الألم لم يكُن شيئًا مُقارنةً بالعذَاب و المُعاناة التي انتشرت عبر جَسد تايهيونق المُحطم بِشدة. لم يكن بالإمكان وصف الألم بأيّ كلمة مفهومة، إذ لم تُخترع كلمة تصِف بدقة العذاب والتعذيب المبرح.لم يكن ميتًا لكنه كان قريبًا.
استلقَى تايهيونق مشلولًا... روحه مُتناثِرة متكسِرة إلى قطع تعكِس المنزِل الذي انهَار فوقه. لم يكُن بإمكانه تشكيل الكلمات على شفتيه، فمُه ممتلئ بالدماء التي غَطت كُل جزء من جسده.
كان صدره مدفونًا تحَت الأنقاض التي حطمَت جسده، غير قادِر على اخذِ نفسٍ كامل، مما دفعه ليلهَث بهدوء من أجل الهواء. غطَت الدموع وجنتيه بينما كان يستنشِق الدخان و الغُبار، و يزفر أنفاسًا متعبة من الهواء الثَقيل.
مشاعِر الحَنين كانت مُحتجزه بعُمق في قلبه المُثقل. الرغبة و الحاجَة في ان يترُك نفسهُ يذهب. ان يتوَقف قلبه، ان يتوَقف تنفُسه، ان يستسلِم عقله. لكِن شيئًا ما أبقاه هناك. كان يُمسك به خِلال الضباب الأسود والأصوات البعيدة وصوت صفارات الإنذار، حيثُ كان الناس يتدفقون على المَينى غير المُستقِر بحثًا عن ايّ ناجين.
كان الفَتى هو الذي أبقاه هناك.. فَتى كان يعتَز به والذي كان يُبادله نفس الشُعور. الفَتى الذي أعطاه الضوء والأمل و الابتسامة التي لم تُفارق تعبيره.
ذلك الفَتى الذي كان يُحبه كثيرًا. الشَخص الذي كان سيفعَل ايّ شيء من أجلِه، والذي كان سيفَعل نفس الشيء في المُقابل.
" جونقكوك " صرَخ بإسمه بشدة، رافعًا ذراعه بِبذل جُهد كبير في مُحاولة لتخفيف الضَغط المُتزايد على صدره. صوتُه كان بالكاد فوق الهَمس، لم يستطِع احد سمَاع صرخاتِه، التي طغى عليها صَوت المُنقذين البعيدين جدًا.
كان اللوح الذي سَحق صدره خفيفًا. و رُغم ذلك، شعَر وكأنه يموت تَحته. دفعه بِخفة في مُحاولة لتَحرير نفسه، يسعل المزيد من الدِماء و هو يعرِف ان هذا الفِعل ليس صحيًا. استمَر في المُحاولة المرهقة محاولًا تخفيف بَعض العبء. اخذ أنفاسًا عَميقة، لم يَهتم إذا كانَت رئتيه مليئتين بالأبخرة السَّامة.
بَعد ان ابعَد اللوح بعيدًا، تمَكن من الزحف عبر الأرض، ساقاه تبدوان و كأنها تسحبه للخَلف قبل ان ينهار مُجددًا على التُراب. كانت حركته الأخيرة هي مُحاولة الالتفاف على ظَهره حتى يتمكن من النظر إلى السَقف فوقه. كانت ايّ حركة خاطئة للأنقَاض قد تَتسبب في انهيار المبنى بالكامِل عليه. وبينما كان يعرِف ان فُرصة البقاء على قيد الحياة كانت ضئيلة، كان الموت المؤكد نتيجة حتمية.
ابتسَم ابتسامة متكلفة في الفراغ، غير قادِر على الحركة، بالكاد يستطِيع التنفس. بالكاد على قيد الحياة.
" هل يُمكنني التَعليق على حقيقة انك لطيف لِلغاية عندما تنام "
ابتَسم بينما تَذكر كلمات الفتى اللطيفة والجريئة " فضولي مُتعجرِف " تَمتم، ممسكًا ببطنه و اسفَل بطنه. على الأرجَح انهُ كسر عِدة عظام، حيث كان يشعُر بأطراف حادة تحفر في أجزاء مُختلفة من جسده، أضلاعه تبرُز في أماكن غير طبيعية.
اصدَر تأوهًا خفيفًا لكنهُ لم يجرؤ على التحرُك خشية ان ايّ تغير طَفيف في توازُن المبنى قد ينتهي بموته.
" هناك شيء مُذهل فيك " قال بصعُوبة، محاولًا تَقليد الصوت الثقيل و الجذَاب، و لكِن اللطيف و المُحب الذي يستخدمُه جونقكوك
" اتمَنى " كانت كلماتُه تُصبح متقطِعة و مجبرة مع تفاقُم الألم في صدره، و كأنه كرة نارية تزداد توسُعًا بداخله. كُل نَفس كان يأخذه يُشعره و كأن حُمم منصهِرة في حلقه.
فَتح فمه على نِطاق أوسع، مُحاولًا دفع رأسِه للخلف في مُحاولة لِلحصول على المَزيد من الهواء. كان بالفعل يفقِد ما تبقَى من وعيه. غير قادِر على الحركة. كان الأمر مؤلمًا جدًا، لذا بقي مُستلقيًا بلا حرَاك منتظرًا احدُهم. شخص ما لينقذه.
انتظَر دقائق... ساعات... مُتمسكًا بكل أمل كان لديه. أصوات المُسعفين و رجال الإطفاء تصرُخ بحثًا عن ايّ شخص تحت الأنقَاض. صفارات الإنذار تستمِر في مِلئ المَكان. لكن لم يأتِ احد. لم يعثُر عليه احد.
استغرقَت عملية البَحث المنهجية للمبنى وقتًا طويلًا. لذا تلاشى الضجيج، و عَاد أولئك الذين منحوا تايهيونق املًا ضئيلًا إلى منازِلهم في الليل. تاركين إياه يغرَق في حُزنه و يأسِه الذي كان يسحَب منه قوة حياتِه. استنفَد كُل طاقته حتى لم يبقَ سوى رُوحه المَيته.
" مرَه واحده فقط، دَعني أعيش " صرَخ، لكن كلماته كانت غير مسمُوعة لأي شَخص. حتى هو الذي قالَها لم يستطع التفريق بينها و بين التأوهات و البُكاء. أغلق عينيه لعشرِ ثوان، ناظرًا إلى الظلام. كان الظلام اعمَق بكثير من الليلة الفارغة التي استلقَى تحتها. جعله الظلام يشعُر بالوحدة، جعله يشعُر بأنهُ مَيت. لذا فتح عينيه مُجددًا، ناظرًا إلى الخطوط الباهتة لكل جزء من مأواه الذي كان يُسميه منزلًا. لم يكن منزلَه، بل كان المأوى الذي كان يعيش تحته.
كان تايهيونق بلا مأوى مُنذ ولادته. مُنذ اليوم الذي تَم حبسه فيه في خزانَة لأسابيع مُتتالية. كان يُسمي هذه الفترة بـ فترة الجحيم لوالده، حيث تظاهَر انهُ لم يكن لديه اِبن. نجا تايهيونق بُمعجزة، حيث أنقذتهُ جارة فضولية استفسَرت عن صوت طِفل يبكي ملأ الليل.
كان والده قلقًا من العواقب التي قد تلحق به، وليس من اجلِ رفاهية طِفلِه. لم يكُن هذا المنزِل ابدًا منزله. قضَى عيد ميلاده الرابع مرتديًا قناعًا يُغطي وجهه بالكامل ومحبوسًا في غرفته : باردًا، وحيدًا و خائفًا.
" دَعني أعيش " كَرر بهدوء، واضعًا يده على قلبه ليتحسس نبضه. بَطيء، لكنه حقيقي " فَقط حتى ارَاه مجددًا "
اخيرًا، شَعر بالحاجة إلى إغلاق عينيه، و غَرق في النوم تحت ضوء مُجزء و نجوم مظلمة.
دموع متساقطة، قَلب ثقيل، روح تحتضِر.
كان كيم تايهيونق يحتضِر لأنهُ فقد كل ما يجعله يعيش. كل شيء إلا فردًا واحدًا.
أنت تقرأ
Iris
Fantasyوُلد كيم تايهيونق بعيون غير طبيعية تتغير ألوانها وفقًا لمشاعره. نبذه والده بسبب لعنة هذه العيون، فقضَى طفولته في عزلة. الان، وهو يواجه تحديات الحياة الجديدة في المدرسة الثانوية بعد سنوات من الاختباء عن العالم، عليه التكيف مع هذه الحياة. و لحُسن حظه،...