للقلب سلطان آخر
الجزء الثالث
من
أسيرة الشيطان
الفصل الأخير
¤¤¤¤¤¤¤
في شقة حسين تحديدًا في غرفة نومه ستراه يقف هناك تخلص من سترته وساعة يده وشمر أكمامه وفتح أزرار قميصه للمنتصف يتفصد جبينه عرقا ، يلهث وهو يخرج دبوس الشعر من رأسها يتمتم متعبا :
-الحمد لله الدبوس الأخير 58 دبوس يا مفترية ليه خايفين دماغك تقع من على رقبتك ، دا أنا طلع عين أهلي وأنا بفك الدبابيس بس
اعتدل في وقفته يلتقط أنفاسه رفع سبابته أمامها يغمغم :
- أنا هاخد هدومي وأروح أخد دش في الحمام اللي برا ، عشان لو عايزة تاخدي دش
ابتسمت له تحرك رأسها ، تحرك خطوتين للأمام قبل أن يقف ويلتفت لها غمزها بطرف عينيه يتمتم عابثا :
- مش عايزة مساعدة ، محسوبك مهندس وترزي شاطر جداا أفك سوستة أفتح سوستة
ضحكت چوري قبل أن تضع يدها على خصرها تتغير نبرتها إلى أخرى حادة:
- وبقيت شاطر منين بقى يا أستاذ حسين ولا أنت بتلعب بديلك من ورايا ، آه قول كدة بقى بتخوني مع البنات اللي كانوا لابسين مايوهات
مش كدة طلقني
توسعت حدقتي ذهولا انتفض يتحرك إليها يتحدث مصعوقا :
- أنتِ خلتيني بخونك ، وبلعب بديلي وماشي مع بنات بميوهات عشان بقولك هاتي أفتح السوستة ، أومال لو قولتلك هاتي بوسة هترفعي عليا قضية حجر ، هي عين الكلب اللي اسمه مراد عمال يقولي ايوة يا عم الليلة ليلتك ، اديني طلعت خاين بالبدلة ، أشكو إليك
تحرك يخرج من الغرفة يتبعه ضحكاتها العالية ، أمسكت فستانها وتحركت إلى المرحاض اغتسلت وبدلت ثيابها ، نظرت لانعكاس صورتها تبتسم تتذكر كلمات أبيها ، خرجت من المرحاض تجفف خصلات شعرها بمنشفة صغيرة ، رأت حسين يقف أمامه بدل ثيابه إلى «بيچامة » سوداء اللون ، ابتسم ما أن رآها يقول مبتهجًا :
- أنا مش مصدق بجد أن أنا وأنتِ بقينا تحت سقف واحد ، اتوضيتي؟
حركت رأسها لأعلى وأسفل تبتسم هي الأخرى :
- ايوة ثواني بس انشف شعري وألبس الاسدال
تحركت عينيه معها وهي تتحرك سريعا تجفف خصلات شعرها قبل أن تعقدهم ومن ثم ارتدت جلباب للصلاة ولفت حجاب حول رأسها ابتسم لها يقول سعيدًا :
- كان حلم من أحلامي إني أوصل للحظة إني هقف إمام ليكِ وأخيرًا اتحققت
شرعا في الصلاة بهدوء وسكينة فهو لم يكن يركع حتى يطمأن ولم يكن يسجد حتى يطمأن ، انتهيا من الصلاة فوضع يده على رأسها وبدأ يدعو وهو ينظر إليها يبتسم سعيدًا ، ترى عينيه تلمع تكاد تُضيء من شدة سعادته ، قام واقفا يمسك بيديها لتقف معه ، مد يده ينزع الحجاب عن رأسها بخفة ابتسم يهمس لها :
- شعرك حلو أوي ، تعالي اقعدي عاوز أتكلم معاكِ
أمسك بكف يدها يتحرك بها إلى أريكة صغيرة قريبة منهم جلست فجلس أمامها يربع ساقيه ، أمسك كفيها بين يديه ، همس باسمها حين رآها تتحاشى النظر إليه فحركت عينيها تنظر لوجهه ابتسم يتحدث بتروٍ:
- بصي يا چوري إحنا عدينا بحاجات كتير أوي عشان نوصل للحظة دي ، أنا يعلم ربنا بحبك من سنين ، يمكن أنا ما كنتش عارف أعبر عن حبي دا كويس ، وبصراحة الغتاتة والرخامة بتاعت الشغل دي كانت بتبقى تلاكيك وحجج عشان انكشك وأتكلم معاكِ ، أنا عارف يا چوري أننا مرينا بموقف صعب وأنتِ اتأذيته منه أضعاف ، ولما كتبنا الكتاب وبدأت أحس أننا بنقرب من بعض وأنك بتغيري عليا ، أنا كنت هطير حرفيا من الفرحة ، حتى لما عرفتي أن اللي حصل دا بسبب زين وأصريتي على الطلاق أنا كنت هطلقك ، أنا آه بحبك بس ما يرضينيش تكوني معايا بغير رضاكِ ، ساعتها عمي جاسر رفض إني أطلقك وقالي أنه هيبلغك إني طلقتك وأنا احاول أقرب منك ، ملخص الكلام دا كله إني بحبك وهفضل أحبك طول العمر ، بس حُبي ليكِ عمره ما هيبقى على حسابك ، عمري ما هكمل حياتي معاكِ من غير رضاكِ
ابتسمت چوري له تحرك رأسها تهمهم ، تنهدت تزفر أنفاسه قبل أن تشد على يده بخفة ابتسمت تردف :
- أنا فاهمة أنت بتقول كدة ليه يا حسين ، عشان اللي قولتهولك في الفرح ، بص يا حسين ما أنكرش إني كنت بستسخفك في الأول خصوصا وأنت بترخم عليا في الرايحة وفي الجاية، رغم كدة يومي ما كنش بيكمل من غير رخامتك ، عارف امتى بجد حسيت انك بتحبني أوي ، لما كنا في المخزن عند بابا لما شديتني وقفتني وراك وروحت قايلة اعتبرني اعتديت عليها وحاسبني أنا ، وأنت عارف في اللحظة دي كويس أنه كان ممكن يقتلك بس أنت خوفت عليا وما خوفتش منه
ابتسم حسين سعيدًا بما سمع منها ، قبل أن يرفع يده إلى وجنته بخفة يهمس يسألها :
- طب أنا عايزة اسألك سؤال يا چوري ، ليه لما عرفتي أن زين بدل الكوبيات انهارتي وزعقتي وأصريتي أن أنا نتطلق رغم أنك عارفة ومتأكدة إني ما كنش ليا أيد في حاجة ؟
اضطربت حدقتيها تحاول التهرب من إجابة السؤال ولكنه ظل يركز عينيها على وجهها يُربكها بنظراته دون أن يعرف غص صوتها تهمس متضايقة :
- اتضايقت يا حسين ، اتضايقت إني دخلت في لعبة ماليش دعوة بيها ، يا حسين أنت في الأول وفي الآخر راجل يعني ممكن تتجوز أي واحدة عادي ، إنما أنا لاء ، نظرة الألم والكسر اللي كنت بشوفها في عين بابا كانت بتموتني ، التعب والإجهاض كل دا خلاني كرهت زين مجرد أن هو اللي عمل كدة بدل ما ينبهنا وخصوصا أنه كان عارف أنك بتحبني فحسيت أن هو بيجاملك على حسابي ، فاهمني ؟
ابتسم حسين يحرك رأسه لأعلى وأسفل أما هي فابتسمت تُكمل :
- بس خلاص كل دا من الماضي وخلص ، ومش حابة أتكلم عنه تاني يا حسين
ابتسم حسين يحرك رأسه يوافق ، جذبها إليه يعانقها فتمسكت بأحضانه ، قرب رأسه منها يهمس عابثا :
- يعني الكلام الأهبل اللي قولتيه في القاعة دا خلاص بخ مش كدة
ضحكت خجلة تحرك رأسها فابتهجت ابتسامة كبيرة على شفتيه حملها بين ذراعيه يتمتم عابثا :
- بيقولك مرة مهندس اتجوز مهندسة خلفوا ولد سموه خرسانة !
________
في منزل سامر وأريچ على طاولة الطعام قرب سامر قطعة لحم من فم أريچ ففتحت فمها تأكلها منه تبتسم له ، قبل أن تعود تعبث في الطبق أمامها لا شهية لها في أكل أي شيء ، عقلها الوغد يُصر على تذكر كل لحظة سيئة مرت بها الآن ، مصطفى وعمار وكيف تفنن كل منهما في إيذائها ، صحح أن جاسر انتقم من مصطفى ، وهي أخذت بثأرها من عمار ولكن الذكريات السيئة الليلة لا ترحمها ، انتفضت حين وضع سامر يده على كفها يسألها :
- مالك يا أريچ من ساعة ما دخلنا الشقة وأنتِ سرحانة ، أنتِ مش مبسوطة ولا إيه ؟
حركت رأسها للجانبين تتمتم سريعا :
- لاء أنا مبسوطة ، مبسوطة جداا ، أنا بس بفكر في اللي جاي
ابتسم سامر مد يده يُمسك بكف يدها برفق فرفعت عينيها إليها رأته يبتسم لها قبل أن يسألها :
- بتفكري في اللي جاي ولا في اللي فات
أصفر وجهها أثر جملته هبت واقفة تنزع يدها من يده تركت المكان وغادرت سريعا صوب غرفتها فهب واقفا يلحق بها ، دخل إلى الغرفة فرآها تقف في المنتصف توليه ظهرها تحرك ليصبح أمامها ، توسعت عينيه حين رآها تبكي ، اقترب منها يتمتم جزعا :
- مالك يا أريچ بتعيطي ليه ، اريچ أنا آسف بجد لو كلامي ضايقك حقك عليا ما كنش قصدي
حركت رأسها للجانبين تبكي عانقته تلف ذراعيها حول عنقه وعلا صوت بكائها وهي تتحدث :
- مش بسببك أنت ، أنا فجاءة اتعاد قدامي كل اللي حصل وافتكرت كل وجع مريت بيه ، أنا ما كنتش عايزة دا يحصل صدقني
تحرك سامر بها إلى أقرب مقعد منه أجلسها هناك وتحرك يجلب مقعد من جوار الشرفة وضعه أمامها مباشرة ، أمسك بكفيها بين يديه يحادثها برفق :
- جاسر قالي أن دا هيحصل ، اهدي يا أريچ ، حبيبتي أنا عارف إن اللي عديتي بيه مش سهل ، بس في النهاية ايه اللي حصل الحيوان اللي اسمه مصطفى مرمي في السجن ، وأنتِ خدتي حقك من عمار ، لما عقلك يحب يضايقك ويفكرك الماضي ، فكريه أنتي أنك أنتي اللي انتصرتي على الماضي وعلى رأي رفعت إسماعيل لو عقلك لعبك لاعبه ، أنتِ قوية يا أريچ وأنا فخور بيكِ ، وسعيد إني اتجوزتك
وواثق أن حياتنا الجاية هتبقى جميلة ، عشان خاطري ما تعيطيش بقى
ابتسمت أريچ رفعت يديها تمسح الدموع عن وجهها تحرك رأسها بالإيجاب تردد داخلها أنها هي من انتصرت ، ويجب أن تشعر بالسعادة بدلا من أن تبكي حمحمت تهمس محرجة :
- معلش حقك عليا عشان نكدت عليك في ليلة فرحنا
ضحك سامر بخفة يحرك رأسه قام يجذب يدها لتقف معه قرص وجنتها بخفة يردد :
- حبيبتي أنتِ تعملي اللي أنتِ عوزاه ، يلا ناكل عشان أنا واقع من الجوع ، يلا قدامي
ضحكت بخفة تومأ برأسها تحركت خطوتين فقط أمامه قبل أن تشهق بقوة حين باعتها وحملها فجاءة بين ذراعيه تشبثت به تنظر له مدهوشة أما هو فارتسمت على شفتيه ابتسامة عابثة يغمغم :
- رايحة فين دا أنا لسه بقولك واجع من الجوع
________
- يا زينب ، زينب افتحي الباب وبطلي شغل العيال دا
صاح بها شريف بنزق وهو يدق باب غرفة نومه المغلقة ، فزوجته العزيزة دخلت الغرفة تخبره أنها ستبدل فستانها وتخرج ليتفاجئ بها توصد الباب عليها بالمفتاح من الداخل ويقف هو بالخارج يدق الباب منذ مدة ، زفر أنفاسه يحاول أن يهدأ يتحدث بنبرة أكثر هدوءً :
- زينب لو سمحتي افتحي الباب
سمع صوتها يأتي من الداخل تصيح نبرة صوتها ترتعش :
- لاء مش هفتح
طحن أسنانه غاضبا اقترب برأسه من الباب يتوعدها :
- قسما بالله يا زينب لو ما فتحتي الباب هكسره ، هعد لحد عشرة ... واحد
وبدأ بالعد إلى أن وصل للرقم سبعة هنا سمع صوت المفتاح وهو يتحرك في القفل فدفع الباب سريعا قبل أن تغلقه رآها تقف بعيدًا تنظر إليه مذعورة تملأ الدموع عينيها ، كان غاضبا وللغاية ولكنه حين رآها تبكي تحول غضبه لقلق ، تحرك خطواته إليها يسألها قلقا :
- مالك يا زينب بتعيطي ليه ، خلاص والله أنا مش زعلان منك أنا عارف أنك كنتي بتهزري
وتحرك أكثر إليها فرآها تنتفض تبتعد عنه تنزل الدموع تُغرق وجهها ، قطب جبينه مستنكرًا ما حدث لها ، رفع يديه يبسطهما أمامه يتحدث قلقا :
- زينب اهدي في إيه ؟ إيه الذعر دا ، دا أنا كنت لسه داخل أرخم عليكِ وأقولك هاكل الحمام كله لوحدي لو اتأخرتي ، مالك يا حبيبتي ؟ زينب مستحيل تكوني خايفة مني ، أنا آخر واحد في الدنيا يخوف
لم تعرف ما الذي تقوله ، دموعها لا تتوقف جسدها يرتجف ، قدميها لم تعد تحتمل الوقوف فسقطت جالسة أرضا ، فزع شريف حين نزلت تجلس أرضا ، جلس أمامها يُمسك ذراعيها يمنعها من الابتعاد يسألها محتدًا :
- مالك يا زينب ، ايه لزمتها المناحة دي ، ما أنا مش هسيبك غير لما أفهم
وحين رآها تنظر إليه مذعورة تتعالى شهقاتها تنهد بعنف يمسح وجهه بكف يده يحاول أن يهدأ يعتذر :
- زينب أنا آسف ، بس أنا مش فاهم مالك بجد ، حصل إيه مخوفك أوي كدة ؟ إحنا كنا كويسين ما اتخانقناش وأنتِ كنتي مبسوطة جداا في الفرح ايه اللي حصل دلوقتي ؟
ورفع يده يمسح الدموع عن وجهها برفق ، تعلقت عينيها به وهو ينظر لها ، ابتلعت غصتها تتمتم بنبرة مختنقة :
- أنا ،ماما دايما كانت بتهددني إني لو سمحت لأي راجل يقرب مني أنها هتدبحني وتحرقني ، وأنت عارف إن الحيوان فؤاد كان بيتحرش بيا من وأنا طفلة صغيرة ، أنا روحت لجاسر وهو ساعدني كتير ، أنا كنت ريحاله متدمرة وهو اللي عالجني بس بس
وسكتت ونزلت دموع عينيها لسانها يعجز عن قول ما يعتمر في قلبها ، كيف تخبره أنها مذعورة من اقترابه منها ، أن فعل ستظهر والدتها تضربها وتقتلها وفؤاد القذر تشعر أن كوابيسها ستتجسد أمامها من العدم وتقتحم حياتهم ، أما شريف ففهم كل شيء زينب خائفة من كابوس والدتها ، والد زينب بكل ما عانت من والدتها ، زينب تحتاج من يطمأنها بأن كابوس والدتها لن يعود أبدا
اعتدل في جلسته يربع ساقيه، رفع يديه يمسح الدموع عن وجهها برفق يتحدث بهدوء :
- أنا فاهمك يا زينب ، ومش هقولك بقى أمي ومصر هي أمي والحوارات دي ، أنا هقولك حاجة واحدة أمك لو فكرت تقرب من حياتنا خطوة واحدة أو تأذيكِ بأي شكل مش هطلع عليها شمس تاني يوم ، كل اللي في دماغك دي هواجس مش أكتر
ابتسم يتحدث بنبرة أكثر مرحا يمازحها :
- وبعدين أنا ممسمر باب الشقة ، ومليت خزنة المسدس اللي هيعدي الخط الشائك هفرغ فيه السلاح ، اضحكي بقى يا زوزا مش عايزك تخافي من أي مخلوق طول ما أنا هنا ، محسوبك الأول على دفعته أربع سنين نشان تلاقي ، قفز مظلات تلاقي ، اختراق ضاحية تلاقي ، مداهمات تلاقي ، رجل المستحيل قاعد قدامك
هنا انطلقت ضحكاتها فابتسم سعيدًا يمسح بقايا الدموع عن وجهها يحتضنه بين كفيه يهمس بنبرة خفيضة تعزف على أوتار مشاعرها برفق :
- يا زوزا أنا بحبك ، والله العظيم بحبك ، ومش عايز غير إني أشوفك سعيدة ومبسوطة ، دا أنا محضرلك أحلى 10 أيام في شرم ، يلا بقى قومي غيري الخيمة دي واغسلي وشك وتعالي عشان نتعشى
وقام يجذب يدها لتقف بصحبته ، لم يترك يدها ، نظرت له ولمعت عينيها عشقا فمد يده ينزع برفق التُل من فوق رأسها ، أقترب خطوة لا تنزاح عينيه عنها ثقلت أنفاسه وهو يقترب بوجهه عازما على تقبيلها وهي قررت أن تثق أنه لن يؤذيها أحد وهي بجواره فأغمضت عينيها وهدأت ، وعند ذلك الحد سكتت شهرزاد عن الكلام المباح !
_________
في منزل عاصم ، تحديدا في غرفة زين، مسطح على سريره يعقد ذراعيه خلف رأسه يبتسم حين يمر أمام عينيه ما حدث الليلة ويعبس حين يشتاق لشقيقه ، زفر أنفاسه متضايقا ، تحرك يخرج من الغرفة توجه صوب باب غرفة حسين فتح الباب ينظر في أنحاء الغرفة يتمنى أن يراه غرفته مرتبة ونظيفة كما تركها قبل عدة ساعات ، تركها دون عودة على ما يبدو، شعر بالدموع تملأ عينيه أبتلع غصته يتحرك صوب غرفة عمار ، لم يدق بابها حتى إنما فقط دخل إلى الغرفة يترمي على الفراش جوار عمار يدفن وجهه في الوسادة ، عقد عمار جبينه يلتفت إليه يسأله :
- أنت لسه ما نمتش ؟ وبعدين مالك شكلك متضايق أوي
أبعد وجهه عن الوسادة يتسطح علر ظهره يحاول ألا يبكي ، نظر لسقف الحجرة يتمتم حزينا :
- أنا مش متضايق ، أنا عايز أعيط ، حسين هيوحشني أوي ، أنا وهو ما كناش بنبطل نكش في بعض خصوصا بليل ، أنا دخلت أوضة ولقيتها فاضية حسيت إني مخنوق أوي وعايز أعيط
ابتسم عمار مد يده يربت على كتف زين يمازحه عله يهون عنه :
- يا صاحبي بالأمانة طلعت سد خانة ، بالسرعة دي استبدلتني يا واطي
ضحك زين بخفة يحرك رأسه لأعلى وأسفل ليغيظ عمار الذي ضحك يصدمه على رأسه ، دخل مراد على صوت ضحكاتهم يفتح الباب فجاءة وقف أمامهم يعقد ذراعيه يضيق حدقتيه مستنكرًا :
- تناول بتضحكوا من غيري ، وبعدين بتضحكوا وأخوكوا عنده أزمة عاطفية حمايا متجبر عليا ومش عاوز يجوزني البت بنته
ضحك زين يضرب كفا فوق آخر يسخر منه :
- يا ابني أنت أصغر واحد فينا وأنت الوحيد اللي كاتب كتابك يعني أنت اللي هايص
ضحك مراد عاليا يحرك رأسه للجانبين ارتمى يحشر نفسه في المنتصف بينهما يردف ضاحكا :
- والله ما في هايص غير الولا حسين ، ابن المحظوظة هتلاقيه خاربها
ضحك عمار يصدمه على رأسه ينهره :
- يا ابني بطل قلة أدب واتهد بقى الواد زمانه مات مشلول من عينيك
زم مراد شفتيه يتحدث حانقا :
- يا ابني أصل أنت مش فاهم ، عمتي بتعمل حتة صينية عشا مش إلها حل علاولة
ضحك زين يسخر مما يقول مراد أمسك الوسادة يصدمه بها يردف :
- قلبت شرقاوي كمان
اومأ مراد برأسه ضحك عاليا يُعقب :
-يا عم من ساعة حوار البت وحماتها وأنا ماشي طول النهار أقول إني أختيها وعايزة حجيها لما لساني أتلوح
بعد قليل من المزاح تمدد ثلاثتهم متجاورين ومراد في المنتصف بينهما ، فتح مراد عينيه فجاءة يسألهم :
- تفتكروا حسين بيعمل إيه دلوقتي
أغمض زين عينيه وأولاه ظهره يسبه ، أما عمار فعض شفتيه مغتاظا شقيقهم الثرثار يصيح من الخامسة فجر الأمس كقط في موسم التزاوج ، قرب رأسه منه يهمس يتوعده :
- حط لسانك جوا بوقك ونام عشان أنت قارفنا صويت من خمسة الصبح ، بدل ما أقوم أقولك حسين بيعمل إيه عملي
توسعت حدقتي مراد أصفر وجهه يومأ برأسه سريعا قبل أن يغمض عينيه يغط في النوم في لحظة واحدة !
