الفصل الأربعون 🎶🍒

1.4K 68 29
                                    

الفصل الأربعون

يُقال في الشِدة أنها تمتحن معادن الناس والمحبين. 
وفي الشِدة صنفان.. 
صابر مُثاب، وساخط مُلام.. 
وهذا هو الاختبار الحقيقي .. 
فالشدة سنة حياتية حتمية.. فمن كان طيب الأصل لن يتغير بل سيظهر معدنه الحقيقي في تلك اللحظات حتى وإن تم مواراته قليلا.. 
فقط عليه أن يكون موجودا في الوقت الملائم.. 

****

" هاااي "
كانت بصوت بيتر الذي كان جالسا أمامها على كرسي حديدي بوضع معكوس يراقب بداية إفاقتها بشي من ترصد.. 
" مممم "
همهمت بها من تحت الغطاء الذي يكمم فمها..  يراقب اتساع عينيها بتدارك لمكانها..  بصحبته هو.. 
" مممم "
يبتسم بعبث يميل برأسه جانبا وعينيه تلمعان بمغزى لم يصلها.. 
" أتعلمين أن وضعك هذا يهيئ لي أشياء ممتعة لا تخطر على بالك "
ناظرته بعدم فهم فضحك مقهقها ثم استقام عن جلسته يخطو تجاهها جالسا القرفصاء أمامها وعينيها تتابعان ملامحه مسببا لها ذعر لم تتخيله يوما.. 
" سأزيل الكمامة عن فمك ولن تقومي بشيء يجعلني أعيدها ثانية "
قالها محذراً.. فأومأت برأسها بطاعة وخاصة وهي تلمح سلاح ناري موضوع على طاولة بجانب الكرسي الذي كان جالساً عليه.. 
أزال ما يغطي فمها فتأوهت بخفوت لينظر لها بثبات دون أن يحيد بنظراته ولو لحظة.. 
" أين.. أنا "
همستها بأنفاس متقطعة..  ملامح شاحبة..  رعب يتشعب بأوصالها.. 
" أنتِ هنا معي "
أقرها وأصابعه تعيد هندمة شعرها المبعثر حول وجهها مضيفاً بتلميح مقصود .. 
" بقبو يجمعنا.. ومن يعلم ماذا سيحدث فيه "
ناظرته ولم تتخل عن اتساع عينيها ولا نظراتها الذاهلة.. ملامحها التي تكاد تحاكي الموتى بشحوبها.. 
" ماذا.. تقصد "
ناظرها بتدقيق للحظات.. لحظات من الصمت من جهتيهما..
لم يجبها.. بل استقام واقفا يتحرك لتلك الطاولة القابعة بوسط الغرفة جوار كرسيه ممسكا بحقيبة يدها.. فتحها.. أخرج الورق منها..  تتابعه بعينيها غير مدركة لمغزى ما يفعل.. 
" تذكرة سفر "
لوح بالتذكرة مضيفا بخبث استشعرته جيداً.. 
" امم إلى أين يا ترى "
وطريقة إلقائه لسؤاله جعلتها تدرك أن هناك خطأً ما..  خطأ في منتهى الخطورة.. 
" شهر عسل ممكن "
ونظرته كفيلة ببث الرعب فيها بينما تابع متسائلا بلؤم.. 
" ولكن لمَ جهة التذاكر الخاصة بكِ تختلف عن جهة سفر العريس "
ثم يضيف يميل برأسه.. 
" أليس هو العريس بالفعل "
" كيف.. علمت "
همستها بتقطع..  بأنفاس تخرج وتكاد لا تعود لصدرها مرة أخرى.. 
ضحك بشيطنة ذكرتها بشرير كل حكاية مرت بحياتها.. 
" هل تخيلتِ أن معلومة بسيطة كهذه لن أستطيع معرفتها "
ختم سؤاله بوقفته أمامها بعد أن تحرك باتجاهها وما زالت التذكرة بين أصابعه.. ثم يضيف شارحا.. 
" زوجك سافر إلى جهة.. وأنتِ حجزتِ تذكرة إلى جهة أخرى..
هل تعلمين ما أُثير بنفسي بعد هاتين المعلومتين "
ونظرة عينيها تساؤل كفيل بمتابعة حديثه.. 
" شككت في زواجك من الأصل " 
لوى شفتيه مدعيا براءة لا تمت له بصلة.. 
" فأقوم باتصالاتي العظيمة ليصلني المعلومة الأعظم أن الجميلة الحسناء لم تتزوج من الأساس "
ورعب ملامحها أدرك صدق ما وصل إليه ليقترب بغتة منها فتنتفض في جلستها.. 
" هل يعلم والدك بتلك المعلومة "
اغرورقت عيناها بدموع تحاول جاهدة الحفاظ على عدم إهدارهم.. 
" بيتر "
همستها بضعف ليقترب منها بوجهه..  اقتراب خطر..  متخطياً كل المساحات التي وضعتها يوماً.. 
" لا يعلم.. أليس كذلك "
همسها أمام شفتيها لتبتعد بوجهها بإشارة تخبره مدى استيائها من قربه هذا..
فيبتعد معتدلا بوقفته قائلا مدعيا التفكير والتساؤل.. 
" ما.. رأيك.. أن.. نخبره؟!  "
" بيتر "
تناديه بضعف يثير كل رغباته المجنونة دون أن تعلم.. 
" ماذااا "
قالها بشكل ممطوط.. لئيم.. مبتسم بخبث.. سرعان ما تحول كل هذا لجدية موازية لنطقه.. 
" لماذا فعلتِ هذه المسرحية "
يشير برأسه بلا معنى متابعا.. 
" ماذا فعل معكِ لتنتقمي منه بهذا الشكل "
وضعف ملامحها جعله يزيد باقترابه .. 
" رأى الصورة أليس كذلك "
لم يكن يسأل بل كان يُقر واقعا خطط له جيدا.. يضيف غامزا لها.. 
" صورتنا أنا وأنتِ " 
دار حولها.. يده تمتد لرأسها..  شعرها.. يلملمه بنعومة مقصودة.. يجمعه على كتف واحد لتظهر له رقبتها.. ينحني مقبلا جانب رقبتها متابعا حديثه بخفوت..  مثيرا في نفسها الاشمئزاز.. 
" هل.. تعلمي.. أنه.. رآنا.. سوياً "
وبين كل همسة وأخرى يقبل ما ظهر من رقبتها وكتفها غير عابئا بتململها.. ولا احساسها بالاشمئزاز والذي وصله جيدا دون مواراة.. 
وحين أنهى همساته توقف تململها للحظات.. ثم ناظرته بتساؤل..
ليجيب تساؤلها الصامت..
" نعم رآنا "
ثم يصحح ضاغطا على حروف كلماته.. 
" أقصد.. تعمدت أن يرانا "
ثم أفرجت عن سؤالها هذه المرة.. 
" مـ ـاذا تعـ ـني "
تقطعت حروفها تحاول استيعاب الفخ من بدايته وكلمات ريتا تعود للظهور فوق سطح تفكيرها.. 
" رسالة والدك.. تبعتها رسالتي له.. "
ابتعد عنها مصفقا معيدا خطته.. تملؤه نشوة الانتصار.. 
" استجاب للفخ.. وسقط "
ناظرته بذهول ليهالها نظرات الشر..  نبرات الحقد.. التخطيط الشيطاني.. 
" كنت أرغب بكسره بكِ وظهوري في الصورة وإعلاني كونك أصبحتِ  لي.. ولكنكِ فاجأتِ الجميع وتخطيتِ كل الخطط
لتعلني ارتباطك بآخر " 
دار حول نفسه ثم التفت لها متمما حديثه..  وعرضه لخطته.. 
" أتعلمين منذ متى وأنا أخطط لوقوعه "
سألها رغم أنها لا تمتلك إجابة فتبرع هو بتلك الإجابة.. 
" منذ سنوات "
ازدردت لعابها بخوف مدركة أي شيطان هي أمامه..  وأكد هو على شيطنته. 
" منذ أن أبسط أمامي شاشة هاتفه عارضا مقطع لي ولريتا..
اووه كانت زوجته وقتها هل تعلمين هذا "
الشق الثاني من كلامه أصابها بالقشعريرة لإدراكها أن ما سيقال بعدها لن يعجبها.. وصدقت.. 
" كنت أعاشرها في غيابه "
واقترب.. 
" طفلها كان مني وأقنَعته أنه منه "
هنا خسرت ثباتها لتميل برأسها جانبا تتقيأ بتعب.. تلفظ أنفاس متقطعة ثم شهقت برعب حين شعرت به يقبض على شعرها يرفع رأسها إليه.. هامسا بسخرية أمام وجهها..  
" اووه الجميلة لا تتحمل بشاعة بعض الحروف "
يلوي شفتيه متصنعا الأسى.. 
" يا له من خاسر "
ثم ترك رأسها بعنف متمتما من بين أسنانه.. 
" خسرك بغبائه وعدم ثقته فيكِ وفي نفسه "
تجاهلت كل ما قيل متمسكة بثبات واهٍ تدرك أنها ستنهار في أي لحظة..  ولكنها تغافلت عن تلك اللحظة مؤقتا تتمسك بوعي تجاهد الحفاظ عليه مفكرة أنه مادام يونس بعيدا عن أيادي بيتر فهو في أمان.. 
بل أنه أكثر أماناً بوجوده بين أهله.. 
" أين ريتا.. ماذا فعلت بها "
وسؤالها رغم الرعشة بصوتها إلا أنه خرج ثابتا.. 
" ريتا خائنة.. أخبَرتِك لتحذريه.. "
ثم ابتسم ابتسامة بشعة..متشفية.. 
" لكن لم يكن لديكِ الوقت الكافي.. "
ثم رفع أصابعه يمررها بشعره الأشقر هامسا بإغواء .. 
" فليكن نصيبه القتل.. وليكن نصيبي أنتِ.. ما رأيك "
سألها منهياً كلماته بغمزة لم تؤثر بها بل واجهته متمسكة بأمل ضعيف متغاضية عن كل الحقائق التي سُردت وتعلم صِدقها.. 
" بيتر.. أبي لن يتركك "
ضحك مقهقها وكأنه لم يضحك منذ زمن..  ضحك إلى حد أدمعت عيناه.. 
" أبيكِ؟! .. سيادة السفير؟!  "
قالها من بين ضحكاته.. متابعا بأبشع حقيقة قد تسمعها ابنة عن والدها.. 
" سيادة السفير باعك لي قبلاً.. ليس بالصعوبة أن يبيعك مرة أخرى "
تناظره بجمود وقلبها يعلن عن ألمه دون تعبير..  جمود فسره بيتر على أنه شك.. 
" ماذا.. ألا تصدقيني "
سألها لا ينتظر إجابة فالإجابة واضحة..  والدلائل أيضاً كوضوح الشمس..
ولم يبخل بزيادة الدلائل.. رفع هاتفه وبعد عدة ضغطات رفعه لأذنه ينتظر إجابة الطرف الآخر بينما عيناه لا تحيدان عنها متلذذا بالرعب الظاهر على ملامحها.. 
" أهلاً سيادة السفير "
غمزها متابعا.. 
" أين أنتَ يا رجل اشتقت لكَ "
أرسل لها قبلة هوائية متابعا سمومه.. 
" ما أخبار ابنتك "
مال برأسه مراقبا اتساع عيناها..  متابعا ما تخاف منه وأعلنت عنه بهمسة راجية.. 
" بيتر.. أرجوك "
رفع سبابته واضعا إياه على شفتيه بمعنى أن تصمت..  بينما تابع هو.. 
" حسنا سيادة السفير فلتتلقى مني هذه المفاجآت "
يراقب هزها لرأسها يمينا ويسارا ولكنه لم يهتم.. 
" ابنتك لم تتزوج وبالتأكيد سهل عليك أن تعلم معلومة مثل هذه.. "
أغمضت عيناها وتتحرر دمعاتها من بين جفنيها المنغلقين بينما تابع هو.. 
" ابنتك معي سيادة السفير لا تبحث عنها "
ثم أغلق الإتصال دون أن يزيد ناظرا لها بمغزى .. 
" والآن لدينا حديث أهم من كل هذه الترهات "

قلب بين شقيّ رحى ج٣ من سلسلة والعمر يحكي بقلمي راندا عادل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن