البريق الثامن عشر
دخل راشد غرفة رنوة فوجدها تحدق بسقف الغرفة بسكون تام وملامح بلا تعبير كالأموات .. للحظة قلق عليها فأغلق الباب بصوت عال لترمش بعينيها فاطمئن قليلا
عليه أن يتعامل مع هاجس أن قابليتها للانتحار موجودة وربما تصبح أعلى .. غاضب منها حد الرغبة في عدم رؤية وجهها ، ومشفق عليها حد الرغبة ألا يفارق وجهها البرئ عينيه !.. وعاشق لها حد إخفائها عن دنيا البشر
رسم وجهه الوقور ابتسامة هادئة مقترباً منها ليجلس على الكرسي الذي لم يفارقه من ليلة أمس متسائلا بهدوء
" كيف تشعرين الآن ؟ "
لم تنظر له وعيناها المنطفئة متجمدة على السقف ترى خيالات غريبة بصمت فتختفي ابتسامة راشد بخوف أن - تبتعد - بعد كل ما كان .. والخوف الأكبر أن - تتباعد - وإن معه كانت
كلمات أخيها كاللحن المعزوف نشازا على أوتار القلب تجعله يترنح في فضاء اللا هوية .. وما أصعب على رجل بمقامه أن يفقد هويته بعد علو
لكن نظرة لوجهها تربط على فؤاده أن لا بأس .. هويتك محفوظة في عيون هذه الأنثىوكل ما أراده اللحظة أن تنظر إليه ليتعرف على نفسه بأعماق عينيها فيمسك بيدها يناديها همساً متألماً
" رنوة "
طائفة في ذاك اللون الأبيض فوقها .. ترى فيه لون الموت لا الحياة .. ترى فيه كفناً وقبراً .. ولا تبصر فستان عروس وقبس نور
داخل دائرة تضيق عليها تترامى حولها قضبان الثلج فتذرف دموع الندم صمتاًينتبه راشد لدموعها وملامحها الضائعة فيعقد حاجبيه بألم ثم يمسحها قائلا برفق
" انظري إليّ رنوة .. هل تتألمين ؟ "
وسط تلك القضبان صوته الدافئ يكسر برودة الثلج فتنظر لعينيه كطوق نجاة أخير لتتحرر من الأسر.. لأنها ما عادت تملك إرادة ..
بإرادته هو ستهدم أسوار مدينتها وتبكي تحت المطر.. لعلها تتطهر من الذنب وتتلحف بعدها بأوشحة الستر
تحرك رأسها بضعف لتجيبه بمقاومة واهية
" لا .. أحسن لكن .. هناك بعض الألم بمعدتي "
تبسم لعينيها ببعض الراحة وهو يقبض على هويته المترنحة ، ويقسم أنها عمرٌ أهداه القدر أن يعيشه بعد العمر .. ويقسم أن حبها حياة ورغم التمنع ما كان منه مفر ..
ويقسم انه فيها بين عقله والجنون .. بين عقله والحماقة .. بين عقله والسعادة .. بين عقله وكل شيء يقول إنها مستحيلة .. وبالأمر الواقع وأمام الله ستكون وحدها الحليلة
يسيطر راشد على تلك اللهفة داخله ليرد
" ليس بمعدتكِ .. بل أسفل ظهركِ .. وأسفل بطنكِ قليلا أليس كذلك ؟ "
أنت تقرأ
ألماسة الفؤاد(مكتملة)
Romanceرواية بقلم المبدعة ساندي نور حقوق الملكية محفوظة للكاتبة ساندي نور..