الفصل التاسع والعشرون 🍒🎶

1.1K 61 19
                                    


الفصل التاسع و العشرون

عند منتصف الليل
في قرية اليماني
تنظر إلى هاتفها الذي يضيء باسمه على غير العادة
بالتأكيد يرغب في الاطمئنان عليها بعد انتهاء اليوم و لم تتمكن من مهاتفته.. و لم يهاتفها هو لعلمه أنها منشغلة كما أخبرها في بداية اليوم ..
نظرت مرة أخرى إلى الاسم و عقلها يعيد و يكرر كلام العجوز..
متسائلة هل من الممكن أن يكون لها نصيب في حملٍ بعد أن تقوم بما نوت؟..
أيعقل أن ما يفرق بينها و بين حِلمها مجرد ساعات تقضيها في المقابر؟..
و السؤال الأفظع هل ستتمكن من فعلها حقاً؟!
و هنا الشيطان يتمكن منها مُسهلا الأمور..
( بالتأكيد هناك أنوار..
و لو لم يكن.. من الممكن أن تأخذ أي وسيلة إضاءة)
" لا لا.. مستحيل "
هتفتها بجذع أثناء وقوفها من مكانها تدور و تدور حول نفسها بغير راحة..
و عقلها لا ينفك يغلي من التفكير..
عقلها.. لا ليس عقلها بل شيطانها..
شيطانها يوسوس لها..
( لماذا لا تحكمين بنفسك؟)
( ماذا سيحدث؟.. فأنت لن تتناولين شيئا يؤذيك)
و أسوأ ما تفكر به في هذه اللحظة هو جاسم..
جاسم الذي مازال يهاتفها و هي مرتعبة من الرد عليه..
لو أجابته لن تتمكن من تنفيذ ما ترغبه و قد تأخر الوقت..
و لن تقوى على تنفيذ ما تخطط له في الغد أو أي يوم آخر فجاسم من المؤكد أنه سيصل غدا كما أخبرها ..
و لو حدث حقاً فلن تتمكن من التنفيذ.. إذا ليس أمامها سوى الليلة..
الليلة فقط..
و الليلة بالتأكيد ستمر على خير..
هي بالفعل قامت بزيارة المقابر عدة مرات.. صحيح أن ذلك كان نهارا و بصحبة والدتها.. و كان الأمر لا يثير خوفها..
لكن أن تفعل ذلك ليلا فتلك تجربة لم تخضها يوما..
تنفست بعمق مغمضة عينيها للحظات تمد نفسها بالقوة تُمني روحها بأنها مجرد ساعات.. ساعات فقط و ستمر..
ساعات فقط و لن يعلم بأمرها أحد..
و جاسم بكل تأكيد سيصل غدا فستحاول العودة بمجرد بزوغ الفجر..
و لكن قبل أن تتحرك أمسكت هاتفها تطالع الإسم للمرة الأخيرة قبل أن تغلقه تماماً.. و لسان حالها يقول..
" بالتأكيد سيظن أن شحنه قد انتهى.. و في الصباح سأحدثه "
مخطئة هي.. فلو كانت أجابته لعلمت أن جريمتها سيكون هو الشاهد الثاني عليها..
كانت تتسحب بهدوء مناقض للخوف الذي يملأها
ليس خوفا طبيعيا و لكنه خوف يصل لدرجة الهلع..
لن تتخيل أنها قد تقضي ليلتها حقا وسط المقابر..
أين كان عقلها وقت أن فكرت في تلك الخرافة
العجوز نفسها قالت خرافات لماذا إذا تفعلها..
و لكن شيطانها يعود و يوسوس لها..
و ماذا سيضرها إن فعلت مادامت لن تتناول شيئا يؤذيها..
وينحصر التفكير بغباء مقارنا بين فعل ماض أذاها وبين فعل حاضر لن يؤذيها وكأن الأذى فقط ينحصر في تناولها للأشياء الغريبة..
فعقلها لا يسعفها بما من الممكن أن تخوضه أثناء تجربتها القادمة..
وصلت لأسفل منزل والدها
غافلة عن رنين صدح في أحد الغرف الجانبية..

***

و بالغرفة الجانبية كان الرنين يعلو حتى استيقظت النائمة بجوار الهاتف..
تأوهت بنعاس تشربه كامل جسدها بعد إرهاقها طوال اليوم في عقيقة ابن الشيخ قاسم ..
أمسكت هاتفها بكسل و حين لمحت اسم الشيخ جاسم على شاشة الهاتف انتفضت مكانها و سرعان ما بدأت المكالمة ليصلها صوت جاسم القلق و المتوتر..
" زينب.. أعلم أن الوقت متأخر و لكن هل يمكنك الوصول لدلال.. أهاتفها و لا تجيب و فجأة أُغلق الهاتف "
تنتفض من مكانها ملبية أمر الشيخ..
" أمرك يا شيخ سأصعد لأراها "
تنظر في الساعة المُعلقة على الجدار لتجدها قد تخطت منتصف الليل فتتعجب من هذا الاتصال المريب متسائلة في نفسها إذا كان به شيء.. أو بدلال نفسها شيء..
و الإجابة مبهمة حتى نطقت..
" هل هناك شيء يا شيخ؟.. "
تسمع صوت زمار سيارة قبل أن يصلها صوته قائلا..
" كنت سأخبرها أني على وشك الوصول.. "
فيبتهج صوتها قائلة أثناء وصولها لصالة البيت.. 
" حقا.. ستسعد كثـ.. ست دلال "
و كلماتها الأخيرة كانت نداء لخيال غادر باب البيت و لكن لحظها العاثر لم تسمعها..
" ماذا هناك؟.. "
وتساؤل جاسم أربك الصغيرة لتتلجلج قائلة..
" اا "
فيسألها مكررا بقوة..
" ماذا هناك يا زينب؟.. "
تزدرد ريقها برعب لا تعلم له مبررا..
" لـ.. لقد رأيت الست دلال تخرج من البيت "
فيعيد كلامها ذاهلا..
" تخرج.. الآن.."
ران الصمت على الطرفين قطعه جاسم قائلا..
" حسنا اتبعيها يا زينب فقد يكون بها شيء.. "
تسحب حجابها سريعا من الغرفة ثم تغادر المنزل و هي تقول..
" حسنا فلتغلق و سأذهب إليها "
و لكن الإجابة القاطعة منه وصلتها..
" لا.. لا يا زينب فلتتبعيها و أنا سأظل على اتصالي.. "
****
جاسم!!
جال بخاطرها أثناء تخطيها لباب المنزل الخلفي و البعيد كل البعد عن وقوف الحراس..
و كأن الزمان يعيد نفسه..
فبيت غير البيت
و أناس غير الناس..
و كأن نتيجة الأفعال لم تترك أثرها على حياتها و نفسها..
و كأن كل أمورها لم تتذبذب بسبب لحظة غباء مثل هذه اللحظة التي تعيشها..
و لكن ها هي نظرية كون نفس الإنسان أمارة بالسوء تثبت صدقها دوماً ..
لو فكرت و تخيلت ردة فعل زوجها لن يكون هناك فعل من الأساس.. 
و لن يكون هناك رد إذاً..
لو فكرت ولو لحظة في حرمانية ما تفعل من عدمها ستعلم أي الطريق تمشي..
ولكن هذا هو دور الشيطان..
يلغي تفكير العقل
يوسوس..
يزين..
فينجّر ضعيف الإيمان لقصور ليست سوى قصور من رمال..

قلب بين شقيّ رحى ج٣ من سلسلة والعمر يحكي بقلمي راندا عادل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن