<الإدانة السآبِعة عَشر>>

4.2K 90 6
                                    

لا يغني حذر من قدر ، مقولة إعتدنا ترديدها ، فـ صار سيان توخينا للحذر او عدمه ، إذ إن قدرنا موشم على الجبين منذ الصرخة الأولى تلك التي تبسمت لها الاوجه ، و نبضت لها القلوب متراقصة فرحا ، ! تعثرت اقدارهم ، لتذيقهم من المرارة ملاعقا ، تغلى السوائل بكثافتها فوق مواقد الوجع ، ليرتشفوا من الدلاء بـ علقمة ، وأد الفرح قبيل موعده ، أجهضت أجنة السعادة و مازال نموها غير مكتملا ، جنين يتلوه اخيه ، ليبقى رحم الحياة موحشا فارغا ، ينزف حاجة لمن كان يملأه و رحل ، هي أقدار ، نتجرعها ولو كانت سما ، و نحمد الله على إبتلاءه ولو كان للقلب ممزقا و لنياطه ذابحا ، فـ ربنا العظيم هو الاخبر بنا منا ، وهو الالطف علينا ممن حملننا في الارحم تسعا من الاشهر ،!
فـ ' قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا '
' وعسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم '

؛



-1-
أجل! أهواكِ أنتِ مُنى حياتي
وأنت أحب من بصري وسمعي
وهل أنساكِ كلا لست أنسى
هوى قد كان إلهامي ونبعى
لبست من التصبرِ عنكِ درعا
فها أنا تنزعُ الأيامُ درعى
وها أنا لست أدري عنك سرا
عرفتِ محبتي ورأيتِ دمعي
تلاشت قوتي وغدا قؤادي
كأن خفوقَه خلجاتُ نزعِ
ابشره فيرقص في ضلوعي
وأنظرُ سودَ أيامي فأنعي
وقد نضبَ الخيالُ وغاض طبعي
ومات على حياض اليأسِ زرعي
أجرجرُ وحدتي في كل حشدٍ
وأحمل غربتي في كل جمع
-2-
مزَّقَته فصار والله لا يقدر
حتى أن يسأل اللهَ رفقا
لجةٌ بعد لجةٍ كلما صارع
ردت له أمانيهِ غرقى
فيلقٌ بعد فيلقٍ حجب الشمس
ولم يبقِ للنواظر أفقَا
وسنانُ الغروب تغزوه حمرا
وسنانُ العذاب تطعن زرقا
وجيوشُ الظلامِ تزحفُ زحفاَ
وثقالُ الأقدامِ تسحقُ سحقا...

إبراهيم ناجي

يجلس مقابلة الطبيب ، بقلب متقلص حد التيبس ، و كإنه صار قطعة من حجر مشحذة الأسطح ، لا عمل له سوى تمزيق ما يجاوره من المعالم الشبه ميتة ! فيغرق بدماها المثخنة بـ بقايا كتل ممزقة ، يشعر بـ هالة من جمود تتكتل حول جسده ، يضج الحديث مسامعه ، و تتهافت الاصوات من حوله و كإنها صرخات لعفاريت و أشباح ! و رغم هذا و ذاك ، و رغم فوضى ادرك بأنها صارت تحوم في الانحاء ظل واجما صامتا و كأنه لا يفقه ما يقال ، بل أسوأ ، فصار و كإن به أعمى ، أصم ، و أبكم ! فـ لم تسعفه عيناه في فك الغاز الصورة الإشعاعية لـ رأس حبيبته ، تلك التي إستلقت على الاسرة لتتفحصها الأجهزة المختلفة بـ إستسلام و كإنها تنصت لـ صوت قدرها و تهتم بـ إتباع أوامره ، مرة أشعة رنين مغناطيسية MRI ، و أخرى مقاطع اشعاعية للرأس CT scan ، و فوقهم تحاليل متكررة لـ دمها الأثمن عليه من نبضه ، كم من مرة سحبوا منها الدمى و كادت أن تغشى بين يديه ، و هو .. يرى ، فقط كان يرى ، فكيف يلام على فقدانه البصيرة بعدها ؟
أما الحديث فـ لا زال عازفا عن سماعه ، فـ بعد إسبوع كامل من أنين و آهات فرزتها حنجرة المحبوبة كيف لـ أجهزته السمعية أن تستمر بعملها الواعي ؟ و حتى اللسان ، أيلام إن ثقل أو حتى اصابه الشلل ؟ ، نعم شلل ، فـ هو أضحى بـ لا قدرة على المواساة ، أي مواساة تلك التي قد ترضي به الروح ؟ ، أ يواسيها لوجع بدأ يستفحل و أمامها منه مشوارا قد يكون طويلا ؟ أم يواسي رفيق دربه الواجم بصمت الموتى ؟ ، أم يواسي قلبه و يرثيه بـ معلقات طوال ، يرثيه بـ مدامع تهل من الاعين الذابلة ، الأعين التي لم تشبع بعـد من إلتهام حلو الحياة ، لم يسعفها الوقت في إبصار الفرح ! حواسه شلت ، لا بد أن تشل وهو يغرف من آبار القلق و الرعب فالـ حيلة الميتة قواريرا ، يخلط كافة الاصناف ليشعل فتيل العمر و يغليها ، حتى تستعر فـ يكتفي ، و من ثم يصهر الاضلع بـ ارتشاف خليطه السمي بـ جرع مستمرة حتى تفيض اذناه !
و ها هو يتابع شاردا ما يدور حوله ، و كأن به محتجز بكوكب عازل ، أو صار شفافا لهم ؟ أ يدركون وجوده ام هو فقط من لا يدرك احدا بعد ما لاقى ما يخشاه ! ليت القلب من يمتلأ عقدا و اوراما يا عالمين ، ليت المرض يتغذى على جسده هو ، ليته هو من يستلقي محلها و يتجرع بدلا منها ذلك الوجع الصامت !
يارب ، رحماك ، كل ما يحدث لك به إرادة و حكمة ، نسألك الصبر يا رب ، الصبر لـ روحي ، و تهدئة أوجاع حبيبتي ، إلهي ، إلطف بها و بي ، يا رب !

أبريـــاء حــتــــى تثــبــت أدانـــتهـــمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن