الجزء 31

329 43 1
                                    

#عروج_31
كانت ليلة العشرين من
صفر شديدة البرودة اعتكفت
لمياء في غرفتها بعد ان استأذنت
من والديها مبكراً. اسبغت وضوئها و افترشت
مصلاها و جلست تنظر الى
التربة الصغيرة بتأمل ،
كانت تود كثيراً الذهاب
الى كربلاء لحضور مراسم
الاربعين ولكنها لم تستطع
فقد منع النظام كل ما من
شأنه احياء معالم الثورة
ومبادئها وكانت اربعينة
الحسين اهم عامل لاشعال
فتيل الثورة . لم تعلم كيف
عساها تواسي السيدة
زينب عليها السلام في
هذه الليلة ، تذكرت كراسات
رضا فسارعت الى خزانتها ،
حملت الصندوق الصغير حيث
تحتفظ بكل ما كان يكتبه لها ،
بحثت بين الاوراق فوجدت
ورقة كتب عليها بخطٍ كبير مصيبة " ام المصائب" لم تحتج الكثير
لتذوب بكل جوارحها مع المصاب ، قرأت كلمات رضا النورانية
و الدمع يفيض من عينيها :
ـ

ـ اعلمي ان السيدة زينب
رغم كل ما مرت به ظلت
شامخة صابرة ، كانت قوية الارادة
و العزيمة لذا كان قرار الامام
الحسين بأن تخرج اخته
برفقته من المدينة المنورة
الى كربلاء قرار امام معصوم
عالم بما يفعل و ما يقول
فهو يعلم بأنها ستحفظ
الامامة المتمثلة بابنه الامام
علي بن الحسين و سترعى
العيال اليتامى ، كانت بمثابة
الصوت الاعلامي للامام فقد استطاعت ان تفضح يزيد
و اعوانه على مرأى
و مسمع المسلمين في
قصر الامارة ، لقد ظن يزيد
ان السيدة زينب امرأة
ضعيفة مثكولة باخوتها
و اولادها الذين ظلوا مجزرين كالاضاحي في عرصة كربلاء ،
فاراد ان يشمت بها و لكن
هيهات انىَّ له ذلك و هي ابنة المعصوم و اخت المعصوم و عمة المعصوم ، تجسدت فيها القوة
الالهية و رباطة الجأش المحمدية ، الفاطمية و العلوية فاخرست بخطبتها الطغاة و ارتفع
صوت الحق مجلجلاً في
سماء الباطل فقشع سحب
الظلام و ارتسمت صورة
الحقيقة واضحةً جليةً
فانارت العقول .
لم تستطع اكمال ما
خطته انامل رضا فالدموع
حجبت عن عينيها الرؤيا
شعرت بأنها ليست وحدها
في الغرفة و ان هنالك من
يشاركها هذا العزاء ،
اعادت الاوراق الى الصندوق
و همست لنفسها :
_ يا حسين ، حروف اسمك الاربع كافية لتهيج نيران القلب التي لا تخمد ، واحسيناه وااماماه ،
و خرت ساجدة مرددةً :
_ اللهم ارزقني شفاعة الحسين
يوم الورود ، اللهم اجعلني عندك وجيهاً بالحسين في الدنيا والاخرة .
اما رضا فقد كان يشق طريقه
وسط الظلام الحالك بين
الحقول سائراً الى كربلاء
خلسة ، نظر الى السماء الصافية المتلئلئة بالنجوم و شعر ان
كل ما يحيط به يصرخ
بصمتٍ لبيك يا حسين .
ـ

313هبت نسمةُ رياحٍ باردة فلفحت وجهه ، توقف قليلاً و اقشعر بدنه شعر بأن للرياح صوتاً يهمس في الارجاء :
_ الا من ممهدٍ يعجل في فرجي !!
بكى واحسَّ ان قلبه يتقطع الماً و حسرة جلس على ركبتيه و رفع كفه نحو السماء مخاطباً ولي العصر :
_ مولاي يا بقية الله اعلم بأنك تسير معي الان و ترافقني الى ارض جدك الغريب الثائر و لكن حُجب قلبي تمنعني من رؤيتك ، مولاي يا مهجة البتول و يا قرة عين الرسول خذني اليك تائباً منيباً ذليلاً حقيراً مسكيناً مستكيناً ، خذني اليك سيدي ، فلتطهرني زيارتي هذه لاستحق لقياك يا سيدي .
لم تنم ام رضا تلك الليلة ، تآكلها القلق على ولدها الزائر فقد كانت تخشى عليه من رجال الامن و خافت ايضاً من هاشم فيما لو علم بأمر اخيه ، فهي لم تخبر احداً انه توجه لكربلاء ، و ظن الجميع انه في غرفته معتكفاً كعادته .

____________________

عروج : بقلم ندى يعرب (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن