الفصل التاسع عشر 🍒🎶

1.4K 67 8
                                    

الفصل التاسع عشر

" أنرت مجلسنا يا قاسم "
قالها الشيخ عثمان بحكمته التي استشعرت تأخر قاسم في البوح..
" أكثر الله فضلك يا شيخنا.. "
فيباغته جاسم بالسؤال..
" قاسم.. هل أنت متأكد مما تريد فعله "
" كل التأكيد يا جاسم لا تقلق.. إرسل وهات والدها..
واترك هذا الأمر لي "
نظر له جاسم قليلا قبل أن يستقيم من مكانه مناديا لأحد حراسه..
وأمره أن ينادي والد تسنيم الذي حضر للمجلس بعد عدة دقائق..
خطى الرجل لداخل المجلس متوجسا من هذا الطلب.. أو الاستدعاء العاجل كما أخبره الحارس..
نطق الرجل بخفوت متوجها بالحديث للشيخ جاسم..
" أمرك يا شيخ.. أرسلت باستدعائي "
ناظره جاسم بهيبته ثم أمره قائلا..
" تفضل بالجلوس يا أبا تسنيم فهناك أمر هام نرغب بالحديث به معك "
توجس الرجل مقلبا نظراته بين ثلاثة أزواج من العيون يعلم هوية اثنين منهما أما الثالث لا يعرفه.. وهذا ما زاد تعجبه..
ولكن بالنهاية جلس بعدم أريحية.. ثم قال..
" أمرك يا شيخ.. أرجو أن يكون خيرا "
هز جاسم رأسه قائلا..
" خيرا بإذن الله.. هذا الشيخ قاسم اليماني "
ثم تابع بعد أن أشار لقاسم..
" من بلدة اليماني وابن الشيخ ابراهيم اليماني.. "
ثم أتم كلماته بدقة.. مشددا عليها..
" هو من يريدك وليس نحن.. "
ثم يزيد متمتما بغرض عافيا كليهما من الاحراج..
" وان أردت غادرنا الغرفة وترناكما سويا.. "
ولكن قاسم فاجئه..
" لا يا شيخ جاسم ..
ستكون أنت والشيخ عثمان حاضران لتكونا شاهدين على ما أقول.. "
ثم توجه بنظره للرجل الجالس متابعا دون أن يفهم شيء..
" دون الخوض بكلام لا طائل له..
أنا أرغب بطلب يد كريمتك يا أبا تسنيم "
يصاب الرجل بذهول متمتما بعدم فهم..
" تسنيم!!.. "
ليؤكد قاسم بهدوء.. وتروي..
" نعم تسنيم "
فيفاجئه الرجل قائلا بحدة لم يغفل عنها مما عزز موقفه عند قاسم ..
" ومن أين تعرفها وكيف.. ولماذا هي بالذات "
وبنفس الهدوء أجابه قاسم وابتسامة وقورة تزين شفتيه..
" أعرفها من مطبخ القرية.. "
ثم يتابع فخورا.. بها..
" ابنتك كانت خير عونا لك ولعائلتها.. "
ثم يتابع ملوحا بيده..
" لم تتقبل الإحسان من أي أحد وفضلت العمل كي لا تمد يدها لأحد.. "
ثم تضيف بقوة.. وثقة..
" هل فتاة بتلك المواصفات وما فعلته لا يقدم الرجل روحه قربانا لها.. "
يتفاجأ الرجل بالقوة الناطقة من بين حروف قاسم وتسمره قليلا قبل أن يتذكر حاله فيخاف أن يضعف موقف ابنته.. فيهتف متلعثما..
" ولكن.. أنا .. "
فيقاطعه قاسم قائلا بدون تردد..
" أعلم.. أعلم.. وصدقني لا يهمني..
واثباتا لكلامي دعني اخبرك امرا.. "
يسكت للحظات ثم يضيف بصوت رغم الرجفة به إلا أنه كان نابعا من قلبه متشبعا بصدقه.. وندمه..
" قد يكون ما سأقولك لك قد يكون سببا لرفضك لي..
ولكن لا آبه بذلك فتسنيم ستكون لي بالنهاية.. "
تطلع له الرجل بدهشة لم يعرها قاسم اهتمام وتابع..
" عرفت تسنيم في فترة كنت أقضيها هنا بالقرية.. ولسبب لا يقل عن سبب ما تفعله في أرض العمايرية.. "
لم يشعر بعيني جاسم اللتان تتسعان بإدراك لما سيبوح به قاسم الذي تابع..
" أخطأت مثلما أخطأت أنت.. "
ثم أضاف بصوت مهزوز..
" وخطا لا يغتفر.. ولكن حمدا لله كان الله رفيقا لي ولمن أذيتهم..
ما فعلته أنا يسيء لي .. وحقا أندم عليه أشد الندم.. "
ثم تابع بصوت أجش.. مستشعراً فضل الله عليه..
" ولكن الله.. صاحب التدبير كان له حكمة في خطأي.. "
ثم اضاف مختصرا..
" ليس بالمهم أن تعلمها.. "
وتابع والندم يشكل صوته..
" ما أريد قوله هو أن هناك من دفع ثمن خطأي..
كما دفعت تسنيم وعائلتك.. "
ثم اضاف صادقا.. وقلبه ينبض بتذبذب مستعينا بذكرها..
" تسنيم لا تستحق ما يحدث وما تعيشه..
ولذلك أنا أرغب في الزواج منها لأعوضها وأجعلها أمام الناس جميعا امرأة معززة مكرمة لن يسيء إليها أحد.. "
ثم أضاف بقوة وإصرار..
" وهذا ما سأفعله وما سأحارب لفعله "
فيرتاب الرجل قليلا ويسأل قاسم مستفسرا..
" ماذا تقصد "
يجيبه قاسم بهدء مريب.. وثقة مغيظة للجالسين..
" أقصد أني لن أسمح لأحد بأذيتها.. حتى وإن كان أنت "
ليأتي النّهْر تلك المرة من جاسم..
" قاااسم.. "
فيجيب فاسم بقسوة.. متجاهلا هوية الجالسين.. مدافعا عن حق له مرهون برجل جالس أمامه.. هذا الأمر بالذات زاد غضبه.. فلن يجرؤ كائنا من كان على رهن كون تسنيم له بأي شيء مهما كان..
" عذراً يا شيخ ولكن هذا بالفعل ما سأفعله.. "
فيتكلم الشيخ عثمان لأول مرة منذ بدأت تلك الجلسة مستشعرا المرحلة التي وصل لها قاسم..
" حسنا ولكن بالعقل يا ولدي.. "
يزفر قاسم أنفاسه متوترا.. مستغفرا.. ثم معتذرا للرجال.. ثم يتابع حديثه لوالد تسنيم..
" أبا تسنيم أولاً كان لدي عرض لك "
فيسأله الرجل مدرجا أي هيبة يمتلكها الشاب الجالس أمامه
" وما هو "
فيجيبه قاسم بصوت جامد.. وملامح غير مقروءة.. قائلا عرضه دفعة واحدة..
" نصيب أولاد أخاك المتوفي والذي تقضي بسببه عقوبتك بأرض العمايرية ..
سأشتريه أنا و لكن بإسم تسنيم بعد عقد قراني عليها..
وبنفس الجلسة ستتنازل تسنيم عن نصيبها هذا لأولاد عمها وسيكون ضعف نصيبهم مهر تسنيم مني..
وبهذا تكون تسنيم هي من رد مال عمها لأولاده وزوجته وبالتالي تستطيع رفع رأسها بين الناس.. "
كان الرجل يناظره بذهول مستشعرا حجم الأموال التي سيتكبد دفعها..
فيسأله ومازال الذهول يخط صوته وملامحه..
" وماذا ستكسب أنت من كل هذا الدوران.. "
فيجيبه قاسم ببديهية.. وبساطة..
" سأكسب رفعة رأسها وعزتها بين الناس وهذا ما أنا مستعد لفعله حتى لو دفعت روحي فداء له "
فيكتم الرجل انفاسه كابتا غيرته على ابنته من حب هذا الشاب لها..
حب بتلك القوة وهذا الاصرار بالتأكيد سكن وجدان طفلته..
" ألتلك الدرجة "
همسها والد تسنيم بصوت مبحوح متأثرا تلك العاطفة داخل الجالس أمامه.. فيجيبه قاسم قاطعا..
" وأكثر "
يعم السكون فجأة وكأن الغرفة فرغت من جالسيها.. فلقد أصبحت جميع الأوراق مكشوفة.. هناك عرض..
وحق..
ورجل عاشق كما هو واضح لن يتنازل عن حقه.. بل يدافع عنه بكل حمائية..
فتعلو ابتسامة صغيرة شفتي والد تسنيم.. مدرجا أي حال سيصل له هذا الشاب إذا لم يحصل على ما يريده..
ابتسامة اخرى زرعت داخله.. ولكن تلك المرة ابتسامة حنين لأسرة تركهم خلفه بتجبر مستعينا بلحظة ضعف طمع فيها بمال أيتام اخيه متمسكا بكونه الأكبر.. ليستطيع الحصول بكل شيء..
متناسيا الله في لحظته تلك..
متناسيا زوجة وأولاد له..
متناسيا أيتام ومال اليتيم أكله حرام.. مال اليتم من نار يكوي الحشا..
ولكن كل هذا تماساه في لحظة زينها الشيطان وكان هو ضحية تلك اللحظة ليس أسرته.. او أسرة أخيه..
ويشهد الله كم ندم على ما فعله.. كما استحق كل تلك الفترة التي قضاها كعامل في ارض العمايرية مسلوبا كل أراضيه لتكون تحت إمرة شيخها الذي لا يتنازل أو يتهاون في حق من حقوق الله..
فاستجمع الرجل كيانه.. قائلا..
" وتظن أنك تستطيع شراء ابنتي بهذا العرض "
فيجيبه قاسم متملكا كل احترام الرجل له للمرة التي لا يعلم عددها خلال جلسة واحدة..
" هذا عرض لك أنت ليس لتسنيم..
تسنيم لو وُزِنت بكنوز الأرض ففي نظري ستميل كفتها.. "
سكت الرجل ولم يغفل عن الجالسين تأثر والد تسنيم بما قاله قاسم..
فقال بصوت متحرج..
" أنت تقول هذا يا ولدي وأنت لا تعرفها سوى من وقت قريب..
و هذا واجبي كوالدها "
ثم التفت برأسه للشيخ جاسم والشيخ عثمان اللذان يتابعان الحديث دون التدخل..
" شيخ جاسم.. لقد أخذت مني أرضي لأني جرت على حق أولاد اخي اليتامى وزوجته..
وأنا الآن أرغب في رد حقهم وأزيد.. وما ستحكم به أنت والشيخ عثمان
سأفعله .. "
ثم يلتفت لقاسم متابعا حديثه..
" وأنت يا ولدي سأدع ما تريد فعله لتسنيم لك أنت وحدك وتقديرك.. فأنا لن أأتمن سواك عليها.. "
سكت الرجل ينظر للجميع.. مناظرا إجابه على كلامه..
فنطق جاسم أخيراً..
" إذا كان هذا هو الحال.. فسيكون رجوع حق أولاد اخيك بموجب ورق وسيتم التحفظ به هنا بخزينة المجلس..
أما زواج تسنيم وقاسم.. "
سكت قاصدا ناظرا لوالده الذي إلتقط منه طرف الخيط.. فقال الشيخ عثمان ببشاشة حكيمة.. وهيبة تزداد مع شيب شعره..
" فأنا يا أبا تسنيم أطلب منك يد ابنتك لولدي قاسم "
تهللت ملامح الرجل بفرحة غامرة فمن هو العاقل القادر على رفض طلب لشيخ العمايرية.. فقال الرجل فرحا.. مدركا عظم أن يطلب الشيخ عثمان بنفسه طلب لهذا الشاب فإن دل هذا على شيء سيدل على مكانة عذا الشاب لديه..
" يا شيخ ابنتي ابنتكم.. ولن أجرؤ على رد طلب لك ولمن تبعك.. "
ثم إلتفت لقاسم متابعا حديثه..
وأنا الآن زاد اطمئناني لقاسم وإدراكي أنه سيصون ابنتي "
قال قاسم بصوت يكاد يهلل فرحا..
" حسنا يا شيخ فإذا كان هذا الحديث فأنا سأقيم لتسنيم زفاف كما تحكي عاداتنا القديمة..
وخلال يومين سآتي لك بوالدي ورجال العائلة لنزورك "
فيعود الخوف متملكا من الرجل مدركا في أي حال هو.. سأل الرجل بغير فهم.. فلن ينسى أنه أجير تحت العقاب في أرض العمايرية..
" تزوروني .. أين؟!.. "
فلبى جاسم الإجابة دون تأخير..
" من الان تستطيع العودة لبيتك.. وليس هذا فقط.. "
سكت للحظة ثم يتابع مبتسما بثقة رجل قادر على رد الحق في اوي وقت كان..
" ستستحم وسيجلب لك الحارس ملابس نظيفة. وستعود لبيتك بصحبتي..
إكراما لقرارك وتسنيم ولقاسم.. "
تهللت ملامح الرجل فرحا.. بل وأدمعت عيناه تأثرا مُدركا معنى أن يصحبه الشيخ جاسم العمايري شيخ قبيلة العمايرية بنفسه لبيته..
معنى ذلك واضح وضوح الشمس..
وهو أنه أخيراً حر..
أنه أخيراً يستطيع رفع رأسه بين الناس..
" وأنا سأكون معك يا جاسم.. سأطمئن على وصوله بيته بنفسي.. "
وتلك الاضافة كانت من قاسم الذي لا يفوت فرصة تُرد فيها حق الرجل.. وبالتالي تُرد فيها كرامة تسنيم..
ثم يضيف قاسم مؤكدا..
" وبعدها سأعود لبلدتي وخلال يومين سأكون هنا لطلب تسنيم في بيتها..
وسيكون عقد القران في نفس اليوم يا أبا تسنيم فتحضر مأذونا وإلا
أحضرت مأذون بلدتنا معنا "
يضحك الرجل بخفة متأثرا بما يحدث وما يُقال ثم أومأ قائلا بترحيب..
" البيت بيتك يا ولدي "
وبعد ساعة من الوقت كانت السيارة الكبيرة ذات الدفع الرباعي والخاصة بجاسم تصف أمام بيت تسنيم التي خرجت بصحبة والدتها التي لم تكف عن إطلاق الزغاريد..
وتسنيم لا تكف عن ردع عيناها عن البكاء..
وبلحظة كانت الأعين في اتصال مذهول من جهتها..
مُطمئن من جهته..
قادر على بث الأمان الذي تحتاجه من مجرد نظرة..
ولكن التساؤلات الكثيرة التي ترسم ملامحها جعلت ابتسامة صغيرة تعتلي شفتيه مُدركا ماهية تلك الأسئلة..
أغمض عيناه بحركة بسيطة ثم إيماءة من رأسه جعلتها تدرك معنى حركته والتي تتلخص بكلمتين..
( لا تقلقي )
راقبته يركب سيارته تصاحبه الأعيرة النارية التي تخرج من أسلحة حُراس الشيخ والمصاحبة لوصول والدها..
شيعت مغادرة قاسم بعينين تعجزان عن شكره
وقلب لا يدرك كيف له أن يحبه أكثر..
دقيقة وأخرى وانتفضت على اهتزاز هاتفها مُعلنا عن وصول رسالة محبة..
ووعد نُطق وسينفذ..
" يومين.. يومين فقط يا صانعة الشطائر وتكونين لي "

قلب بين شقيّ رحى ج٣ من سلسلة والعمر يحكي بقلمي راندا عادل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن