الفصل الثاني عشر
" لماذا فعلت هذا؟.. "
كان هذا سؤال أنطوان ليونس الذي كان كتلة من اللامبالاة الظاهرية بينما بداخله يود الفتك بأنطوان نفسه..
لسبب لا يعلمه..
أو يعلمه و ينكره..
" ماذا فعلت؟.. لم أفعل شيئاً"
سؤال و إجابة ملأتهما السخرية و الإنفعال الطفيف و الغير مُبرر لأنطوان..
" هل تَعرف چود؟ "
سأله أنطوان بمغزى جعل يونس يلتفت له مُنتفضاً و العِرق الشرقي بداخله ينتفض.. قائلاً مِن بين أسنانه مُتسلحا بسخريته..
" و علِمت اسمها أيضا "
جلس أنطوان و شعوره بأن هناك بالفعل ما يجمع يونس و تلك الفتاة يزداد يقيناً ..
ولذلك أجابه قاصداً استفزازه..
" بالتأكيد.. فلقد صِرنا أصدقاء "
و إذا كان يتعمد إثارة غضبه فقد نجح و لكن صاحبه غليان داخلي من نفسه..
و منها بكل تأكيد..
متسائلا لماذا لا تتعامل معه كما تتعامل مع الجميع؟..
لماذا تضع بينهما ما يُعيق؟..
لقد أنّب نفسه عما صرّح به قبل السِباق.. و لا يعلم لماذا قال لها ما قال ..
أو في الحقيقة هو يعلم.. يعلم بالغ العِلم أنه يريدها..
يريد تلك الشرسة التي أشعلت به كل المشاعر المتضاربة في وقت قياسي لا يعلم سره..
زفر أنفاساً يائسة مُجيباً ..
" يا لِحَظك السعيد "
قالها يونس بسخرية أثناء استقامته من مكانه ليدنو من مكان البار الصغير الموجود بشقته..
ملأ أحد الأكواب بالخمر ثم تناوله دفعةً واحدة راغباً في إطفاء النار بداخله..
و لكن لِعجبه لم تنطفئ.. بل ازدادت اشتعالا بخيالها بين ذراعيه..
ازدادت اشتعالا متذكراً قُبلتها التي تيقن الآن أن تأثيرها أخسف بتأثير الخمر..
ظَلمَه..
أطاحه أرضاً..
" هل تُحبها؟ "
و سؤال أنطوان المُباغت جعله يغص ساعلاً مُدارياً على سؤال عراه..
فكانت إجابته الهازئة..
" أُحبها !!.. أنا بالكاد أعرفها "
ثم تابع مُلوحا بيديه..
" لا يجمعني بها شيء سوى العمل "
تبع حديثه بكأس آخر يبتلع كذبه.. ثم تابع كاشفاً عن أهم معتقداته..
" و ثم أنا لا أؤمن بالحب.. ليس له وجود "
عاد جالسا بجوار أنطوان ثم قال و كأنه يُذكر نفسه بما خسره..
" الحب خسارة.. و لن أسمح للخسارة أن تَعرِف طريقها إليّ ثانية "
و إن كان متحدثا عن نفسه.. فآخر ما قاله لمس وجدان أنطوان كثيراً..
بل أصابه بالحُزن فمن غيره سيعلم أن الحب خسارة..****
عادت إلى بيتها مُبتهجة.. و مبتئسة للغاية..
شعوران متضاربان..
و كلٌ له أسبابه
فشعورها بالابتهاج تولّد نتيجة للسباق و أجوائه رغم فوزها بالمركز الثاني و لكن هي لا تبحث عن مراكز..
هي تفعل ما تفعل لعشقها لتلك الرياضة..
و أما عن ابتئاسها.. فسببه الوحيد هو مُعكر صفوها..
حتى و لو ظاهريا..
ما صرح به صَعقها..
زلْزلها..
ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها لِمثل تلك المواقف بحكم تواجدها في بلد غربي..
و لكن..
و لكن.. هو!!..
أن يكون الحديث من يونس جعل خوفها الداخلي يزداد..
ليس خوفاً طبيعيا.. بل هيستيرياً ..
لخوفها ألاّ تصمد كثيراً ..
يونس زلزل كيانها دون أن يعلم..
بعبثيته ..
بلامبالاته..
حتى وقاحته كانت مدغدغة لشعورها المحتاج.. اليائس..
لأمل زرعه داخلها دون أن يشعر..
و كم أرادت ترك المساحة لقلبها أن يشعر ..
و لكن خوفها الأزلي أكبر من هذا..
" فعلت ما نَهيتك عنه هذه المرة أيضا.. "
إلتفتت لصوت والدها الغاضب..
طالعته ببرود أزال ابتسامتها التي كانت ترتسم على ملامحها قبل أن تدلف للبيت..
" تعلم جيداً أني لن أترك ما أحبه "
اقترب منها والدها بوقفته الأرستقراطية.. و شموخه الجامد بشكل مغيظ..
ثم قال مُتحديا..
" لو أردت منعك لفعلت "
ضحكة هازئة ارتسمت على شفتيها ثم تجيبه..
" أنا متأكدة من ذلك "
يسود الصمت الرهيب بينهما بينما چود تقترب خطوة تجاه والدها قائلة بثبات بينما تحدق بعينيه..
" لماذا لا تدرك أني لو أردت الوقوع في الخطأ سأُخطئ حتى و أنا هنا.. ببيتك.. ؟ "
ثم تضيف ضاربة بكل قواعد سلامتها..
" ألا يتصور خيالك أني قد أفعل الخطأ و أنا بين جدران غُرفتي بالأعلى؟"
تهز رأسها باستنكار لما يعتقده.. ثم تضيف..
" لماذا تتخيل أني سأخطئ مِثلك؟.. "
و تتابع بقوة أكبر..
" لماذا تتخيل أني سأقع في الرذيلة مِثلك ومِثلها ؟"
ثم تابعت و الشرر يتطاير من عينيها..
" لمَ تتخيل أني سأبيع جسدي لأقرب رجل.. و كل رجل لمجرد أني أخرج هنا و هناك و أفعل ما أحب ؟"
ثم تتابع ساخرة..
" مما تخاف أبي؟ "
تتبدل ملامحها بلحظة.. ثم تضيف من بين أسنانها..
" أنا لست مثلها أبي "
و تتابع باشمئزاز..
" و لست مثلك.. أيها السفير العظيم "
قالت آخر كلماتها باستهزاء واضح لأذنيه.. مما جعل الغضب يتعاظم داخله..
"أنتِ تعلمين أني بإمكاني مُحاسبتك على ما تفوهتِ به "
ناظرته بتحدٍ مُهددة..
" و تعلم أني قادرة على ترك البيت لك و فضحك في كل وسائل الإعلام العربي و الأجنبي و وقتها لن تشفع لك مِهنتك السامية "
اقتربت أكثر مواجهة له.. ثم تابعت تهديدها ممتزج بالانتصار..
" و خاصة لو أخبرتهم أني نِتاج ليلة حمراء قضاها والدي في أحضان امرأة و كنت أنا حصيلتها ..
ليُقرر الإحتفاظ بهما خوفا على الوظيفة المرموقة التي كان ينتظرها شابا.. "
ثم تضيف مبتسمة بسماجة ..
" ها.. ما رأيك أبي؟ "
أمسك مرفقها مُقرِبا لها منه قائلاً من بين أسنانه..
" أتهددينني ؟"
أمالت رأسها قليلا قائلة بتباسط.. تلوي شفتيها بلا مبالاة ظاهرية..
" البادي أظلم أبي "