الفصل الثاني و العشرونبعد عدة أيام..
كان الجميع على قدم و ساق.. و إن قلنا أن البلدة بأكملها كانت كذلك فلن تكون مبالغة..
فاليوم الفرحة كبيرة..
و الدعوة عامة..
دعوة إلى عرس كبيرهم قاسم اليماني.. ابن كبيرهم الشيخ إبراهيم اليماني..
و الساحة الكبيرة أمام البيت تعج بالناس..
و بعض الرجال الذين اختصوا بذبح البهائم و الغنم احتفالا بعرس الليلة..
الجميع متأهب..
أما العريس فيقف بجلبابه الأبيض و عباءته السمراء التي تزيده هيبة طاغية.. مستقبلا ضيوفه ..
و بعد عدة دقائق كان الجمع يزداد و الضيوف من بعض المدن المجاورة و القبائل الأخرى يأتون مهنئين فاصطحبهم قاسم إلى خيمة كبيرة .. واسعة على مساحة من الأرض المتواجدة على أطراف البلدة مجهزة من الداخل بالمجالس العربية المزركشة بنقوش ذهبية مخلوطة باللون الأحمر.. تم نصبها خصيصا لاستقبال الضيوف المُهمين ..
و كان الجمع داخلها غفيرا من كل صوب و حدب ..
و تجمعوا من بلاد مختلفة لتهنئة الشيخ قاسم..
عاد قاسم ثانية إلى ساحة البيت يراقب مهتما بالطاولات الأرضية التي تم نصبها لمأكل الفقراء و المساكين من بلدته.. و بلدتها كما وعدها..
و من بعض القرى المجاورة..و حين انتصف النهار كان قاسم يغادر البلدة متجها بركابه المكون من هودج مزين بالورود و القماش الحريري ..
و عدة عربات دفع رباعي تصحب كبار الضيوف.. و كبار رجال عائلته..
و حين وصل أمام بيت العروس كان الجمع يترجل تحت صوت الطلقات
النارية المدوية عالياً .. و الفرقة الشعبية بطبولها الكبيرة و غناءها الفلكلوري في انتظارهم..
ليكون المشهد ككل أبهج ما يكون..و بعدما ترجل الجميع و بين الزمر و الطبل كان قاسم يتوسط الساحة أمام البيت و جميع الرجال من بلدته و ضيوفه و رجال بلدة تسنيم يقفون مصطفين بدائرة كشهود عيان..
و يقف والد تسنيم مقابلا له بفخر.. و عينين دامعتين..
ممسكا بغصن شجرة أخضر..
في عادة لدى قبائل البدو تسمى ( القصلة )
لم تعد تلك العادة موجودة في الوقت الراهن إلا قليلاً و لكن قاسم حين طلبها من والدها وعد أن يقيم لها حفلا بعاداتهم القديمة ليكون
( فرح تسنيم ) مميزاً كصاحبته..
في تلك العادة يقف والد العروس ممسكا بتلك العصا كوقفة والد تسنيم أمام قاسم يمد له بهذا الغصن قائلا ..
"هذه قصلة ابنتي تسنيم على سنة الله و رسوله،
إثمها و خطيئتها في رقبتك من الجوع و العُري..
و من أي شيء تستطيع نفسها وأنت تقدر عليه "
فيتناول قاسم القصلة مبتسما.. فخورا بحبيبته..
قائلا..
" قبلتها زوجة لي على سنة الله و رسوله "
فتعلو التهليلات و المباركات بزواج ابنة بلدتهم بشيخ بلدة اليماني الذي أشار لرجال من ورائه بتقديم ( الحمولة )
و الحمولة في عادات البدو هي ( النقوط )..
هدايا من العريس و أهله و التي تنوعت بين ذبائح و أموال.. و مصوغات ذهبية.. و ما يقدم من أقارب العريس و ضيوفه يكون دين عليه أن يسدده في ظروف مشابهة..
و تحت التهليلات و الغناء و الطبل و الزمر كان قاسم يقترب من الهودج الواقف بالقرب من السيارات ساحبا له ليقف أمام البيت بتلميح أنه سيدخل البيت لاصطحاب العروس..
و مازالت التهليلات عالية.. و طلقات نارية تعلو في السماء معلنة عن فرحة أصحابها..