#عروج_3
نزل رضا مسرعاً لغرفة المعيشة
ليجد اخوانه و والده قد جلسوا حول المائدة .
كان والده رجلاً حنوناً طيب القلب ،
خطت السنون اثارها على وجهه رغم
انه لا يزال في بداية الخمسينيات ،
فالزواج مبكراً و في سنٍ يافعة جداً
و تحمل مسؤولية تكوين الاسرة
ناهيك عن العمل الدؤوب جعله يبدو
اكبر مما هو عليه بالحقيقة .
احاط به ابنائه الثلاثة الصغار ،
يطعمهم بيده رغم التعب و الارهاق
الذي بدا واضحاً على وجهه .
لم ينتبه رضا الى ان والدته كانت تراقبه
فهو لم يمد يده الى الطعام و اكتفى باللبن الرائب
و قطعة خبزٍ و هذا ما اثار حفيظتها وجعلها غاضبة
و لكنها اخفت ذلك فهي تتابعه منذ اسبوع
و هو على هذه الحال ، لذا قررت بعد العشاء
ان تخضعه للاستجواب لتقع على علة امره .
عزيزي رضا اخبرني من تكون و سأتولى انا اخبارها .
ضحك اخوة رضا الكبار على طرفة اخيهم الاكبر هاشم
بعد ان نظر الى رضا و رائه سارحاً شارد الذهن
فاطلق دعابته تلك ظناً منه بأن رضا يفكر باحدى بنات الحي .
ابتسم والد رضا موبخاً هاشم :
ـلاتخاطب اخاك بهذه الفظاظة ياهاشم ،
دع الفتى و شأنه فهو ليس مثلكم .
ردَّ هاشم ضاحكاً :
مابك يا ابي انا امزح فقط أ لم تراه شارد الذهن ؟!
ما عساه يشغل فكره غير هذه الامور .
و قهقه مرةً اخرى و كذا فعل اخوته .
لم يلتفت اخوة رضا الثلاث الكبار لامر الدين
كثيراً فلم تكن الصلاة و قراءة القران شغلهم الشاغل
كما هو الحال بالنسبة له احياناً يصلون و احياناً
كثيرة ينسون امرها ، و هذا ما جعل رضا يشعر
بالاسى حيال اخوته و كان كثيراً ما يقارن بينهم
و بين صديقه طاهر و تمنى ان يكون اخوته
كطاهر الملائكي الذي كان يحيا وسط عائلةٍ
ملتزمة جداً جعلت رضا يتمنى ان يكون احد افرادها .
ـاشكرك ياهاشم و لكنك ذهبت بعيداً جداً بظنك يا اخي .
قال رضا كلماته هذه بهدوءه المعتاد ثم القى عليهم تحية المساء و توجه نحو الدرج فلحق به اخوته الصغار و خاطبه اكبرهم :
_ رضا سنلحق بك حالاً انتظرنا لنغسل ايدينا .
ابتسم لهم رضا ابتسامته المثيرة قائلاً :
_ لا بأس عليكم سأنتظركم في السطح اسرعوا هيا ،
و لا تنسوا الوضوء ايها الصغار ، و اشار لهم بيده
نحو الحمام ليسرعوا :
_ هيا بسرعة قبل ان يغلبني النوم هيا .
ـاعتادت العائلة ان تتخذ من سطح المنزل مناماً لها في
فصل الصيف ، و كان رضا يستغل هذا الامر بأن يجعل منام اخوته الصغار قريباً منه ليطلعهم على ما يتعلمه من طاهر ،
فهو يريدهم ان ينشأوا على العقيدة الصحيحة
و المنهج السليم في الحياة .
ـخلع نعليه و استلقى في فراشه و اذا باخوته يهجمون عَلَيْه و اخذوا يلاعبونه و هم يتضاحكون و لكنه طلب منهم ان يهدئوا في الحال مراعاةً للجيران الذين كانوا بدورهم يفترشون اسطح منازلهم .
اتخذ كل واحدٍ منهم مكانه و بدء رضا يسألهم عن النجوم في السماء :
_ برأيكم كم حجم هذه النجوم التي تتلألأ في السماء كأنها مصابيح .
اجاب قاسم :
_ انها صغيرة جداً .
فبادر علي بالقول :
_ لااعتقد انها صغيرة لعلها تبدو كذلك لانها بعيدة ؟
حينها قال هادي :
ليست بعيدة انها قريبة ما بك يا علي كيف تكون بعيدة و نحن نستطيع النظر لها لو كانت بعيدة لما استطعنا مشاهدتها .
كان رضا ينصت لاقوالهم باهتمامٍ بالغ رغم ان النعاس بدء يغزو اجفانه و لكنه كان يريد ان يعرف قدراتهم العقلية في التفكير و الاستنتاج :
سأخبركم امراً عن هذه النجوم المضيئة الرائعة و التي زين الله بها السماء و جعلها مصابيحاً و رجوماً للشياطين ، انها لبعدها الهائل عن الارض تبدو صغيرة جداً و لكن لو ان واحدة مِنْهَا سقطت على الارض لاحرقتها ، و الشمس اقرب هذه النجوم الينا .
سأله قاسم مستفسراً:
_ ماذا تعني كلمة رجوماً ؟
لم يكد يفتح رضا فمه ليجيب اخيه عن تساؤله و اذا بوالدته تقف فوق رؤوسهم :
_ رضا اريد ان اتحدث معك قليلاً .
عرف رضا من نبرة صوتها ان الموضوع جاد و ان هنالك امراً اثار والدته فهي قلما تخاطبه بهذه الطريقة الحازمة .
لذا ردَّ عليها بلطفٍ بالغ و هو يغالب النعاس :
_ اجل يا نور عيني كلي اذانٌ صاغية .
رقَّ قلبُها على الفور عندما سمعت نبرة صوته الرقيق المتعب و قررت ان الوقت غير مناسب للحديث :
_ نمْ الان ، فانت متعب و لنا حديثٌ في وقتٍ لاحق تصبح على خير .
لم يجبها فعلمت انه استغرق في نوم عميق فسارعت الى تقبيل جبينه و الدموع تتلألأ في عينيها كما النجوم .
أنت تقرأ
عروج : بقلم ندى يعرب (مكتملة)
Contoرواية تحكي قصة ثورة... الثورة على الظلم والثورة على الذات بقلم ندى يعرب