الفصل الثالث عشر
كاذب هو فالأمر تخطى الإعتذار ..
إن كان الحنين قاتلا فالشوق أكثر قتلا..
الحنين يعني أن هناك ما يُسعد القلب فتَحِن له..
أما الشوق فشعور مُبهم المعنى ..
فلا تعلم لمَ اشتقت
و لا تعلم لمن اشتقت
و لا تعلم هل الإشتياق هذا لوعة.. أو رغبة..
و لكن بالمعنى السرمدي للكلمة فهو..
الجنون..
الإشتياق صورة من صور الجنون..
الإشتياق قادر على جعلك معتوهاً
مجنوناً
غير قادر على التحكم في تصرفاتك
كما الآن مثلا و هو يجلس بمقهى الشركة منتظراً ظهورها..
فبعد ما حدث بينهما يوم السباق و هو يهرب..
احقاقاً للحق هو يهرب منذ يوم رؤيتها..
فنظرتها الضائعة بعينيها الغزالتين جعلتاه يود زرعها داخله..
و لكن هو أبعد تماما من هذا الشعور
فإحساس كهذا غير مُقدر له..
هو لم يُخلق للحب و حديثه..
جربه مرة و لا ينوي تكرارها..
فتلك المرة كانت قادرة على جعله يدفن قلبه بجوار محبوبته التي غادرته تاركة له يتخبط بين جنبات حياة قاسية من بعدها..
إبتسم متيقنا من شعوره حين تذكر أنها بالفعل متزوجة و لديها من هو مخول لتبديد تلك النظرة الضائعة..
قطب ما بين حاجبيه متسائلا..
( إذاً لماذا هي ضائعة؟ )
نفض رأسه يمينا و يسارا مُبعداً تلك الأفكار الغريبة العجيبة عن تفكيره في نفس اللحظة التي خطت هي لداخل مقهى الشركة ..انتفض واقفاً ليجعلها تراه.. لا يعلم أنها تشعر بوجوده منذ لحظة دخوله من باب الشركة الخارجي صباحا..
رفعت مقلتيها لتقابلا وقفته الشامخة و المتحفزة..
اضطربت دون إرادة منها..
و كيف لا تضطرب وهي في حضرته؟..
و كيف لا تضطرب و الأعين في اتصال تخفق له القلوب؟..
و كيف لا تضطرب و القلوب نفسها تشعر بفيضان ثائر يهاجم صحراء قاحلة بغير هوادة ؟!..
منذ عملت معه و هي تشعر بروحها تنتفض..
تثور..
و أول ما ثارت عليه كان نفسها..
نفسها الهالكة..
الهالكة بماضٍ مخزٍ..
و حاضر مبهم..
فكم نهرت نفسها على استسلامها لشوقها لمجاورته.. و صحبته..
فتتقبل إهانته المؤذية لنفسها و التي لم تكن سوى جرحا قديما فُتح عندما اتهمها زوراً..
قاموا باتهامها قبلاً في شرفها و تصدت لهم بالشرع و القانون..
لكن أن يكون الإتهام منه !!..
فهذا كان فوق قدرة تحملها..
أغمضت عينيها للحظات تقطع تواصلها مع عينيه.. ثم فتحتهما ثانية و عاد هذا الإتصال الشغوف به.. و بهيئته.. و بوجوده كله..
ااه لو غاص داخلها عميقا لرأى كيف يدق قلبها الآن..
لشعر بنظراتها كيف تستجديه..
لأدرك كم أن كيانها كله يهفو إلى قربه..
و لكنها للأسف وحيدة داخل كل ما تشعره..
لا سيغوص داخلها ليعرف ما يجتاحها تجاهه..
و لا سيقترب يوماً ليُدرك كم هي هشة من الداخل..
و العطب داخلها قديم قِدم طفولتها..ولكنها رغم ذلك فقد كانت دائما قوية.. كما عليها الآن أن تكون بنفس القوة..
بوجوده المُهلك.. أو عدم وجوده المُعذب لها
ستكون قوية..