الفصل الثالث والأربعون

1.3K 65 11
                                    

الفصل الثالث والاربعون

بين مطرقة وسندان
تعبير مجازي قدر قوة نطقه قدر شدة وقوعه..
والمعنى ليس بخفي فهناك من الأمور ما تجعل الانسان يقع بين المطرقة والسندان..
أمور سيكون عليه الاختيار بين أمرين كليهما شر..
والشر هنا مدلوله يختلف من شخص لآخر..
فقد يكون شر جالب لخير
وقد يكون شر بذاته شر..
الموجع أن يكون الأمران كليهما يفطر القلب ليقع الشخص وقلبه..
( بين شقيّ رحى )

****

الجميع حوله
والده.. قاسم.. حاتم.. زوجته تقف جواره تتشبث بيده وكأنها تخاف أن يهرب.. وإلى أين الهرب وملجأه منها وإليها..
شدد أصابعه حول كفها الممسك بكفه ثم رفع عيناه ببطء مرهق ينظر لعينيها فتهديه لمعة يعلم سببها جيداً .. سبب لا يعرفه غير للآن..
" حمدا لله على سلامتك يا ولدي "
قالها الشيخ عثمان بثبات ظاهري ولكن ولده.. فلذة كبده قرأ الارتعاش بين حروف ليناظر والده ببسمة تخصه فقط..
" سلمك الله يا أبي ودامك لي عِزاً "
تحشرجت أنفاس الشيخ داخل صدره ليخفض عيناه يداري لمعتهما بتأثر يتحكم به وشيطان تفكيره في هذه اللحظة لا يرحمه فارضاً أبشع الفرضيات تجاه ولده..
" جاسم.. هناك ضابط بالخارج يرغب بالتحقيق فيما حدث معك "
كان هذا صوت حاتم الذي أخرج الجميع من فورة مشاعرهم لينتبه له جاسم مُضيقا عيناه بتفكير لقليل من الوقت ثم أخبره..
" حسنا حاتم.. فلتدخله "
ودخل الضابط تبعه خروج الجميع ليتابع الضابط تحقيقه بأسئلة جاوبها جاسم جميعها راوياً كل ما حدث من مكالمة هاتفية تبعها تحرك تمام لرؤية من هاتفه ولم يعلم أنه فخ ليكون في استقباله عددا من الرجال حاوطوه في لحظة ليدخلوه سيارة وحينها لم يستطع جاسم السكون فأطلق عليهم نيرانه لتصيب أحدهم فتبعه آخر يصيب جاسم ليقع متأوهاً سرعان ما فقد وعيه لخطورة إصابته كما علم من الأطباء..
" لدينا أنباء عن خطف السيد تمام والجهات الأمنية تتابع الموضوع باهتمام شديد "
هز جاسم رأسه قائلا..
" شكرا لك حضرة الضابط.. أتمنى أن تجدوه قبل أن يحدث شيء "
استقام الضابط من مكانه معتدلا يتبعه مساعده والذي قام بكتابة جميع أقوال جاسم..
" لا تقلق يا شيخ جاسم.. سنفعل أقصى ما في وسعنا "
انتهى اللقاء وغادر الضبط يتبعه دخول الشيخ عثمان يناظر ولده بفرحة وحمده لا يغادر لسانه العامر بذكر الله.. تبعته دلال بلهفة تسطرها ملامحها..
" أنت بخير "
اقتربت تميل بجذعها تطمئن على وضعه.. وسؤالها جعل شفتيه ترسمان ابتسامة مرتاحة يهدي سؤالها اطمئنان ولا أروع.. وهمس لا يسمعه سواها..
" أنا بخير يا أم عيالي "
ترقرقت دمعتين بحياء ناعم.. مطمئن.. تنظر له ويبادلها نظراتها بأخرى عاشقة.. مشتاقة..
" جاسم "
نداء والده جعله يتنحنح ملتفتا لوالده الواقف بتحفز.. بتوتر جعله يضيق ما بين حاجبيه بتساؤل متوجس..
" ماذا هناك أبي "
تبادل الشيخ النظرات مع زوجة ابنه ثم يعود بنظراته لولده قائلا.
" هناك من يرغب الاطمئنان عليك يا ولدي "
والنبرة متوجسة جعلت الآخر يترقب الداخل لغرفته ولم يطل ترقبه..
إذ تفاجئ بدخول جابر ممسكا بكف زوجته التي تبعته بخطوة واحدة ترسم البشاشة كعادتها ورغم ذلك لم تخل ملامحها من التحفز الذي حفر خلايا جاسم خلية خلية ودون وعد منطوق بالحماية وجد نفسه يتمسك بكف زوجته القريب يشدد عليه وكأنه يتأهب للدفاع عنها في أي لحظة وفي أي وضع..
شعر بربتة من كفها الآخر فوق كفه الممسكة بيدها وكأنها تطلب منه استرخائه.. ناظرها باستفهام ليرى الراحة.. والهدوء ساكني عينيها..
" حمدا لله على سلامتك يا ابن عمي "
ناظره جاسم دون رد وقرأ جابر تحفزه جيدا بسبب بوجوده في حضرة زوجته.. ولكنه لم يهتم فوجوده هنا مهمة قام بتأديتها وسيغادر سامحا لتحفز الآخر بالانقشاع..
" أردنا الاطمئنان عليك قبل أن نغادر "
و (نا) في حديثه جعل جاسم ينزل بعينيه للواقفة جواره وكأنها كانت في انتظار حديث المجاور لها لتكمل كلامه بتتمة خافتة..
" حمدا لله على سلامتك شيخ جاسم "
سكن للحظات يقلب نظراته بينهما وبين كفيهما المتشابكان وكأن جابر يرسل له رسالة خفية بعودة حياته لأحسن مما كانت..
أنه لم يعد هناك خوفا منه كما يقرأ داخل عينيه..
أنه وجد سكنه في إمرأة هي على اسمه منذ زمن ولا يريد سواها سكناً..
طال صمته ثم رفع نظراته لوجه الواقف قريبا من فراشه الطبي يراقب توتره نتيجة صمته مفسراً إياه بشكل أحزنه ولكن ابن عمه معه كل الحق..
مال على رأس عمه يقبله بتوقير.. وامتنان لهذا الرجل السند وإن كان لا يراه كثيراً أو ليس بجواره ولكن يكفي وجوده بالدنيا..
" سنذهب نحن يا عمي "
رفع الشيخ عثمان نظراته لابن أخيه يربت فوق كتفه متفهما لصمت ابنه كما تفهم رغبة ابن أخيه في المغادرة..
" لا تغب عني يا ولدي.. فلتأتي أنت وفداء والصغير لأراكم كل فترة "
يعيد جابر تقبيل رأس عمه ونبرته تخرج مبتسمة بطاعة..
" تؤمرني يا عمي "
يتحرك تجاه باب الغرفة ومازال ممسكا بيد سَكنه تصاحبهما دعوة عمه..
" لا يأمر عليك ظالماً يا ولدي "
وغادر جابر تحت أعين عمه الذي اقترب من فراش ابنه قائلا وموضحا الصورة..
" جابر تبرع لك بدمه بني.. ومنع زوجتك من التبرع حتى لا تضر بنفسها ولا بجنينها "
اتسعت عيناه بذهول ولم يمهله والده الفرصة لتساؤل إذ تابع مفسرا ما فهمه ولده..
" فبما فعل أنقذك أنت وولدك يا ولدي "
ثم غادر تاركا ولده يتخبط بين شعورين كليهما قاسي..
فجابر لم ينقذه فقط.. جابر أنقذه وأنقذ طفليه وليس طفل واحد..

قلب بين شقيّ رحى ج٣ من سلسلة والعمر يحكي بقلمي راندا عادل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن