الفصل الواحد والعشرون 🍒🎶

1.4K 57 18
                                    

الفصل الواحد و العشرون 

" من الواضح أنكِ تحتاجين إثباتا عمليا لكلامي "
و قبل أن تعي ما يعنيه وجدت نفسها محاطة بذراعيه..
ملتصقة بجسده..
و شفتاه تهاجمان شفتيها بقبلة رغم عنفها أذابتها.. 
للحظات شعرت فيها و كأنها أخيرا طالت السحاب بأطراف أصابعها..
قلب ثائر بين الضلوع...
و عقل تغشاه غمامة ولدتها قبلته..
كفه المفرود على ظهرها رغم قسوته فإنها و لأول مرة كانت تشعر و كأنها خُلقت لهذا المكان..
تحديدا بين ذراعي الحكيم شاهر دويدار
أما هو..
فاختلف كثيرا عن حالها.. فقد كان إحساسه أعظم..
إحساس عودة الروح للجسد..
شاهر الحكيم عاش لسنوات ميتا..
و الآن فقط عادت له روحه..
أفلتها بتروٍ.. يلهث من فرط ما يعيشه في تلك اللحظة..
أنفاس تخرج بصعوبة..
و بنظرة واحدة منه لوجهها المحتقن أدرك فداحة ما فعله..
اتسعت عيناه بقلق.. و ذهول..
ثم ابتعد خطوة واحدة للوراء و مازالت عيناه تمشطانها..
فهمس كاذبا.. متهربا..
و مداريا شعوره بسقوطه فيها و بعثرة كيانه بعد قبلتها التي هدمت كل ما تبقى من حصونه بلحظة.. مدركا أنه خطى نحو النهاية بسهولة و يسر..
" و لكن هل أخبرك أمراً؟.. "
رفعت عينيها إليه مقررة أنها ستخبره في الحال أنها غير متزوجة..
بل مطلقة عذراء كشف هو عنها حجاب أنوثتها..
بل رواها رياً..
و لكن!!..
" إذا كنت أنتِ لا تمتلكين أيا من تلك المبادئ فأنا لست على استعداد للتنازل عن مبادئي. "
و ماء الري كان مسموما..
ازدردت لعابها و قلبها تشعره يئن وجعا..
بل دقاته تتذبذب بموت محتوم..
و كلماته تخرج كخنجر يقضي على بقية لحظاتها قبل إتمام الاحتضار..
" و هل أخبرك أمراً أهم؟..
أعتقد أن ما سأحصل عليه لا يستحق المجازفة "
و دون شعور منه ضغط بكل جبروت على إحدى التهم التي لاقتها في حياتها..
كانت ترتعش حرفيا و عيناها تغيمان بدموع تهدد بالهطول أمامه..
و كم أملت أن لا تفعلا.. 
و لكن خانتها عيناها وسقطت الدمعتان معلنتان سقوط جزء آخر من روحها التي كانت تحارب للبقاء..
أما هو فللحظة ندم على ما تفوه به
أما قبلته
قبلتها
فـ لا و ألف لا..
أبداً لن يندم على تلك القبلة مدى حياته
بل هو ممتن لفعلته التي شعر بسببها بالحياة..
تحرك خطوة للوراء و عيناه تأبيان مفارقة هيئتها الميتة..
يناقض نفسه..
ساقاه تتحركان للخلف دون التفات..
و جسده يرغب في الذهاب إليها و احتوائها..
مداواتها..
الاعتذار لها..
بل التوسل لها لتسامحه..
و لكن كل هذا لن يفلح..
فأرغم جسده على الالتفات عن رؤياها.. مطلقا لساقيه المجال للهرب منها..
و قلبه داخل صدره يصرخ به ..
جسده يعاتبه..
و عقله يوبخه و يخبره كم كان قاسيا..
و لأول مرة يجتمع كله ضده ..
و بعد أن ابتعد مسافة لا بأس بها عن مكان وقوفها سمع صوت صرخة أنثوية تأتي من.. أين ؟!..
منها؟!
و دون وعي همس ملتاعا أثناء هرولته تجاهها..
" صفااااا " 
و بلحظتين كان بالقرب منها يراقب جسدها المسجي أرضاً..
جثى على ركبتيه و خياله العليل يعود به لماضٍ  ظنّ بغباء أنه سيتخلص منه يوما..
و لكن خياله كان أمراً.. أما واقعه فكان أمراً آخر..
واقعه الذي يخبره بكل قسوة..
أنه سيفقد صفا هي الأخرى..
تدور عيناه على جسدها باحثا عن أي علامة من الماضي..
ينظر لفمها باحثا عن خيط دماء فلا يجد.. فيحمد الله..
ينظر لمعصميها فيجدهما غير مقطوعي الشرايين.. فيحمد الله..
ليشحب أكثر و هو يلاحظ بشرتها البيضاء بشكل جعل الدماء تتجمد داخل عروقه..
تنفسها ضعيف..
و شحوبه هو ازداد و هو يلاحظ فقدانها لوعيها..
اقترب منها مذعورا غير قادر على النطق..
أو التنفس..
أحاط جانب وجهها هامسا بنبرة مبحوحة ..
" صفا "
فلم يصدر عنها اي إشارة تهدئ من روعه و لو قليلا.. فلم يشعر بعينيه اللتين تحرقهما سحابات ذعر على من ترقد بين يديه.. مقارنا بينها و بين جسد لأخرى.. و همسه الحارق يخرج متحشرجا شاقا لجوفه..
" استيقظي صفا.. "
ليهزها قليلا بانفعال من فرط تشوشه المدفون داخله..
" لا تفعلي بي هذا.. أرجوكِ "
أنّت تحت يديه مما جعله يجذب يديه مذعورا غير مُصدق أنها مازالت على قيد الحياة..
قرب يده منها ببطء ثانية و كأنه يخاف الاقتراب..
أحاط جانب وجهها مرة أخرى مما جعلها تفتح عينيها على وسعهما و كأنها تستكشف واقعها الذي أدركته مع همسته..
" ما زلتِ حية "
عدم التصديق في همسته.. لم تستطع قراءة العذاب الذي غزل حروفه
و لم تعي سوى قربه منها.. و بتردد صدى كلماته الجارحة داخلها..
أزاحت يده بعنف ضعيف تبعا لحالتها المرضية هامسة..
" ابتعد.. عني "
في هذه اللحظة بالذات اختار يونس و چود و جميع المرافقين لهما الوصول لموضع صفا و شاهر بعد سماعهم للصراخ الذي ميزوه بسهولة بفعل سكون المكان حولهم بعد توقفهم عن اللعب..
" ماذا حدث؟.. و ما هذا الصراخ؟"
و كان هذا السؤال من يونس الذي وصل لموضع صفا على الأرض جاثيا بجوارها هامسا بقلق..
" صفا "
القلق بصوت يونس جعل الحكيم يتقهقر مُدركا موضعه الذي اختارته صفا..  نفيها له..
أمرها الهامس بالبعد ..
أنّت صفا بتعب  بينما چود بجوارها تحاول إسنادها لتقف فتدوي صرخة أخرى لصفا حينما حركت إحدى قدميها لتعود مكانها عاجزة..
هامسة بضعف.. و نبرة باكية ..
" أظنها.. كُسرت "
كانت تنظر لقدمها و الألم داخلها أبعد من مجرد كسر موضعي..
الكسر كسر نفس..
كسر روح..
ابتلت وجنتيها بفعل دمعاتها المقهورة و صوت چود المذبذب يثلها بعجز..
" كيف حدث هذا؟ "
لتجيبها صفا دون أن تنظر لأي أحد أبعد من ساقها المكسورة..
" لقد وقعت.. من.. فوق.. الصخرة.. "
همساتها كانت تخرج بتعثر و التلميح بوقوع آخر لم يغفل عنه الحكيم الذي كان يقف مراقبا الوضع أمام عينيه بروح خاوية..
عالقة بين طيات ماض مدفون تحت التراب..
كان يراقب محاولتها للاستقامة لتعلو أنّاتها بعجز فيقترب منها دون إرادة منه مادا يديه محاولا إسنادها.. أو حملها إن اقتضى الأمر..
و لكنه توقف عاجزا..
مفطورا..
مدحورا..
و هو يرى نظرة عينيها الزاجرة له بتألم..
برغبة منها في بُعده كما أمرته منذ لحظات..
لم يره يونس الذي كان موليا إياه ظهره و الذي انحنى حاملا لصفا بشكل عفوي.. و من مبدأ الشهامة..
شهامة لم يمتلكها الحكيم خلال دقائق ماضية..
الحكيم الذي شعر بروحه تخرج مستقرة تحت قدميه تنعي حظها..
الحكيم الذي لم ينل حتى نظرة منها و هي تبتعد يحملها يونس الذي قال لها.. مطمئنا..
" لا تقلقي.. سنذهب لأقرب مشفى و سنطمئن "
و تحرك جميع الواقفين متجهين للطبيب تاركين الحكيم يرثي روحا فقدها.. 
وجسدا خائنا يرغب في اللحاق بها..
و قلبا أقسى من الحجر الصوان استغل حالته ليذكره بجبروت ما فعله معها و ما قاله..
ثم بآلية تحرك متجها للفندق في انتظار عودتهم من المشفى.. 

قلب بين شقيّ رحى ج٣ من سلسلة والعمر يحكي بقلمي راندا عادل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن