الفصل الرابع والثلاثون
الحياة مليئة بالسراديب الوعرة
قد يختطفك أحدهم عنوة فتتكيف معه دون إرادة
تاركا سرداباً آخر بإرادتك الكاملة
وبين إرادة ودونها تغدو متقلبا بين حياة، وموت حتى وإن كان مجرد وهما..
ولكن الشعور به يكون حقيقيا بكل تفاصيله.. بِدءً ببرودة تصيب..
ثم تسربها للكافة.. نهايته بحرب خروج الروح..
الاختلاف فقط في النهاية، هل حربا تثير دماراً أم تكون نجاةً..تململت في نومتها.. تشعر وكأنها لم تنم رغم أنها نامت الليل بطوله..
ثقل بالرأس وهمدان جسدي قادر على جعلها تنام أيام متواصلة ولا تعرف له سببا..
دارت بعينيها يمينا فترى المؤقت الموضوع جوار الفراش يشير لوقت تخطى موعد استيقاظها..
أغمضت عينيها بثقل ولو طاوعت أجفانها لاستسلمت لسبات آخر..
جاسم غير موجود.. سافر.. وهي هنا بمنزل أهلها برضاها وطلبها لشعورها أنها ليست بخير..
لا تعلم هل ما تمر به تبعيات الفترة الأخيرة أما هناك ما هو جد..
فرقت أهدابها بغير رغبة حقيقية ولكن ما باليد حيلة، فعليها عدم الانسياق لذلك الضعف الذي يسري بأوردتها كسريان دمها..
شردت بعينها لسقف غرفتها الأبيض ذا الثريا المطفأة المصابيح..
توقن أنها تأخرت في الرضا والرضا مشروط بالتقبل..
وهي تقبلت..
تتذكر كلماته التي اهداها لها بعد أن تصالحا..
" عليك بالرضا حبيبتي.. الرضا الذي تشعرينه رضا مشروط.. رضا
ناقص .. رضا مزيف.. تقولين أنا راضية وداخلك تتآكلين بالانتظار. ليس هذا الرضا المقصود حبيبتي.. الرضا بقضاء الله وقدره يكون بحيث أنّ الشخص لا يتمنى خِلاف حاله.. إنّ الله إذا قضى قضاءً أحبَّ أن يُرضى به.. و طوبى لمن رضى "
وهي رضت وتقبلت.. تقبُل على حق..
في لحظة ظنت فيها أنها أشركت بالله وكان هذا فوق احتمالها..
أن يعاقبها الله بعقلها المخبول وتشرك به كان شيئا فوق تحملها..
وقفة وعليها التسمر عندها ليس لفقدانها الوسيلة وإنما لانحطاط المدرك الذي وصلت له..
غثيان؟! .. غثيان ونفور من رائحة الطعام التي تصلها من الأسفل جعلتها تستقيم منتفضة جريا على دورة المياه تتقيأ ما بمعدتها بسبق تكرر خلال الأيام الماضية..
انتهت بمشقة بالغة التعب وأثناء خروجها من الباب الملحق بغرفتها تسمرت..
جمدت في مكانها وعقلها يعمل على ربط ما يحدث لها بتاريخ تأخر دورتها الشهرية..
وبلحظة خاطفة كانت تتحرك كالبرق تقف أمام التقويم المعلق على حائط غرفتها وبأصابع مرتعشة.. حركات متخبطة كانت تفض الأوراق ورقة تتبع ورقات ثم تمزق يصيب إحداهن أو بعضهن بغير قصد وإنما تعجلا..
أنفاس متحشرجة.. دموع تجري دون حساب ابتهالا.. بل أمنية ترجو أن تتحقق..
حتى وصلت ليوم كان من المفترض أن تكون حائضا ولم تكن.. وبعدة أيام متتالية كانت كافية لجعلها تتيقن أن التأخير قد يكون لسبب آخر..
سبب بمجرد التفكير به خرت ساجدة شكرا لله قبل حتى أن تتأكد..
يكفى أن تشعره بجوارها.. يهديها ويطيب خاطرها بأن امنيتها قد تتحقق يوماً ما حتى وإن تأخرت قليلا..
ستشكر الله وتحمده قبل أن تحصل على الخبر اليقين فهذا حقه عليها..
حقه الذي فرطت فيه بغباء منقطع النظير..
غباء لو كان مازال موجودا لفكرت أن سبب ما يحصل لها قد يكون أمواتاً زارتهم أو شربة مجهولة الهوية.. ولكنها تعلمت الدرس..
لن يشطح تفكيرها لهذا الدرك ثانية..
فشكرا لله دائما وأبدا حتى وإن تأخر تحقيق القدر..
عليها أن تتأكد قبل أن تخبر حبيبها.. ستتأكد وستخبره وهو واقفا أمامها ليس مجر اتصال هاتفي..