حُفرة الشَيطان.

٣٦-«فَجـر»

ضياء:

الأحزان المنسية، والآلام التي تعتقد أنك تجاوزتها
ستظهر إليك فجأة، تُهاجم فؤادك وتحرق عيناك
مثل كابوس لن تتمكن من تجاوزه وتخطـيه.

عند عودتنا، وسيرنا بجانب بعضنا البعض
بأكتاف متلاصقة، وهبتني الدفء والأمان
شعرتُ بالخوف اللحظي، الخوف من غياب هذه اللحظة
من خسارة هذا الدفء، وفُقدان هذا الأمـان،  لأنني مُعتاد
مُعتاد على شعور الخسارات العظيمة، ونغزات القلب التي تخبرني بصحة شعوري وأحساسي، بأن شيء بشع سيحدُث..

لم يكُن الأمر تشاؤم بقدر ماهو أن قلبي تدرب على هذا الشعور وحفظه حتى أصبح راسخًا فيه، كما لو أنني أملُك حاسة سادسة تُريني الأحداث التي ستحصل مثل مشهد من فلم بسرعة، وبخطف البصر،  أرى كل شيء..

وأنا رأيت.. رأيت أنه سيحدث شيء ما
وأخسره
أو سيغيب

جورجينا أعدت الغداء، كان جدي ينوي أن يتصل بفاطمة لتأتي، فاطمة لطالما أعتبرتها وظننتها أختي،  لكن الآن هي أختـه،  أخت أدهم من غير أُم..

لكنها كذلك بالنسبة لي، لأنها رضعت معي
وأصبحنا أخوين.. كنت أفكر بكل رابطة وبكل تفصيل
منذ أن علمت بحقيقة عائلاتنا.. الامر مُربكًا.. لكنني تقبلته..

أردتُ الحديث مع أدهم بشأن عائلته التي هي عائلتي
أن أعرف تفاصيل أخرى جديدة،  شكل أبي وأمي..
حديثهما، صوتهما.. الفرق بين أدهم وبيني
هو إنه لايود التفكير بأي شيء يخص والده الحقيقي وعائلته، وأنا أحترق لذلك.

بشكل خاص بعد أن أخبرنا الجد عن كونهم عائلة ظريفة، ونقية، قلوبهم لاتعرف غير الله واللطف تجاه الآخرين
أخبرني بكرمهم رغم الفقر الذي كان يحيط بهم،  وحدثني حد الرغبة برؤيتهم،  كان مؤذيًا أن أدرك نهاية كل حديث أنني قتلتهم بيدي.. وسلبتهم وسلبتني حياة.

أريت بيانات الولادة لأدهم، وهو أستمر بالبكاء بشكل صامت، يخبئ وجهه بين كفيه،  وجدي يواسيه،  بينما أنا  الشخص الذي يبتسم ويتحدث بحماس لكونه أحب عائلته الجديدة، التي قتلها بيديه،  لم يلقِ إليه أهتمامًا أحدًا..

أو ربما أنا سوداوي فقط، وربما إنني أبالغ
وأعتدت على المقارنات،  وعندما علمت أنه ليس جدي، صرتُ أتخيل حوارات، وأفكار تخص أدهم لمفرده
وأنه من جديد ومرة أخرى، أنا لا أنتمي إليهم، أو هذا المكان.

حمدتُ الله في سري أنه نزار كان في الحظيرة،  هو أراد وبشدة رؤية الحيوانات، وكانت بعينيه لهفة لرؤية حصان حقيقي،  لو كان هنا معنا لأدرك حزني، وأنطفاء ملامحي رغم هذه الابتسامة، والشرود المصطنع..