الجزء 49

266 43 1
                                    

#عروج_49
كان التعاون بين السجناء يبعث على الدهشة ،
فبينما كان البعض ينتظر دوره في الوضوء
حان موعد الصلاة فاتجه من انهى وضوئه
صوب احدى الزوايا التي جعلوها كمحراب
للصلاة ، كان كل سجين يؤدي صلاته
بسرعة نوعاً ما و يقوم ليفسح المجال
امام الاخرين لتأدية صلاتهم ، كل شيء
سار بانتظام و هدوء و يسر رغم ضيق المكان ،
احس رضا كأنهم يتحركون في فسحة
تبلغ من الحجم الالف متر ، و اخذه التفكير
الى المصلين في المساجد حيث تعم
الضوضاء المكان اثناء صلاة الجماعة
رغم المساحة الواسعة المتاحة للجميع،
بدأ رضا يقارن بين الحياة داخل هذه
الزنزانة الضيقة وبين الحياة في خارجها
حيث الاماكن الواسعة وبدأت الاسئلة
تتوارد الى ذهنه ، لم في هذا المكان
الصغير المكتظ المعتم ظاهراً يبدو
الجميع سعيد و متفائل بينما خارجه
يكاد يكون اغلب الناس محبط و حزين
رغم توفر كل وسائل الراحة والدعة ؟!
قطعت سلسلة افكاره يد طاهر تحثه
على الاسراع فقد حان دوره في الوضوء ،
تململ و ارتبك ولكن سرعان ما تدفقت
كلمات طاهر في انحاء جسده كتدفق
الدماء في العروق دخل و اغمض عيناه
و تخيل السماء الصافية والحقول الخضراء
المزهرة بانواع الزهور التي يملئ
عبيرها الارجاء فغسل يديه و هو
يردد بقلبه لا بلسانه :
سيدي هذه يداي طهرهما مما اقترفتا ،
و هذه عيناي طهرهما مما ابصرتا ،
و هذه قدماي طهرهما من كل مسعى
في غير رضاك ، الهي طهر بدني
من ادران الدنيا وطهر روحي
من غفلتها عنك يا رب العالمين . 
كان يتوضأ وعيناه تجري دمعاً
لم يشهد له مثيل في اتعس اوقاته
واحزانه شعر انه يتوضأ لاول مرة في حياته . 
ابتسامةٌ لاحت على وجه طاهر
و هو يشاهد تقلبات وجه رفيقه فعلم
انه بدأ رحلته نحو تحرير النفس من قيودها . 
الليلة الاولى في الزنزانة شهدت ذكرى
لن تبارح ذاكرته مادام حياً ، لم يحضر
طوال عمره مكاناً يذكر فيه الله بهذا
الكم فما ان انتهى اخر مصلي من اداء
الفريضة حتى حان موعد جلسة
حفظ القران ، كانوا قد عملوا جدولاً للحفظ
يتوجب فيه على كل سجين ان يحفظ
عشرون اية و يقوم بتحفيظها للباقين ،
والطريقة الاخرى التي ابتكروها هي الكتابة ،
كانوا يحتفظون بالعظام من بقايا طعامهم
ويحدوها بالارض ليصبح حافة كحافة القلم ،
ثم يكتبون الايات على اكياس الخبز التي كانوا يحتفظون بها ايضاً ، وبهدوء و عناية يخطون
الايات ثم يرفعون الكيس امام الضوء المتدلي
من وسط الزنزانة و يدامون على الحفظ
بهذه الطريقة ، كل ذلك لانه لا يوجد
سوى قران واحد تتشاركه جميع الزنزانات
و هكذا قد يستغرق الامر اسبوعاً
كاملاً حتى يحين دورهم في حيازته مرة اخرى . 
ـ

قضى ليلته بنحيبٍ وبكاء صامت كان قلبه ينزف وجعاً وحزناً و الماً على مصاحف تملئ البيوت و المساجد و لا احد يمسها ، فتجدها و قد علاها الغبار ، تنتظر من يزيل عنها الاتربة ويفتحها ليتلو و لو اية واحدة لا غير، و لكن هيهات انى لهم ذلك و قد غرتهم الحياة الدنيا و شغلتهم عن ادراك سبب وجودهم الفعلي .

عروج : بقلم ندى يعرب (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن