الجزء 48

270 40 0
                                    

#عروج_48
بعد تلك المحادثة اخذ رضا يراقب
ما يحدث داخل الزنزانة ، لم يحتج الى
الكثير من الوقت ليدرك معنى كلام طاهر
فما ان اقترب موعد الصلاة حتى رتب
السجناء انفسهم على شكل مجاميع صغيرة ،
حيث يتناوبون بالدور لدخول الحمام
الصغير والخروج بسرعة ليتسنى للجميع
الوضوء قبل حلول وقت الصلاة ،
كان ينظر الى وجوههم فابتسامة الرضا
التي ترتسم على شفاههم الذابلة والتي
لم تتوقف عن اللهج بالذكر طوال انتظارهم
لدورهم خففت عنه قليلاً لكنه رغم ذلك
ظل مرتبكاً من الوضع فالحمام صغير جداً
و لا يوفر العزلة المطلوبة و الرائحة الكريهة
التي تفوح منه جعلته يشعر بالاشمئزاز
و لم يدري ما عساه يفعل حينما يحين دوره .
التفت بصعوبة حيث طاهر ينتظر خلفه و همس له :
_ طاهر كيف نضمن صحة وضوئنا مع عدم
توفر الطهارة المطلوبة ؟
همس طاهر في اذنه :
_ رضا السلطة تحاربنا لا تريد لهذا الشعب
ان يحيا واقعاً دينياً لانها تعلم جيداً ان
الالتزام بهذا الخط يؤدي بدون ادنى شك
الى الالتزام بالنهج الحسيني في الثورة
ضد الظلم و رفض الدولة الفاسدة ،
فهم لا يوفرون الماء الكافي ومستلزمات
التنظيف من اجل ان يحرمونا اداء العبادات ،
ولكن هذا ليس مبرراً يجعلنا نتخلى عن
عبادة الله و اداء ما يتوجب علينا
وما هذا الوضع الذي نحن فيه الان الا بسبب
اختيارنا ان نسلك الى الله فكيف نتنازل
عما فقدنا حريتنا بسببه علينا ان نتحمل
قسوة الظروف المحيطة بنا ونبني على
الطهارة ونؤدي حق الله ، صمت طاهر قليلاً
ثم اردف بثقة :
_ السجن يا رضا رغم قسوته الا انه يتيح
لك العزلة عن الاخرين والانتماء لله ،
هذا الانتماء يساعدك في تحرير النفس
من قيودها المادية فتتحقق الرؤية القلبية
و هو مايعرف بالنظر بعين البصيرة لا عين البصر،
هذه الرؤية تجعلك تعيش في واقع
و لكنك تبصر واقعاً اخر لا يراه الاخرون ،
واقعٌ سماوي الهي ليس له محدودية
زمانية او مكانية ، بعض السجناء
وصلوا مرحلة ان يتسابقوا للوقوف
ليلاً كحاجز قرب هذا الجُحر المسمى
بالحمام ليحجب عن زملائه الرائحة الكريهة
التي تفوح منه ليستطيعوا اداء
صلاة الليل بتوجه اكثر . 
فاضت عينا رضا دمعاً و هو يصغي
لكلمات طاهر الهامسة و التي وجدت
طريقها الى قلبه لا الى مسامعه فقط .
اما ما حصل عندما حان موعد الصلاة
فقد جعله ينحب طوال تلك الليلة .

عروج : بقلم ندى يعرب (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن