الفصل الأول

22.5K 264 63
                                    


البريق الأول

أمام مائدة الطعام الطويلة بالبهو وقفت السيدة تحية رافع تمر بعينيها الصارمتين على الأطباق الموضوعة للإفطار ثم ترفع نظرها للنوافذ المفتوحة بدعوة لشمس الشتاء الباهتة أن تدخل المنزل الكبير
تتحرك بعباءتها الشرقية داكنة الزرقة على جسدها المتماسك المنتصب بقوة النساء في بلدتهم رغم سنوات عمرها لتنادي بصوتها السميك الجاد

" إيزارا "

بعد لحظات اقتربت فتاة إفريقية ذات بشرة سمراء ذهبية جميلة الملامح تقول بلغة عربية فصحى ضعيفة

" أمرك سيدة تحية "

أشارت تحية بسبابتها نحو إحدى النوافذ آمرة

" افتحي هذه النافذة .. كم مرة قلت لكِ أن تفتحي كل النوافذ مع بداية شروق الشمس ؟ "

تحركت إيزارا بقوامها الطويل تنفذ الأمر مسرعة فتشير تحية لطبق على المائدة قائلة بغير رضا

" وما هذا الطبق أمام فؤاد ؟!.. تعرفين أنه لا يأكل البيض عيوناً ناعما هكذا بل يحبه ممتزجا ناضجا تمام النضج "

أسرعت إيزارا للمائدة تحرك الطبق قليلا أمام الكرسي المجاور قائلة بارتباك

" هذا طبق الآنسة رنوة .. طبق السيد فؤاد سأحضره حالا "

نفخت تحية قائلة بحزم

" اصعدي وايقظي شهاب أولا .. منبه هاتفه يرن منذ الصباح ولا يسمعه "

اومأت برأسها مبتعدة باحترام لتصعد الدرج فيما اقتربت تحية من النافذة وظلت تنظر للحديقة الواسعة بالخارج .. ترفع عينيها السوداء المحاطة بالتجاعيد القاسية للسماء الغائمة فتتذكر أول يوم أحضرها راسل إلي هنا .. فرحتها بالمنزل الجديد بقلب العاصمة بدلا من دارهم الكبيرة في بلدهم .. كان يوما شتويا كاليوم ..
لا تعلم لمَ تشعر بحدس غريب هذه الأيام يخص فؤاد .. ازداد عنفا وجفاءا باردا أكثر من السابق
زفرت نفسا ضائقا ودون أن تدري رددت بهمس قاسٍ

" ما زرعته أنت ورفيع يا راسل .. سنجنيه جميعا من أشواك فؤاد .. عسى أن يخيب ظني "

ضربت أنفها رائحة البخور القوية من خلفها فاستدارت منزعجة الملامح مختنقة الأنفاس لترى البهو معبق بدخان رقيق واضح للنظر والمبخرة تدور وتدور مع تمتمات القرآن الحافظة
سعلت فجأة حتى احمر وجهها ثم هتفت بقوة

" يا نصرة .. كفى أصبتِنا بالاختناق منذ الصباح .. قلت لكِ من قبل لا تبخري البيت كله .. غرفة العمة بركة فقط كما تريد هى "

ظلت نصرة بملامحها المجعدة طاعنة السن تدور بالمبخرة في يدها ويدها الأخرى منقبضة على فمها تقرأ فيها بعض الآيات القرآنية ثم تمد ذراعها وتبسط يدها بوجه كل ركن من البهو
حتى صرخت تحية بغضب

ألماسة الفؤاد(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن