الفصل الخامس 🍒🎶

2.1K 81 18
                                    

الفصل الخامس

عودة لأرض الوطن..

كانت تقف في شرفة الغرفة التي حجزاها في هذا النُزل..
تطالع المكان من حولها ببهجة تستمدها من الألوان المتناثرة ..
كل شيء مُلون.. كل شيء يشع بهجة..
حتى رائحة الجو من حولها.. مشبعة برائحة النيل الذي تسمع هديره من مكانها هنا.. وعيناها تطالعان سطح ماء نهر النيل أمامها والمراكب الشراعية تطفو بدلال مع أمواج مياهه الخفيفة..
.. هذا المكان قادر على إحياء كل شيء..
حين سألت جاسم عن المكان لم تتخيل في أقصى تخيلاتها أن يأتي بها للـ(النوبة) بصعيد مصر ..
أرض الذهب كما يُطلق عليها..
وهذه القرية وكأنها جنة الله في الأرض حقا..
( قرية غرب سهيل)
قرية تقع فوق سفح رملي غرب النيل
كل ما فيها ينطق بالحياة.. ينبض وكأنه قلب يوزع نبضاته لكل جزء ليحيى..
شعرت بذراعيه تحتضنانها من الخلف.. فلفت بين ذراعيه تواجهه.. تهتف بانبهار..
" المكان رائع.. كيف توصلت إليه؟"
مال مقبلا شفتيها الضاحكتين.. وقال..
" قرأت عنه كثيرا.. وحين رأيت صورا تخصه.. أحببت أن أراه..وها أنا أراه بصحبتك.. ليزيد جماله جمالا "
أشرقت ملامحها بعشق نابض.. صارخ..
فمالت لشفتيه تقبله بنعومة.. فيقابلها بتملك مجنون..
وحين ابتعدت عنه تجيب كلماته..
" أي مكان أكون معك فيه يصبح.. جميلا "
أشرقت ملامحه هو الآخر.. ثم قال..
" ما رأيك أن نستريح عدة ساعات ونخرج ليلا نتمشى في القرية؟ "
هزت رأسها نافية ثم قالت..
" أي راحة.. الراحة تتحقق ونحن نشاهد هذا الجمال الخلاب بالخارج "
إبتسم لكلامها.. ثم أجابها مُصدقا على حديثها..
" معك حق.. هيا بنا "
وبالفعل حين نزلا لصدر النزل استقبلها العاملون بالمشروبات النوبية كالكركديه.. وعصير الدوم..
كانت تنظر حولها بانبهار لا يخفت.. ترى الأصالة بأم عينيها..
جمال وإبداع الخالق ومن بعده إبداع هؤلاء البشر..
من تلوين للبيوت.. وتصميمها ببساطة لتنطق براعة..
من إشراق متأصل في وجوه أهالي المكان والعاملين..
كل شيء ينبض حياة..
الألوان من حولها تجعلها تشعر بالبهجة.. بالرغبة والتهليل والقفز لأعلى في صحوة طفولية..
تمشي بجوار زوجها الذي يمشي وقورا بجلبابه وعباءته اللتان تزيدانه هيبة فوق هيبته..
يمشيان بين الطرقات الرملية التي تربط دواخل و خوارج القرية ببعضها..
يشاهدان الباعة الجالسين في كل ركن يعرضون ما تنتجه أياديهم.. من ملابس يدوية.. طواقٍ ملونة.. مشغولات ومصوغات فضية بأشكال فرعونية وأحجار كريمة.. فيشتري لها كل ما تقع عيناها عليه..
حتى أنه اشترى لها فستانا نوبيا.. يسمى ( الجرجار).. هذا الفستان  هو زي نسائي نوبي..من التراث النوبي  وتتميز به فتيات النوبة.. ويعبر عن هويتهن وأصالتهن ويعتبر بالنسبة لهن اعتياداً على الاحتشام منذ الصغر في إطاره..
والجرجار بفتح «الجيم» ترتديه الفتيات فوق الملابس، وهو عبارة عن ثوب من التل الخفيف..
وضعته على جسدها فوق ملابسها.. تميل برأسها للأسفل تنظر إليه بلمعان.. وعينين فرحتين..
وبعد ساعة من المشي وصلا لأحد الأماكن المعروفة بتربية التماسيح.. يراها متشبثة بذراعه.. هاتفة بذعر..
" يا الهي أُنظر الى الرجل.. يمسك التمساح ويحتضنه وكأنه طفله "
يضحك جاسم بقوة.. ثم يقول من بين ضحكاته..
" إنهم فعلا يعتبرون تلك التماسيح  أولادهم.. لأنها مصدر رزق لهم.. يأتي السياح للتصوير معها وبجوارها.. "
فتتشبث بذراعه أكثر هاتفة وهي تتحرك وتشده إليها..
" هيا هيا.. لا أريد أن أرى .. ولا أريد أن أتصور لا ممسكة بها ولا بجوارها.. هيا "
فيشاكسها بالقول ضاحكا ..
" جبانة "
لتهتف بامتعاض مذعور..
" ليس مهم.. المهم أن أعيش "
فتزيد ضحكاته ابتهاجا.. ليتراقص قلبها على نبرات ضحكته..
أثناء عودتهما بعد انقضاء عدة ساعات..  وقبل أن يخيم الغروب عليهما.. فتضيء القرية بأنوار كالنجوم..
مرا أثناء عودتهما للنزل بمكان تجمع نسائي.. خاص برسم الحناء النوبية برسوماتها المميزة..
فتوقفه قائلة برجاء..
" جاسم أريد أن أرسم الحناء "
فيهادنها جاسم بالقول..
"  تأخر الوقت .. هيا وسآتي بك غدا "
ولكنها تنظر له ببراءة طفلة.. ولؤم عاشقة حد النخاع..
" أرجوك حبيبي.. لن أتأخر.. أعدك "
ولم تترك له فرصة للاعتراض تسارع بخطواتها  .. فيقف يراقبها بتحفز.. بتملك.. ببلاهة عاشق..
لا يهم تلك المسميات الغبية.. الأهم أنه لا يريدها أن تغيب عن ناظريه..
يراها تميل لتحدث المرأة.. ثم يراقب إشراق ملامح المرأة بابتسامة حلوة كحلاوة المكان.. ثم يرى المرأة تستقيم من مكانها.. لتتجه ناحية مكان ما ودلال بصحبتها وقبل أن تتوارى عن عينيه تلتفت لتعطيه أجمل إبتسامة يموت فداءً لأن تبقى..
أما هو.. فيقف مكانه بعقل متعلق..
وقلب سلم مقاليده لتلك الساحرة التي غابت عن عينيه كليةً..
ثم بعد نصف ساعة أو أكثر قليلا.. رآها تخرج من المكان بوجه مشرق الملامح.. تلمع عينيها بنصر لا يعلم سره ..
وحين اقتربت منه.. كانت عيناه لا إراديا تنظران ليديها ولكنه تساءل بعدم فهم..
" يداك فارغتين .. ألم ترسمي عليهما؟"
فتناظره بشقاوة.. تنفي..
" لا.. لم أرسم عليهما "
مازال على عدم فهمه متسائلا..
" وأين رسمت؟ِ "
فتزداد شقاوتها وهي تقول..
" حينما نصل للنزل.. سأخبرك "
يقطب ما بين حاجبيه بريب.. ولكنها لم تدعه يغرق بتفكيره كثيرا.. فلقد استلمت أذنيه تتحدث عن كل شيء.. وتتساءل عن أي شيء..
بعد ساعة من الوقت قاما فيها بتناول الغداء النوبي.. المكون من أكلات شعبية كـ الإتر.. الكابد.. الويكه .. الجاكريد.. فتة الطماطم و الكاشيد..
دخل النزل بعد أن فتح الباب وأدخلها.. يراقبها تذهب لحقيبة ملابسها.. فتختار منها شيئا ما.. ثم تخبئه أثناء تحركها.. يناظرها بارتياب لا يسيطر عليه وهي تقول ..
" سأنال حماما دافئا يبدد إرهاق تلك الساعات الماضية "
يخلع عباءته.. واضعا إياها على ظهر كرسي قريب من الفراش.. ثم يجلس على الفراش في إنتظارها..
وبعد خمس عشرة دقيقة كانت تخرج له .. مُشرقة.. ناعمة..
حلوة كحلاوة قطعة شكولاتة ملفوفة بورق ذهبي اللون يشبه قميص نومها الذهبي بحواف مزخرفة..
قصير يصل طوله لمنتصف فخذيها كما هو واضح من طرفي مأزره الذي يخفي صدر القميص.. ويخفي كتفيها..
وقف مبهوتا لتلك الشكولاتة الملفوفة بعناية.. فيقترب منها بغير وعي..
وكأن قدميه تسوقانه لمكانها..
فتبتسم له متسائلة..
" ألا تريد معرفة أين رسم الحناء؟ "
يومئ لها بغير كلام.. وأنفاس متحشرجة.. يراقبها تفتح طرفي المأزر.. فيقف منبهرا.. عاشقا.. ذائبا..
لتخرج كلماته مبحوحة.. وعيناه تناظران الرسمة الموجودة فوق قلبها..
" ما.. هذا ؟؟"
فتقترب هي تلك الخطوة المتبقية الفاصلة بينهما.. ثم ترفع سبابتها تجاه الرسمة.. تحدد حدود قلب مرسوم وتقول أثناء حركة إصبعها..
" هذا.. قلبي "
ثم يتحرك إصبعها لداخل القلب متابعا توجيهه.. وتقول..
" وهذا.. إسمك "
وتضيف بعينين تلمعان..
" داخل.. قلبي "
تراقب عينيه تغيمان وتنطقان بما يريد فعله الآن..
ثم يتحرك إصبعها لحدود القلب مرة أخرى ليرسم بحركات وهمية فوق ورود صغيرة تنبت من حدود القلب لخارجه.. وتقول هي موضحة..
" وتلك الورود "
ثم تسكت للحظة متعمدة..  وتتابع.. 
" أزهرت من قلبي.. بعد وجودك أنت فيه "
تركت إصبعها ينساب بعيدا عن الرسمة.. ثم تسأله هامسة..
" أتتذكر الورود؟! "
يغمض عينيه بتذكر.. وهل ينسى؟!.. ثم يفتح عينيه ويرفع هو سبابته تلك المرة  .. يمررها على تلك الزهور الصغيرة.. وكلماته لها تأتيه من ذاكرته.. ليرددها لسانه..
" تلك الوردات الصغيرات ..
" الناعمة والراقدة بتكاسل مغوٍ فوق قلبك..
" تشعرني أنها أزهرت من قلبك .. وكأنها تخصه بالأرض الخصبة التي تزهر الورود من حولها "
وحينما سكت.. رفعت كلتا يديها تفردهما قائلة..
" أنتَ أرضي.. سكني وسكناي.. "
يحتويها بكل جسدها بين ذراعيه.. هامسا أمام شفتيها..
" وأنتِ ضعفي وقوتي.. ليني وقسوتي.. قراري وإقراري الذي لم أندم عليه يوما.. "
ثم يقتنص شفتيها متابعا.. من بين قبلاته..
" ساحرة.. صغيرة.. مغوية.. أذابت حنين السنوات.. وكأن تلك السنوات لم تمر.. بل جئت أنتِ لتحوليني لمراهق.. غر.. ذائب من نظرة .. محموم من لمسة.. "
يحملها بين ذراعيه ويتجه بها للفراش.. ينزل بوجهه ناحية الرسمة فوق قلبها.. يعيد رسمها بشفتيه.. وكأنه يرسم حياته هو .. وأيامها معه..
ثم يرفع وجهه إليها.. متذكرا.. متسائلا بقسوة عاشق..
"  كشفت كل كتفك أمام المرأة حتى ترسم تلك الرسمة "
تملس بأصابعها على لحيته بحركة تجعله يذوب.. ولكنه زاد في ضغط ذراعيه حولها مما جعلها تتأوه بنعومة ..
" إنها امرأة.. ولم يكن بالمكان أحد غيرنا.. أردتُ مفاجأتك "
يزيد اعتصارها بين ذراعيه مما جعلها تتأوه تعض على شفتها السفلى ثم توبخه بإغواء..
" ااه جاسم.. ستكسر عظامي "
يضعها على الفراش ثم يميل بوجهه مبتلعا تأوهها بين شفتيه.. هامسا بوعيد المحبين..
" سأكسر عظامك عظمة عظمة .. ثم أعيد تجبيرها عقابا لكِ حتى لا تنكشفي على أحد مرة أخرى.. حتى لو كان هذا الأحد هو امرأة " 
لتضحك بدلال..
مقتربة منه لتهمس أمام شفتيه هو تلك المرة..
" قاسٍ غيور.. وأذوب بك عشقا  "
وهنا.. 
لم يكن هناك مجال لأي كلام.. فالكلام لم يعد منطقا في حالتهما.. وإنما الأفعال هي المنطق الوحيد الذي يحكمهما في تلك اللحظة..

قلب بين شقيّ رحى ج٣ من سلسلة والعمر يحكي بقلمي راندا عادل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن