الفصل الرابع والعشرونالوقت قد تعدى منتصف الليل..
لقد تأخر الليلة بسبب سفره لبلدة مجاورة لحضور جلسة عرفية لمُصالح كان بينهما عدة مشاكل قد تصل للدم..
كانت الجلسة متعبة أشد تعب..
و لكن كله يهون في سبيل درء و وقف سبيل لجريان دماء بين عائليتين سيكون ضحيتها أشخاص ليس لهم ذنب..
يا الله كم يشعر بالتعب و كم يتوق لنيل قسط من الراحة..
و كم يشتاق لزوجته.. حبيبته..
و على سيرة زوجته لاعبت أصابعه أطراف الكيس الذهبي و الخاص بالهدايا الذي يحمله بيده..
متمنيا أن يسعدها و لو قليلاً .. متذكرا جلستها ببيت تمام حاملة لطفلته وقتها قرر أن يفعل شيئا ليسعدها و هداه عقله لتلك الهدية متمنيا من الله القبول..
" شيخ جاسم"
التفت مجفلا للنداء فالوقت أصبح متأخرا و لم يظن أنه سيجد أحدا مستيقظا.. و لكنه تفاجأ بها..
" زينب!! .. ماذا تفعلين خارجا في هذا الوقت؟.. "
لتجيبه الفتاة بخفوت متآمر أضحكه..
" كنت أنتظر عودتك "
ابتسم رغما عنه من طريقة إلقاء الصغيرة لكلامها..
" لماذا ؟.. ماذا هناك؟.."
والانتظار لهذا الوقت ليس له معنى إلا سيئا..
فيسألها بتوجس مضطرب..
" هل أبي و دلال بخير؟ "
أتم سؤاله و لم ينتظر الإجابة إذ بادر لمعرفتها بنفسه.. فتحرك ليدخل للبيت و لكن كلامها أوقفه..
" الجميع بخير.. و لكن "
و يعاجلها بفراغ صبر..
" لكن ماذا؟.. أخبريني "
" أنت أخبرتني بمراقبة الست دلال و إخبارك إن كان هناك شيئا.. "
سكت متطلعا إليها بجمود و كأنه لا يراها.. بينما عقله سرح به إلى العديد من السيناريوهات.. فيسألها بنفس الجمود..
" ماذا هناك؟ "
طأطأت رأسها بخزي مما ستقوله و أنها ستُعرّض دلال لموقف كهذا بل و تعتبر أنها تخون ثقتها.. و لكنها حقا خائفة عليها..
" المرأة الجديدة التي حضرت للعمل هنا منذ شهور.. "
قطب ما بين حاجبيه بعدم فهم قائلا..
" ماذا بها ؟"
ترفع وجهها إليه قائلة بهمس..
" سمعتها اليوم تتحدث مع الست دلال و أخبرتها أنها لم تقصد و كما فهمت من الحديث الدائر بينهما و الذي كان يخص وصفة ما.. "
زادت حيرته للحظات سرعان ما زاره الإدراك مكررا كلمتها..
" وصفة!! "
لتجيبه الفتاة متابعة إسهابها..
" نعم يا شيخ.. و الخالة حُسنية أخبرتها أنها لم تقصد.. "
حسنا الآن أصبح شكه يقينا..
" و ماذا أيضاً؟ "
لاعبت الفتاة بأطراف أصابعها قماش فستانها بتوتر .. ثم تابعت..
" أخبرتها الست دلال ألا تلجأ للعطار لحاجة تستدعي تدخلا طبيا "
زفر براحة لا يتخيلها.. و داخله يشعر بقليل من الطمأنينة.. فمن الواضح أن زوجته تعلمت درسها جيداً..
سأل الشيخ بثبات.. و عن قصد..
" و ماذا فعلت حسنية؟"
لتجيبه الفتاة سريعا..
" بكت بشدة و طلبت منها ألا تُخبرك حتى لا ينقطع عملها هنا "
سكت يستدرك ما سمعه.. و بعد لحظات قال منهيا الكلام..
" حسنا يا زينب.. راقبي تلك المرأة و إن شعرتِ بأي شيء تجاهها أخبريني "
ثم التفت مُتحركا .. و لكنها أوقفته قائلة..
" يا شيخ "
التفت لها ثانية دون كلام.. فتابعت الفتاة قائلة بنبرة لم تخلو من التوسل..
" أنت.. لن تخبر الست دلال أني أخبرتك.. أليس كذلك "
ابتسم لها ثم ربت على رأسها بأبوة حنونة..
" لن أخبرها .. كما أريد أن أخبرك أنتِ أمراً مهما يا زينب.. "
أومأت الفتاة دون كلام.. فتابع الشيخ..
" أنا طلبت منك إبلاغي إن رأيتِ شيئاً غريباً.. و أن تتابعي تصرفات دلال ليس عيبا فيها أو قلة ثقة بها.. و إنما حماية لها يا زينب.. "
أومأت الفتاة برأسها ثانية فتابع الشيخ..
" خوفا عليها فلن أحتمل أن يُصيبها مكروهاً مرة أخرى "
اومأت الفتاة مبتسمة شاكرة له .. فلن تتحمل نظرة ازدراء تجاهها من زوجة الشيخ أو أن تتغير معاملتها معها..