الفصل السابع 🍒🎶

1.7K 70 20
                                    

الفصل السابع

بعد عدة أيام

يجلس كل من شاهر و يونس على طاولة الإجتماعات في شركة سياحية دولية، ينتظران وصول مديرها الذي سيعقد اجتماعه بهما بعد أن يطَّلعا على ملف المشروع..
" و لماذا لم يحضر حتى الآن؟؟ "
قالها يونس متأففا.. فأجابه شاهر دون أن ينظر إليه..
" الرجل لديه اجتماع آخر و قد طال قليلا.. و مع ذلك أرسل السكرتيرة لتبلغنا اعتذاره فلم تُخرب الدنيا !!"
ثم أضاف مُتهكما بعد أن رفع رأسه إليه..
" أم يُهيئ لي أنكَ تخاف على العمل و وقته "
إبتسم يونس إبتسامة صفراء لم تصل لعينيه.. و أعاد نظره للأوراق مرة أخرى قائلا بتمتمة خفيضة..
" و كأن لا أحد غيره يعمل..
لا أعلم لمَ أتحملك من الأساس..
يا إلهي إنسان مغيظ ..
سمج.. بارد.. "
" هل تقول شيئاً؟ "
سأله شاهر فأجابه يونس متصنعا الإبتسامة..
" أبدا يا حبيبي.. فقط أمدحك و أمدح روحك "
أعاد شاهر عينيه للورق متمتما..
" اااه.. "
ثم رفع رأسه مرة أخرى ليونس و كأنه تذكر شيئاً.. 
" اسمع..  الرجل يهتم كثيراً بعمله..  و لو أعجبه عمل أحد لا يبدله بل يستمر في العمل معه مهما طال الزمن..  "
ثم أضاف محذرا.. 
" لا يُحب الأخطاء..  و لا التجاوزات..  "
رفع قلمه في وجه يونس ثم قال محذرا.. 
" العمل معه سيكون بإسم مكتبك.. بمعنى أن عبء التنفيذ كله سيكون على عاتقك "
لن يُنكر أن قليلا من الخوف قد انتابه و لاحظه شاهر فقال داعما..
" الخوف من الفشل من أساسيات النجاح في أي شيء.. و لذلك نعم عليك أن تخاف.. "
ثم قال بصلافة..
"وساطتي و دعمي لك أمام الرجل لا يعني أنني سأمتنع من الزج بك في السجن لو حدث أي خطأ "
و قد نال شاهر ما قصد من كلامه حين لمح الخوف ينمحي عن ملامح يونس فقد قال الأخير باستياء مصطنع..
" أعوذ بالله.. ألا تتمم جملة داعمة لآخرها.. لابد أن تضع عليها بصمتك المقيتة "
فابتسم شاهر ببساطة ثم قال محركا كفيه..
" مقيتة مقيتة.. الأهم أن تأتي بثمارها "
انشرح صدر يونس و تشجع للعمل.. فرغم قصر المدة التي تعرف فيها على شاهر فقد أصبح أقرب إليه.. يرتاح لوجوده و دعمه..
و كأنه.. و كأنه..
يعوضه عن شخص ما!!..
نفض رأسه ليبعد أي شيء آخر يُشتت  تفكيره عما يخوضه الآن..
عاد متطلعا لشاهر.. الذي و رغم فارق العمر إلا أنه يشعره شابا في مقتبل عمره لشغفه بعمله..
و لكنه لا يتحدث كثيرا فيما يتعلق بحياته الشخصية ..
و يونس لم يضغط عليه في ذلك حين لاحظ تكتمه على حياته..
و رغم تكتمه هذا فهو متأكد أن هناك أمراً يخفيه..
و هذا الأمر أصاب روح شاهر في صميمها..
إبتسم هاتفا بمرح ليبدد هذا الجو المشحون..
" حسنا يا حكيم لا تقلق "
نظر له شاهر بعد أن رفع رأسه عن الأوراق التي بين يديه.. و تحدث رافعا أحد حاجبيه..
" حكيم!!.. "
ثم أضاف مضيقا عينيه..
" ما قصتك مع هذا اللقب؟.. أسمعك تناديني به منذ يومين "
يبتسم يونس بشقاوة ثم يقول..
" ماذا أفعل و أنت تفاجئني بمميزاتك التي لا تُحصى؟ "
ثم يختم كلماته بتحريك حاجبيه بشقاوة.. ليهز شاهر رأسه بيأس من تصرفات هذا الفتى..
" أعتذر عن التأخير.. "
جملة بالإنجليزية قطعت تفكيره.. فيرفع رأسه للمتحدث و لكن سرعان ما علا الاستهجان ملامحه.. فمن أمامه لا يمت لمكانة المدير بأي صلة..
فالواقف يقارب الستين عاما.. بشعر أبيض و ملامح بيضاء مشربة بالحمرة.. كل هذا عادي..
و لكن الشيء الغير عادي... ليس عاديا أبدا هو ملابسه..
فالواقف يرتدي قميصا برسومات أوراق شجر.. و سروالا قصيرا بلون أبيض يصل لركبتيه ..
عاد يونس بنظراته ليد الرجل التي تحمل سيجارة..
إبتسم متهكما فالحمد لله هناك شيء طبيعي وجده في الرجل..
قطع استرسال أفكاره كلام الرجل بالإنجليزية بعد أن لاحظ نظرات يونس.. فقال و هو يجلس على كرسيه في مقدمة طاولة الإجتماعات..
" لا يغرنك المظهر "
اِرتبك يونس قليلا و سرعان ما عاد له مزاجه المرح..
" صراحة أحسدك.. لو كنت مكانك لمشيت بملابسي الداخلية فقط "
ضحك الرجل ثم قال..
" و لا لزوم لها إذا تواجدت فاتنات في المحيط "
ضحك عاليا مقسما داخله أنه أحب هذا الرجل..
و شاهر بينهما يقلب نظراته بين كليهما.. يكاد يضرب رأسيهما ببعضهما البعض عله يرتاح..
أراح جبينه على كف يده مستغفرا ربه على ما ابتلاه به..
ثم رفع رأسه بحدة هاتفا..
" أتمنى أن تكون حلقة النصائح تلك انتهت و نبدأ بعملنا "
ثم تساءل من بين أسنانه ..
" ما رأيك أندرو؟ "
نظر أندرو باتجاه شاهر و كأنه لاحظ وجوده للتو..
فتنحنح معتذرا له...
" أعتذر شاهر و لكني أحببت صديقك يا رجل "
لوى شاهر شفتيه.. و هو يراقب لمحة الغرور على وجه يونس الذي عدل ياقة قميصه متظاهرا..
اِلتفت شاهر للرجل و قال ساخرا ..
" هو يستحق الحب فعلا "
رفع يونس حاجبه و هو يلمح السخرية في نبرات صديقه و لكنه لم يتضايق بل لم يعطه بالا..
بينما تابع شاهر..
" و الآن.. هل نبدأ عملنا؟ "
وضع أندرو كفيه على الملف أمامه قائلا..
" بالتأكيد سنبدأ.. و لكننا ننتظر فردا آخرا لم يصل بعد "
قطب شاهر ما بين حاجبيه ثم تساءل مستفسرا..
" فرد آخر!! .. من؟ "
ينظر ليونس بعدم فهم.. ثم يعود بنظراته للرجل الذي كان على وشك الكلام لولا رنين الهاتف الداخلي للمكتب الذي صدح حولهم..
رفع أندرو سماعة الهاتف .. و بعد لحظات قال بإنجليزية..
" حسنا.. دعيها تدخل "
تبادل يونس و شاهر نظرات متعجبة مما يقال..
ثم التفتا بأنظارهما تجاه الباب حيث فتحته السكرتيرة و سرعان ما ظهرت من ورائها هيئة أنثوية بحلة عملية باللون الأسود..
سترة و بنطال من نفس اللون ..
تخفي السترة قميصا زهريا بفتحة صدر مثلثة تجعل العين تجحظ لما تمنح من رؤية أوسع و أشمل..
و لكن بالصعود للملامح.. فتتسع الأعين بذهول و غير تصديق..
تبادل شاهر مع يونس النظرات الغير مُصدقة و لكن سرعان ما تحولت نظرات الأخير إلى عبث واضح و صريح لعينيها اللتين تناظرانه ببرود ظاهري و داخلها يتلبسها الذهول من تلك الصدفة العجيبة..
للمرة الثالثة؟! .. 
أخرجهم من صمتهم صوت أندرو و هو يقول.. 
" أقدم لكما .. الآنسة چود..
مهندسة ديكور ستكون شريكتكما في تنفيذ المشروع.. "
رحب بها شاهر بكلمات رسمية..  و لكن الآخر سكت.. 
و صمته تحول لمفرقعات مدوية حين أشار أندرو للكرسي المجاور ليونس مخبرا إياها.. 
"هيا چود..  إجلسي لنبدأ العمل "
تحركت بلامبالاة لتلك الورطة.. و لم تظهر أي تأثير غير البرود.. و الذي تحول لحنق حين همس عديم الحياء الذي يجاورها بصوت لا يسمعه سواها..
" أرى أن فُرصي للمعاينة سَتكثُر في الأيام القادمة "
زجرته بعينيها فابتعد مبتسما.. مستلذا..
مسالما..
مستسلما لحضورها الذي يثير فيه الكثير.. الكثير جدااا..
غافلا عن التي بجواره و تكاد تحرقه حياً انتقاماً من تلك الصدفة العجيبة..
" و الآن لنبدأ "
قالها أندرو منتشلا إياها من غليانها لتنتبه لباقي حديثه الذي كان تمهيدا لأكبر مصائبها..
" مكتب يونس هو من سيكون المنفذ للمشروع يا چود.. و لذلك سيتوجب عليك الإتفاق معهما.. و عليكِ تحديد كيف ستباشرين العمل "
همت لتنطق و لكن يونس سبقها ليهدم جميع أحلامها بالخلاص منه..
" بالتأكيد ستباشر من نفس المكتب.. "
ثم أوضح ببراءة مزيفة..
" تنتقل لمكتبي.. احم.. لمكتبنا و وقتها ستكون فرصة عظيمة لمعاينة كل الأفكار "
قال كلماته بمغزى وقح وصلها تماما..
أغمضت عينيها مستعيدة رباطة جأشها فهي بالتأكيد كفيلة به و بوقاحته...

قلب بين شقيّ رحى ج٣ من سلسلة والعمر يحكي بقلمي راندا عادل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن