Black

1K 69 7
                                    




لم يكن لدى تايهيونق ايّ نية لمغادرة الأجواء الهادئة. حتى لو كان الجرس يرن و الطلاب يبدأون في التكدس في الفصل. لم يجرؤ على عزف الآلة الجميلة الواقفة أمامه، لأنه سيُقبض عليه ويُعاقب؛ كان يفضل الجلوس في الغرفة الفارغة على التعامل مع العالم الخارجي.

جيمين كان قد تخلى بالفعل عن محاولة إقناع تايهيونق بالذهاب إلى الفصل، وبدلاً من ذلك وعد بأن يجد عذرًا لغيابه. هذا كان واحدًا من الأسباب التي جعلت تايهيونق يثق به، لأنه يفهمُه. نشأة تايهيونق لم تكن شيئًا يفتخر به، والاختلافات الكثيرة جعلت من المستحيل تقريبًا أن يُقدَّر.

الصراع من أجل القبول من عائلتك الخاصة كان كافيًا لجعل ايّ شخص يفقد صوابه. لكن على الرغم من كل الصعوبات التي واجهها، بقي جيمين قريبًا منه، ولهذا سيكون ممتنًا له إلى الأبد.

" تايهيونق! "

استيقَظ تايهيونق بِسبب صديقه، بعد لكمة قوية على ذراعه.

" آه جيمين!" تراجَع جيمين، وعلامات الاستياء ترتسم على وجهه، ورأسه منخفض كأنه يشعر بالخجل من أفعاله السابقة.

" لا تغضَب مني..." تمتم جيمين

و تايهيونق فهم ما كان يقصِده جيمين، ونظر سريعًا في انعكاس هاتفه ليشاهد أحد أكثر المشاهد رعبًا؛ عينيه الحمراوين الغاضبتين التي أصابته بصدمة كبيرة.

تراجع جيمين بسرعة، يشعُر بالأسف تجاه صديقه الأصغر بقليل، لأنه كان عليه إيقاظه، مما أثار غضبه، ولكنه شعر ايضًا بالصدمة لرؤية عيون صديقه الحمراء وليس عدساته البنية.

" انا... اسِف، لم اتوَقع انك ستكون، هنا "

أومأ جيمين، متقبلًا اعتذار صديقه الصادق " هل تُدرك ان الوقت الان بعد ساعتين من انتهاء المدرسة؟ ظننت انك عُدت إلى المنزل، لكن شخصًا ما أخبرني انك ما زلت هنا "

" شخص ما؟ "

" ذلك الفتى الذي قابلته في وقت سابق. قال لي إنه عاد إلى هنا ليأخذ شيئًا نسيه و وجدك نائمًا "

حَك تايهيونق رأسه، ثم اتسعت عيناه. نهض بسرعة، لا يزال في حالة من النعاس، إلا انهُ اندفع خارج الباب وهو يحاول إغلاق حقيبته، دون ان يُكلف نفسه عناء تقديم تفسير لصديقه كالمُعتاد.

" سأتصل بك لاحقًا! " ثم اختفى، تاركًا الآخر في حيرة

و بِسبب سُرعته و ارتباكه، سَقطت عُلبة عدساته.

" ايّ جزء من جُملة عد إلى المنزل فورًا  لم تفهمه، أيها الولد؟! "

كان تايهيونق يحاول ألا يرتعِد، حيث كان والده في حالة غير مستقرة للغاية. بمعنى اخر، كان مخمورًا. ليس فقط مخمورًا قليلاً، بل مخمورًا حد الانهيار.

" انا اسِف يا ابي، لن يحدث ذلك مره اُخرى..." يعرِف تايهيونق انه لا يجب ان يتجادَل مع والده عندما يكون في هذه الحالة، فقد انتهى به الأمر في المره السابقة مع عشرين غرزة على الأقل و ثلاثون مكالمة فائِته من جيمين.

الاضطرار إلى تقديم تفسير معقول لجيمين الغاضب لم يكن ممتعًا على الإطلاق و لم يرغب بالتأكيد في إعادة تلك اللحظة مرة أخرى.

" سأخرج الليلة يا ابي..." تَحدث الفتى الصغير بنعومة، لا يريد ان يبدو متعجرفًا و يزيد من غضب والده أكثر مما هو عليه بالفعل.

" هاه، لا، لن تخرج. اذهب إلى غرفتك وابق هناك "

اشتعلت عينا الفتى بالغضب " انتَ وعدت..." قال تايهيونق بهدوء، محاولاً السيطرة على مشاعره المكبوتة في حين يحاول تغيير رأي والده المخمور.

" الوعود وُجدَت لتُكسر، أيها الطفل البائس! " مضيفًا تأكيدًا على نقطته، أمسك الأب بطفله، دافعًا إياه نحو الجدار. انبعثت شهقة مؤلمة من حلق الفتى، تتردد في أنحاء الغرفة بينما بدأت رؤيته تتشوش أمامه.

اقتَرب والِدُه منه، يهمس بهدوء في البداية، ثم يرمي كلمات قاسية ومؤذية " والدتك وعدت بالكثير من الأشياء. وعدتني بالحُب والعائلة، لكن بدلاً من الحصول على الحياة المثالية التي أستحقُها، حصلت عليك. ابن غير ممتن، غريب الأطوار من..."

قبل ان يتمكن من انهاء جُملته، قاطعهُ الطرق المتواصل العالي على الباب. خفَت قبضة الرجُل على الفتى المرعوب، مما أتاح له الهَرب نحو الدرج.

" اُغرب عن وجهي، انت تقرفني أيها الولد..." لم يتمكن تايهيونق إلا من الإيماء لأن في هذه اللحظة كان يخشى على حياته أكثر من ايّ شيء اخر.

ترنَح بصعوبة على الدرج، متجهًا إلى الغرفة التي كانت تُعتبر منزله وملاذهُ الوحيد، حيث كان والده يوبخه لمجرد إلقاء نظرة على ايّ مكان اخر في المنزل. جلس على مكتبه لأول مرة، ناظرًا إلى نفسِه بتعبير مؤلم، وهو يقوم بأكثر شَيء يكرهه؛ التحديق في انعكاسه القبيح في ما كان يمكن ان تكون مرآة جميلة، لولا الشيء الذي ينعكس فيها.

العيون الخالية من الحياة التي تملأه بالمشاعر. العيون التي يُقال إنها تعكس روح الإنسان مغمورة بمشاعر لا ينبغي لأحد ان يراها من قزحيةٍ لا يجب ان تتغير. لم يكن لهذا ايّ معنى، ولكن لا شيء يتعلق بكيم تايهيونق كان منطقيًا.

" لقد مر وقت طويل..." همَس، متفحصًا اللون المسيطر على ملامحه. لون أسود قاتم يسحبُ الروح منه. لون كان يخافه بشدة لكنه يرتديه كثيرًا.

" صديقي القديم.. "

يقولون إن الخوف هو عدو، عدو لا يجِب التنافُس معه. لكن بالنسبة للروح المكسورة التي تُعرف باسم تايهيونق، الذي يحدق غالبًا في هذا الكُره داخله، فقد اعتاد عليه و قبِلَه تحت جناحه كصديقٍ مُقرب.

Iris حيث تعيش القصص. اكتشف الآن