الفصل_الواحد_والخمسون 🍒الجزء الأخير

1.3K 59 10
                                    

#الفصل_الواحد_والخمسون  🍒الجزء الأخير

وجاء الغد وبصباحه اكتفى برسالة صباحية.. واعدة ومتوعدة من كلمتين فقط..
( موعدنا اليوم )
وترك لها حرية التخيل.. المباح وغير المباح
غدٍ محمل بوعد وعقد..
عقد تم بوسط دار العمايرية بحضور مهيب..  حضور لم تتخيله أبداً.. 
بفستان عرس تم إرساله خصيصاً من أجلها.. 
مغطاة الرأس والوجه بساتر لا تعلم له مسمى إلا أنه تقليد لحفظ العروس من نظرة تخدشها.. 
وهؤلاء الناس حافظوا عليا بكل شكل ممكن.. 
هؤلاء الناس منحوها ما لم تتخيل أنها تحتاجه من الأساس.. 
منحوها ما افتقدته دون إرادة منها.. 
وها هي تقف أمام الشيخ عثمان وجواره يونس.. يونس الذي قطع عينيها كما قلبها بطَلَته.. يرتدي حلة سوداء اللون بربطة عنق كفراشة بنفس لون الحلة وقميص أبيض اللون.. لتكون الهيئة النهائية خاطفة لكل ما فيها.. 
ولحيته المشذبة والتي غطت الطرف السفلي للجرح في وجنته.. 
لحية أكسبته رزانة تعاكس نارية عينيه اللتين تطلعان إليها بوهج لا تخطئه أبداً.. 
من أصبح زوجها.. وقد أصبحت مِلكه.. 
" مبارك يا ابنتي "
قالها الشيخ عثمان الذي كان وكيلاً لها في عقد زواجها على يونس..
والشاهد الأول تمام النويري.. والشاهد الثاني كان الشيخ جاسم العمايري..
وقفت تنظر للشيخ عثمان بعينين رقراقتين من وراء ساتر وجهها الشفاف إلى حد ما.. وصوتها يخرج متحشرجاً بقولها.. 
" شكرا لكَ يا شيخ.. كنت والدًا لي لم أحظ به طوال عمري "
تأثر الشيخ بما قالت وتابع دعمها..
" هذا بيتك دوما يا ابنتي وإن أساء لكِ هذا الولد أخبريني فقط لأرسل رجال قبيلتنا يأتون به ونأخذ منه حقك كما تريدين "
ضحك يونس ثم مال على كتف الشيخ يقبله بوقار وتقدير قائلاً.. 
" بارك الله لنا فيك يا شيخنا "
رفع الشيخ سبابته يحذره دون أن يلتفت له.. 
" لن يخيل عليّ هذا الكلام يا ولد أنا أحذرك "
تعالت ضحكات يونس مرة أخرى مشاكساً الشيخ بطاعة لا يملك سواها.. 
" أمرك يا شيخ.. لا تقلق "
ثم نظر إليها مكملاً كلماته بوعده..
" چود في عيني يا شيخ "
" احم احم "
نحنحة الشيخ صدحت بينهما ليرتبكا للحظات قطعها الشيخ.. 
" لن أوصيك عليها يا يونس.. أعلم أنك ستراعيها يا ولدي "
ثم ختم كلماته ملتفتا ليونس يحثه.. 
" والآن هيا حتى لا تتأخرا "
وغادر ممسكا بيدها وكأنه يخاف أن تهرب.. 
وكأنه لا يصدق نفسه لهذه اللحظة أنها أخيراً أصبحت له.. 
چود أصبحت له بالشرع والقانون.. 
وبالسيارة جلس جوارها لا يترك كفها.. بل شدد عليه أكثر وأكثر..
" أتعلمين؟"
جذب انتباهها دون أن ينظر لها فتهمهم بنعومة.. 
" اممم "
وهمهمتها الناعمة تهيئ له خيالات يحاول جاهداً..  يحاول جاهداً حقاً أن يبعدها عن عقله الآن.. الآن على الأقل.. 
" لولا رغبتك في الاحتفال لهربت بكِ "
وحقاً يريد الهرب بها وفيها.. يريد فعل ما يتوق لفعله منذ زمن.. 
يريد تأكيداً حياً أنها له أخيراً..
.
.
.
وصل لبيت آل النويري.. بيت العائلة الكبير.. 
الجميع يقف بانتظار العروسين اللذين خطا لحديقة البيت المزينة بأجمل ما يكون بانتظار عروسيّ الليلة.. 
وكان أول من قابله هو تمام.. أخوه وسنده..
وقف قبالته في لوحة منحوتة تنطق بكل مشاعر الأخوة.. والجميع حولهما تركوا لهما حرية الوقت والتعبير..
التعبير الذي بدأه يونس.. الأخ الأصغر بمنزلة ابن..
اقترب يحتضنه بذراعين مشتاقتين لأمان يجسده الأخ الأكبر.. بمنزلة أب..
الأكبر الذي بادل الأصغر احتضانه بفخر.. 
فخر الوصول وفخر الحياة.. 
فخر من اجتاز أصعب الاختبارات.. 
همس جوار أذنه بصوت أجش.. 
" مبارك أخي "
يربت يونس على ظهر تمام بتوقير هو أسمى شعور يصل إليه الأخ تجاه أخيه.. 
شعور لم يتخيل أبداً أن يصل إليه يوماً.. 
ابتعد عن مجال ذراعيه ومازالت النظرات بينهما حكاية أخرى لمزيج من قصص ماضي طحن كليهما لتكون النتيجة كما هي واضحة في هذه اللحظة.. 
عاد يمسك بيد حبيبته.. من أصبحت زوجته.. 
يدوران بين الجميع.. الجميع فَرِح..
وچود تستمتع.. الكل حولها يشعرها كونهم أهلها..  أهل لا تربط بينها وبينهم دم ولكن الرابط بينهم كان أعمق من رابطة الدم فكم من رابطة دم عقيمة وهي خير من يدرك ذلك.. 
استلمتها الأيادي بسلام وعناق وكلمات مُرحبة ومباركة.. 
ما بالها تشعر وكأنها أميرة!! 
نعم كل ما حولها يغذي هذا الإحساس..  وأكثر ما يزيده كف يونس التي لا تنركها وكأنها كنزه الثمين.. 
يونس الذي مال على تمام قائلا. 
" هل من الضروري استكمال الحفل؟"
والمغزى لم يفطن له تمام في أول وهلة.. 
" أين ستذهب؟"
ولذلك كان سؤاله منطقيًا.. وغير المنطقي أو المنطقي بشكل وقح كانت إجابة يونس عليه
" أكيد لغرفة نومي.. فأنا عريس إن كنت لا ترى "
جاهد تمام لإخفاء ابتسامته أثناء قوله.. 
" تهذب يا يونس ولا تفضحنا "
تذمرت ملامح العريس بشكل مبالغ فيه وكلماته تخرج حانقة.. 
"تهذب ولا تفضحنا؟!  .. الاثنان بجملة واحدة؟!" 
ثم يميل تجاه أخيه قائلا بعبث لا يغادره.. وكأنه يهدي أخاه الأكبر حكمة عمره..
" تمام يا حبيبي الليلة ليلة عدم التهذيب "
ابتعد تمام عن أخيه حانقاً بشكل مصطنع وغير جدي بينما غير المهذب التفت لعروسه قائلا.. 
" انتظري لحظة "
وقبل أن تستفسر كان يغادر لمشغل الأغاني ومنظم الحفل البسيط بناءً على رغبتها هي.. 
مال تجاه الشاب يهمس له بشيء ما ثم عاد لها بعد أن صدحت نغمات هادئة خاطفة.. 
أخذها بين ذراعيه..  تنظر له بسؤال جاوبه بقرب أصبح مسموح.. 
ولمس أصبح حلال.. 
وهمس امتلك منها القلب كما الروح.. 
" اتركي نفسك لي "
وتركت نفسها لذراعيه.. بل تركت كلها له يحركها على أنغام أغنية عربية لم تسمعها من قبل.. بل كان يهمس بكلماتها في أذنها يعيدها للحظات معينة جمعتها
قول حبيبي إنك معايا وجنب مني
دي الحقيقة ولا حلم وطال شوية؟
وكلماته خرجت بسؤال إجابته تتناغم مع كلماته برد هامس منها لعينيه ولقلبه مسببا زلزالًا يزيد رغبته في خطفها في التو واللحظة.. 
والكلام الحلو ده بتقوله عني
يعني فعلاً دنيتي رضيت عليا
يرفع يدها لأعلى يديرها أمامه كفراشة حطت داخل قلبه دون هوادة.. 
والكلمات تتردد وتعاد بوقع يزيد في أسرها.. 
ثم تعود مرة أخرى لبين ذراعيه.. يحاوطها وكأنه يحميها عن كل ما يحزنها.. يحميها عن كل ماضي مؤلم.. 
وعد مني تعيش معايا سنين معشتش زيهم
أحلامك اللي حلمتهم
اهداها وعده من قبل كما الآن بالضبط وهي على يقين بأنه سيفي بوعده معها.. 
إنسي الحياة والدنيا دي وتعالى نهرب منهم
مبقتش عايز ناس خلاص جالي اللي بيهم كلهم
إن كانت هي تغنيه عن كل الناس فهو أغناها عن كل شيء وكل البشر.. 
هو الأهل والحبيب والزوج والصديق.. 
يا اللي سايب ليا روحك ومآمني
اللي فاتك من الحياة هتعيشه بيا
وفي عيونك ألف حاجة مفرحيني
والحياة بتزيد جمال لو بصوا ليا
تشكر اختياره للأغنية فكلماتها تقول كل تريد قوله.. 
كما تشعرها منه هو الآخر.. 
كلمات أغنية كانت لكليهما بوح دون بوح.. 
تدور بين ذراعيه تحت وقع النغمات والكلمات وهو يدور معها وبها.. 
يهديها نظرة.. فابتسامة.. فغمزة.. 
ولا يعلم ابن النويري ماذا يفعل بها.. 
انسي الحياة والدنيا دي وتعالى نهرب منهم
مبقتش عايز ناس خلاص جالي اللي بيهم كلهم.. 
كان العروسان في دنياهما الخاصة غير واعين لمن حولهما.. 
فكان هناك ثنائيان.. 
أولهما تقف بين ذراعي زوجها.. تستند بظهرها لصدر زوجها الداعم لوقفتها.. يحاوطها بذراعين قويين.. يمتلك منها الجسد والروح والقلب.. 
زوج لو طال لحاوطها يخبئها عن العالم أجمع هارباً بها لجزيرة لا يراها أحد..  وخاصة ذلك اللزج الواقف على الجهة الأخرى والمسمى مجد.. 
نعم لم يتحدث معها..  ونعم لا ينظر لها.. 
ولكن هو يغلي من مجرد خاطر أنها كانت خطيبته يوماً ما..
يغاااار.. بل يحترق غيرة..  
" أنا سعيدة من أجلها "
قالتها دون أن تلتفت له ليشدد من أسر ذراعيه حولها بينما رأسه يميل تجاه أذنها هامساً..  متناسياً ناره ومُجنباً غيرته بعيداً قليلاً.. متنعماً بها بين ذراعيه.. 
" وأنا سعيد هكذا "
ابتسامة ناعمة شقت شفتيها لتلفت له بين ذراعيه وعيناها تحكيان العديد والعديد من الاعترافات المولعة به.. 
ونظرة لعينيه جعلتها تخاطر نفسها هل تعترف بأهم اعتراف في حياتها أم تنتظر حتى يعودا لبيتهما؟.. 
" لماذا تنظر لي بهذا الشكل؟"
سألته بعد أن لاحظت نظراته لها فأهداها ابتسامة عاشقة ثم إجابته التي دوما تشغل تفكيره.. 
" أوقات كثيرة أسأل نفسي هل وجودك معي حقيقة أم محض خيال "
يداها مفرودتان فوق صدره..  تلاعب حافتي سترته الكلاسيكية بشكل خاطف لأنفاسها.. 
" تستطيع التأكد حين نعود لبيتنا "
اقترب منها بوجهه وعيناه لا تغادران شفتيها.. 
" التأكد هذا شيء ممتع "
ضربته بخفة فوق صدره ثم التفتت عنه تعطيه ظهرها كوضعها الأول مع قولها الحانق.. 
" وقح "
ضحك بجوار أذنها قائلا.. 
" والوقاحة أيضاً شيء ممتع "
لن تجيبه لأنها ببساطة لن تستطيع الإنكار فوقاحته تخطفها..  بل تأسرها.. 
يجعلها تشعر دوماً كم هي أميرة.. أميرة حكايته الخاصة.. 
" ما رأيك لو رقصنا؟"
سألها بخفوت لتتسع عيناها بذهول.. 
" بالتأكيد لا.. لا أستطيع "
تزداد ابتسامته تلاعباً  فيجذبها بيده تجاه مشغل الموسيقى يوقفها على بُعد خطوتين ثم يتجه للمسؤول عن ترتيب الأغاني يميل عليه يقول شيئًا فينظر له الشاب مذهولاً من طلبه ثم يرفع كفيه بعلامة (أمري لله).. 
ابتعد شاهر عن الشاب متجهاً إليها ومع بداية اللحن الموسيقى صدح صوت يونس معترضا.. 
" أنت.. ماذا تفعل؟"
أهداه شاهر نظرة غير مبالية فتابع يونس متذمراً.. 
" هل أتيت لتحقيق أحلامك في عرسي؟"
ولم ينظر له شاهر أيضا فتابع يونس متأففاً. 
" هذا عُرسي يا أخ.. "
ولم يجد إلا تلويحة بكف شاهر رداً على ما هذى به.. 
فالتفت يونس يبرطم بكلام غير مفهوم بينما شاهر تابع غرقه فيه وكلمات الأغنية تجسيداً لعينيها اللتين لطالما أسرتاه..
عجباً لغزالٍ قتالٍ عجبَ
كم بالأفكار و بقلوبٍ لعبَ
يا لا.. يا لالي لي
يدور بها فتدور.. تترك نفسها له وكلمات الأغنية تمسها فكم دللها بـ(غزال) حباً منه في عينيها.. 

قلب بين شقيّ رحى ج٣ من سلسلة والعمر يحكي بقلمي راندا عادل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن