٣٢-«خَارِج الوَهَم»

456 44 33
                                    

هذه الجِراح لاتُشفى، وأن شُفيَتْ فأن أثرها باقٍ.
قالها ضياء في قرارة نفسه وهو ينظر ليداه المُضمدة التي جفت دماءها، ويشعُر بحرقة في ظهره للجروح الكثيرة فيه.

أعتقد ضياء إنـه في كابوس آخر عندما شعرَ بجماجم تُحيط بِه، عِظام صَلبة تحته، وهياكُل مُخيفة مُرعبة
حوله، أراد الصُراخ لكن صوته لم يخرُج، ظلَّ حبيسًا بصدره، صدره الذي يحترق.. وبات صامتًا.. بلا دُخان ولاشيء يُرى، أنفاس خافتة وقلب مُتعب.

الظلام يُحيط به، ولكن السماء فوقـه، مليئة بالنجوم والبدرُ كان يختبئ خلف الغيوم الكثيرة البيضاء بلون منطفئ. ورغم رائحة العفن الواضحة
شعور الدود والحشرات التي تصيب جسده بالحكة
وتلامس أصابعه المكشوفة من الضَماد، وتتحرك على وجهه، هو لم يُحرك عينيه من السماء.. وكأنه أصبح معزولاً بشكل كامل، عديم الأدراك، مسلوب الطاقة
لايعي حقًا إنه فقد والده، وأنه أطلق الرصاص حتى إنتهاءه يصيب بعشوائية هارون وقمر اللذان لم يتمكن اركان من نقلهما للسيارة حتى، لأنهما ماتا على الفور لتواجد أكثر من أربع رصاصات بأجسادهم.

تصويب عشوائي، كان مَردُهم فيه أمواتًا..

أراد ضياء أن يستوعب شيء، أن يذهب الفراغ من عقله
فكُل شيء حولـه صامتًا، مُرعبًا يجعله يعي ذلك
أن شيء ما خاطئ يحدث لكنه لايعرف ماهيتـه

«على شفا الموت، ويُحدق بالنجوم!»
صوت أركان وصل لمسامعه
لم يُبدِ ضياء أي رد فعل
ينظرُ لوجه أركان البعيد لكونه أعلى الحُفرة
ويشعر أنه غارق بعيدًا نحو الأسفل رغم أنه فوق العظام على منتصف الحفرة.

«تعال يا مارشميلو»
قال أركان، يدخل الحُفرة يحملُ ضياء بين ذراعيه
كان معطفه قد أصبح مليئًا بالغُبار والدود الذي لايزال يتحرك هناك بأريحية، بينما قميصه الاخضر كان مُبللًا لكثرة تعرق جسده.

«مارشميلو وحيد، يا للأسى»
ضحكات أركان هي كُل مايُسمع في أرجاء المكان
يسير حاملاً ضياء كما لو إنه بخفة ريشة رغم ثقل جسده، وذراعي ضياء ظلت حرة، تتدلى على جانبيه

كان يبدو مثل جثة، جثة صامتة وتتنفس
عيناه فارغتين، نظراته باردة، نبضات فؤاده خافتة
والفراغ ينهش عقله، وبدأ يُربك حواسـه.

بعد سير ليس بالطويل، أركان أدخل ضياء للمنزل
الكهرباء ليست موجودة، والبرد جعل جسد ضياء يرتعش عندما قام أركان بخلع معطفه يُمزق قميصه الأخضر، رابطًا أياه على كُرسي في المطبخ الذي لاينيره سوى ضوء القمر الذي خرج من خلف الغيوم.

لم تصدر أي مقاومة من ضياء، بل كان ينظرُ نحو السماء من باب المطبخ ونافذته بلا شعور يُحدق بالنجوم مُجددًا.

حُفرة الشَيطان.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن