الفصل الثاني
" و لهذا أخبرتكِ أني لا أريد أطفالا.. لا أرييييد "
قال آخر كلماته غاضبا.. مما جعلها ترد عليه بشراسة..
" و لكني أريدهم.. و إذا كنت لا تمتلك قلبا لإحتواء أطفالي فهذا لأنك متحجر القلب.. والـ "
و الصفعة دوت في الأجواء لينقطع الكلام..
و تدوي شهقة صغيرة صدرت عن فتحة الباب الذي لم يكن محكم الغلق..
و الذهول تلبّس الأب..
و الألم رسم ملامح الأم رسما لن يُنسى..
و الهمسة المذهولة.. المتوجعة صدرت عن من كان يظنه أبًا..
" يونس!! "
و النداء صاحبه تراجع من طفل تم طعن قلبه بسكين ثلم..
طفل لا يعي ماذا يعني تفضيل أخ عن أخ..
طفل لا يعي معنى
( لا أريد )
و لكنه فهمها..
فهمها بأبشع طرق الاستيعاب ..
غشت الدموع عينيه الطفوليتين.. ثم تراجع خطوة أخرى..
و تسابقت ساقيه في الهرب ..
هرب ليس خوفا من عقاب أب قد يطاله..
و لكنه هرب جزعا و رعبا من المعنى الواضح الذي وصله..
ظل يجري..
يجري..
و يجري حتى ذهب لشجرة عملاقة في خلفية البيت.. واستقر تحتها متواريا عن عيون أبيه الذي يبحث عنه و يناديه و لكنه لم يجد لندائه مجيبا..
أما يونس فظل في مكانه متظللا بشجرة هي أهون في عطاءها..
كان ينهت بقوة .. و أصوات أنفاسه عالية لأذنيه..
و عينيه متسعتين ناظرا للأرض بخواء غريب على سِنه ..
و بعقله فكرتين لا ثالث لهما ..
والدهه لا يريده..
و تمام أستحوذ على والده و والدته..
تفكير طفولي و لكنه منطقي و خاصة بعد ما سمعه من والده..
لن ينكر غيرته من أخيه الأكبر بطفولية و خاصة حين تبدي والدته إهتماما زائدا بأخيه..
و تزيد غيرته حين يكون الأخ الأكبر محط إهتمام من جميع العائلة..
و لكن الآن الأمر تعدى الغيرة..
تعدى الحنق الطفولي..
و تلك اللحظة كانت شاهدة على أول نبتة للحقد المجنون بين الأخوين..
إحقاقا للحق.. حقد مجنون و لكنه موجه من الصغير للكبير..
و بنفس اللحظة كانت البداية ليونس آخر لم يتمن أن يكونه أبدا..