليهم وقبل أن يشعر بالحرمان ، انتفض حين شعر بأحدهم يضع كفه على كتفه ، التفت سريعا ليرى عاصم يقق خلفه مباشرة اقترب منه خطوة واحدة فبات جواره ابتسم له قبل أن يصدمه في كتفه بخفة ، غمزه بطرف عينيه يهمس يحادثه عابثا :
- اااه عشان كدة بقى عاوز تقعد هنا ، بس بصراحة هي زي القمر ، تحب أروح أكلم باباها دلوقتي
انتفض عمار ، أصفر وجهه يحرك رأسه للجانبين سريعا ؛ ليضحك عاصم بخفة يلف ذراعه حول كتفي عمار ، ما يحاول عاصم فعله معه يضايقه ، محاولته إكتسابه له تجعله يشعر بالتوتر الشديد ، انتبه حين قال عاصم :
- بقولك ايه يا عمار أنا جعان أوي وجاي من سفر وزين خلاص نام ما تقلقش عليه ، تعالى وديني اي مطعم ولا محل ناكل لقمة
زفر أنفاسه متوترًا وأراد بشدة أن يرفض ، هو يعرف أن عاصم يفعل ذلك ليتقرب منه ، تأوه متألما حين لكزه عاصم في ذراعه يحادثه ساخرا :
- ما يلا يا عم ولا لازم يبقى اسمي رقية عشان توديني
يبدو أن والده لن يغير الفكرة التي أخذها بسهولة وسيظل يضايقه بها ، ولكن لحظة لما ردد عقله كلمة والده! لما لم يقل عاصم ، الكلمة الأولى التي تبادرت إلى ذهنه كانت والده !!
تنهد متوترا يومأ برأسه موافقا يتمتم :
- هوقف تاكسي
تحرك خطوة ليمسك عاصم بذراعه التفت عمار له ليحرك عاصم رأسه للجانبين يردف :
- لاء هنتمشى
وتحرك يسير جواره ترك عمار مسافة بينهما ينظر أرضا يتحاشى النظر لأبيه تماما ، تنهد عاصم كاد أن يقول شيئا حين لمح عربة طعام تقف هناك أمامه ، أشار له يتحدث ضاحكا :
- تعرف خالتك رؤى مدمنة كبدة من الشارع ما فيش مرة كنت باخدها ونخرج غير لما تقف وتشبط ، كنت دايما بقول عليها معفنة ، أوقات الواحد بيتمنى أنه يرجع شاب تاني
ومن ثم صمت نظر إلى وجه عمار وابتسم يقول :
- بس لما بشوفك أنت واخواتك ، بحس أن سعيد أكتر من أي وقت في حياتي ، عمار انسى وشيل من دماغك أن أنا هسيبك أو لما تقولي أبعد عني ، أنا هبعد ، أنت اكبر أخواتك حتى أكبر من زين بكام دقيقة ، ومع ذلك خايف عليك أكتر من مراد الصغير
ومن ثم صمت يزفر أنفاسه يتمتم حانقا :
- صدقني ما حدش هيجلطني غير الواد مراد دا ، عيل مستفز وهوائي حتى البنت اللي حبها ما عرفش يحافظ عليها ، نفسي أرزعه علقة ، بس أنا مستني ليوم فرحه ، عشان يروح الفرح متدشمل ويتحفل عليه !!
____________
في مستشفى كبيرة ترى أمام غرفة الجراحة جمع كبير يقف هناك ، جاسر ورؤى وچوري ومريم ، الصدمة التي تحتل وجه كل منهم لا تُوصف ، وخاصة ملاك ، ملاك التى لم تنفك تبكي لحظة تنظر لغرفة الجراحة يكاد قلبها يخرج من مكانه ، ليتها سامحته ، ليتها وافقت على إعطائه فرصة أخرى احتضنت والدتها تنفجر في البكاء بلا توقف ، الألم والصدمة والذعر هي فقط المشاعر التي تسيطر على كل منهم ، يوسف في غرفة الجراحة بين الحياة والموت ، بعد أن تلقى رصاصة من شقيقه هدفه بها قتله ، ما يحدث أشبه بفيلم رعب أو كابوس بشع يبتلع الجميع ، خطوات تأتي تهرول إليهم كان صاحبها حسين ومعه مراد ، اقترب حسين من چوري قبل أن يقول شيئا ارتمت بين ذراعيه تتمسك به مذعورة جسدها يرتجف عينيها جاحظة ، لا تصدق ما رأت لا تصدق أبدا ، شعر حسين بجسدها يرتجف حاول أن يهدئها قليلا :
- چوري اهدي يا حبيبتي يوسف هيبقى كويس ما تقلقيش
حركت رأسها للجانبين ، لسانها وكأنه انعقد رافضا قول شيء ، جل ما تفعله أنه تزداد به تشبثا ، الدموع متحجرة في عينيها ، أما مريم فكانت في حالة غريبة من الصمت هي الأخرى ، يوسف شقيقها التؤام على شفا الموت على يد شقيقهم الأكبر ، رعد الذي تحول للنقيض وبات أسوء من الجميع ، شعرت وكأن أحدهم ينظر إليها حين رفعت عيناها رأت أمامها مراد وجواره وليد صديق يوسف ، التقت عينيها بعيني مراد رأته ينظر لها حزينا مشفقا على حالها ، معاتبا لما فعلت ، خائفا على صديقه ، مزيج عاصف من المشاعر اجتاح نظراته إليها ، قاطعه صوت خطوات تسرع إليهم وظهر نصار على وجه القلق الشديد ، توجه إليها هي أولا يحادثها قلقا :
- مريم ، حصل ايه يوسف ماله حصله ايه ، وأنتِ مالك وشك أصفر ليه كدة ، إنتِ كويسة يا حبيبتي
انثنى جانب فم مراد بابتسامة ساخرة يبعد وجهه عنها ، أما هي فنظرت إلى نصار قبل أن تنظر لأبيها ، نظر نصار خلفه ليرى جاسر يقف هناك بعيدا ، يحتضن زوجته عينيه شاردة .. تركها وتحرك إليه وقف أمامه يسأله قلقا :
- جاسر يوسف أخباره ايه ، طمني عليه ، ايه اللي حصل
تحرك جاسر برؤى إلى أقرب مقعد تركها هناك وعاد لنصار وقف أمامه لعدة لحظات قبل أن يحمر وجهه غضبا يهسهس متوعدًا :
- رعد ضرب يوسف بالرصاص عايز يموته ، عشان ما يتبقاش غيره يورث مين عارف بكرة هيقتل مين تاني ، مريم ولا چوري ولا ياسين وسليم الصغيرين ، أنا كان ممكن أرميه في السجن ، بس لاء أنا مش هفضح نفسي عشان كلب زي دا ، بس زي ما هو ضرب ، ضربتي هتكسر ضهره اتنين ويبقى يقابلني لو لمح طيف مراته ولا ابنه تاني !!
توسعت عيني نصار ذهولا وبداخله يرقص فرحًا ، خطته تسير دون مجهود منه ، عائلة مهران أسوء مما كان يتخيل ، الوحيد الذي كان يخشى منه ويخطط لقتله يوسف ولكن ها هو رعد تولى المهمة بدلا عنه ، وان نجى الوغد من رصاص شقيقه سيقتله في المشفى ، لن يخرج يوسف من هنا حيا ، الآن حسب خطته ، غدا سيتسلم كل أملاك جاسر ومن ثم يختطف الجميلة مريم ويقتل يوسف ويترك رعد يقضي على ما بقي من جاسر ، الأحمق يساعده في تدمير أبيه دون أن يدري حتى ، حمحم يحادث جاسر متوترا :
- بس مراته وابنه مالهمش ذنب في حاجة يا جاسر ، البت بتقول غلبانة جداا وابنه طفل عنده شهور بسيطة
هنا صرخ جاسر بعلو صوته منفعلا غاضبا :
- وابني أنا ذنبه ايييه ، دا مجنون ومريض وربي لهدفعه التمن غالي
ومن ثم سكت وضع يده على قلبه يرتسم الألم على وجهه ليقترب نصار منه سريعا يحاول أن يجعله يهدأ :
- طب اهدا ، أعمل ايه اللي أنت عاوزه بس اهدا ،أنت لسه تعبان
نظر جاسر إلى نصار مطولا قبل أن يتنهد بعمق يحادثه ممتنا :
- أنا بجد من غيرك مش عارف أنا كنت هعمل ايه يا نصار ، ربنا يخليك ليا ، متشكر يا صاحبي
دقائق وخرج الطبيب من غرفة الجراحة ليهرع الجميع راكضين نحوه ، خلع الطبيب قناع وجهه تنهد يحادثهم حزينا :
- صدقني إحنا عملنا كل ما في وسعنا ، بس هو وصل متأخر وكان نزف كتير جداا والرصاصة في موضع حساس جداا قريب من القلب ، ادعوله الساعات الجاية تمر على خير ، لأن كل المؤشرات الحيوية ليه سيئة جدااا
كانت أول صرخة من نصيب ملاك ، هرعت إلى الطبيب وقفت أمامه تبكي تترجاه :
- أرجوك ، أرجوك اعمل اي حاجة عشان يعيش ، يوسف ما ينفعش يموت أرجوك
اقتربت كاملا منها تجذبها إليها تحتضنها لتنفجر ملاك في البكاء تصرخ بحرقة :
- يوسف هيسيبني يا ماما ، أنا كنت هسامحه والله ، هو أنا كل حد بحبه في حياتي بيسيبني ، بابا وانتي وطرب ودلوقتي يوسف
صراخ الصغيرة جعل نصار يبتسم في نفسه ساخرا ، كان محقا حين قال ان يوسف هو الشوكة التي يجب أن يتخلص منها ،
تحرك جاسر ونصار مع الطبيب بعيدا عنهم يتحدث جاسر معه ، أما رؤى فجلست هادئة عينيها جامدة وكأن ما يحدث بالكامل كابوس بشع ترغب في الاستيقاظ منه بأي ثمن كان ، فُتح باب غرفة الجراحة وخرج الفراش الذي وُضع عليه يوسف يتحرك ناحية غرفة العناية ، 
رأت چوري شقيقها وهو مسطح هكذا ، وتكرر أمامها مشهد إطلاق رعد النار على يوسف ، زادت رجفة جسدها بشكل عنيف حتى صرخت صرخة مدوية بين أحضان حسين وانفجرت في البكاء ، اقترب جاسر من حسين ينظر لابنته حزينا ، مد يده يربت على رأس ابنته مترفقا يوجه حديثه لحسين :
- حسين خد چوري معاك البيت عند عاصم ، وخلي بالك منها
ومن ثم نظر لمراد ووليد يطلب منهم :
- مراد روح مريم ورؤى ومدام كاميلا وملاك البيت ، أنا مش عايز حد يفضل هنا في المستشفى
والغريب في الأمر أن رؤى كانت أول من تحركت ، هي فقط نظرت إلى جاسر بقوة تحادثه بنبرة فارغة من الحياة :
- أنت السبب في كل اللي إحنا فيه دا ، ولادي بيموتوا بعض بسببك إنت ، أنا مش مسمحاك يا جاسر ، ولو ابني جراله حاجة أنا هموت نفسي

وتركته وتحركت للخارج ، نظر جاسر إلى ابنته يقول بحزم :
- الحقي ماما ، قاعدة ليه اتفضلي
تحاشت مريم النظر لم تعد تجرؤ على ذلك بعد كل ما عرف ، تحركت سريعا للخارج ، أما مراد فنظر لوليد يوصيه :
- أنا هروح أوصلهم بسرعة وأرجع
نظر لنصار محتدا ومن ثم عاد ينظر إلى وليد يقول :
- خلي بالك من يوسف على ما أرجع ، يلا يا مدام كاملا
نظرت كاملا إلى ابنتها التي رفضت الرحيل بكل الأشكال ، ابتعدت عن والدتها تردف محتدة :
-مش همشي ، مش هسيبه ، انتوا كلكوا بتعملوا اللي انتوا عايزينه إشمعنى أنا ، أنا مش هسيب يوسف
تحركت كاملا إليها تحاول جذب ذراعها لتنزع ملاك ذراعها منها تصرخ فيها :
- قولتلك مش همشي
الوضع حقا لم يكن يحتمل أي شيء ، نظر جاسر إلى كاملا يحادثها :
- سيبيها يا مدام كاملا ، أنا هجيبها وأنا جاي ، اتفضلي أنتِ
____________
قبل مطلع الفجر بقليل وصل جاسر بسيارته أمام منزل والد مليكة ، لم يكن ليتركها ... توجه سريعا صوب الباب يدقه مرة بعد الأخرى ، إلى أن فتح له فتحي الباب من نظرة الغضب التي رآها على وجهه علم أن مليكة أخبرته بكل شيء ، بادر فتحي قبل أن يقول جاسر أي شيء :
- وجودك مش مرحب بيه هنا ، أنا غلطان إني وثقت فيك وآمنتك على بنتي ، ورقة بنتي توصلي ، بدل قسما بالله هوريك اللي عمرك ما شوفته
حرك جاسر رأسه للجانبين يرفض ما يقول فتحي يتحدث سريعا متلفها :
- حقك ، والله العظيم حقك ، بس اقسملك بالله أنا بحبها وكل اللي عايزه فرصة تانية أصلح بيها اللي حصل ، والله العظيم يا عم فتحي بحبها ، خليني بس أقابلها
حرك فتحي رأسه للجانبين يرفض دخوله يصرخ في وجهه غاضبا :
- أنا قولتلك ، قولتلك اني ما عنديش في الدنيا غيرها ، حكتلك هي اتعذبت قد ايه ، يا أخي حرام عليك دا أنت عندك أخوات بنات ، أنا غلطان إني استجدعتك وافتكرتك هتحافظ عليها ، وسكت على الكلام اللي زي السم اللي قالته أمك عشان ما أكسرش فرحة بنتي ، بس دلوقتي خلاص ، يا هتطلقها يا هرفع عليك قضية وبعد كل اللي أنت عملته دا من أول جلسة هتطلق منك ، وهتتشبط من النقابة يا دكتور يا محترم ، مش عايز أشوف خلقتك تاني

- أرجوك خليني أشوفها لآخر مرة ، أنا عارف أني غلطت ، غلطت لما سلمت شيطاني بس فوقت قبل ما آذيها ما كنتش أعرف أنها بتاخد من الزفت دا والله ما كنت أعرف
غمغم بها يائسا حزينا يرجوه أن يوافق ، على الرغم من أن فتحي أشفق على حاله ، ولكن غضبه لما فعل بإبنته كان أقوى ، ومع ذلك ابتعد عن الباب ، دلف جاسر إلى داخل البيت سريعا ليبصر مليكة بين أحضان والدتها تبكي ، انتفضت ما أن رأته تصرخ فيه :
- أنت ايه اللي جابك هنا ، اطلع برة ، مش عاوزة اشوفك ، اطلع برة
اقترب خطوة وأخرى منها يحرك رأسه للجانبين رافضا ، انفعل بقوة يتحدث صارخا :
- مليكة اسمعيني ، أنا عارف أني اتنيلت غلطت ، بس ليكِ أنك تحاسبيني لو كنت أذيتك ، أنا قولتلك كانت فكرة متخلفة وشيلتها من دماغي وحبيتك ، حبيتك من كل قلبي ، لو ناسية أنا اللي كنت بتحايل عليكِ عشان اساعدك ، ما ببررش غلطي بس مين ما بيغلطش ، اعتبريها أول وآخر غلطة ، مليكة عشان خاطري ما تهديش كل اللي بينا
وقفت أمامه صامتة للحظات طويلة قبل أن تقول بنبرة قاطعة :
- الحب من غير ثقة مالوش لازمة ، وأنا ما بقتش بثق فيك يا جاسر ، شكرا على كل حاجة حلوة عملتها عشاني ، أرجوك طلقني
____________
مرت ساعات في حديقة منزل كمال ، خرجت طرب إلى الحديقة لترى ظافر ينتظرها هناك ، اقترب منها يحمل عنها الصغير ، نظر لوجهها الشاحب وعينيها الغائرة ، علم أنها بكت لساعات تنهد حزينا على حالها يحادثها :
- هنتطلع على المحامي عشان يرفعلك قضية طلاق على المجنون دا ، وبعدين لازم تغيري جو ، سيبلي نفسك أنا هخرجك من الحالة دي
ارتسم على شفتيها ابتسامة باهتة للغاية ، توجهت تجلس جواره في السيارة تتحرك بهم إلى حيث المحامي ، جلست على المقعد المجاور له تحمل الصغير يونس على قدميها ، عينيها شاردة فيما حدث بينها وبين رعد ، الوغد كان على وشك الإعتداء عليها ولكنه توقف ، قلبها يتفتت ألما لا تصدق ما وصل الحال برعد الشاب الطيب الخجول ، كيف بدلته الحياة بآخر مختلف ، قلبها لا يزال يحب وبشدة رعد ولكن ذاك ليس رعد أبدا ، تنهدت حزينة يملأ قلبها الألم والحسرة والخذلان ، نظرت صوب ظافر أرادت أن تقول شيئا ولكنها لاحظت أن هناك سيارة سوداء ظهرت فجاءة تلحق بهم ، نفضت تلك الفكرة السخيفة من رأسها لما قد تلحق السيارة بهم ، نظرت إلى ظافر من جديد لتراه ينظر من مرآة السيارة يقطب جبينه يبدو متوترا ينظر إلى السيارة السوداء ، بحركة فطرية احتضنت الصغير إليها ، صاحت خائفة :
- هو في ايه، العربية دي عايزة مننا إيه
حرك رأسه للجانبين لا يعلم ، زاد من سرعة السيارة يحاول أن يبتعد عنها قدر الامكان ، أدار المقود سريعا يدخل إلى طريق صحراوي جانبي يقود السيارة مسرعا بقدر إستطاعته ، تنفس الصعداء حين اختفت السيارة ولم تعد تلحق بهم ، صحيح أنهم ابتعدوا كثيرا عن العمار وباتوا في منتصف الصحراء ولكن السيارة اختفت ، نظر إلى طرب يطمأنها :
- الحمد لله بعدنا عنهم ، أنا هلف أرجع ما تقلقيش
وقبل أن يفعل خرجت سيارة خرجت سيارة سوداء وقفت بالعرض أمام السيارة ، يبدو أنه كان فخا ، والسيارة كانت تدفعه من البداية ليدخل إلى هذا الطريق ، أدار محرك السيارة سريعا ليعود للخلف ولكنه وجد نفسه محاصرًا بسيارة أخرى منعته من فعل ذلك ، نظر إلى طرب التي أصفر وجهها ذعرا في تلك اللحظة كادت تموت خوفا على يونس من أن يصيبه أذى ، خرج من السيارة أمامهم رجل لم تره قبلا يمسك في يده مسدس ، تحرك ناحيتهم في هدوء مال على النافذة المجاورة لطرب يحادثهم مبتسما :
- مساء الخير ، حمد لله على السلامة ، دلوقتي إحنا عندنا حل من اتنين ، حضرتك تنزلي تركبي معانا أنتي والبيه الصغير في سلام ، ونسيب الأستاذ يمشي ،  يا أما نقتلكوا أنتوا الاتنين وبردوا هاخد البيه الصغير دي الأوامر اللي عندي
على الرغم من الذعر الذي سيطر عليها ولكنها كانت على أتم ثقة من أنها إحدى خُدع رعد الدنيئة ، كاد أن يصرخ ظافر فيهم ولكنها أسرعت تقول :
- أنا هاجي معاكوا
ابتسم الرجل يفتح لها باب السيارة ، تحرك ظافر يود الخروج من السيارة ليشهر الرجل مسدسه أمام رأس طرب يهدده :
- لو اتحركت حركة واحدة هموتها ، اتفضلي معانا يا طرب هانم
أشارت طرب لظافر أن يظل مكانه ابتسمت تحادثه ساخرة :
- ما تقلقش يا ظافر دي واحدة من حركات رعد القذرة ، ما تخافش وأرجع الفيلا وطمن كمال
وتحركت وهي تحمل الصغير تسير جوار الرجل الذي فتح لها باب السيارة الخلفي ، همس لها قبل أن تدخل :
- كان نفسي أقولك أن عندك حق بس الموضوع أكبر بكتير من اللي اسمه رعد دا
أصفر وجهها ذعرا في حين ضحك الرجل يغلق باب السيارة عليها ، تحركت السيارة دخلت إلى أعماق الصحراء واختفت !!
___________
في المستشفى تسللت ملاك دون علم أحد توجهت إلى غرفة يوسف جلست جواره أرضا تنظر لوجهه تبكي بحرقة تحادثه :
- يوسف عشان خاطري ما تسبينش ، أنا كنت زعلانة منك أوي ، وأنت قسيت عليا أوي ، بس خلاص أنا مسمحاك ، قوم يا يوسف عشان خاطري
أما في الخارج في مقهى المستشفى الصغير جلس جاسر إمام نصار وها هو المحامي قد جاء بالأوراق ، التي تنص على أن جاسر يتنازل عن كل ما يملك لصالح نصار ، مقابل وصل بعشرة ملايين مهر مريم إبنة جاسر ، وقع جاسر الاوراق يعطيهم لنصار ، الذي سارع يأخذهم متلهفا يخط توقيعه على كل ورقة فيهم حتى وصل للورقة الأخيرة ، أخيرا عادت ثروته إليه ، لا يصدق أنه بعد كل تلك السنوات من التخطيط حدث ما أراد أخيرا ، ابتسم نصار في وجه جاسر ابتسامة كبيرة بها من الوعيد ما بها ، مد يده يصافحه يردد كل منهما :
- مبروك يا نصار / مبروك يا جاسر
وقف نصار عن مقعده يوجه حديثه لجاسر :
- أنا هروح أحط الورق في الخزنة عشان رعد ما يوصلوش وأغير هدومي واجيلك ، أنا من رأيي أنك تروح ترتاح شوية أنت من إمبارح ما نمتش وأنت لسه تعبان يا جاسر
كم هو محظوظ لأنه يملك صديق طيب القلب مثل نصار ، تنهد يحرك رأسه للجانبين رافضا ذلك :
- أنا مش همشي واسيب يوسف لوحده ، وبعدين البيت بقى مقرف ما بقتش طايق أقعد فيه ، خلي بالك من إمبراطورية مهران يا نصار أنا تعبت أوي عشان ابنيها ، بنتيها من الصفر ، تعرف أنا ما كانش حيلتي جنية ، كنت تحت الصفر ، بس نحت في الصخر لحد ما بقيت زي ما إنت شايف جاسر باشا مهران ، تعرف أن في إشاعات بتقول أن في راجل أعمال اسمه حازم سليمان سابلي كل أملاكه ، عشان كان عنده ابن واحد وابنه دا مات ، فخلاني أنا الوريث الوحيد ليه ، دي مش إشاعات دي حقيقة ، الله يرحمه شهاب بن حازم ، أنا عامله سبيل عشان الناس تدعيله بالرحمة ، موته فادني كتير بصراحة ، تخيل دا لو كان لسه عايش ما كنتش طولت جنية ، أنا عرفت من أبوه الله يرحمه أنه كان شاب صايع وقليل الأدب ، وفاسد وسكري وغلاوي وبتاع نسوان ، كانت أسوء صفة فيه أنه غبي وفاكر نفسه ذكي !!

أسيرة الشيطان الجزء الأول + الجزء الثاني+ الثالثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن