الفصل الثلاثون 🎶🍒

1.3K 67 16
                                    

الفصل الثلاثون

تدور الدنيا حوله.. بل تُهَدُّ من حوله و هو لا يعلم هل ما توصل إليه خلال جلوسه بالأسفل بعد وصوله بها صواب أم لا..
عاش صراعا داخليا يكفي العالم في وقت قياسي..
صراع شيطاني من جهة يطالبه بحقه فيما تبحث هي عنه و تحقيقه عن طريق إيلامها كما تؤلمه دوماً ..
و لكن تطفو حكمته على سطح تفكيره تنهره أن يُحكّم عقله..
و لكن أي عقل و هو يجلس مراقبا لها في نومها الساكن بوجه شاحب كالأموات التي كانت بينهم منذ ساعات قليلة مضت..
أمال رأسه مُتابعاً لتململها الواضح لعينيه و كأنه يترصد كل حركة تصدر عنها.. بانتظار مُهلك لكل كيانه..
و ها هي تزيد عذابه و تفرق أهدابها برفرفة بطيئة..
حركت عينيها يمينا و يسارا تحاول استيعاب مكانها.. و ما يحدث معها و آخر ما تتذكره هو وجودها بالقرب من المقابر..
أغمضت عينيها بقوة و سؤال يدور بعقلها خرج باستنكار منطوق..
" ماذا فعلت؟"
و لأن الاجابة متمثلة بفقدانها لوعيها على حسب ما تتذكر فهي لن تتعب نفسها في البحث عن حقيقة وضعها أو ما حدث..
فتحت عينيها ثانية ثم دارت حولها لتدرك أنها ليست عند المقابر..
أو في بيت أهلها.. بل إنها في..!!..
اتسعت عيناها بادراك لَحظي و همسها الغير مصدق يخرج مهزوزا ترغب في تكذيب الحقيقة الواضحة لعينيها..
" أين أنا؟"
" في بيتي "
شهقت بفزع حين أتتها الإجابة..
ليست الإجابة على سؤالها الأخير و إنما الإجابة للحقيقة التي علمتها بعينيها قبل أن تنطق بسؤالها المذهول..
رفعت جسدها قليلا تنظر للجالس متكئا على الأريكة المقابلة لفراشها بجسده و كأنه كان في انتظار استيقاظها..
فارتجف صوتها في خروجه..
" لـ..ـماذا.. أنـ..ـا.. هـ..ـنا "
فيهز رأسه و هو يجيبها بتساؤل خافت.. مخيف..
" و أين.. كنتِ .. أنتِ؟"
فتجيبه دون حذر..
" كنت بالـ.. "
ثم تقطع كلماتها مع انتباهها لما كانت ستتفوه به.. و تجيب كاذبة..
" كـ..ـنت .. ببـ..ـيت أهـ..ـلي "
يلوح بيديه بلامبالاة مصطنعة.
" اممم غريب.. رغم أني حين وجدتك لم تكوني في بيت أهلك.. "
" وجدتني!.. "
همستها بصوت تقسم أنه لم يسمعه.. و لكن ولسوء حظها سمعه..
" نعم.. "
و إجابته كانت خير دليل على ذلك..
عادت بذاكرتها لتلك اللحظة متذكرة ذراعين شعرت بهما.. همْس باسمها..
و قد ظنت أن شبحا ما ظهر لها.. غير مدركة أن الجالس مقابلها هو فعلا شبحاً .. شبح سيسود حياتها لأيام قادمة..
" أين؟ "
و سؤالها نطقته مذعورا محاكيا لتخيلها لوجوده بالمقابر وقت سقوطها مغشيا عليها.. و إمالة رأسه يمينا بشكل جعل الذعر يزداد داخلها لتعدل سؤالها و كأنها بذلك ستغير الإجابة التي لا تريد سماعها..
"  أقصد..  ماذا تعني؟ "
لوح بكلتي يديه قائلا بفظاظة ..
" التقطتك من الشارع فاقدة لوعيك "
و المعنى و إن كان فجّا فهو قصده..
قصد إيلامها.. بل سيؤلمها أكثر لعل الألم يجعلها تستفيق..
" لماذا كنتِ بالمقابر؟ "
فاجأها بسؤاله الصريح فيزداد شحوبها و تتلعثم وهي تجيبه بأي شيء غير الحقيقة..
" اا.. أنا "
ليقاطعها بصوت عالٍ جعل الشلل يزحف لأطرافها..
" نصيحة مني لا تكرري كذبك..
لأني أولاً لم أعهدك كاذبة.. ثانيا أنا أعلم كل شيء "
فتتسع عيناها كمن رأت نهايتها على بُعد خطوة منها..
" تـ..ـعلم !!"
يهز رأسه بانفعال ثم يتحرك بجذعه للأمام مستندا بمرفقيه على ركبتيه..
قائلا بانفعال.. 
" نعم أعلم.. أعلم يا دلال..
فزوجتي المحترمة جرت خلف شعوذة و خزعبلات متمنية أن تساعدها في أن تُرزق بطفل "
إن كان شعورها قبل قليل يسمى ذعراً.. فما الذي تشعر به الآن.. و همسته الساخرة تخرج تقطع نياط القلب..
" أليس كذلك يا زوجتي المصون؟ "
تململت في مكانها على الفراش ثم تتحرك تنزل بقدميها تحاول الوقوف فتشعر بالدوار قليلا تحت نظراته و لم يتحرك من مكانة عكس ما عهدته منه.. فتركها تدعم نفسها بنفسها فاستقامت معتدلة.. تقترب منه تحاول الكلام لتوضح موقفها.. أو محاولة منها لاستدرار عاطفته كالعادة..
" جاسم "
و لكن ما تمنته لم يتحقق فإذ به ينتفض من مكانه مبتعدا عنها صائحا بغضب..
" لا أريد سماع كلمة "
أجفلت من صياحه متسعة العينين.. فلم تتخيل أن يفعل هذا..
بينما صوته يأتيها مُحذرا..
" لا أريد سماع صوتك "
فتحاول الحديث ثانية وعيناها تغرورقان بالدموع..
" أرجوك اسمعني "
يضرب بكف يده على خزانة الملابس ثم يصيح ثانية..
" لا أريد.. "
و يتابع مشمئزا يناظرها من أعلى رأسها لأخمص قدميها..
" لا أريد أن أسمعك و لا أريد أن أراكِ .. "
ثم يزيد ضربة أخيرة قبل أن يؤكد..
" لا أريد أي شيء منكِ "
يلتفت عنها ينوي الخروج من الغرفة ثم يتسمر مكانه بفعل يديها اللتان قبضتا على ذراعه توقفه منادية برجاء..
" جاسم "
فيلتفت لها برأسه فقط صارخا..
" ماذااا ؟"
ينفض يديها عنه مراقبا الذهول المرتسم على ملامحها فيسألها ساخرا.. 
" هل تتعجبين؟" 
يلوح بذراعه متابعا..
" من الواضح أن تساهلي معكِ جعلكِ تعتقدين ضعفي..
و لكن ها أنا أخبرك يا دلال..
إذا كنتِ تحتاجين إلى تقويم سأسعد بهذا الدور "
تتراجع خطوة للوراء بخوف غريزي من تبعات خطأ متكرر..
هامسة بخفوت مذعور..
" أردتُ.. لك ..طفلاً "
فيصرخ فيها معاتبا..
" و أنا أردت "
ثم يتحرك تجاهها الخطوة التي ابتعدتها متابعا ..
" و لكني كنت أريده منكِ "
و عقلها توقف عند كلمة معينة.. كلمة من ثلاثة أحرف..
" كُـنـت !! "
همستها بذهول خافت ليجيبها متشفيا.. راضيا بألمها و مُرحبا به..
" نعم.. كنت "
ثم تعلو شفتاه ابتسامة شريرة متابعا تشفيه فيها .. و مؤكدا على كل حرف ينطقه..
" و إن لم يكن لحُلمي اعتبار لديكِ فأنا من سينفذ ما ترغبين
حتى و إن لم تكوني والدة الطفل.. "
فتتسع عيناها بإدراك مذعور من معنى كلامه..
"  مـ..ـاذا تقـ..ـصد؟! "
فيبتسم بشر وعيناه تغيمان بإصرار قوله..
" ألا يقولون إن رغبت في تقويم امرأة فعليك أن تجلب لها إمرأة أخرى "
تهز رأسها ببطء تنفي ما فهمته ثم همستها المهزوزة تخرج متحشرجة..
" لا.. أفهم "
مازال على ابتسامته الشريرة ثم يميل برأسه ليكون مقابلا لوجهها
قائلا بفحيح ..
" سأتزوج يا دلال "
مازالت على هز رأسها بنفي مناقض لتأكيده..
" و في أقرب فرصة "
تملكها الغباء للحظات لا تعي ما تفوه به لتسأله ببلاهة..
" أنت.. ماذا تقصد؟ "
ثم تزيد سؤالا آخر و كأنها حقا لم تفهم..
" ماذا.. تعني.. أنت؟ "
ظل ينظر لها للحظات مدركا صعوبة الموقف و مدركا حالتها جيدا و لكنه اتخذ الخطوة و لن يتراجع الآن..
" أعني أني سأبحث عن الطفل الذي جعلك مهووسة بهذا الشكل يا دلال دون اعتبار لحلال و حرام.. دون اعتبار لإيمان يجب أن تتحلين به.. دون اعتبار لعقل ميزك به الله للتفريق بين الصواب و الخطأ.. "
مد يده ممسكا بأعلى ذراعها بقسوة متابعا و هو يهزها لعلها تفيق..
" و لكنك كالبلهاء مشيت وراء شرك أكبر.. شرك هو في مكانة الكفر بالله و قدرته و كأنك تقولين له أنت لا تستطيع أن تعطيني طفلا بينما الأموات يفعلون و العياذ بالله "
فصرخت بذعر مدركة بتأخر ما كادت أن تفعله..
" أنا لم أقصد هذا "
فتعلو ابتسامة ساخرة جانب شفتيه.. ويقول هازئا..
" و منذ متى كنت تقصدين؟.. أنت دوما لا تقصدين يا دلال "
تنظر له باستجداء بينما دموعها تغرق وجنتيها فتهمس برجاء ناظرة له..
" أنت لن تتزوج أليس كذلك؟"
ينفض ذراعها من بين أصابعه قائلا بقسوة..
" سأتزوج "
ثم يضيف مُزيدا في قسوته..
"  و هنا.. أمامك "
ثم يتصنع التفكير تحت عينيها المتسعتين..
" امم.. أو يمكنني أن أبني لها بيتاً آخر تكون هي سيدته "
تنظر له بهلع وعقلها لا يرحمها بل يهيئ لها جاسم مع امرأة أخرى يغدق عليها بلطفه و حنانه.. يكون لها حبيبا.. زوجا..
زوجا!! عند هذا الكلمة و ما تحمله هتفت صارخة فيه..
" لو حدث أنا لن أظلّ على ذمتك لحظة واحدة "
يبتسم بشر مدركا محاولتها في الضغط عليه ليتراجع عن موقفه فيقول لاويا شفتيه بلا معنى..
"الأمر لا يسير حسب رغباتك الآن يا دلال.. أنتِ فقدت كل حقوقك "
ثم يضيف ملوحا بيده..
" من اليوم.. من الآن..
من هذه اللحظة.. سيكون عقابك على كل ما حدث خلال الفترة الماضية..
على كل أخطائك قديمها وجديدها "
ثم يشير بتقدير للمكان بشكل مجازي..
" سأعاقبك و أنتِ أمام عيني.. هنا.. في داري "
ثم يضيف و الغضب يخرج ممزوجا بالأسى..
" سأجعلك تعيشين مرارة كل ما عشته بسببك "
فتصرخ بهلع متيقنة أن جاسم إن قال فعل..
" كنت أريد لك طفلا "
فيصرخ مقابلا لها..
" و لم أطلبه منك.. لم أطالبك به.. ألا يشكل هذا لكِ فرقاً؟ "
يشكل.. تقسم أنه يشكل فلم يظهر لها يوما أن بها عيبا أو نقصا.. لم يُشعرها و لو للحظة أنه يرغب في طفل ليس منها.. أما الآن..
الآن هي فقدت كل مميزاتها..
و همساته المُصرة بحزن يشوبها دون إرادة منه.. 
جاءتها قاضية على ما تبقى من ثباتها..
" و الآن سأعلمك الفرق بين حين لا أطلب و حين أريد.. "
تهز رأسها ببطء و عيناها لا تبارحان عينيه و همسها الملتاع خرج ليصيب قلبه ببعض الشفقة و التي سيطر عليها سريعا..
" جاسم أنا أعرفك.. أنت لن تفعل هذا .. أليس كذلك؟ "
اقترب منها محتويا ذقنها بقسوة.. هامسا بشر..
" أنتِ لا تعرفينني إذاً "
ثم نفض ذقنها من بين أصابعه ممسكا بمرفقها يجرها للنافذة جاعلا وجهها باتجاه الخارج ثم تابع ..
" انظري.. انظري جيداً يا دلال.. فلقد عُلقت الأنوار تحت مرأى عينيك  سأتزوج هنا.. أمامك.. أمام عينيك "
و الأنوار بالخارج لا تراها سوى نيرانا تصب داخل قلبها المكسور..
قلبها الذي كسرته بيدها.. يدها هي لا غيرها.. قلبها الذي لم تعر اعتبارا لساكنه.. بل تفننت في عصيانه مرة بعد مرة..
قلبت نظراتها مرة أو مرتين بين جاسم الذي ينظر لها و بين الأنوار المعلقة بالخارج.. ثم قالت بمحاولة أخيرة..
" سأهاتف أهلي ليأتوا و يأخذوني من هنا "
و لمفاجأتها ضحك.. بل قهقه بشكل أثار الذعر بداخلها أكبر من ذي قبل.. 
" ألم تعلمي بعد؟ "
قالها من بين ضحكاته لتنظر له بتساؤل فيجيب تساؤلها الغير منطوق..
" أنتِ سجينة هذه الغرفة يا دلال.. لن تغادريها قبل أن أسمح أنا بذلك.. حتى أهلك أنت لن تتواصلي معهم إلا تحت عيني.. و لن تخبريهم أي شيء ولتحمدي الله أني لم أخبرهم بما فعلتِ ..
و إن أردتِ دخولهم طرفا بالموضوع سيكون لكِ ما أردتِ.. و لكن حينها سأخبرهم أيضا عن كل ما فعلت و نرى حينها ماذا سيكون ردة فعل والدك و أخيكِ "
رمى كلماته دفعة واحدة مسببا لها الهلع لإدراكها لخطأها كما أدركت ردة فعل والدها إن علم ما فعلته .. 
و تحت نظراتها تحرك مغادرا الغرفة و لكن قبل أن يخرج التفت لها نصف التفاتة قائلا بصوت مكسور و كلماته تخللها الحزن رُغماً عنه..
" نِعم الله تُطلب بطاعة الله لا بمعصيته يا دلال "
وغادر تاركا لها لا تصدق ما سمعته منه..
لا تصدق أنه قال ما قال..
هل سيتزوج حقا؟..
هل ستراقبه يُزف على أخرى.. غيرها؟..
هل ستشاركها فيه أخرى؟..
و بكل قهر شعرت به داخلها من نفسها و منه.. و ممّا يحدث بالأسفل صرخت بعنف عاليا..
" لاااااااااااا "
و حين انتهت صرختها جال بخاطرها سؤال سبّب لها ذعراً أكبر من ذعرها من زواج جاسم.. و هو..
( هل حقاً تعد كافرة بالله ؟  )

قلب بين شقيّ رحى ج٣ من سلسلة والعمر يحكي بقلمي راندا عادل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن