الفصل التاسع
حين يريد آدم أمرا يتحول إلى ثعلب..
ثعلب مَكار يظل يحوم حول فريسته بنعومة حتى تقع في فخه..
لا يعلم آدم أن لكل وقوع ثمن
و لكل ثمن ضحاياه..حين رمى برهانه و تحديه في وجهها كان يعلم أن النتيجة لصالحه..
و هذا ما حدث و هو يناظرها باستمتاع..
يراقب وجوم ملامحها..
تتركز عيناه على زمة شفتيها راغبا أن يدللهما بطريقته و يبعد عنهما تلك الزمة المُغيظة لرغبته..
" ها.. ما رأيك ؟"
قالها و هو يقترب بجسده من طاولة يجلسان حولها.. مكتفا ذراعيه و مستندا بهما على سطح الطاولة..
تلمع عيناه بترقب للنتيجة التي ظهرت على هيئة نظرة ساخطة منها ..
متمتمة بحنق..
" حسنا.. لقد كسبت.. "
تنفست بعمق ثم أكملت بتأفف..
" ماذا تريد ؟"
إبتسم
بل زادت ابتسامته اتساعاً..
رجع بظهره للوراء واضعا ساقا فوق أخرى..
و أسند ذقنه بين سبابته و إبهامه.. و هو يطالعها بغموض..
ثم قال منتشيا..
" أولا .. "
و ترك كلمته معلقة قليلا ليثير داخلها الترقب.. ثم تابع آمرا..
" ستأتين بملفاتك الخاصة بالمشروع.. و ستعيدين العمل عليه أمامي.. "
ضيقت ما بين حاجبيها بعدم فهم لتسأله مستفسرة و متشككة في نفس الوقت..
" هل هذا كل ما تريد ؟؟ .. "
ثم أضافت ساخرة.. و كأنها لا تصدق البراءة التي يدعيها بطلبه..
" حقاً !! "
إبتسم ثانيةً ..
و لكن تلك المرة بشقاوة متأصلة فيه..
تخلى عن وضعيته ثم تحرك باتجاه الطاولة كما وضعه السابق..
مستندا بمرفقيه.. غامزا بإحدى عينيه و هو يقول ..
" ستتفاجئين بما أريده حقا "
رفعت أحد حاجبيها تحاول فهم ما يريد إيصاله لها.. و لكنه تحرك فجأة واقفا حتى لا يترك لها فرصة التفكير أو فهم ما يبتغيه..
" هيا.. هاتي أوراقك و حاسوبك و سأنتظرك هنا "
تحركت من مكانها لتذهب لمكتبها تجلب أوراقها و حاسبوها و سرعان ما عادت إليه لتجده قام بتغيير وضعية الكراسي لتكون أقرب..
و جلس هو على كرسيه بوضعية مريحة.. و لكن وجهه ليس للطاولة..
بل مواجه للكرسي المجاور له و الذي من الواضح أنها ستجلس عليه..
و بالفعل وجدته يشير له..
فنظرت له بتشكيك قبل أن تقول مشيرة برأسها لكرسي أبعد.. قليلا تقريبا..
لا هو كثيرا.. و كأنها تدرك أنها بمجرد جلوسها في المكان الذي اختاره ستكون في حيّز خطورته لا محالة..
" لماذا لا أجلس هنا؟ "
اِستند بكوعه على حافة الطاولة بجواره.. و أراح جانب وجهه على راحة يده المرفوعة.. ثم قال بتكاسل..
" حتى أستطيع متابعة تقدير المساحات لكي لا تقعي في نفس الخطأ
مرتين "
الوغد!!..
لن ينسى لها خطأها.. بل و يستغله ضدها..تحركت من مكانها بتأفف واضح لعينيه مما جعل استمتاعه يصل لمرحلة أعلى و خاصة و هو يرى عدم قدرتها على الرد..
إبتسم بشماتة.. تستحق ما يفعله فلكم أفحمته بردودها المستفزة..
يراقب جلوسها برشاقة.. و لم يخف عليه تحريكها للكرسي لتبعده قليلا..
إبتسم ثانية .. و لكنه لم ينطق..
فاللاعب المتميز هو من لا يكشف كل أوراقه دفعةً واحدة..
مد يده لسطح الطاولة ممسكا بعلبة سجائره ثم أخرج واحدة منها و وضعها بين شفتيه.. و عيناه لا تفارقان وجه تلك الحسناء أمامه..
أشعل سيجارته و أخذ يمج منها باستمتاع ليس له مثيل..
أبعد السيجارة عن شفتيه واضعا لها بين إصبعيه.. ثم أسند ذقنه على راحة يده الممسكة بها.. و قال بمغزى لم يصلها..
" ها.. من أين نبدأ؟.. بما أريد؟.. أو بما ستفعلين؟ "
أجابته دون أن تنظر إليه و أصابعها تعمل على لوحة مفاتيح حاسوبها..
" بالتأكيد بما تريد.. فأنت من كسب التحدي "
إلتمعت عيناه متخيلا لو نفذ بالفعل كلامها و بدأ بما يريد..
التخيل كان كفيلاً لإشتعال حيز التنفيذ..
هنا..
في مكتبه..
فهتف بصوت أجش..
" أرى أن نؤجل ما أريده قليلا "
رفعت عينيها له أخيراً.. فتابع مُسلطا نظراته على عينيها..
" فلنبدأ بما ستفعلينه "
إبتسم ثم أخذ يمج من سيجارته بإنفعال لم يخف عن عينيها..
و لكنها لم تعطه بالاً فإلتفتت تتابع عملها بدقة أثارت إعجابه..
ظل يتابعها بعينيه و كأنه سيفترسها..
و كأنه سينقض عليها..
لم يكن بهذا الضعف تجاه إمرأةٍ..
و لا تلك الحاجة المميتة تجاه إمرأةٍ بعينها..
هو لم يعط بالا لأي إمرأةٍ من الأساس..
و في عُرفه المرأة خُلقت للمتعة..
لن ينافق و يقول أنه قديس..
أبدا..
هو ليس قديسا..
هو شيطان خرج من النعيم ليعيث في الأرض فسادا بعد أن طُرد..
و لكن في حالته هو لم يُطرد..
هو اختار البعد..
اِستهواه العبث فأصبح له نهجاً ..
عشق اللامبالاة بعد أن جرّب المبالاة و لم تذقه سوى الألم..
نعم هو شيطان تم تشكيله بواسطة أيادٍ أخرى..
و لكنه أحب دوره..
بل فضله..
نعم هكذا أفضل..
اللامبالاة تطيل عمر الإنسان..
و تجعل قلبه في حالة من السُكر..
أما حقيقة الأمر..
فقد استعذب دور الضحية فتفنن في اِرتداء قناعه..