________
الخامسة فجرًا ضوء الصباح على وشك الظهور في مكتب صغير لمأذون شرعي ترى كل من جاسر ومعه يوسف ورعد ، ووليد ووالده ورحمة الفتاة الصغيرة التي تجلس تكمش يديها خائفة مما حدث ويحدث وسيحدث
حرمت عينيها تنظر لوليد الواقف أمامها يتحدث مع يوسف قبل قبل عدة ساعات كان كارثة بكل المقاييس
Flash back
جلست في سيارة وليد متوترة ، خائفة من أن يراها أحد من جيران شراعها ويظن بها السوء ، خاصة ذلك الوغد سيد الذي يتعرض لها دومًا ، رفعت أنظارها إلى وليد حمحمت تردف متوترة :
-ممكن معلش تقف عند آخر الشارع دا وأنا هكمل الباقي على رجلي ، عشان ما ينفعش حد من الشارع يشوفك وأنت بتوصلني
لم يرفض وليد حرك رأسه يوافق ، عند نهاية الشارع توقف بالسيارة فتحت الباب لفت رأسها له قبل أن تنزل تشكره :
- متشكرة جداا لحضرتك ، تعبتك معايا
وتحركت تنزل من السيارة ما أن خطت قدميها خارج السيارة رأى شاب نحيف أسمر البشرة قبض على يدها يصرخ فيها :
- مين دا يا بت اللي نازلة من عربيته وش الفجر ، وعملالي فيها الشريفة العفيفة
انتفض وليد ينزل من السيارة يهرع إليهم قبض على يد ذلك الرجل يصرخ فيه :
- أنت اتجننت يا جدع أنت سيبها بدل ما أمسح بيك الأرض
ترك الرجل يد رحمة وقبض على تلابيب ثياب وليد يعلو بصوته :
- تمسح بمين الأرض ياض يا طري أنت ، بقى مرجع الهانم في إنصاص الليالي في عربيتك وشوف بقى كنتوا بتهببوا ايه مع بعض وكمان بتزعق يا بجحتك
ولصوت الوغد العالي بدأ جموع الناس تخرج من بيتوهم ومنهم من يشاهدون من النوافذ ووقفت رحمة ترتجف تبكي ، شعر بالغضب الشديد كور كفه يلكم الوغد أمامه مرة بعد أخرى يصرخ فيه :
- أنت فاكر أنك هتخوفني يا حيوان ، دا أنا أحطك تحت رجلي يا كلب
هنا تدخل عدة رجال من أهل الحي يفضون النزاع فصاح سيد بعلو صوته :
- أنت كمان بتضربني عشان اسكت وأكتم وأخاف وما أقولش عليك إنت وال **** اللي عاملة عليا شريفة وهي بتلف على حل شعرها ، ولما أجي أطلبها في الحلال تقولي لاء أنا مش عايزة اتجوزك طبعا مش عايزة تتجوزي عشان ما تتكشفش فضيحتك والناس تعرف أنك فاجرة !!
هنا احتقنت عيني وليد غضبا دفع الرجل الذي يحاول الإمساك به يقبض على عنق وليد وعلا صوته حد الانفجار :
- يا كلب يا وسخ ، لسانك القذر دا أقطعهولك قبل ما تقول عليها كلام بطال وتتهمها في شرفها ، دي أشرف منك ألف مرة ، دي مراتي يا كلب ، وأنا جايبها تاخد هدومها عشان مش هسيبها ساعة واحدة في المكان العرة دا
تدخل أحد الرجال ينتزع وليد نزعا قبل أن يقتل سيد وقف أمامه يسأله محتدًا :
- دي مراتك بجد ولا بتقول أي كلام
وليد عرف مصادفة حكاية رحمة بالكامل واستخدمها جيدًا الآن :
- ولو إني مش مضطر أبرر لحد أي حاجة ، أنا كنت قاري فاتحة وواخد كلمة من الحج محمد الله يرحمه إني هتجوز رحمة لما أرجع من السفر ولسه راجع وعرفت أن الحج محمد مات ، وبقت عايشة لوحدها روحتلها الشغل وخدتها منه قولتلها تجيب هدومها ، ما ينفعش أسيب البنت اللي هتبقى مراتي عايشة في شقة لوحدها ، قولت هوديها عند عمتي وبناتها لحد بكرة وأكتب عليها ، إنما أعرف أن الكلب دا كان بيتعرض ليها وأنا ما أعرفش
ولأجل أن ينسج القصة جيدا لف رأسه لرحمة يتحدث غاضبا يتوعدها :
- حاضر يا رحمة ، صبرك عليا عشان ما تعرفنيش إن ال**** دا كان بيتعرض ليكِ وأنتِ ما قولتليش
ويبدو أن ما قال وليد أقنع الجميع بل وبدأت بعض السيدات تقترب من رحمة تواسيها وتبارك لها ، هنا تحدث الرجل الواقف أمامه :
- بص يا إبني إحنا عايزين نخرس ألسنة الناس ونقطع عرب ونسيح دمه ومش هنستنى للصبح أنت تكلم ولي أمرك ، ويجي نكتب الكتاب في مأذون أهو الشيخ صُبيح
هنا توسعت حدقتي رحمة ذهولا تنظر لوليد الذي لو ظهر مرتبكا لأنكشف أنه يكذب ، حرك وليد رأسه يوافق يتحدث بنبرة حادة قاطعة :
- أنا كدة كدة كنت ناوي أعمل كدة ، مش هسيبها تبعد عني ولا يحاول أي كلب أنه ينهش فيها ولا في سمعتها
وعليه أبتعد وليد عنهم يخرج هاتفه يتواصل مع يوسف حين وجد أن هاتف والده مغلق »
Back
أجفلت رحمة على صوت المأذون يسألها :
- أنتِ يا بنتي موكلة أستاذ جاسر مهران يبقى وكيلك
اضطربت حدقتي رحمة تمنع نفسها من البكاء حركت رأسها توافق ، مد وليد يده يُمسك بيد جاسر ويضع المأذون محرمة بيضاء على أيديهم وبعد دقائق قليلة انتفض فيها نابضها ألف مرة تمنع نفسها من البكاء لأن الكثير من أهل الحي هنا ، باتت زوجة وليد ما أن قال المأذون :
- بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير
تعالت زغاريد السيدات التي يقفن حولها ، رأت وليد يحمل دفتر المأذون يقرب القلم منها ، أمسكت بالقلم يدها ترتعش بعنف إلى أن خطت اسمها ، خلعت القفاز الذي يغطي يدها ، فرأى وليد أصابع يدها النحفية البيضاء ، نظر لوجهها الذي يغطيه النقاب ربما له الحق الآن في رؤيتها ولكن ليس أمام الجمع ، وضعتها بصمتها على الورقة وانفض الجمع أمسك وليد بيدها يأخذها إلى سيارته فتح الباب الخلفي يدفعها برفق لتدخل وأغلق الباب وقف أمامه يوسف يسأله :
- هتعمل إيه دلوقتي ؟
تنهد وليد يمسح وجهه بكف يده يهمس حائرًا :
- مش عارف ، أنا ما كنتش هسيب الكلب دا ينهش في سيرتها وسمعتها وأنا عارفها بنت غلبانة أوي ، أنا مش عارف أعمل إيه يا يوسف
أنا حاسس إني مشتت أوي
أقترب يوسف خطوة أخرى يربت على كتفه قبل أن يتحدث بهدوء :
- بقولك إيه ، أنت دلوقتي تاخد مراتك وتروح تنام ، وأنت في أوضة وفي في أوضة دي مش محتاجة تتقال دلوقتي ، ولما نصحى ونفوق نفكر هيحصل إيه ، بس على فكرة أبوك شكله مبسوط
نظر وليد صوب أبيه الذي يجلس في سيارته يتحدث مع رحمة يتحدث معها ، تنهد يومأ برأسه ، أقترب جاسر منهم رفع يده يشد على كتف وليد يشيد بما فعل :
- مبروك ياض وليد ، عرفت من الناس اللي أنت عملته والله وطلعت راجل ، يلا إحنا كلنا لازم نروح عشان ما حدش فينا نام من إمبارح
، يلا يا يوسف يلا يا وليد
دخل وليد إلى السيارة نظر إلى رحمة التي تنكس رأسها لأسفل رأى قطرات الدموع تسقط من عينيها ، نظر وليد لأبيه يشير إلى رحمة برأسه ، نظر إلى ولده إليها فخرج من السيارة ونزل يجلس جوارها وضع يده على رأسها برفق يهمس يواسيها :
- ما تعيطتيش يا بنتي ، وليد جابلك حقك من الكلب دا ، اهدي يا حبيبتي وصلي على النبي ، صدقيني الواد وليد دا غلبان وطيب أوي
رفعت رحمة وجهها إليه ونزلت دموعها أكثر بدأت تشهق في بكاء عنيف لعدة دقائق جعل أنفاسها تضيق ، جحظت عينيها تشهق بعنف تحاول إلتقاط أنفاسها ، مما جعل والد وليد يشد النقاب من على وجهها يرفع رأسها لأعلى قليلا يتحدث متلهفا :
- براحة يا بنتي وخدي نفسك
دقيقة بعد أخرى وشيئا فشيء بدأت تهدأ وتلتقط أنفاسها أنزلت رأسها قليلا فتلاقت عينيها بعيني وليد ، هنا توسعت حدقتي وليد لف رأسه ينظر إليها مدهوشا قبل أن يتمتم دون أن يعي حتى :
- يا نهار أبيض دا أنتِ حلوة أوي !!
رأى كيف أحمر وجهها خجلا وبدأت تحرك يديها سريعا تبحث عن نقابها أنزلته على وجهها سريعا في حين ضحك والد وليدًا يتمتم :
- يا حمار كسفتها ، حمار صحيح
ومن ثم عاد ينظر لرحمة مسح على رأسها برفق يحادثها :
- زي القمر يا بنتي ربنا يحميكِ ، مش عايزك تتكسفي يا رحمة أنتي دلوقتي زي بنتي ، أنتي عارفة أنا كان نفسي أخلف بنت بدل الحمار دا وأهو ربنا رزقني بيها ، شوف الواد لسه قاعد متنح إزاي ما تتحرك يلا
ابتسم وليد متوترًا يحرك رأسه يدير محرك السيارة
_______________
لا يعلم كم الساعة ولكن ضوء الشمس ضرب فجاءة وجهه جعله يقطب جبينه يتأفف متضايقًا ، فتح عينيه قليلا ينظر حوله ها هو في غرفته ، حرك عينيه جواره فرأى نور تنام جواره تغط في النوم ، لاحت ابتسامة كبيرة على شفتيه اقترب منها يعانقها بكل قوته لا يصدق ما حدث بالأمس ، اعترافها بحبها له لم ترفضه وتنفر منه بل رغبت في قربه ، شعر بها تتململ بين يديه وأشرقت عليه مقلتيها الناعسة فابتسم سعيدًا حين ابتسمت له تهمس بصوت مبحوح:
-صباح الخير
مد يده يزيح خصلات شعرها عن وجهها يبتسم كمراهق أبله يتمتم سعيدًا :
- أحلى صباح على عيون أحلى نور في الدنيا ، أنا اللي إمبارح كنت عريس ومعايا أحلى عروسة في الدنيا ، إيه رأيك نسافر ونعمل شهر عسل
أرادت ذلك وبشدة ولكن الآن لا يُمكن لديها دراسة ولا يمكنها تركها الآن تحديدا نظرت إليه متوترة خائفة من السؤال الذي ستسأله :
- لا يا جواد ما ينفعش دلوقتي ، أنا عندي دراسة ودروس ، ولا أنت مش هتخليني أكمل؟
ابتسم جواد يقرص مقدمة أنفها برفق يسخر مما تقول :
- أنا لو مش عايز أخليكِ تدرسي هعمل كل اللي أنا عملته دا ، لاء يا نور إنتِ هتكملي وهتجيبي مجموع كبير أنا واثق فيكِ وهتدخلي أي كلية أنتِ عيزاها حتى لو مجموعك ما جبهاش ، المهم تكوني سعيدة
ابتسمت نور له ولمعت عينيها ، رفعت كف يدها تبسطه على وجهه برفق تهمس تعتذر له :
-أنا آسفة يا جواد ، آسفة عشان شكيت فيك وما وثقتش في حبك
حرك رأسه للجانبين يقبل باطن كف يدها يتمتم سريعا :
- لاء يا نور ما تعتذريش ، نور أنتِ وجودك في حياتي هو اللي خلاني إنسان وعندي شعور ، عارفة يا نور بعد الشر لما افتكرتك موتي كنت بموت وقتها عدى قدام عينيا شريط حياتي كله ووقتها بس شوفت نفسي من بعيد ، قد إيه أنا كنت إنسان قذر ما عندوش مشاعر أناني ، الكل بيكرهه حتى أهله، وقتها بس قررت إني اتغير وأكون إنسان نضيف والحمد لله أنك رجعتي لحياتي يا نور
رأت الدموع تملأ عينيه حين تذكر الفتاة التي كان يظنها فيها قد ماتت ، انتصفت جالسة تعانقه فتشبث بها وفعلت المثل اختنق صوتها تهمس :
- جواد عشان خاطري ما تعيطش ، أنا والله بحبك وعمري ما هبعد عنك ، أنت عارف أنا ليه دايما ما كنتش مصدقة أنك بتحبني بجد ، عشان أنا دايما شايفة نفسي قليلة أوي يا جواد ، إيه اللي يخلي جواد بيه بجلالة قدره يحبني أنا ، ويعمل كل دا عشاني ، عشان كدة ما كنتش مصدقة أنا فين وأنت فين ، ليه تعمل عشاني أي حاجة أنا ما أستاهلش
ابتعد جواد عنها سريعًا يحتضن وجهها بين كفيه يحرك رأسه للجانبين يرفض ما تقول :
- لاء يا نور إنتِ عمرك ما كنتي قليلة ، أنتِ اتغدر بيكِ ، من أب شخصيته ضعيفة ومرات أب ظالمة جارت عليكِ ، إنما لو ما كنش دا حصل أنا واثق أن كان زمانك دلوقتي في طب ولا هندسة وعرسان بلدكوا كلها بتجري وراكِ ، وبعدين خلاص بقى إحنا هنكد على الصبح ، يلا قومي خدي دش واقعدي ذاكري وأنا هقوم أروح المكتب ، آه اعملي حسابك حاجتك كلها تتنقل هنا ، والاوضة بتاعتك هتتقفل مش هتقعدي بعيد عني تاني دا أنا ما صدقت
ظهر الضيق جليا على وجهها قامت من الفراش تقطب جبينها غاضبة ولم يفهم لما هي غاضبة ، تحركت صوب باب المرحاض مدت يدها تُمسك المقبض تفتحه ، لفت رأسها إليه تبتسم تسبل عينيها تهمس بنبرة ناعمة :
- حاضر يا حبيبي
ودخلت سريعا إلى المرحاض تُغلق الباب عليها ، توسعت حدقتي جواد يهب من الفراش يهرول إلى الباب يدق عليه :
- نور افتحي يا نور
________
في الصباح استيقظ لا يعلم كم الساعة ، فتح عينيه يتألم ينظر حوله هنا وهناك لا يعرف أين هو ، آخر ما تذكره أنه كان يحاول الهرب ورصاصة أصابت ساقه وسقط أرضا فارتطم رأسه بحجر كبير يبدو من المكان حوله أنه في غرفة في مستشفى ، رفع يده إلى رأسه فشعر بشاش يلتف حولها ، قبض يده غاضبا مرة أخرى يفوز جاسر مهران ، شعر بخدل في يده اليسري حاول رفعها ليكتشف أنها مربوطة بقماش سميك في الفراش تمنعه من الحركة ، حاول جذب يده مرة بعد أخرى بعنف يصرخ غاضبا ، حين فُتح الباب ودخل جاسر مهران ، ابتسم جاسر في وجهه يغلق الباب يتحدث ضاحكا :
- ايه يا نصار ، مش تبطل فرك يا راجل ، عاجبك كدة ، عارف الحارس اللي ضربك بالرصاص أنا اديته 4 شهور مكافأة شوفت أنت غالي عندي إزاي
تحرك يدخل إلى الغرفة جذب مقعد يجلس بالقرب منه يرفع ساقًا فوق الأخرى نظر إلى نصار يبتسم في هدوء :
- تعرف يا نصار أنا بجد لازم أشكرك ، بعد اللي أنت عملته دا أنا ورعد قربنا جداا من بعض والمشاكل اللي بينا كلها خلصت ، خليتني أعرف أنا بحب ابني قد إيه ، واستمعتنا بردوا مثلنا عليك فيلم عالمي
شد نصار يده بعنف يحاول تحريرها نظر لجاسر غاضبا يصرح في وجهه :
- أنا هنا فين ، ورابطين إيديا ليه ؟ فكني يا جبان ، فكني أنا هقتلك أنت وعيالك صدقنئ هحرق قلبك عليهم
ضحك جاسر عاليا قبل أن يقم من مكانه تحرك صوب نصار ربت على كتفه يهمس جوار أذنه بنبرة قاتمة ساخرة :
- دا لو خرجت من هنا ، آه صحيح أنت ما تعرفش ، أنت في مستشفي للأمراض في عنبر خاص بالحالات الخطيرة ، جاسر حبيب خاله هو اللي كتب التقرير وعليه ، أنت هتفضل هنا كتير كتير أوي يا نصار ، سلام يا شادي
وابتعد عنه يضحك حين رأى وجه نصار أصفر ذعرًا ، تحرك صوب الباب رفع يده يلوح له بالوداع ، خرج من الغرفة يسمع صوته وهو يصرخ خلفه يتوعد جاسر بالكثير
تحرك جاسر يخرج من المستشفى إلى سيارته جلس على مقعده أغمض عينيه يبتسم في هدوء ، فتح هاتفه ينظر لصورة أولاده يبتسم الوغد يظن أنه بإمكانه إيذاء شعرة واحدة منهم
تحركت مقلتيه على وجوههم واحدًا بواحد ، ياسين وسليم الصغار الهدية الجميلة من رؤى ، چوري وردة أبيها الجميلة ، مريم صغيرته الهشة كورقة شجر ، يوسف أدرك مؤخرًا أن يوسف أكثرهم شبهًا به في الشخصية يوسف يفرض إحترامه على كل من يره هو حقا فخور به ، وأخيرًا رعد كان يجب أن يبدأ به و لكنه تركه للنهاية ، رعد الذي لاقى منه كثيرًا ودفع ثمن أخطاء لم يفعلها حتى ، رعد ولده البكر أقربهم لقلبه ، مرا سويًا بالكثير إلى النهاية ، رعد الذي يجعله يشعر بالاطمئنان عند موته فهو سيكون خير سند لهم جميعًا ، حرك يده على سطح الشاشة الصورة التي بعدها كانت صورته وهو يحمل رعد طفلا صغيرًا يبتسم سعيدًا ، الحياة سريعة من يصدق أن تلك اللحظة بين صورة
وأخرى مر عُمرًا كاملا ، دق الهاتف في يده برقم رعد فابتسم جاسر فتح الخط وقبل أن يجيب سمع رعد يقول ضاحكًا :
- أنت فين يا حجوج ، ماما عمالة تقول أبوكوا اتسحب من جنبي ، وأنا ويوسف أقنعناها بصراحة أنك اتجوزت عليها ، وهتنكد عليك لما ترجع
توسعت حدقتي جاسر ذهولا قبض هاتفه يتوعدهم :
- طب يا كلب أنت وهو لما أجيلكوا حاضر ، أنا جاي في السكة
وأغلق الخط في وجهه يدير محرك السيارة ينطلق عائدًا إلى بيته يتوعد لهم جميعا الأوغاد كان يشيد بهم قبل قليل ، وصل لبيته نزل من السيارة يتحرك بخطى واسعة فتح الباب ودخل فرأى رؤى أمامه تجلس على الأريكة تبكي عن يمينها رعد وعن يسارها يوسف ، ضيق حدقتيه ينظر إليهما محتدًا ، قرب رعد رأسه من والدته يهمس لها :
- أهو جه أهو ، اسأليه بقى مين السنيورة اللي اتسحب من جنبك وراحلها
شهقت رؤى بعنف هبت واقفة نظرت إلى جاسر مصعوقة تصيح فيه :
- بتخوني يا جاسر متجوز عليا ، رعد ويوسف قالولي على كل حاجة ، طلقني يا جاسر
عض جاسر على شفتيه يقسم في نفسه على تلقين الوغدين درسًا قاسيًا ،أقترب بخطواته من رؤى وقف أمامها مد يديه يمسك ذراعيها برفق يتحدث يراضيها:
- حبيبتي أنتِ تصدقي أن أنا أعمل الكلام الأهبل دا بردوا ، أنا كان عندي مشوار شغل وما رضتش أصحيكِ أنتِ نايمة وش الصبح عشان قال إيه مش عارفة تنامي عشان چوري مش في البيت
رفعت عينيها التي تمتلأ بالدموع إليه احتضنته تتمتم بحرقة :
- چوري وحشتني أوي يا جاسر
نظر رعد إلى يوسف يلكزه في ذراعه ليفهم يوسف ما يريد أقتربا من والدتهما قرب يوسف رأسه من أذنها اليسرى يهمس بنبرة خبيثة :
- ضحك عليكِ بكلمتين ، مش شامة ريحة البرفان الحريمي اللي في هدومه ، دا أنا شامه من مكاني هنا
توسعت حدقتي رؤى ذهولا ابتعدت عن صدر جاسر تنظر إليه مصعوقة ، هنا أقترب رعد منها يهمس لها بنبرة خبيثة هو الآخر :
-ما تصدقيهوش الشركة قافلة ، هو مدي الموظفين كلهم إجازة النهاردة ، ما فيش شغل ولا حاجة ، دا كان عند مراته التانية
شهقت رؤى مذعورة ، قبضت على حلة جاسر بين كفيها تصرخ فيه :
- أنت متجوز عليا يا جاسر ، وبتضحك عليا ، شممني كدة ريحة الهانم اللي على بدلتك
قربت سترة حلته من أنفها ولكنها لم تشم سوى عطره الذي تعرف ، رفعت عينيها إليه حين رأته ينظر إليها يرفع حاجبيه حمحمت تتحدث متوترة :
- ولادك اللي بيقولوا مش أنا
اقترب منها يضع قبلة لطيفة على جبينها قبل أن يُمسك بذراعها يجذبها بخفة لتقف خلفه وبات هو أمام رعد ويوسف يبتسم لهما :
- مش تباركوا لبابا يا حبايب بابا
نظر رعد إلى يوسف متوترًا ، توسعت حدقتي كل منهما حين امتدت يد جاسر إلى طوق خصره ينزعه عنه يطويه في يده ، نظر يوسف إلى رعد ابتسم يقول :
- في اللحظات دي الجري كل الجدعنة اجرررري
صرخ بها يوسف قبل أن يفر هو ورعد وجاسر خلفهم يصيح غاضبا :
- تعالا ياض يا ابن الكلب منك ليه ، واقفين عمليني فيها ريا وسكينة ، دا أنا هعلقك أنت وهو
وقفت طرب جوار رؤى تتعالى ضحكاتها على ما يحدث ، أخذت رؤى يونس من بين يديها ، في حين كان الصغير يلف رأسه هنا وهناك يتابع ما يحدث يشير بيديه لهم تخرج من بين شفتيه أصوات طفولية جميلة ، قبلت رؤى وجنته تتمتم ضاحكة :
- أيوة يا حبيبي بابا وعمو اللي بيتعلقوا هناك دول
_________
مرت الأيام وتعاقبت الأشهر ربما مر عام بسرعة كبيرة على جميع أبطال حكايتنا ، فمثلا هناك عند فاطمة تلك الصغيرة التي لطمتها عدة صفعات قاسية ظنت بعدهم أن الحياة جائرة لا عدل هنا ، ولكنها كانت مخطئة حمقاء وهي سعيدة للغاية لأنها كانت مخطئة ، خرجت من مطبخ شقتها ها هي اخيرًا قد عادت لعش الزوجية مع محمود ، تحمل بين يديها طبق به قطع المانجو المقطعة الباردة صوب الصالة هناك رأت محمود يجلس على أحد المقاعد يحمل الصغير بين يديه يقذفه لأعلى قليلا فيضحك «عمر » طفلها الصغير سعيدًا ، وجواره يأتي صوت السيدة صفاء وهي تنهره عما يفعل :
- يا واد براحة عليه الدكاترة بيقولوا الحركة دي غلط على العيال الصغيرة
عانق محمود عمر ليلف الصغير ذراعيه حول عنقه ، نظر لوالدته يتحدث ضاحكا :
- تيتة رهيبة ، هو مبسوط وأنا مبسوط والمجتمع والناس مبسوطين والحياة جميلة ما تحبكيهاش يا ماما
ابتسمت تحرك رأسها وهي تقف مكانها تتابعهم ، تؤيد ما يقول الحياة جميلة غريبة ولكنها جميلة ، صعبة حين تشتد ورقيقة حين يتنهى الإمتحان ، ما خاضته جعلها تنظر للحياة بمنظور آخر ، جعلها تفهم ما كانت تجهل ، لا حياة وردية حالمة سوى على الشاشات وبين صفحات الروايات ، تحركت تدخل إليهم ابتسم محمود لها يأخذ الصحن من يدها :
- تسلم إيدك ، تعالي اقعدي الواد عمر عمال يلطش فيا من الصبح ،
ضحكت تجلس جوارهم رأت عمر يرمي جسده الصغير على طبق الفاكهة يأخذ قطعة مانجو كبيرة يمسكها بين أصابعه يُغمر وجهه فيها ، فتلطخ وجهه ويديه وملابسه ، ضحكت فاطمة قامت تأخذه من على قدمي محمود
تردف ضاحكة :
- بهدل الدنيا خالص ، هروح أغيرله
وأخذته وتحركت للغرفة توجهت أولا للمرحاض تغسل يديه ووجهه ومن ثم أخذته وضعته على الفراش فبدأ يحبو يعثو على سطح الفراش يبعثر كل شيء ، التقطتت ثيابه سريعا تهرع إليه أمسكت به تغمغم ضاحكة :
- مسكتك كدة يا عمور بهدلت السرير ، تعالا أغيرلك يلا
أمسكته تضعه برفق على الفراش تبدل ثيابه وهي تلاعبه أمسكت كفيه الصغيرين بين كفيها تقبلهما تُحرك عينيها على وجهه ، الصغير يشبه محمود كثيرا تنهدت تحادثه سعيدة :
- تعرف يا عمر ، أنا كنت فاكرة أن الدنيا عمرها ما هتضحكلي تاني ، بس معاك أنت ومحمود وماما صفاء أنا أسعد واحدة في الدنيا
- لا يا فطوم أنا اللي أسعد واحد في الدنيا إني ربنا أداني حُب عُمري ورزقني منها بطفل جميل
لف رأسها تنظر إلى محمود تبتسم حتى عينيها أقترب محمود منها جلس جوارها دون مقدمات شدها لأحضانه تنهد بعمق يتمتم :
- أنا بحبك أوي يا فطوم ، بحبك يا طمطم ، بحبك يا بنت الجيران ،بحبك يا أحلى بنت شافتها عينيا ، مش عايزة تكوني زعلانة مني أبدا يا فاطمة
ابتعدت عنه تضع كفها على فمه تحرك رأسها للجانبين ترفض ما يقول :
- محمود إحنا قولنا اللي فات مات ومش هنفتكره حتى تاني ، إحنا بدأنا صفحة جديدة مع عمر ، وصفحة سعيدة وكلها فرح وسعادة
ابتسم يحرك رأسه يعانقها من جديد ليصرخ الصغير عاليا فضحك محمود يشاكسها :
- الواد دا كل ما يشوفني بحضنك يروح مصرخ على فكرة دا قاصدها مش كفاية أنه عامل زي الصابون ما بنعرفش نمسكه
ضحكت فاطمة مدت يديها تأخذ الصغير ارتمى عليها يلصق فمه بوجنتها يعضها بسنتيه فضحكت تقول :
- ليل نهار بياكل خدي ، بس ماما صفاء بتقول بيسنن
مد يده يربت على رأس الصغير قبل أن يلتفت إليها يقول مبتسما :
- ربنا يخليه لينا ويخليكي ليا يا حبيبتي، تعالوا في حضني
اقتربت فاطمة منه تستند إلى صدره ليلف ذراعيه حولهما يبتسم سعيدًا وهي كذلك
______
- دكتور عمار أدخل الحالة اللي بعدها
قالتها الممرضة بعد أن دخلت غرفة الكشف عليه ، رفع رأسه عن الأوراق أمامه يتحدث بنبرة هادئة :
- عشر دقايق هعمل مكالمة ودخليه
استأذنت وخرجت واضطجع عمار إلى ظهر مقعده تبتسم ابتسامة صغيرة راضية على شفتيه يضطجع لظهر المقعد ، ألتقط هاتفه يطلب رقم رقية لحظات وسمع صوتها :
- ايوة يا عمار ، خرجت خلاص أهو ورايحة الشغل ، عمار أنت اللي بتفتح عيادتك بدري بجد ، وكل يوم محسسني إني متأخرة على الشغل
ضحك عمار بخفة يحرك رأسه يردف:
- ايوة بردوا أنتي بتروحي متأخر شغل ايه اللي بيبدأ 12 دا ، على العموم إحنا اتفقنا بعد الجواز ما فيش شغل
سمع صوتها تتحدث سعيدة وهي تضحك :
- دا يوم المُنى يوم ما أسيب الشغل ، دا أنا مش طيقاهم صدقني
ضحك عمار يحرك رأسه يائسا ، رقية تتذمر كل يوم وهي ذاهبة للعمل وحين يطلب منها أن تتركه تصرخ غاضبة وتخبرها أنها لن تترك عملها أبدا ، وتارة أخرى تخبره أنها ستتركه بعد الزواج ، ضحك عمار يقول :
- طب أنا هخلص شغلي وأكلمك سلام يا روكا
وأغلق معها الخط ، نظر لشاشة هاتفه ليبصر صورة أبيه ، ذاك الرجل هو أعظم ما رأت عينه ، لولاه لما كان هنا ، لولا ما فعل لما تعافى من آثار وندوب الماضي البشعة ، علاقته برقية تتحسن بشكل كبير سعيد ، قريبا سيذهب لأبيها ليقررا موعد الزفاف ، انتبه حين دقت الممرضة الباب ودخلت تعطيه أوراق الحالة القادمة
_____________
والده ليس هنا وحسين أيضا ، حسين في إجازة منذ عدة أيام فچوري المسكينة تلاقي أيام صعبة في شهر حملها الأخير ، أما والده يفتتح المجمع السكني الجديد ، يظهر أمامه على شاشة التلفاز وهو يقص شريط الافتتاح
ابتسم سعيدًا حرك عينيه من على الشاشة إلى الباب حين فُتح فجاءة دون مقدمات وظهرت مرام أمامه تلتقط له صورة على فجاءة كما اعتادت أن تفعل في كل مرة ، ضحك عاليا وقام من مكانه تحرك إليها ، أمسك بذراعيها يدفعها للحائط المقابل له يحاصرها بين شقي الرحى قرب رأسه منها يهمس عابثا :
- مش هتبطلي حركات العيال دي بقى
رفعت يديها تطوق عنقه بهما حركت رأسها للجانبين ببطء تتدلل :
- نو ، وبعدين أنت بتحب الحركات دي تنكر
تحركت عينيه على صفحة وجهها تلك الفتاة يزيد عشقها في قلبه كل يوم أضعافا مضاعفة ، ثقلت أنفاسه يقرب رأسه منها يهمس بنبرة محمومة :
- أنا بحبك كلك على بعضك ، بحركاتك بجنانك ، بضحكك ، بعيونك وشعرك وشف...
وسكت لسانه واقترب منها يقبلها دون مقدمات ، ويبدو أنها لم تكن المرة الأولى فقد لفت ذراعيها حول عنقه تقربه منها ، ابتعد عنها عدة لحظات يهمس لاهثا :
- عرفتي ليه أنا اصريت أكتب الكتاب ، عشان لو حد قفشنا في مرة اقولهم مراتي ، وأخبطوا دماغكوا في الحيطة
ضحكت مرام تحرك رأسها قبل أن تبتعد عنه تردف ساخرة :
- متحرش عامل فيها مؤدب والكل مصدق أنك مؤدب ، يلا يا متحرش خرجني عشان أنا عاوزة أكل برة
ضحك زين يومأ برأسه موافقا ألتقط ساعته ومفاتيحه
يتحرك صوب أقرب أريكة منه يلقي بنفسه عليها لفت رأسها إليه مستنكرة ما فعل فضحك عاليا يرفع كتفيه لأعلى :
- ما فيش حد في الشركة غيري ، لو خرجت الحج هيجي يعلقني ، تعالي اقعدي لحد ما يجي ونخرج
ألقت حقيبتها على وجهه تتمتم حانقة :
- وما قولتش كدة من الأول ليه يا رخم ، اطلبي لي سندوتشات وشاي تصبيرة على ما نروح نتغدا وهات الريموت دا ، المسلسل جه
____________
أوقف سيارته أمام جامعة القاهرة من الخارج وقف ينتظر خروجها ، زوجته الحبيبة في نهاية امتحانات سنتها الأولى في كلية آثار ، يعرف أنها ستخرج الآن في اي لحظة ، أخيرا رآها تتحرك كورد جميلة ، أجمل ورود البستان حولها رفع يده يلوح لها فابتسمت له ما أن رأته ورفعت يدها تلوح له ، لحظات واختفت ابتسامتها وبدت غاضبة للغاية تحركت إليه تطلب منه بنبرة حادة :
- جواد لو سمحت اركب العربية !
لم يفهم ما بها ولكنه فتح لها باب السيارة ومن ثم التفت يجلس جوارها ، نظر إليها قلقا يسألها :
- مالك يا نور حد ضايقك ؟
حركت رأسها للجانبين تعبث في أطراف حقيبتها لعدة لحظات قبل أن تتمتم :
- جواد ممكن ما تجيليش الكلية تاني
لم يفهم لما تطلب منه ذلك ، مد يده يبسطها على ذقنها برفق يدير وجهها إليه يسألها قلقا :
- ليه يا حبيبتي وجودي هنا بيضايقك
حركت رأسها للجانبين سريعًا ، ابتلعت لعابها تهمس مرتبكة :
- لاء مش كدة ، بصراحة يعني يا جواد البنات بتفضل تعاكس فيك ، وواحدة سمعتها دلوقتي بتقول أنك خسارة فيا
ضحك يائسا قبل أن يبسط كفه برفق على وجنة نور يتمتم عابثا :
- عشان تعرفي أن جوزك مُز جداا
عقدت جبينها متضايقة مما قال ، أشاحت بوجهها بعيدًا عنه تزم شفتيها متضايقة فضحك جواد يدير وجهها إليه برفق يردف :
- يا عبيطة بذمتك دا سبب تضايقي عشانه ، وبعدين أنا مستعد أحلفلك أن أنتِ اللي خسارة فيا يا حبيبتي ، سيبك من هبل العيال دا بقى وطمنيني عملتي ايه في الإمتحان
فتحت ورقة الأسئلة في يدها تشير إلى الأسئلة تخبره بأيهم كان سهل والآخر كان صعب انتهت تقول متوترة :
- أنا حليت كويس أن شاء الله هجيب تقدير
حرك جواد رأسه يؤيد ما تقول :
- طبعا يا حبيبي مش أنا اللي بذاكرلك
وغمزها عابثا فضحكت خجلة تصدمه على ذراعه تتمتم حانقة :
- روحني يلا دلوقتي
ضحك جواد يدير محرك السيارة يردف عابثا :
- يلا ، باشمهندس جواد بقى يلا ، عينيا لما نروح حاضر
___________
أوقف سيارته يلتقط باقة الأزهار من جواره ، تنهد بقوة ينزل من السيارة يتوجه إلى منزله ، عام مر عام كامل وعلاقته برحمة تقتصر في بعض جُمل ، على العكس تماما علاقة رحمة وأبيه ، والده استطاع ببساطة أن يكتسب ثقة رحمة ، بات تقضي اليوم بأكمله معه ، والده سعيد للغاية وهي كذلك ، سعيدة بكلمة ( بابا ) التي باتت تقولها لأبيه ، سعيدة لأن والده يعاملها كابنته ، رحمة التي تخجل من أن تطلب منه كوب ماء تهرع إلى أبيه ما أن يصل تطلب منه الحلوى التي أعتاد أن يحضرها لها ، لف رأسه يبحث عنهم في الحديقة فرآهم كالعادة يجلسان في الحديقة أمامهم طاولة الطعام ، ابتسمت رحمة ابتسامتها جميلة تسرق لبه ، وقالت لأبيه :
- يا بابا أفطر عشان تاخد العلاج
فابتسم والده يحرك رأسه يقول سعيدًا :
- تعرفي يا رحمة أنا بحمد ربنا كل يوم أن وليد اتجوزك وجابلي بنت عسل زيك
تحرك وليد أكثر ليظهر في الصورة فضحك أبيه يمازحه :
- جبنا في سيرة القط ، أهو أستاذ وليد جه أهو ، اقعد أفطر يا وليد ، أنا هروح إبعت فاكس سريع وراجعلكوا
وتركهم وتحرك للداخل هنا أسرع وليد يجلس أمامها قبل أن تهرب كما تفعل دومًا ، ابتسم يضع باقة الأزهار أمامها يتمتم مبتسما :
- صباح الخير ، عاملة ايه يا رحمة
أنزلت رأسها لأسفل تفرك يديها متوترة تهمس بصوت يرتجف :
- أنا الحمد لله كويسة ، إزاي حضرتك
تنهد يائسا يحرك رأسه ، مد يده يُمسك بكف يدها فانتفضت في جلستها تنظر إليه مذعورة ، أما هو فتحدث يعاتبها :
- حضرتك يا رحمة ، في واحدة تقول لجوزها حضرتك ، رحمة أنا اترددت أقولك الكلام دا كتير ، كذا مرة يبقى على لساني واتردد أقوله خوفا من ردك بس اسمعيه مني ، رحمة إحنا بقالنا سنة متجوزين ، أنتِ لابسة الطرحة قدامي يا رحمة ، دا كويس أنك كاشفة النقاب ، كل ما أحاول اتكلم معاكِ تتهربي وتسبيني وتهربي ، رحمة أنتِ حاسة أنك اتدبستي فيا ، عايزاني أطلقك
هنا توسعت حدقتيها وحركت رأسها للجانبين سريعا دون حتى أن تعي ذلك ، شهقت حين أدركت ما فعلت أما وليد فارتسمت على شفتيه ابتسامة كبيرة سعيدة يردد سريعا :
- طالما لاء يا رحمة ، بعداني عنك ليه ، كل ما أحاول أقرب منك تبعدي ليه ؟
ملأت الدموع عينيها فقطب جبينه قلقا ، أما هي فاعتصرت كفيها وعلا صوت بكائها تتمتم بحرقة :
- عشان عشان أنا اللي دبستك فيا مش العكس ، أنت لو ما كنتش وصلتني ، لو ما كنتش حاولت تحميني من الحيوان اللي كان بينهش في سمعتي وسيرتي ما كنش دا حصل ، ما كنتش اتدبست تتجوز بنت غلبانة ، لا تعرفها ولا بتحبها وعملت كدة عشان تحافظ على سمعتها ، أنا السبب الذنب ذنبي أنا
وانفجرت تبكي بحرقة ، هنا فهم سر الحاجز الذي تضع رحمة بينهما ، هو لا ينكر أن كلامها صحيحًا ولكنها لا تعلم أن وجودها في حياته جاء في اللحظة المناسبة بعد أن أنفطر قلبه من علاقة حب من طرفه فقط ، ربما دخول رحمة في حياته هو ما شتته عن ألمه ، قام يقرب مقعده منها حتى بات جوارها جذب مقعدها لتصبح أمامه لا جواره ، أمسك بيديها يشعر بها تنتفض بين يديه ، ابتسم يقول :
- بصي يا رحمة أنا كنت شخص سيء ، بدون دخول في تفاصيل ، بس الحمد لله ربنا نجاني ، أنا عارف إن بداية حكايتنا غريبة بس ليه لاء ، ليه ما نديش نفسنا فرصة ، أنا شايف إن والدي خلاص اعتبرك فرد من العيلة وأنتِ كمان معتبراه والدك ، طب إبنه بقى والله أنا طيب والله ، وما يفرقش الهبل اللي أنتِ بتفكري فيه دا ، وبعدين مش يمكن دا حصل عشان نتجمع ويكون لينا حكاية سوا ، رحمة أنا عايز فرصة ، أنا اترددت سنة كاملة أقولك الكلام دا ، قولتي إيه ؟
تسارعت أنفاسها أثر ما يقول نظرت ليديها التي تختفي بين كفيه متوترة ، خاصة حين رأته يترك إحدي يديها ويمد يده إلى حجاب رأسها ينزله برفق ، فك رباط شعرها لينزل برفق شعرها الأسود الطويل ، توسعت حدقتيه يتمتم مذهولا :
- دا حلو أوي ، أنتِ كلك على بعضك زي القمر قولتي ايه يا رحمة
شدت يدها من يده بعنف هبت واقفة تهرول صوب البيت فقطب جبينه مستنكرًا إلى أن رآها وقفت والتفتت له أعطته ابتسامه ترتعش وحركت رأسها بالإيجاب قبل أن تهرب من أمامه فابتسم سعيدًا ، هب واقفا يُمسك باقة الأزهار يهرول خلفها :
- استني يا رحمة الورد
_____________
- استر يارب ، يارب أستر يارب
غمغت بها أريچ متوترة وهي تجوب محيط الصالة ذهابًا وإيابًا ، وقف سامر يقف أمامها أمسك بذراعيها يهدئها :
- يا روچا اهدي يا حبيبي ، بسكوتة هتبقى كويسة خالص
أدمعت عيني أريچ ألما احتضنت سامر تعلقت بعنقه تبكي بحرقة :
- لا يا سامر بقالها كتير بتتوجع ، كله من الزفت اللي اسمه شيتوس بص عمال ياكل زي الجاموسة ولا همه أي حاجة
ضحك سامر يُبعدها عنه برفق رفع يده يمسح الدموع عن عينيها يحادثها :
- اهدي يا روچا بطلي عياط عشان خاطري ، طب بُصي كدا وراكي
التفتت أريچ تنظر خلفها فخرجت شهقة عالية من شفتيها وصاحت سعيدة :
- دي ولدت يا سامر
نزلت على الأرض سريعا جوار الصندوق الذي به قطتها تمسح على فرائها الأبيض برفق تهمس تحادثها :
- حمد لله على السلامة يا بسكوتة ، أنا مش هخلي الكلب اللي اسمه سيتوش يقرب منك تاني ، يا خرابي على العسل ، بص يا سامر
نزل سامر أرضا جوارها ينظر إلى القطط الصغيرة يبتسم يربت على فراء القطة برفق قبل أن يعاود النظر إليها ابتسم يقول :
- خلاص اطمنتي على بسكوتة ، بطلي شتيمة في الواد ابني بقى ، الواد نفسيه تتعب
ضحكت أريچ تومأ برأسها ، ربعت ساقيها تستند إلى كتفه ، تنظر لقطتها وهي تنظف صغارها ، اقترب قط سامر من الصندوق وقفز داخله توجه إلى قطة أريچ يلعق رأسها استلقي في الصندوق جوارها فاستندت القطة تستلقي عليه والصغار يرضعون ، مشهد لطيف للغاية جعل أريچ تُخرج هاتفها تلتقط صورة له ، لفت رأسها لسامر تود أن تخبره بشيء فرأته ينظر إليها عينيه تلمع وعلى شفتيه إبتسامة حالمة توترت وأحمرت وجنتيها تهمس خجلة :
- أنت بتبصلي كدة ليه يا سامر
- بحبك يا أريچ ، بحبك أوي، بحبك أبصلك وأنتِ مبسوطة ، وأنتِ بتطبطبي على القطة ، بحس إن فيكِ حنية وشقاوة ودلع البنات كلهم ، أنا بجد أسعد راجل في الدنيا إني اتجوزتك يا أريچ
كل كلمة خرجت من فمه داعبت برفق شديد أوتار قلبها وعزفت أنغام الحب تشدو بكيانها إلى الكمال ، قربت رأسها من صدره تعانقه بقوة فشدد على عناقها حين سمعها تهمس :
- بحبك يا سامر ، بحبك أوي ، ربنا يخليك ليا يارب
__________
منزلها الخاص ، شقتها بصحبة زوجها ، الحب الأول الذي غدره وغد وها هي عادت إليه بعد كل ما مرت به ، بعد أن قتل قلبها الوغد الذي عشقت ، الحية التي التفت حول حياتها خدعتها لتلدغها ، سمعت صوت صافرة الفُرن انتبهت سريعا تفتح الفُرن فخرجت رائحة الدجاج المشوي تملأ المكان ، ابتسمت تخرج الدجاجة من الفرن وضعتها جانبا ، تضع الطعام في الصحون حين سمعت صوت صوت صرخات تأتي من الخارج خرجت من المطبخ إلى الخارج فرأت المشهد الذي أسعدها للغاية رأت طارق يلعب مع صغيريها ، يحمل كيان على كتفيه تميم وتميم يتعلق بعنقه يركض بهم في الصالة يقلد صوت طائرة وأطفالها يضحكون ، أدمعت عينيها من المشهد السعيد كم تمنت في تلك اللحظة أن يكن طارق هو والد طفليها ، انتبه طارق لها فقال وهو يضحك :
- ماما اللي عاملة فيها الشيف شربيني أهي ، الأكل خلص ؟
ضحكت تُحرك رأسها تحضرت ترفع هامتها لأعلى تقول مغترة بذاتها :
- أكلي أنا أحلى طبعا
ضحك طارق تحرك إليها ينزل الصغيرين أرضا
برفق أقترب منها يُمسك ذراعيها برفق بين كفيه يتمتم :
- طبعا يا حبيبي هو في أحلى من أكلك
ومن ثم صمت لبضع لحظات يعقد جبينه يفكر قبل أن يحرك رأسه يقول فجاءة :
- تصدقي آه في حاجة أحلى من أكلك
ضيقت حدقتيها تعقد جبينها غاضبة مما قال و لكنه أقترب أكثر يهمس جوار أذنيها عابثا :
- أنتِ أحلى
جحظت مقلتيها وأحمر وجهها دفعته بعيدًا تتحرك إلى المطبخ سمعته يضحك خلفها ، وقفت مكانها عضت شفتيها تقرر أن تغيظه التفتت له ونادت :
- طارق
رفع وجهه ينظر إليها يتمتم وهو يبتسم :
- ايوة يا حبيبتي
ارتسمت ابتسامة كبيرة على شفتيها قبل أن تتمتم ضاحكة :
- ماية عشان شرقت
قالتها وفرت هاربة من أمامه خلفها صوت ضحكاته تعلو ، ذلك الرجل تحبه
__________
دقت المُساعدة باب مكتبه ، فتحته ووقفت جانبا تشير للفتاة الواقفة خارجا :
- آنسة أميرة اتفضلي دور حضرتك
ابتسمت لها الفتاة تشكرها وخطت للداخل جذبت المساعدة الباب تُغلقه في حين وقف هو عن مقعده ابتسم يصافحها :
- أهلا يا آنسة أميرة اتفضلي اقعدي
ابتسمت تشكره جلست على المقعد أمامه مكتبه :
- متشكرة يا دكتور جاسر ، أنا مش جاية النهاردة بصفتي حالة أنا جاية لحاجة تانية خالص
قطب جاسر جبينه ينتظرها أن تُكمل ما جاءت لأجله ، رأى ابتسامة صغيرة هادئة بها قدر كبير من الثقة يرتسم على شفتيها قبل أن تبدأ تتحدث :
- أنا جاية أشكر حضرتك ، مش عارفة حضرتك فاكرني ولا لاء بس أنا جيت لحضرتك من أكتر من سنة
ابتسم جاسر في هدوء يحرك رأسه يقول :
- ايوة طبعا فاكرك ، كنتي قلقانة أحسن أكون بسجل الجلسة ، اتمنى تكوني طبقتي اللي اتفقنا عليه وقتها
ضحكت بخفة تومأ برأسها قبل أن تتحدث مبتسمة :
- أومال أنا جاية ليه ، أنا بجد بشكر حضرتك ،أنا طبقت كل كلمة أنت قولتهالي بالحرف ، حبيت نفسي واحترمتها واعتزيت بيها ، بصيت لنفسي في المراية وأنا بقول لنفسي إن مناخيري مش ب3 فتحات حتى لو كانت ، أنا بردوا جميلة أوي ، أنا ناجحة وعندي شُغلي ومش هستنى الأمير أبدا ، وأن سندريلا فعلا مش محتاجة أمير ، سندريلا محتاجة تحب نفسها بس وتشتغل عليها ، أنا النهاردة جاية أقول لحضرتك إني اترقيت في شغلي وبقيت المسؤولة عن القسم وبقيت محل ثقة مديريني ، بقيت ببص لنفسي في المراية وأنا بقول لنفسي إني جميلة وجميلة جداا ، ما بقتش بركز مع كلام ماما وقرايبي البنات اللي كل جوازتهم في الأساس فاشلة وصعبان عليهم تقريبا يشوفوا واحدة عايشة حياتها سعيدة ، أنا بجد متشكرة لحضرتك جداا يا دكتور جاسر وبعتذر لو خدت من وقت حضرتك كتير
ابتسم جاسر في هدوء يشعر بسعادة تغمره ، تلك اللحظات التي يشعر فيها بأنه جنى ثمار ما زرع لا تُقدر بثمن أبدًا ، قامت أميرة تودعه تحرك يصطحبها لباب مكتبه وقف أمام يتحدث متفاخرا بها :
- عايزك دايما أميرة يا أميرة ، اوعى في يوم تبقي سندريلا
ضحكت أميرة بخفة تحرك رأسها توافقه ، صافحته فتح لها الباب تغادر ، هنا أبصر مليكة تدخل للعيادة تمسك في يدها صاحبة الخطى البطيئة المبعثرة و الشعر الغجري المنفوش شبية والدتها ملك ، ضحكت الصغيرة تصفق بيديها ما أن رأته ، نزل على ركبتيه أرضا يفتح ذراعيه يشجعها :
- ملوكة يلا تعالي لبابا ، سيبي ايدها يا مليكة
تركت مليكة يد ابنتهم فتحركت الصغيرة تسير إلى أبيها يضيئ الحذاء في قدميها وصلت إليه فأخذها بين ذراعيه يتحدث سعيدًا :
- شطورة حبيبة بابي
وقف يحملها بين يديه اقتربت مليكة منه كتفت ذراعيها أمامها تتمتم متذمرة :
- والله .. هي بس اللي حبيبتك ، أنا اللي جبتلك ضُرتي بإيدي
ضحك جاسر خاصة حين لفت ملك ذراعيها حول رقبته تقبل خذه تنظر لوالدتها وكأنها تسخر منها فانتفضت مليكة تصيح محتدة :
- شايف ، شايف بتغظني إزاي الاوزعة
ضحك جاسر يمد يده يقرص وجنة مليكة بخفة يمازحها :
- يا ماما يا غيورة ، ملك حبيبة بابا بس
حاولت مليكة ألا تضحك ولكنها لم تقدر انفجرت ضاحكة قبل أن توليهم ظهرها تتمتم حانقة :
- أشبع بيها ، أنا هروح أخلف ولد يحبني أنا بس وما يحبكش كمان
وأخذت بعضها تخرج من المكتب فضحك جاسر عاليا يتحرك خلفها يحاول اللحاق بها يتحدث من بين ضحكاته :
- يا مليكة استني ، يا حبيبتي طب خديني معاكي نجيبه سوا ، أمك مجنونة يا حبيبتي
__________
في المستشفى الخاصة التابعة لجاسر مهران في إحد الأروقة ستسمع صوت صرخات چوري إبنة جاسر وهي مددة على فراش الولادة متجها بها إلى غرفة العمليات يركض الجميع حولها أمسكت بيد أبيها صرخت تتحدث متألمة :
- اضربه يا بابا ، اضربه عشان خاطري ، أنا بموت ااه
وخرجت من بين شفتيها صرخة عالية تزامنًا مع دخولها غرفة العمليات ، أقترب جاسر من رؤى التي ترتجف خوفا على ابنتها يسمع صوت بكائها العالي ، احتضتعل يحاول أن يهدئها :
- اهدي يا رؤى ، هتبقى كويسة ما تقلقيش
احتضن زوجته ونظر لحسين شزرًا ، أما عاصم فاقترب من حسين يشد على كتفه برفق :
- يا إبني اهدا شوية هتبقى كويسة بإذن الله
على المقاعد أمامها جلست طرب بطنها منتفخ للغاية وجوارها رعد وعلى الناحية الأخرى ملاك ، فتحت فمها تود أن تطمئنه ولكن ما خرج من بين شفتيها كان صرخة عالية ، جعلت رعد ينتفض من مكانه خاصة حين صرخت من جديد :
- الحقني يا رعد شكلي بولد اااه
انتفض رعد يتمتم مصعوقا :
- بتولدي ، بتولدي إزاي يعني ، آه صح دا أنتي دخلتي في التاسع
هنا تحرك جاسر سريعا يصيح في من حوله أن يحضروا طبيبة ، ما هي إلا دقائق وكانت طرب ممدة على فراش يتحرك سريعا صوب غرفة العمليات ، تقبض على يد رعد نظرت إليه توصيه :
- ملاك ويونس يا رعد لو حصلي حاجة خلي بالك منهم عشان خاطري
أمسك رعد بيديها يقرب كفها من فمه يمسح على رأسها ، دمعت عينيه يحرك رأسه للجانبين يتمتم خائفا :
- لا يا طرب ما تقوليش كدة يا حبيبتي أنتِ اللي هتاخدي بالك منهم ومني ،هتقومي بالسلامة يا حبيبتي
نظرت له تبتسم تنزل الدموع من عينيها من الألم افترقت يده عن يدها حين اختفت خلف باب غرفة العمليات ووقف هو ينظر للباب المغلق قلقا ، قلبه يكاد يتوقف ، لم يحضر ولادة يونس تلك المرة الأولى التي يراها في تلك الحالة
أما ملاك فالتجئت إلى يوسف أخفت رأسها في صدرت تبكي بحرقة تتمسك به رفع يده يده اليسرى يضعها على رأسها يربت عليها برفق يحاول أن يطمئنها :
- ملاك ما تخافيش يا حبيبتي ،طرب هتبقى كويسة ما تخافيش
أراد أن يحتضنها ولكن يونس ينام على ذراعه الآخر الصغير ما بات يفارقه لحظة كلما كبر كلما زاد به تعلقا ، وهو أيضا يحبه كقطعة من قلبه ، خاصة كلمة ( يوتف ) التي يقولها تذيب قلبه
هنا تحركت مريم إلى مراد وقفت أمامه تملأ الدموع تهمس خائفة :
- مراد أنا مش عاوزة اتجوزك ، أنا مش هستحمل الوجع دا ، شوفت بيصرخوا إزاي
ابتسم مراد لها قرب رأسه من أذنيها يهمس لها :
- يا حبيبتي إحنا مش هنخلف عشان ما تتوجعيش زيهم كدا هنتجوز بس ، ماشي ؟
حركت رأسها لأعلى وأسفل توافق ما يقول سريعا فابتسم لها يعانقها يتمتم مع نفسه :
- قال مش هنخلف قال ، دا أنا هجيب منك عشر عيال
نظر يوسف إليه غاضبا يشير له برأسه أن يبتعد عن مريم فضحك مراد يشدد على عناقها يسخر منه :
- إيه يا عم ما أنت حاضن إنت كمان ، وبعدين زي ما أنت كاتب أنا كاتب ، دا أنا كاتب قبلك كمان ، والواد زين كتب عشان عمال يتحرش بالبت ، ما فضلش غير عمار المهذب حجنا ، الواد دا هيفضحنا ، اااه
صاح مراد متألما حين هبط كف عاصم على رقبته من الخلف ينظر له مشمئزا :
- أصله الوحيد المؤدب فيكوا ، خلفة تعر ، حتى زين اللي كنت بحلف بأخلاقه كل ما أدخل عليه المكتب الاقيه ولا بلاش ، دا عمرو على آخره منه
همس جاسر لرؤى ببضع كلمات فابتسمت تومأ برأسها تربت على ذراعه ، تركها جوار حلم زوجة عاصم وتحرك إلى رعد أمسك بكف يده يطلب منه :
- تعالا معايا عايزك
نظر رعد لأبيه خائفا يكاد يبكي فربت جاسر على كتفه :
- ما تخافش على طرب هتبقى كويسة ، تعالا معايا
أمسك بيده يجذبه معه إلى غرفة مكتبه ، دخلا الغرفة، جذب جاسر رعد يجلسه على أقرب مقعد وجلس أمامه يحادثه :
- أنا خدتك بعيد عشان كان شكلك هتموت من الخوف ، ما تخافش ، أنا بردوا كنت ببقى مرعوب كدة وأمك بتولد ، خصوصا أن أمك ما شاء الله دايما بتجيب تؤام فولادتها بتبقى أصعب ، تعرف يا رعد أنا بحب أمك أوي بجد كفايى أنها جابتكوا لحياتي أنا عارف أني اذيتك وظلمتك لفترة كبيرة ، ومش عايزك تكرر دا يا رعد ، أوعى في يوم تظلم يونس ، أنا عارف أنك مش هتعمل كدة بس لازم أوصيك ، رعد تعرف أن أنا خايف أنك تكون مش مسامحني وبتقول كدة عشان تراضيني
توسعت حدقتي رعد ذهولا يحرك رأسه للجانبين سريعا مال قليلا صوب أبيه يغمفم سريعا :
- لا يا بابا أنا مسامحك ومش زعلان منك ، أنت ما تعرفش أنا بحبك قد إيه ، أنا أصلا كان كل زعلي عشان كنت حاسس أنك ما بتحبنيش
رفع جاسر كفيه يحاوط وجه رعد بهما يحرك رأسه للجانبين سريعا يتحدث منفعلا :
- لا يا رعد ما تقولش كدة ولا حتى تفكر فيه ، أنت أغلاهم على قلبي ، أنا يوم ما أموت ، هموت مطمن أنك موجود جنب أخواتك
حرك رعد رأسه للجانبين يتمتم سريعا :
- بعد الشر عليك يا بابا ، ما تقولش الكلام دا تاني أبدا ، عارف يا بابا برغم كل اللي حصل بس أنا مبسوط ، مبسوط أن كل اللي فات دا خلص ، وإن إحنا بنبدأ نعيش حياتنا من اول وجديد ، وأن أنت موجود ، بابا أنا عارف إن لو خرجت دلوقتي عملت مصيبة بعدها بعشر دقايق أنت هتمسحها ولا كأن أي حاجة حصلت ، ربنا يخليك لينا يارب يا حج
ابتسم جاسر خاصة حين عانقه رعد رفع يده يربت على رأسه برفق ، دقت الممرضة الباب ولكن يبدو أنهما لم يسمعها الصوت ، دخلت الممرضة حمحمت حين رأتهما يتعانقان فابتعد جاسر عن رعد نظر للممرضة التي حمحمت تقول متوترة :
- أنا آسفة لازعاج حضرتك بس مدام رؤى قالتلي أبلغ حضرتك ، أن مدام چوري ومدام طرب ولدوا
توسعت حدقتي كل من رعد وجاسر يهرولان لخارج الغرفة ، وصلا لغرفة كبيرة تضم فراشين على أحدهم طرب والآخر چوري ، تحرك جاسر إلى ابنته سريعا ، جلس جوارها يمسح على رأسها برفق ، مال صوب رؤى يهمس لها :
- روحي عند طرب ، ما فيش جنبها غير رعد وملاك مش عايزها تحس أنها لوحدها
حركت رؤى رأسها سريعا قامت تجلس جوار طرب تربت على رأسها برفق تحادثها :
- طروبة يا حبيبتي ، عاملة إيه ؟
همهمت طرب متألمة تحرك رأسها أبصرت رعد وملاك ورؤى جوارها ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتيها تهمس بصوت ضعيف :
- البيبي ولد ولا بنت
مسحت رؤى على رأسها برفق ارتسمت ابتسامة كبيرة على شفتيها تتحدث سعيدة :
- بنوتة زي القمر شبهك ، هاتيها يا ملاك من سريرها
تحركت عينيها مع ملاك وهي تقترب من فراش صغير تحمل بين يديها طفلة صغيرة اقتربت منها ، فمدت طرب يدها إلى رعد تطلب منه إن يساعدها في الجلوس ، ففعل جذب جسدها برفق ووضعت رؤى الوسادات خلفها أخذت الصغيرة من بين يدي ملاك نظرت إليها لتدمع عينيها تنظر إلى رعد :
- بص يا رعد جميلة أوي ، هنسميها إيه ؟
تحرك يجلس جوارها ينظر لابنته الصغيرة سعيدًا وقبل أن ينطق شيئا جاء صوت جاسر من خلفه يتحدث ساخرًا :
- أنت كمان هتسميها وأنا رجل كنبة قاعد ، هات ياض البنت
ضحك رعد بخفة يحمل الصغيرة برفق من بين أحضان طرب يعطيها لأبيه ، ابتسم جاسر يقبل جبينها نظر لوجهها قبل أن يتمتم سعيدًا :
-أيسل
أعجب الاسم رعد كما أعجب طرب كثيرا فوافق الجميع عليه ، تحرك جاسر وهو يحمل الصغيرة توجه إلى چوري ، جلس جوارها فابتسمت له تهمس بصوت مبحوح :
- حلو اسم أيسل يا بابا ، أنت بردوا اللي هتسمي البيبي ، بص حلو إزاي شبه حسين
نظر جاسر لحسين بطرف عينيه بإشمئزاز من أعلى لأسفل يحرك رأسه رافضا :
- لاء دا شبهك وأنتي شبهي يبقى هو شبهي
ضحك عاصمي يقترب من جاسر يتحدث ساخرًا
- إيه يا عم جاسر وإحنا ريحتنا وحشة ولا إيه ، الواد شبه أبوه الخالق الناطق ، وبعدين أنت سميت حفيتدك أسمي أنا حفيدي ، أنا نويت اسميه جاسر على اسمك عد الجمايل بقى
ابتسم جاسر يحرك رأسه يردف ضاحكا :
- بتكسب نقطة يا عم عاصم ماشي ، بكرة أخلي رعد يخلف واخليه يسمي عاصم عادي
هنا وجدها مراد الفرصة المناسبة ليتحدث سريعا :
- طب ليه نتعب رعد ومدام طرب ، ما ممكن أخلف أنا واسمي عاصم وجاسر وحسين وكل اللي نفسكوا فيه
نزعت مريم يدها من يد مراد تنظر إليه شرزا تصيح في وجهه :
- أنت كنت بتضحك عليا يا مراد طب إيه رأيك بقى مش متجوزاك
وتركته وتوجهت صوب جاسر تجلس جواره ، ضحك جاسر يربت على رأسها برفق :
- هخليه يطلقك يا حبيبة بابا ، أنا مش طايقه من زمان أصلا ، يلا أسيبكوا أنا بقى
وتحرك يأخذ الصغير من بين يدي ابنته يتحرك بالطفلين إلى الخارج ، نظروا لبعضهم البعض في ذهول قبل أن يتحدثوا جميعا :
- أنت رايح فين يا بابا
لم يرد عليهم بل أكمل طريقهم للخارج ينظر لوجه كل منهما يتمتم سعيدًا :
- بصي يا أسيل ، بص يا جاسر أنا مش هخلي العيال اللي جوا دول يرضعوكوا على بعض أنا
توقف حين شعر بيد توضع على كتفه وقفت رؤى أمامه تأخذ أحد الصغيرين من بين يديه تسأله ضاحكة :
- أنت واخد العيال ورايح فين
ضحك يلف ذراعه حول كتفيها يتحرك بها للأمام يردف :
- هحكيلهم كل حاجة ، كويس أنك جيتي عشان نحكيلهم سوا ، بصوا يا حبايبي الحكاية بتبدأ بملف نسيه عم حسين في البيت وجت جدتكوا رؤى توديه الشركة وبعدين ضربتني بالقلم على وشي
وتحرك بهم ومعه رؤى تضحك على ما يفعل وهو يحكي قصة حياتهم للصغار
وكيف كان للقلب المتمرد الساخط الرافض للعشق سلطان آخر جعله يسقط في شباك العشق رغما عن أنفه !
تمت
أنت تقرأ
أسيرة الشيطان الجزء الأول + الجزء الثاني+ الثالث
Mystery / Thrillerبريئة اوقعها القدر بين براثن شيطان لا يرحم ، حاول ايذائها فتأذي هو