الفصل الواحد والثلاثون" حكيم !!.. حمداً لله على سلامتك "
جملة قيلت بذهول من يونس الذي كان واقفا واجما بشكل غريب عليه.. واقفا في ركن بعيد عن هذا التجمع مُحتفظا بناره لنفسه..
وصوته جعل اثنين محددين ينتفضان في وقفتهما المنعزلة معنويا..
وكلٌ له سببه..
يلتفت كل من مجد وصفا ليدركا من النظرة الأولى لملامح الحكيم شاهر دويدار أنه قد شاهد العرض من بدايته..
وكان التحرك الأول من صاحب الحق الآن.. مجد..
الذي ابتعد عنها ممسكا بين أصابعه قطعة من الشكولاتة..
وقف أمام شاهر ينافسه اتزاناً .. غِيرة.. ثباتاً..
ومحاربة للحفاظ على ما يملكه الآن..
مد مجد يده باتجاه الحكيم الواقف لا يحيد بنظراته عن نظرات مجد المتحدية بثبات..
وصوت الأخير يثبت ملكيته..
" تفضل يا حكيم.. حلوى خِطبتي لـ صفا "
تتراشق النظرات المتحدية من مجد وكأنه بخبره صراحة
( صفا.. لي .. أنا )
ولا يعلم مجد لما هذه العدائية تجاه شاهر الذي لا يعلم بتعلق صفا له كما هو واضح وإلا ما كان ارتبط بغيرها.. أليس كذلك؟!
أم يعلم ورفض حبها؟!.. ولذلك قررت المضي قدما في علاقتهما..
ورغم كل الأسئلة المنطقية واللامنطقية التي تدور داخل عقله الآن إلا أنه لم يمنع نفسه من تحديه..
ولو أُعطت له الفرصة سينطقها له صريحة..
صفا لي..
أما الحكيم.. فكان يشعر وكأن جبالٍ ثقال مغروسة داخل قلبه..
شعر وكأن النار التي غادر بها منذ سنة لم تنطفئ..
النار التي شبت داخله تحييه منذ رآها أول مرة لم تخمد..
بل زادت.. تتوهج بكل مرة يراها ولا يستطيع قربها..
في كل مرة يتيقن أنها أبداً لن تكون له وأن حبه وتعلقه بها خطأ..
خطأ لا يغتفر..
بكل تلك المرات كانت نيرانه تشتعل ولكن في هذه الحالة كانت تشتعل لتميته لا تحييه.. هو لا يحيا إلا عندما يراها..
عندما يروي روحه بقربها..
عندها يثور نبضه في قربها..
في تلك الأوقات فقط هو.. حي..
أما الآن.. وآخر يقبلها.. أمامه؟!.. بل ويعلن خطبته لها..
إذاً هو ميت لا محالة..
حاد بعينيه ناحيتها فيرى شحوبها الغير مبرر للجميع..
أما له.. لعينيه..
لقلبه..
فهي مُدانة..
مدانة بسرقته من نفسه.. والآن!!..
الآن هي لآخر..
أبعد نظراته عنها عائداً للواقف أمامه بثبات ومازال ماداً ليده..
نزل شاهر بنظراته لحبة الشكولاتة القابعة بين أصابع مجد..
وبرد فعل غير متوقع لأحد.. أو حتى لنفسه..
مد يده ممسكا بقطعة الشكولاتة ثم وبصوت خافت.. مرعب لأذني إحداهن.. قال..
" مبارك "
" اشتقنا لك يا شاهر.. "
قالها يونس الذي اقترب من شاهر محتضنا إياه مفرقا تلك الجمعة وتلك الشحنات التي لم ينتبه لها يونس.. فلا يعلم ما يدور بخلد ثلاثة من الموجودين..
" كيف حالك "
همسها شاهر ليونس محاولا نفض نيرانه جانبا إلى أن يفهم..
ولكن الآن هو يود الهرب .. الهرب بعيداا جداا حتى لا يرتكب جريمة والآن..
جريمة فيها.. وفي خطيبها المتباهي المتبجح..
" بخير.. تعال "
قالها يونس ساحبا شاهر لمكتبه.. وچود تتبعهما هامسة بحماس..
" ما هذه الغيبة يا حكيم "
يلتفت لها الحكيم مبتسما ابتسامة مصطنعة.. تكاد لا تُرى..
بينما چود تتابع..
" أين كنت.. ولمَ انقطعت أخبارك بهذا الشكل "
يرفع أصابعه مدلكا لجبهته محاولا نفض ملامح وجه أخرى تسيطر على مجال رؤيته..
" كان لدي عمل استدعى السفر "
فتميل برأسها مشاكسة..
" ولكنه سفر طويل يا حكيم.. "
يتنهد داخله دون أن يلاحظ أحد مأساته ثم يقول بشرود..
" نعم إلى حدٍ ما "
ثم ينظر لها بملامح متصنعة الراحة..
" كيف حالك.. "
تلوي شفتيها بلا تعبير قائلة..
" بخير يا حكيم افتقدنا وجودك.. "
يقلب نظراته بين كليهما وسؤال داخله يرغب أن يخرج عل الاجابة تأتيه مغايرة لما يحدث.. وكأن الاجابة التي ينتظرها ستبدل نيرانه لنوران..
أفصح أخيرا عن سؤاله الذي خرج مرتعشا..
" مـ.. ـاذا.. يحدث.. بالخارج "
ضحكت چود مقهقهة غير واعية لحالة الحكيم ككل ولا حالة سؤاله.. فأخذت تسرد وتسرد وتكب حمما فوق عِلله..
" خِطبة صفا ومجد.. يا إلهي يا حكيم لقد تَعِب الرجل حتى وافقت..
من الواضح أنه يحبها بجنون.. وها أنا اطمأننت عليها وأ.. "
" لابد أن أمشي.. "
قيلت بانتفاضة من قبل شاهر الذي تحرك للباب برغبة واضحة للمغادرة فيوقفه يونس متعجبا..
" إلى أين "
فيأتيه الرد مبررا بحجة واهية..
" لدي.. بعض الأمور.. لابد أن أنتهي منها.. سريعا "
فتح الباب ولكن قبل أن يخطوه وصله جملة يونس..
" لابد أن نتجمع.. لم نشبع منك "
"حسنا.."
قالها ثم غادر سريعا تحت أعينهم.. مغادرا بقعة هي فيها.. بقعة تسكنها مع خطيب يزعم ملكيته لها..
وصل للمكتب الخارجي ملتفتا حوله عله يراها قبل أن يغادر..
ولكن ذهبت أمنيته أدراج الرياح فكل عاد لعمله..
وأثناء خروجه قابلة سلة للقمامة موضوع بجوار الباب الخارجي.. فتوجه اليها وبطرف قدمه ضغط على الدواسة السفلية فيفتح الغطاء..
ودون تردد رمى قطعة الشكولاتة ثم غادر دون أن يتلفت هذه المرة..