الجزء التاني من الفصل الواحد والخمسون

1.1K 52 14
                                    

الفصل الواحد والخمسون.. الجزء التاني

بعد أن غادر يونس التفت الشيخ للواقفة بملامح ترسم راحة بالها.. وامتنانها لما قال في حقها وحق خروجها متوجة من بيته من هنا.. 
" وأنتِ يا ابنتي هيا فلترتاحي قليلاً قبل موعد السحور "
ضيقت ما بين حاجبيها مرددة.. 
" سحور!!  "
ابتسم الشيخ على ذهول كلمتها فتابع بمرح مقصود.. 
" نعم.. السحور بركة.. وهو ما يُؤكل ويُشرب في السَّحَر..
والسحر هو آخرُ الليل قبيل الفجر "
درس لغة عربية كافي بجعلها تذوب حرفياً في كل تفاصيل ما يحدث..
بينما تابع الشيخ داعماً كلماته بحديث النبي..
" والنبي محمد قال.. 
تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً "
مد كفه يربت على بطنه بمزاح متابعاً.. 
" وجبة تُعين الصائم على صيامه فتمده بالطاقة طوال ساعات صومه "
تضحك فيبادلها الضحكات وبعد قليلٌ من إدراك قالت.. 
" إذاً فالصائم فقط هو من يتسحر " 
" ليس شرطاً..  هو سنة مُتبعة.. ولكن نعم الصائم هو من يتسحر "
تلوي شفتيها بلا معنى تقر أمراً لا جدال فيه.. 
" ولكني لن أصوم "
" لماذا؟"
" لأني لم أفعلها قبلاً.. "
فجوة زمنية ودينية تحدث في عديد من الأسر العربية المقيمة خارج البلاد الإسلامية العربية.. 
أُسر تفقد التوجيه والاتجاه.. وبالنسبة لها هي فقدت كل توجيه ديني، معنوي وأخلاقي.. 
هي فقدت توجيه الأب الذي لم يشغله سوى عمله وحياته.. 
أما والدتها فحدث ولا حرج.. 
" ألم تصومي من قبل؟"
" لا "
" ووالديكِ؟"
" والديّ!!.. 
وهل كانا يتعاملان معي كأني إنسانة من الأساس يا شيخ؟"
حوار قد يبدو للمستمع عادي ولكن لها هي موجع.. 
بل أكثر وجعاً.. 
حوار يلخص ماضي خاضته بمفردها.. 
" لم يوجهّني أحد يوماً لفعل شيء ديني أو غيره "
أقرتها ببساطة لا تشبه وجع روحها.. 
" ولكن يا ابنتي الصيام فرض "
ترفع كتفيها بلا معنى تجيب ما حاولت فعله منذ تعرفت على صفا تحديداً..  فكم حاولت تقليدها اقتداءً بها ولكنها لم تستطع ببساطة. 
فمن شبَّ على شيءٍ شاب عليه.. 
" لن أستطيع يا شيخ..
لم أفعلها قبلاً ولن أستطيع فعلها وأنا بهذا العمر"
يصمت ناظراً لها.. وكلامها رغم عدم رضاه عنه إلا أنه لا يستطيع سوى التوجع من أجلها.. 
" على راحتك يا ابنتي ولكن لي شرط"
تنظر له بانتظار لتتمة كلماته وإقرار شرطه.. 
" ستشاركين في كل احتفالات البيت وتجمعاتنا.. كما لن تأكلي أمام أحد " 
اتسعت عيناها وداخلها شعور بالنبذ وليد كلماته.. 
" سأوصي إحدى العاملات بإرسال الطعام لغُرفتك ولن تتناولي أي شيء خارج غرفتك وليسامحني الله على هذا "
ونهاية كلماته جعلتها تُجعد جبينها بنزق خرج مع حروفها دون إرادة.. 
" لماذا تطلب السماح على إطعامك لي؟.. ألم يوصي النبي محمد على إكرام الضيف؟"
بساطة ملامحه الوقورة أضفت المزيد من السلاسة على حروفه.. 
" أولا أنتِ لستِ بضيفة.. أنتِ مقيمة ببيت لن تغادريه قبل نهاية رمضان..
وهذا يعني أن صيامك رمضان واجب بما أنكِ لستِ على سفر..
ومن الواجب عليّ ألا أعينك على عدم الصيام  ما دُمتِ راشدة بالغة وليس هناك سببا يمنعك من الصيام "
يستند بكفيه على عصاه متابعاً.. 
" إطعامك بمفردك الذي تنكرت أنا من ذنبه ليس سوى إكراماً لكِ كما قال النبي كما واجهتِني "
شعرت بالذنب وداخلها يتآكل بذنب الإساءة لهذا الرجل الذي رحب بها وفتح لها بيته. 
" عذراً يا شيخ سامحني .. ولكني حقاً لم أفعلها قبلاً "
ابتسم بسماحته ووقاره ورزانته ليمتلك منها جزءً يبحث عن أبوة مفقودة.. 
" لن أجبرك يا ابنتي أنتِ لم تعلمي والآن علمتِ وكفيلة بحمل ذنبك بمفردك "
يلعب على فطرة خلقنا الله عليها جميعاً.. ولم يترك لها المزيد من المجادلة بل سيتركها لتفكيرها الفطري.. 
" هيا لتستريحي وعند وقت السحور والفطور ستجلسين معنا على طاولة واحدة " 

قلب بين شقيّ رحى ج٣ من سلسلة والعمر يحكي بقلمي راندا عادل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن