البريق الثالث عشر
وقفت فجر على باب معهد الموسيقى ترفع رأسها للسماء وهى تحدق بالدخان الأسود يحجب كل شيء عدا الدماء .. عدا الجثث التي تراصت أرضا
لا بشر يستوعب كل هذا الدمار .. آلام كل الأوطان تلخصت بهذه الصورة .. حرب إرهابية وضحايا ومزيد من الدماء
أحد المصابين المحترقين بالكامل مستلقيا جوار جدار الكنيسة يشير إليها مستنجدا فتركض فجر نحوه باكية بلا حساب ليطوق زايد خصرها يمنعها هاتفا
" لا فجر لقد مات .. مات "
يحاول السيطرة عليها وهى تبعده وتصرخ
" اتركني ما زال حيا .. اتركنـــي "
يوقفها زايد بقوة جسده يكاد يرفعها عن الأرض يجرها لتبتعد خوفا من قنابل أخرى وهى تهتف بغضب وبكاؤها يعلو
" أمثالك يريدون خراب كل شيء .. أنت جئت من الخارج لترى دمارنا وخوفنا .. اتركنـــي "
أبعدها زايد بالقوة بلا رد يحيطها تماما كي لا تندفع منه حتى ركن خلفي لمعهد الموسيقى وهى تشهق بعنف الكلمات المتحسرة
" لا تريدون سوى دماءنا .. فلتقتلوننا جميعا لكن لا تمزقوننا بموت مَن نحب "
بالفعل لحظة واحدة ولفظ ذلك الرجل أنفاسه الأخيرة فتعصر فجر عينيها بالدموع متذكرة موت والدها بثورة الخامس والعشرين من يناير وصوتها يعلو بحزن هستيري
" فلتغتصبوا الأرض والعرض وتحولوا أحلامنا جحيما .. لن تقدروا علينا .. لن تقدروا علينا .. هل تسمعني يا مَن وضعت القنابل ؟.. اعلم أنك هنا بمكان ما تشاهد بفرح وقلبك الحجر يتصلب أكثر "
بعض الأنظار تتجه إليها وهى تنهار بكاءا والجميع يهرع هنا وهنا فزعا وخوفا وزايد يمسك بكتفيها ينظر لوجهها الأحمر القوي قائلا
" اهدئي فجر أرجوكِ .. التصرف السليم الآن أن نغادر المكان حالا "
تنظر فجر إليه .. إلي أعماق عينيه فلا تجد دمعة واحدة .. قاسيا صلبا متماسكا
تعقد حاجبيها وهى تدرك اقترابه منها فتبتعد رافعة كفها لتبعده حين تقدم قائلة بأنفاس لاهثة
" كيف ستفهم هذا ؟.. إنها أيام تحرير سيناء .. عام بعد عام نظن أنه انتهى إرهابهم لكنهم يغسلون أدمغة جديدة .. يقبضون مالا ليدمروا .. في أعياد الشرطة والثورة وتحرير سيناء وكل ما يخص الوطن يقتلون ضحايا جديدة ليزرعوا القهر في القلوب .. لكننا لن نُذَل أبدا .. أبدا "
رغم سوء الوضع حولها إلا أنها تهدأ وتتماسك وعيناها تدور على الأجساد والاشلاء والمنظر الأسود الأحمر فتبدأ الدموع تسيل بهدوء وهى تشمخ بذقنها بالقول
" هل ترى هذه الجثث ؟.. إنها وقود الصمود لا التراجع كما يظنون .. مات أبي وظللت أنا واقفة .. وهنا .. مات الأب والأم والابن .. وسيظل الباقون صامدين .. واقفين على هذه الأرض "
أنت تقرأ
ألماسة الفؤاد(مكتملة)
Roman d'amourرواية بقلم المبدعة ساندي نور حقوق الملكية محفوظة للكاتبة ساندي نور..
