الفصل الخامس والأربعون

1.2K 55 3
                                    


الفصل الخامس والأربعون

كل الشكر والتقدير لتيم اللجنة الطبية بجروب روائع 
... 

الأخ.. 
قالوا أنه السند.. وقالوا أنه الأب الثاني.. 
قالوا هو الضلع الثابت الذي لا يميل .. 
وقالوا هو روح أمي وحنان أبي.. 
وقالوا هو هدية الخالق ليشدد أزري.. 
قالوا وقالوا وقالوا.. 
دعوني أخبركم هذه المرة أن أخي هو وجودي.. 
نصف روحي بجسد آخر.. 
فاللهم أخي ونصف روحي وكامل وجودي.. 

****

شهر؟!.. بل شهر وأربعة أيام  ووست عشر ساعة مروا وهو على حاله يقف أمام غرفة ساكنة كسكون أخيه داخل جدرانها.. 
عاد للوطن ناقلاً أخيه بطائرة خاصة مع طاقم طبي يتابع حالته أثناء رحلة العودة  .. 
شهر مر منذ توقف أمام غرفة أخيه خارج البلاد يتلقى خبراً كصاعقة هزته..  بل كسرته وأحيته.. 
ولكنه لم يمتلك رفاهية التعبير عما سمعه.. 
أخاه في كفة وعشقه والبحث عنه في كفة أخرى.. 
وبالطبع ترجح كفة أخيه..  بل لا كفة مقابل كفة أخيه من الأساس.. 
لن ينعم ولن يبحث عن ما يداوي به جراحه وجراح أخيه مازالت لم تلتئم.. 
أخاه لم يفق من غيبوبته ولكن مؤشراته استقرت بعد أسبوعين من تلقيه هذا الخبر الصادم ليقرر بعدها نقل تمام للوطن بعد تصريح الأطباء باستقرار حالته ومؤشراته..  وقد كان.. 
وها هو يقف أمام غرفة أخرى تحتوي جسد أخيه وقد مر على وجوده بها أسبوعين.. أسبوعان بعد تصريح الأطباء باحتمالية سفره.. ولم يتأخر..
فخلال ساعات كانت جميع الإجراءات منتهية ليعود به لهنا..
وسط أهله.. داخل حدود وطن اغترب عنه بإرادته ليعود له أيضاً بإرادته ولكن بجوار جسد أخيه داخل صندوق معدني طائر.. 
انتفض من وقفته حين خرج الطبيب.. 
" ما الوضع يا دكتور "
سأله يونس سابقاً الجميع من حوله من أم وأخت وابن عم وحتى زوجة أخيه التي لا تنفك تناظره بكره..  وتعامل الجميع معاملة حادة ولها كل الحق.. 
تعتزل الجميع ولا تتحدث مع أحد.. 
يتذكر ثورتها حين عاد بتمام بحالته تلك وعلمت هي ما أخفاه عنها.. 
وقتها لم تتراجع بالتصريح بكرهها له في وجهه.. 
واتهمت الجميع بالتواطئ معه.. 
حاتم ورقية وحتى والدته.. 
الجميع لم يسلم من اتهاماتها.. 
وتحارب الجميع لوجودها جوار تمام ولكن يونس كان حازماً في هذا الأمر.. 
يتذكر حين عاد وتجمع الجميع بالمشفى لتقف هي تواجهه قائلة.. 
" سأظل جوار زوجي "
ولكنه واجهها بأمره قاطعاً.. 
" لن يظل بجوار أخي سواي "
فتجابهه هي بعدائية.. 
" أنا أحق بالبقاء جواره ويكفي ما حدث للآن بسببك  "
كلماتها سياط ولكنه تغافل معترفاً بأحقيتها بالحرب وبالبقاء.. 
ولكن ما لا تعرفه هي أنه الأحق.. الأحق بالبقاء والحرب من أجل أخيه.. 
ثم حديثه لحاتم بأمر غير قابل للنقاش.. 
" عد بالجميع للبيت وارسل لي بعض من ملابسي من الملحق "
وغادر الجميع ليكون قراره واستقراره بنفس غرفة أخيه.. 
فراش داخل الغرفة ينام عليه ليلاً وكرسي جواره وأمامه طاولة بيضاء صغيرة يستند عليها حين يقوم ببعض أعمال شركته التي تركها في عهدة موظفيه ويتابعها من مكانه جوار تمام.. من الوطن..
" نفس الوضع الذي عُدتم به سيد يونس لا جديد ونفس الحديث الذي أكرره لكَ منذ أسبوعين "
يرى الطبيب اشتعال ملامح يونس للحظات فيتابع موضحاً الحالة.. 
" هناك ضغط كبير على المخ ولذلك كان أول الاجراءات الاحتياطية هي الغيبوبة الاصطناعية حفاظاً على حالة الدماغ "
والصمت من يونس كان خير دليلاً على انتظاره للتكملة.. 
" سيد يونس أخبرتك قبلا أننا نلجأ للغيبوبة الاصطناعية في حالات معينة بعد فشل كل المحاولات للتقليل من تورم الدماغ بعد إصاباته الرضية والناتج عنها تقليل وصول الدم والأكسجين إلى الدماغ وبالتالي تلف الأنسجة "
أغمض يونس عينيه للحظات شاعراً بعظم ما يقال حقاً ولكنه لا يريد سماع كل هذه التفاصيل.. 
" ومتى ينتهي كل هذا "
هذا هو المهم والأهم..  متى ينتهي كل هذا ليعود أخاه كما كان شعلة حياتهم جميعا دون استثناء.. 
" عند ملاحظة تقليل معدل الأيض والنشاط الكهربائي للدماغ وبالتالي تقليل تورم الدماغ وحمايته من التلف "
زفر يونس بكره لهذا الطبيب وتعقيده للأمر ولاحظ الطبيب هذا جيدا فتنحنح محرجاً.. 
" سيد يونس كل ما قلته هو التفسير العلمي لما نفعله مع حالة السيد تمام فلا تشغل بالك وتأكد أننا نفعل ما بوسعنا "
والطبيب يريد الهرب من أمام بركان الغضب الماثل قبالته وجرح وجهه الذي أعطاه هيئة إجرامية تعاكس وسامته.. 
" وما الوقت المتوقع لحدوث نتيجة لما تقول "
سأله يونس بنزق واضح وفراغ صبر يتحكم به بصعوبة..
" لا يمكن الجزم بمدة معينة فالأمر متروك لمدى استجابة الدماغ "
" ماذا تعني "
يلوح الطبيب بكفيه باستسلام وكأنه يهادن من أمامه.. 
" أعني أن ليس هناك ما نستطيع فعله أكثر من هذا  " 
ليقترب يونس منه مباغتاً.. مهاجماً.. فاقداً صبره الذي كان يتحكم به تحت ضغط هائل من نفسه
" وما عملك أنت هاه.. 
ما عملك أخبرني.. ألست طبيباً .. ألم تدرس الطب أم درست قول ليس هناك ما نستطيع فعله "
يقف حاتم بينه وبين الطبيب حائلا.. 
" إهدأ يونس وماذا سيفعل الطبيب غير ما يفعله "
حينها فقد يونس جميع زمام سيطرته على غضبه ليدفع حاتم بعيداً عنه بقوة ليرتطم جسده بالطبيب من خلفه ويرتطما سوياً بالجدار والهائج أمامهما يتابع فاقداً روحه.. 
" لا أحد يخبرني أهدأ.. لا أحد يطالبني بالهدوء طالما لا أحد مكاني "
يعود له حاتم بعد أن اعتدل يهادنه بالقول يريد إبعاده عن هنا.. 
" يونس ما رأيك أن تذهب للبيت "
ينظر له يونس بجنون حملته نظراته.. 
" لن أذهب لأي مكان "
ثم يؤكد مشيراً بسبابته بإتجاه الأرض بإشارة للمكان..
" أنا لن أغادر من هنا حتى يحدث بحالته جديد "
لن يبرح المشفى حتى وإن قضى ما تبقى من حياته فيها.. جواره.. 
" ماذا ستفعل.. ماذا ستقدم له "
يسأله حاتم محكماً العقل ثم يتابع مناوراً.. 
" حسنا.. سأظل أنا فتستطيع الذهاب لأي مكان علك تهدأ "
والعنف هذه المرة مُسطراً بضراوة كضراوة ناره المشتعلة داخله لا تهدأ.. 
" قلت لن أتحرك من هنا "
ثم يضيف وصوته يخفت واعداً.. أو متوعداً لا يعلم..
" أنا سأظل جوار أخي "
ثم خطى متحركاً تجاه الغرفة الموجود بها تمام ساكناً لا يدري بما يحدث خارجها.. 

قلب بين شقيّ رحى ج٣ من سلسلة والعمر يحكي بقلمي راندا عادل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن